الباحث القرآني
﴿ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً﴾ مَن أثْبَتَ أنَّ (لَوْ) تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً قَدَّرَهُ: ودُّوا كُفْرَكم كَما كَفَرُوا. ومَن جَعَلَ (لَوْ) حَرْفًا لِما كانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، جَعَلَ مَفْعُولَ ودُّوا مَحْذُوفًا؛ وجَوابَ لَوْ مَحْذُوفًا. والتَّقْدِيرُ: ودُّوا كُفْرَكم لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً لَسُرُّوا بِذَلِكَ. وسَبَبُ وُدِّهِمْ ذَلِكَ إمّا حَسَدًا لِما ظَهَرَ مِن عُلُوِّ الإسْلامِ كَما قالَ في نَظِيرَتِها: ﴿حَسَدًا مِن عِنْدِ أنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ١٠٩]، وإمّا إيثارًا لَهم أنْ يَكُونُوا عُبّادَ أصْنامٍ لِكَوْنِهِمْ يَرَوْنَ المُؤْمِنِينَ عَلى غَيْرِ شَيْءٍ، وهَذا كَشْفٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِخَبِيثِ مُعْتَقَدِهِمْ، وتَحْذِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنهم. وفَتَكُونُونَ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: تَكْفُرُونَ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَوْ نُصِبَ عَلى جَوابِ التَّمَنِّي لَجازَ والمَعْنى: ودُّوا كُفْرَكم وكَوْنَكم مَعَهم شَرْعًا واحِدًا فِيما هم عَلَيْهِ مِنَ الضَّلالِ واتِّباعِ دِينِ الآباءِ، انْتَهى. وكَوْنُ التَّمَنِّي بِلَفْظِ الفِعْلِ، ويَكُونُ لَهُ جَوابٌ فِيهِ نَظَرٌ. وإنَّما المَنقُولُ أنَّ الفِعْلَ يَنْتَصِبُ في جَوابِ التَّمَنِّي إذا كانَ بِالحَرْفِ نَحْوَ: لَيْتَ، ولَوْ وإلّا إذا أُشْرِبَتا مَعْنى التَّمَنِّي، أمّا إذا كانَ بِالفِعْلِ فَيَحْتاجُ إلى سَماعٍ مِنَ العَرَبِ. بَلْ لَوْ جاءَ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِ الجَوابِيَّةُ؛ لِأنَّ ودَّ الَّتِي تَدُلُّ عَلى التَّمَنِّي إنَّما مُتَعَلِّقُها المَصادِرُ لا الذَّواتُ، فَإذا نُصِبَ الفِعْلُ بَعْدَ الفاءِ لَمْ يَتَعَيَّنْ أنْ تَكُونَ فاءَ جَوابٍ؛ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ مِن بابِ عَطْفِ المَصْدَرِ المُقَدَّرِ عَلى المَصْدَرِ المَلْفُوظِ بِهِ؛ فَيَكُونُ مِن بابِ: لَلُبْسُ عَباءَةٍ وتَقَرُّ عَيْنِي.
﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنهم أوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لَمّا نَصَّ عَلى كُفْرِهِمْ، وأنَّهم تَمَنَّوْا أنْ تَكُونُوا مِثْلَهم بانَتْ عَداوَتُهم لِاخْتِلافِ الدِّينَيْنِ؛ فَنَهى تَعالى أنْ يُوالى مِنهم أحَدٌ؛ وإنْ آمَنُوا حَتّى يُظاهِرُوا بِالهِجْرَةِ الصَّحِيحَةِ جُلَّ الإيمانِ، لا جُلَّ حَظِّ الدُّنْيا؛ وإنَّما غَيّا بِالهِجْرَةِ فَقَطْ؛ لِأنَّها تَتَضَمَّنُ الإيمانَ. وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى وُجُوبِ الهِجْرَةِ إلى النَّبِيِّ ﷺ إلى المَدِينَةِ، ولَمْ يَزَلْ حُكْمُها كَذَلِكَ إلى أنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ، فَنُسِخَ بِقَوْلِهِ ﷺ: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ؛ ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ، وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا» . وخالَفَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ فَقالَ بِوُجُوبِها، وأنَّ حُكْمَها لَمْ يُنْسَخْ، وهو باقٍ فَتَحْرُمُ الإقامَةُ بَعْدَ الإسْلامِ في دارِ الشِّرْكِ. وإجْماعُ أهْلِ المَذاهِبِ عَلى خِلافِهِ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى وغَيْرُهُ: مَن هو قادِرٌ عَلى الهِجْرَةِ ولا يَقْدِرُ عَلى إظْهارِ دِينِهِ فَهي تَجِبُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾ [النساء: ٩٧]، ومَن كانَ قادِرًا عَلى إظْهارِ دِينِهِ اسْتُحِبَّتْ لَهُ، ومَن لا يَقْدِرُ عَلى إظْهارِ دِينِهِ ولا عَلى الحَرَكَةِ كالشَّيْخِ الفانِي والزَّمِنِ، لا يُسْتَحَبُّ لَهُ.
﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهم واقْتُلُوهم حَيْثُ وجَدْتُمُوهم ولا تَتَّخِذُوا مِنهم ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾؛ أيْ فَإنْ تَوَلَّوْا عَنِ الإيمانِ المُظاهَرِ بِالهِجْرَةِ الصَّحِيحَةِ؛ فَحُكْمُهم حُكْمُ الكُفّارِ؛ يُقْتَلُونَ حَيْثُ (p-٣١٥)وُجِدُوا في حِلٍّ وحَرَمٍ، وجانِبُوهم مُجانَبَةً كُلِّيَّةً، ولَوْ بَذَلُوا لَكُمُ الوِلايَةَ والنُّصْرَةَ؛ فَلا تَقْبَلُوا مِنهم.
﴿إلّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ أوْ جاءُوكم حَصِرَتْ صُدُورُهم أنْ يُقاتِلُوكم أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ﴾ [النساء: ٩٠] هَذا اسْتِثْناءٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَخُذُوهم واقْتُلُوهُمْ﴾ والوُصُولُ هُنا: البُلُوغُ إلى قَوْمٍ. وقِيلَ مَعْناهُ يَنْتَسِبُونَ قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. وأنْشَدَ الأعْشى:
؎إذا اتَّصَلَتْ قالَتْ لِبَكْرِ بْنِ وائِلٍ وبَكْرٌ سَبَتْها والأُنُوفُ رَواغِمُ
وقالَ النَّحّاسُ: هَذا غَلَطٌ عَظِيمٌ؛ لِأنَّهُ ذَهَبَ إلى أنَّهُ تَعالى حَظَرَ أنْ يُقاتَلَ أحَدٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُسْلِمِينَ نَسَبٌ؛ والمُشْرِكُونَ قَدْ كانَ بَيْنَهم وبَيْنَ المُسْلِمِينَ السّابِقِينَ أنْسابٌ؛ يَعْنِي: وقَدْ قاتَلَ الرَّسُولُ ومَن مَعَهُ مَنِ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ الحَقِيقِيِّ؛ فَضْلًا عَنْ الِانْتِسابِ. قالَ النَّحّاسُ: وأشَدُّ مِن هَذا الجَهْلِ قَوْلُ مَن قالَ: إنَّهُ كانَ ثُمَّ نُسِخَ؛ لِأنَّ أهْلَ التَّأْوِيلِ مُجْمِعُونَ عَلى أنَّ النّاسِخَ لَهُ بَراءَةٌ، وإنَّما نَزَلَتْ بَعْدَ الفَتْحِ، وبَعْدَ أنِ انْقَطَعَتِ الحُرُوبُ، ووافَقَهُ عَلى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ.
وقالَ القُرْطُبِيُّ: حَمَلَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مَعْنى يَنْتَسِبُونَ عَلى الأمانِ، أوْ أنْ يَنْتَسِبَ إلى أهْلِ الأمانِ، لا عَلى مَعْنى النَّسَبِ الَّذِي هو القَرابَةُ انْتَهى. قالَ عِكْرِمَةُ: إلى قَوْمٍ هم قَوْمُ هِلالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الأسْلَمِيِّ، وادَعَ الرَّسُولَ عَلى أنْ لا يُعِينَهُ، ولا يُعِينَ عَلَيْهِ، ومَن لَجَأ إلَيْهِمْ؛ فَلَهُ مِثْلُ ما لِهِلالٍ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّهم بَنُو بَكْرِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّهم خُزاعَةُ، وذُو خُزاعَةَ. وقالَ مُقاتِلٌ: خُزاعَةُ، وبَنُو مُدْلِجٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كانَ هَذا الحُكْمُ في أوَّلِ الإسْلامِ قَبْلَ أنْ يَسْتَحْكِمَ أمْرُ الطّاعَةِ مِنَ النّاسِ؛ فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ هادَنَ مِنَ العَرَبِ قَبائِلَ كَرَهْطِ هِلالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الأسْلَمِيِّ، وسُراقَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وخُزَيْمَةَ بْنِ عامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ؛ فَقَضَتْ هَذِهِ الآيَةُ أنَّهُ مَن وصَلَ مِنَ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا عَهْدَ بَيْنَهم وبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ إلى هَؤُلاءِ أهْلِ العَهْدِ ودَخَلَ في عِدادِهِمْ وفَعَلَ فِعْلَهم مِنَ المُوادَعَةِ، فَلا سَبِيلَ عَلَيْهِ. قالَ عِكْرِمَةُ والسُّدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ: ثُمَّ لَمّا تَقَوّى الإسْلامُ، وكَثُرَ ناصِرُهُ نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ والَّتِي بَعْدَها بِما في سُورَةِ بَراءَةَ، انْتَهى. وقِيلَ هم خُزاعَةُ، وخُزَيْمَةُ بْنُ عَبْدِ مَنافٍ. والَّذِينَ حَصِرَتْ صُدُورُهم هم بَنُو مُدْلِجٍ، اتَّصَلُوا بِقُرَيْشٍ وبِهِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنَّهم قَوْمٌ مِنَ الكُفّارِ، اعْتَزَلُوا المُسْلِمِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ الكافِرِينَ، ولا مَعَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ القِتالِ.
وأصْلُ الِاسْتِثْناءِ أنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، وظاهِرُ الآيَةِ وهَذِهِ الأقْوالِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ: أنَّهُ اسْتِثْناءٌ مُتَّصِلٌ. والمَعْنى: إلّا الكُفّارَ الَّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ مُعانِدِينَ، أوْ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ جاءُوكم غَيْرَ مُقاتِلِينَ، ولا مُقاتِلِي قَوْمِهِمْ. إنْ كانَ جاءُوكم عَطْفًا عَلى مَوْضِعِ صِفَةِ قَوْمٍ، وكِلا العَطْفَيْنِ جَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ، إلّا أنَّهُما اخْتارا العَطْفَ عَلى الصِّلَةِ؛ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، بَعْدَ أنْ ذَكَرَ العَطْفَ عَلى الصِّلَةِ، قالَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلى قَوْلِهِ: بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ والمَعْنى في العَطْفَيْنِ مُخْتَلِفٌ، انْتَهى. واخْتِلافُهُ أنَّ المُسْتَثْنى إمّا أنْ يَكُونا صِنْفَيْنِ، واصِلًا إلى مُعاهَدٍ، وجائِيًا كافًّا عَنِ القِتالِ. أوْ صِنْفًا واحِدًا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ مَن وصَلَ إلَيْهِ مِن مُعاهَدٍ أوْ كافٍّ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا أيْضًا حُكْمٌ كانَ قَبْلَ أنْ يَسْتَحْكِمَ أمْرُ الإسْلامِ؛ فَكانَ المُشْرِكُ إذا جاءَ إلى دارِ الإسْلامِ مُسالِمًا كارِهًا لِقِتالِ قَوْمِهِ مَعَ المُسْلِمِينَ، ولِقِتالِ المُسْلِمِينَ مَعَ قَوْمِهِ، لا سَبِيلَ عَلَيْهِ. وهَذِهِ نُسِخَتْ أيْضًا بِما في بَراءَةَ، انْتَهى.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الوَجْهُ العَطْفُ عَلى العِلَّةِ لِقَوْلِهِ: ﴿فَإنِ اعْتَزَلُوكم فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] الآيَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَخُذُوهم، واقْتُلُوهم، فَقَرَّرَ أنَّ كَفَّهم عَنِ القِتالِ أحَدُ سَبَبَيِ اسْتِحْقاقِهِمْ لِنَفْيِ التَّعَرُّضِ لَهم وتَرْكِ الإيقاعِ بِهِمْ. فَإنْ قُلْتَ: كُلُّ واحِدٍ مِن الِاتِّصالَيْنِ لَهُ تَأْثِيرٌ في صِحَّةِ الِاسْتِثْناءِ، واسْتِحْقاقُ تَرْكِ التَّعَرُّضِ الِاتِّصالُ بِالمُعاهَدِينَ والِاتِّصالُ بِالكافِّينَ فَهَلّا (p-٣١٦)جَوَّزْتَ أنْ يَكُونَ العَطْفُ عَلى صِفَةِ قَوْمٍ، ويَكُونَ قَوْلُهُ: فَإنِ اعْتَزَلُوكم تَقْرِيرًا لِحُكْمِ اتِّصالِهِمْ بِالكافِّينِ، واخْتِلاطِهِمْ فِيهِمْ وجَرْيِهِمْ عَلى سَنَنِهِمْ ؟ قُلْتُ: هو جائِزٌ، ولَكِنَّ الأوَّلَ أظْهَرُ وأجْرى عَلى أُسْلُوبِ الكَلامِ، انْتَهى. وإنَّما كانَ أظْهَرَ وأجْرى عَلى أُسْلُوبِ الكَلامِ؛ لِأنَّ المُسْتَثْنى مُحَدَّثٌ عَنْهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِخِلافِ حُكْمِ المُسْتَثْنى مِنهُ. وإذا عُطِفَتْ عَلى الصِّلَةِ كانَ مُحَدَّثًا عَنْهُ، وإذا عُطِفَتْ عَلى الصِّفَةِ لَمْ يَكُنْ مُحَدَّثًا عَنْهُ؛ إنَّما يَكُونُ ذَلِكَ تَقْيِيدًا في قَوْمِ الَّذِينَ هم قَيْدٌ في الصِّلَةِ المُحَدَّثِ عَنْ صاحِبِها. ومَتى دارَ الأمْرُ بَيْنَ أنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ إسْنادِيَّةً في المَعْنى وبَيْنَ أنْ تَكُونَ تَقْيِيدِيَّةً، كانَ حَمْلُها عَلى الإسْنادِيَّةِ أوْلى لِلِاسْتِثْقالِ الحاصِلِ بِها دُونَ التَّقْيِيدِيَّةِ؛ هَذا مِن جِهَةِ الصِّناعَةِ النَّحْوِيَّةِ. وأمّا مِن حَيْثُ ما يَتَرَتَّبُ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنَ العَطْفَيْنِ مِنَ المَعْنى؛ فَإنَّهُ يَكُونُ تَرْكُهُمُ القِتالَ سَبَبًا لِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهم، وهو سَبَبٌ قَرِيبٌ، وذَلِكَ عَلى العَطْفِ عَلى الصِّلَةِ. ووُصُولُهم إلى مَن يَتْرُكُ القِتالَ سَبَبٌ لِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهم، وهو سَبَبٌ بَعِيدٌ؛ وذَلِكَ عَلى العَطْفِ عَلى الصِّفَةِ. ومُراعاةُ السَّبَبِ القَرِيبِ أوْلى مِن مُراعاةِ البَعِيدِ. وعَلى أنَّ الِاسْتِثْناءَ مُتَّصِلٌ مِن مَفْعُولِ ﴿فَخُذُوهم واقْتُلُوهُمْ﴾ والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى أوْجَبَ قَتْلَ الكافِرِ إلّا إذا كانَ مُعاهَدًا أوْ داخِلًا في حُكْمِ المُعاهَدِ، أوْ تارِكًا لِلْقِتالِ؛ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ قَتْلُهم. وقَوْلُ الجُمْهُورِ: إنَّ المُسْتَثْنَيْنَ كُفّارٌ.
وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: إنَّهُ تَعالى لَمّا أوْجَبَ الهِجْرَةَ عَلى كُلِّ مَن أسْلَمَ، اسْتَثْنى مَن لَهُ عُذْرٌ فَقالَ: ﴿إلّا الَّذِينَ يَصِلُونَ﴾ [النساء: ٩٠]، وهم قَوْمٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قَصَدُوا الرَّسُولَ بِالهِجْرَةِ والنُّصْرَةِ؛ إلّا أنَّهم كانَ في طَرِيقِهِمْ مِنَ الكُفّارِ ما لَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا إلَيْهِ خَوْفًا مِن أُولَئِكَ الكُفّارِ؛ فَصارُوا إلى قَوْمٍ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وبَيْنَهم عَهْدٌ، وأقامُوا عِنْدَهم إلى أنْ يُمْكِنَهُمُ الخَلاصُ، واسْتَثْنى بَعْدَ ذَلِكَ مَن صارَ إلى الرَّسُولِ وإلى الصَّحابَةِ؛ لِأنَّهُ يَخافُ اللَّهَ فِيهِ، ولا يُقاتِلُ الكُفّارَ أيْضًا؛ لِأنَّهم أقارِبُهُ، أوْ لِأنَّهُ بَقِيَ أزْواجُهُ وأوْلادُهُ بَيْنَهم فَيَخافُ لَوْ قاتَلَهم أنْ يَقْتُلُوا أوْلادَهُ وأصْحابَهُ. فَهَذانِ الفَرِيقانِ مِنَ المُسْلِمِينَ لا يَحِلُّ قِتالُهم، وإنْ كانَ لَمْ تُوجَدْ مِنهُمُ الهِجْرَةُ، ولا مُقاتَلَةُ الكُفّارِ، انْتَهى. واخْتارَهُ الرّاغِبُ. وعَلى قَوْلِ أبِي مُسْلِمٍ: يَكُونُ اسْتِثْناءً مُنْقَطِعًا؛ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ لَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَ قَوْلِهِ: ﴿فَما لَكم في المُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] .
وقالَ الماتُرِيدِيُّ: إلّا الَّذِينَ يَصِلُونَ؛ أيْ إنْ لَحِقَ المُنافِقُونَ بِمَن لا مِيثاقَ بَيْنَكم وبَيْنَهم فاقْتُلُوهم حَتّى يَتُوبُوا ويُهاجِرُوا؛ وإنْ لَحِقُوا بِأهْلِ المِيثاقِ؛ فَلا تُقاتِلُوهم، أوْ جاءُوكم حَصِرَتْ صُدُورُهم هَذا صِفَةٌ لِمَن سَبَقَ ذِكْرُهم؛ فَيَكُونُ الِاسْتِثْناءُ عَنِ الَّذِينَ يَصِلُونَ إلى أهْلِ العَهْدِ، إذا كانَ وصْفُهم أنْ تَضِيقَ صُدُورُهم عَنْ مُقاتَلَةِ المُؤْمِنِينَ والكُفّارِ جَمِيعًا؛ إمّا لِنِفارِ طِباعِهِمْ، وإمّا لِوَفاءِ العَهْدِ، وإمّا لِكَوْنِهِمْ في مُهْلَةِ النَّظَرِ لِيَتَبَيَّنُوا الحَقَّ مِنَ الباطِلِ. وعَلى هَذا وصَفَ اللَّهُ جَمِيعَ المُعاهَدِينَ الَّذِينَ عَزَمُوا عَلى الوَفاءِ بِالعَهْدِ: أنَّهم إنَّما قَبِلُوا العَهْدَ والذِّمَّةَ لَمّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ قِتالُ المُسْلِمِينَ، وأبَتْ نُفُوسُهم مُعاوَنَةَ المُسْلِمِينَ عَلى قَوْمِهِمْ؛ فَلَمْ يُسْلِمُوا حَقِيقَةً؛ ولَكِنْ سالَمُوا لِقَبُولِ العَهْدِ، انْتَهى. وقالَ القَفّالُ بَعْدَ ذِكْرِ مَن دَخَلَ في عَهْدِ مَن كانَ داخِلًا في عَهْدِكم؛ فَهو أيْضًا داخِلٌ في العَهْدِ. قالَ: وقَدْ يَدْخُلُ في الآيَةِ أنْ يَقْصِدَ قَوْمٌ حَضْرَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ المَطْلُوبُ، فَيَلِجُوا إلى قَوْمٍ بَيْنَهم وبَيْنَ الرَّسُولِ عَهْدٌ إلى أنْ يَجِدُوا السَّبِيلَ إلَيْهِ، انْتَهى.
وفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وقِراءَتِهِ: مِيثاقٌ جاءُوكم بِغَيْرِ واوٍ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ووَجْهُهُ أنْ يَكُونَ جاءُوكم بَيانًا لِيَصِلُونَ أوْ بَدَلًا، أوِ اسْتِئْنافًا، أوْ صِفَةً (p-٣١٧)بَعْدَ صِفَةٍ لِقَوْمٍ، انْتَهى. وهي وُجُوهٌ مُحْتَمَلَةٌ، وفي بَعْضِها ضَعْفٌ. وهو البَيانُ والبَدَلُ؛ لِأنَّ البَيانَ لا يَكُونُ في الأفْعالِ، ولِأنَّ البَدَلَ لا يَتَأتّى؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ إيّاهُ ولا بَعْضًا، ولا مُشْتَمِلًا. ومَعْنى ﴿حَصِرَتْ﴾ [النساء: ٩٠] ضاقَتْ، وأصْلُ الحَصْرِ في المَكانِ، ثُمَّ تُوُسِّعَ فِيهِ حَتّى صارَ في القَوْلِ. قالَ:
؎ولَقَدْ تَكَنَّفَنِي الوُشاةُ فَصادَفُوا ∗∗∗ حَصْرًا بِسِرِّكِ يا أُمَيْمُ ضَنِينا
وقِيلَ مَعْناهُ كَرِهَتْ. والمَعْنى: كَرِهُوا قِتالَكم مَعَ قَوْمِهِمْ مَعَكم. وقِيلَ مَعْناهُ أنَّهم لا يُقاتِلُونَكم، ولا يُقاتِلُونَ قَوْمَهم مَعَكم، فَيَكُونُونَ لا عَلَيْكم، ولا لَكم. وقَرَأ الجُمْهُورُ: حَصِرَتْ. وقَرَأ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، ويَعْقُوبُ: حَصْرَةٌ عَلى وزْنِ نَبْقَةٍ؛ وكَذا قالَ المَهْدَوِيُّ عَنْ عاصِمٍ في رِوايَةِ حَفْصٍ. وحُكِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قَرَأ (حَصِراتٍ)، وقُرِئَ (حاصِراتٍ)، وقُرِئَ (حَصْرَةٌ) بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ؛ أيْ صُدُورُهم حَصْرَةٌ؛ وهي جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ في مَوْضِعِ الحالِ. فَأمّا قِراءَةُ الجُمْهُورِ فَجُمْهُورُ النَّحْوِيِّينَ عَلى أنَّ الفِعْلَ في مَوْضِعِ الحالِ. فَمَن شَرَطَ دُخُولَ قَدْ عَلى الماضِي إذا وقَعَ حالًا؛ زَعَمَ أنَّها مُقَدَّرَةٌ، ومَن لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلى تَقْدِيرِها؛ فَقَدْ جاءَ مِنهُ ما لا يُحْصى كَثْرَةً بِغَيْرِ قَدْ. ويُؤَيِّدُ كَوْنَهُ في مَوْضِعِ الحالِ قِراءَةُ مَن قَرَأ ذَلِكَ اسْمًا مَنصُوبًا.
وعَنِ المُبَرِّدِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ (ثَمَّ) مَحْذُوفًا هو الحالُ، وهَذا الفِعْلُ صِفَتُهُ؛ أيْ أوْ جاءُوكم قَوْمًا حَصِرَتْ صُدُورُهم. والآخَرُ: أنَّهُ دُعاءٌ عَلَيْهِمْ؛ فَلا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الإعْرابِ. ورَدَّ الفارِسِيُّ عَلى المُبَرِّدِ في أنَّهُ دُعاءٌ عَلَيْهِمْ بِأنّا أُمِرْنا أنْ نَقُولَ: اللَّهُمَّ أوْقِعْ بَيْنَ الكُفّارِ العَداوَةَ؛ فَيَكُونُ في قَوْلِهِ: أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهم في ما اقْتَضاهُ دُعاءُ المُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَخْرُجُ قَوْلُ المُبَرِّدِ عَلى أنَّ الدُّعاءَ عَلَيْهِمْ بِأنْ لا يُقاتِلُوا المُسْلِمِينَ تَعْجِيزٌ لَهم والدُّعاءُ عَلَيْهِمْ بِأنْ لا يُقاتِلُوا قَوْمَهم تَحْقِيرٌ لَهم أيْ هم أقَلُّ وأحْقَرُ، ويُسْتَغْنى عَنْهم كَما تَقُولُ إذا أرَدْتَ هَذا المَعْنى: لا جَعَلَ اللَّهُ فُلانًا عَلَيَّ، ولا مَعِي، بِمَعْنى: أسْتَغْنِي عَنْهُ وأسْتَقِلُّ دُونَهُ. وقالَ غَيْر ابْنِ عَطِيَّةَ: أوْ تَكُونُ سُؤالًا لِمَوْتِهِمْ عَلى أنَّ قَوْلَهُ (قَوْمَهم) قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مَن لَيْسُوا مِنهم، بَلْ عَنْ مُعادِيهِمْ. وأجازَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ حَصِرَتْ في مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةً لِقَوْمٍ وواوُ جاءُوكم مُعْتَرِضٌ. قالَ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قِراءَةُ مَن أسْقَطَ (أوْ) وهو أُبَيٌّ. وأجازَ أيْضًا أنْ يَكُونَ حَصِرَتْ بَدَلًا مِن جاءُوكم؛ قالَ: بَدَلُ اشْتِمالٍ؛ لِأنَّ المَجِيءَ مُشْتَمِلٌ عَلى الحَصْرِ وغَيْرِهِ. وقالَ الزَّجّاجُ: حَصِرَتْ صُدُورُهم خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُفَرِّقُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الحالِ وبَيْنَ خَبَرٍ مُسْتَأْنَفٍ في قَوْلِكَ: جاءَ زَيْدٌ رَكِبَ الفَرَسَ. أنَّكَ إنْ أرَدْتَ الحالَ بِقَوْلِكَ: رَكِبَ الفَرَسَ؛ قَدَّرْتَ قَدْ. وإنْ أرَدْتَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ لَمْ نَحْتَجْ إلى تَقْدِيرِها. وقالَ الجُرْجانِيُّ: تَقْدِيرُهُ إنْ جاءُوكم حَصِرَتْ؛ فَحَذْفُ (إنْ) . وما ادَّعاهُ مِنَ الإضْمارِ لا يُوافَقُ عَلَيْهِ أنْ يُقاتِلُوكم تَقْدِيرُهُ: عَنْ أنْ يُقاتِلُوكم.
﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهم عَلَيْكم فَلَقاتَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] هَذا تَقْرِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى مِقْدارِ نِعْمَتِهِ تَعالى عَلَيْهِمْ؛ أيْ لَوْ شاءَ لَقَوّاهم، وجَرَّأهم عَلَيْكم؛ فَإذًا قَدْ أنْعَمَ عَلَيْكم بِالهُدْنَةِ فاقْبَلُوها. وهَذا إذا كانَ المُسْتَثْنَوْنَ كُفّارًا؛ فَأمّا عَلى قَوْلُ مَن قالَ: إنَّهم مُؤْمِنُونَ؛ فالمَعْنى أنَّهُ تَعالى أظْهَرَ نِعْمَتَهُ عَلى المُسْلِمِينَ، وأنَّهُ تَعالى لَوْ لَمْ يَهْدِهِمْ، لَكانُوا في جُمْلَةِ المُسَلَّطِينَ عَلَيْكم.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَجُوزُ أنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ الكَفَرَةَ عَلى المُؤْمِنِينَ، ما كانَ مُكافَّتُهم إلّا لِقَذْفِ اللَّهِ الرُّعْبَ في قُلُوبِهِمْ ؟ ولَوْ شاءَ لِمَصْلَحَةٍ يَراها مِنِ ابْتِلاءٍ ونَحْوِهِ لَمْ يَقْذِفْهُ؛ فَكانُوا مُسَلَّطِينَ مُقاتِلِينَ غَيْرَ كافِّينَ؛ فَذَلِكَ مَعْنى التَّسْلِيطِ، انْتَهى. وهَذا عَلى طَرِيقَتِهِ الِاعْتِزالِيَّةِ. وهَذا الَّذِي قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قالَهُ أبُو هاشِمٍ قَبْلَهُ. قالَ: أخْبَرَ تَعالى عَنْ قُدْرَتِهِ عَلى ما يَشاءُ أنْ يَفْعَلَ. وتَسْلِيطُ اللَّهِ المُشْرِكِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ لَيْسَ بِأمْرٍ مِنهُ؛ وإنَّما هو بِإزالَةِ خَوْفِ المُسْلِمِينَ مِن قُلُوبِهِمْ، وتَقْوِيَةِ أسْبابِ الجُرْأةِ عَلَيْهِمْ. والغَرَضُ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَيْهِمْ أُمُورٌ ثَلاثَةٌ: أحَدُها: تَأْدِيبًا لَهم، وعُقُوبَةً لِما اجْتَرَحُوا مِنَ الذُّنُوبِ. الثّانِي: ابْتِلاءً لِصَبْرِهِمْ، واخْتِبارًا لِقُوَّةِ إيمانِهِمْ (p-٣١٨)وإخْلاصِهِمْ؛ كَما قالَ: (ولَنَبْلُوَنَّكم) الآيَةَ. الثّالِثُ: لِرَفْعِ دَرَجاتِهِمْ، وتَكْثِيرِ حَسَناتِهِمْ. أوِ المَجْمُوعِ، وهو أقْرَبُ لِلصَّوابِ انْتَهى.
وأمّا غَيْرُهُما مِنَ المُعْتَزِلَةِ فَقالَ الجُبّائِيُّ: قَدْ بَيَّنّا أنَّ القَوْمَ الَّذِينَ اسْتُثْنُوا مُؤْمِنُونَ لا كافِرُونَ، وعَلى هَذا مَعْنى الآيَةِ. ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهم عَلَيْكم بِتَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ لِيَدْفَعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ إنْ أقْدَمْتُمْ عَلى مُقاتَلَتِهِمْ عَلى سَبِيلِ الظُّلْمِ. وقالَ الكَعْبِيُّ: إنَّهُ تَعالى أخْبَرَ أنَّهُ لَوْ شاءَ فَعَلَ؛ وهَذا لا يُفِيدُ إلّا أنَّهُ قادِرٌ عَلى الظُّلْمِ، وهَذا مَذْهَبُنا؛ إلّا أنّا نَقُولُ: إنَّهُ تَعالى لا يَفْعَلُ الظُّلْمَ، ولَيْسَ في الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ شاءَ ذَلِكَ وأرادَهُ، انْتَهى كَلامُهُ.
وقالَ أهْلُ السُّنَّةِ: في هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ تَعالى لا يَقْبُحُ مِنهُ تَسْلِيطُ الكافِرِ عَلى المُؤْمِنِ، وتَقْوِيَتُهُ عَلَيْهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿فَلَقاتَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] بِألِفِ المُفاعَلَةِ. وقَرَأ مُجاهِدٌ وطائِفَةٌ: (فَلَقَتَلُوكم) عَلى وزْنِ ضَرَبُوكم. وقَرَأ الحَسَنُ والجَحْدَرِيُّ: فَلَقَتَّلُوكم بِالتَّشْدِيدِ، واللّامُ في (لَقاتَلُوكم) لامُ جَوابِ (لَوْ) لِأنَّ المَعْطُوفَ عَلى الجَوابِ جَوابٌ؛ كَما لَوْ قُلْتَ: لَوْ قامَ زَيْدٌ لَقامَ عَمْرٌو، ولَقامَ بَكْرٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: واللّامُ في لَسَلَّطَهم جَوابُ (لَوْ)، وفي ﴿فَلَقاتَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] لامُ المُحاذاةِ والِازْدِواجِ؛ لِأنَّها بِمَثابَةِ الأُولى لَوْ لَمْ تَكُنِ الأُولى كُنْتَ تَقُولُ: لَقاتَلُوكم، انْتَهى. وتَسْمِيَتُهُ هَذِهِ اللّامَ لامَ المُحاذاةِ والِازْدِواجِ تَسْمِيَةٌ غَرِيبَةٌ، لَمْ أرَ ذَلِكَ إلّا في عِبارَةِ هَذا الرَّجُلِ وعِبارَةِ مَكِّيٍّ قَبْلَهُ.
{"ayah":"وَدُّوا۟ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَاۤءࣰۖ فَلَا تَتَّخِذُوا۟ مِنۡهُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ حَتَّىٰ یُهَاجِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُوا۟ مِنۡهُمۡ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق