الباحث القرآني

﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو لَيَجْمَعَنَّكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ومَن أصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ ﴿فَما لَكم في المُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ واللَّهُ أرْكَسَهم بِما كَسَبُوا أتُرِيدُونَ أنْ تَهْدُوا مَن أضَلَّ اللَّهُ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٨٨] ﴿ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنهم أوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فَإنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهم واقْتُلُوهم حَيْثُ وجَدْتُمُوهم ولا تَتَّخِذُوا مِنهم ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩] ﴿إلّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ أوْ جاءُوكم حَصِرَتْ صُدُورُهم أنْ يُقاتِلُوكم أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهم ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهم عَلَيْكم فَلَقاتَلُوكم فَإنِ اعْتَزَلُوكم فَلَمْ يُقاتِلُوكم وألْقَوْا إلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكم عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٩٠] ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَأْمَنُوكم ويَأْمَنُوا قَوْمَهم كُلَّما رُدُّوا إلى الفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكم ويُلْقُوا إلَيْكُمُ السَّلَمَ ويَكُفُّوا أيْدِيَهم فَخُذُوهم واقْتُلُوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهم وأُولَئِكم جَعَلْنا لَكم عَلَيْهِمْ سُلْطانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٩١] ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلّا خَطَأً ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ إلّا أنْ يَصَّدَّقُوا فَإنْ كانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكم وهو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وإنْ كانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ وتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٩٢] ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فِيها وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣] الإرْكاسُ: الرَّدُّ والرَّجْعُ. قِيلَ مِن آخِرِهِ عَلى أوَّلِهِ والرِّكْسُ: الرَّجِيعُ. ومِنهُ قَوْلُهُ في «الرَّوْثَةِ هَذا رِكْسٌ»، وقالَ أُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ: ؎فَأُرْكِسُوا في حَمِيمِ النّارِ أنَّهُمُ كانُوا عُصاةً وقالُوا الإفْكَ والزُّورا وحَكى الكِسائِيُّ والنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: رَكَسَ وأرْكَسَ بِمَعْنًى واحِدٍ أيْ رَجَعَهم. ويُقالُ: رَكَّسَ مُشَدَّدًا بِمَعْنى أرْكَسَ، وارْتَكَسَ هو أيِ ارْتَجَعَ، وقِيلَ أرْكَسَهُ أوْبَقَهُ قالَ: ؎بِشُؤْمِكَ أرْكَسْتَنِي في الخَنا ∗∗∗ وأرْمَيْتَنِي بِضُرُوبِ العَنا وقِيلَ أضَلَّهم. وقالَ الشّاعِرُ: ؎وأرْكَسْتَنِي عَنْ طَرِيقِ الهُدى ∗∗∗ وصَيَّرْتَنِي مَثَلًا لَلْعِدا وقِيلَ نَكَّسَهُ. قالَهُ الزَّجّاجُ قالَ: ؎رَكَسُوا في فِتْنَةٍ مُظْلِمَةٍ ∗∗∗ كَسَوادِ اللَّيْلِ يَتْلُوها فِتَنْ الدِّيَةُ: ما غُرِمَ في القَتْلِ مِنَ المالِ، وكانَ لَها في الجاهِلِيَّةِ أحْكامٌ، ومَقادِيرُ، ولَها في الشَّرْعِ أحْكامٌ، ومَقادِيرُ، سَيَأْتِي ذِكْرُ شَيْءٍ مِنها. وأصْلُها: مَصْدَرٌ أُطْلِقَ عَلى المالِ المَذْكُورِ، وتَقُولُ: مِنهُ ودى يَدِي ودْيًا ودِيَةً. كَما تَقُولُ: وشى يَشِي وشْيًا وشِيَةً، ومِثالُهُ مِن صَحِيحِ اللّامِ: زِنَةٌ وعِدَةٌ. التَّعَمُّدُ والعَمْدُ: القَصْدُ إلى الشَّيْءِ (p-٣١٢)﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو لَيَجْمَعَنَّكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: نَزَلَتْ فِيمَن شَكَّ في البَعْثِ؛ فَأقْسَمَ اللَّهُ لَيَبْعَثَنَّهُ. ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ، وهي أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا تَلاهُ بِالإعْلامِ بِوَحْدانِيَّةِ اللَّهِ تَعالى والحَشْرِ والبَعْثِ مِنَ القُبُورِ لِلْحِسابِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لا إلَهَ إلّا هو خَبَرًا عَنِ اللَّهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جُمْلَةَ اعْتِراضٍ، والخَبَرُ الجُمْلَةُ المُقْسَمُ عَلَيْها، وحُذِفَ هُنا القَسَمُ لِلْعِلْمِ بِهِ. وإلى إمّا عَلى بابِها، ومَعْناها: مِنَ الغايَةِ، ويَكُونُ الجَمْعُ في القُبُورِ، أوْ يُضَمَّنُ مَعْنى: لَيَجْمَعَنَّكم مَعْنى: لَيَحْشُرَنَّكم، فَيُعَدّى بِإلى. قِيلَ أوْ تَكُونُ إلى بِمَعْنى في، كَما أوَّلُوهُ في قَوْلِ النّابِغَةِ: ؎فَلا تَتْرُكْنِي بِالوَعِيدِ كَأنَّنِي ∗∗∗ إلى النّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ القارُ أجْرَبُ أيْ: في النّاسِ. وقِيلَ إلى بِمَعْنى مَعَ. والقِيامَةُ والقِيامُ بِمَعْنًى واحِدٍ، كالطِّلابَةِ والطِّلابِ. قِيلَ، ودَخَلَتِ الهاءُ لِلْمُبالَغَةِ لِشِدَّةِ ما يَقَعُ فِيهِ مِنَ الهَوْلِ، وسُمِّيَ بِذَلِكَ إمّا لِقِيامِهِمْ مِنَ القُبُورِ، أوْ لِقِيامِهِمْ لِلْحِسابِ. قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦]، ولَمّا كانَ الحَشْرُ جائِزًا بِالعَقْلِ واجِبًا بِالسَّمْعِ أكَّدَهُ بِالقَسَمِ قَبْلَهُ وبِالجُمْلَةِ بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ: لا رَيْبَ فِيهِ. واحْتَمَلَ الضَّمِيرُ في (فِيهِ) أنْ يَعُودَ إلى اليَوْمِ، وهو الظّاهِرُ. وأنْ يَعُودَ عَلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: لَيَجْمَعَنَّكم. وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] في أوَّلِ البَقَرَةِ. ﴿ومَن أصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ . هَذا اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ النَّفْيُ، التَّقْدِيرُ: لا أحَدَ أصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا. وفَسَّرَ الحَدِيثَ بِالخَبَرِ أوْ بِالوَعْدِ قَوْلانِ والأظْهَرُ هُنا الخَبَرُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وذَلِكَ أنَّ دُخُولَ الكَذِبِ في حَدِيثِ البَشَرِ، إنَّما عِلَّتُهُ الخَوْفُ أوِ الرَّجاءُ أوْ سُوءُ السَّجِيَّةِ، وهَذِهِ مَنفِيَّةٌ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى، والصِّدْقُ في حَقِيقَتِهِ أنْ يَكُونَ ما يَجْرِي عَلى لِسانِ المُخْبِرِ مُوافِقًا لِما في قَلْبِهِ والأمْرِ المُخْبَرِ عَنْهُ في وُجُودِهِ انْتَهى. وقالَ الماتُرِيدِيُّ: أيْ أنَّكم تَقْبَلُونَ حَدِيثَ بَعْضِكم مِن بَعْضٍ مَعَ احْتِمالِ صِدْقِهِ وكَذِبِهِ؛ فَإنْ تَقْبَلُوا حَدِيثَ مَن يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الكَذِبُ في كُلِّ ما أخْبَرَكم بِهِ مِن طَرِيقِ الأوْلى. وطَوَّلَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنا إشْعارًا بِمَذْهَبِهِ فَقالَ: لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الكَذِبُ، وذَلِكَ أنَّ الكَذِبَ مُسْتَقْبَلٌ بِصارِفٍ عَنِ الإقْدامِ عَلَيْهِ، وهو قُبْحُهُ الَّذِي هو كَوْنُهُ كَذِبًا، وإخْبارًا عَنِ الشَّيْءِ بِخِلافِ ما هو عَلَيْهِ، فَمَن كَذَبَ لَمْ يَكْذِبْ إلّا لِأنَّهُ مُحْتاجٌ إلى أنْ يَكْذِبَ لِيَجُرَّ مَنفَعَةً، أوْ يَدْفَعَ مَضَرَّةً، أوْ هو غَنِيٌّ عَنْهُ إلّا أنَّهُ يَجْهَلُ غِناهُ، أوْ هو جاهِلٌ بِقُبْحِهِ، أوْ هو سَفِيهٌ لا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصِّدْقِ والكَذِبِ في أخْبارِهِ، ولا يُبالِي بِأيِّهِما نَطَقَ، ورُبَّما كانَ الكَذِبُ أحْلى عَلى حَنَكِهِ مِنَ الصِّدْقِ. وعَنْ بَعْضِ السُّفَهاءِ: أنَّهُ عُوتِبَ عَلى الكَذِبِ فَقالَ: لَوْ غَرْغَرَتْ لَهَواتُكَ بِهِ ما فارَقْتَهُ. وقِيلَ لِكَذّابٍ: هَلْ صَدَقْتَ قَطُّ ؟ فَقالَ: لَوْلا أنِّي صادِقٌ في قَوْلِي لا لَقُلْتُها. فَكانَ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الَّذِي لا تَجُوزُ عَلَيْهِ الحاجاتُ، العالِمُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ مُنَزَّهًا عَنْهُ كَما هو مُنَزَّهٌ عَنْ سائِرِ القَبائِحِ انْتَهى. وكَلامُهُ تَكْثِيرٌ لا يَلِيقُ بِكِتابِهِ، فَإنَّهُ مُخْتَصَرٌ في التَّفْسِيرِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: (أصْدَقُ) بِإشْمامِ الصّادِ زايًا، وكَذا فِيما كانَ مِثْلَهُ مِن صادٍ ساكِنَةٍ بَعْدَها دالٌ نَحْوَ: يَصْدُقُونَ، وتَصْدِيَةً. وأمّا إبْدالُها زايًا مَحْضَةً في ذَلِكَ فَهي لُغَةُ كَلْبٍ. وأنْشَدُوا: ؎يَزِيدُ اللَّهُ في خَيْراتِهِ ∗∗∗ حامِي الذِّمارِ عِنْدَهُ مَصْدُوقاتُهُ يُرِيدُ: عِنْدَ مَصْدُوقاتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب