الباحث القرآني

﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنهُ أوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ قِيلَ: سَبَبُ نُزُولِها هو خَبَرُ أُمِّ كَجَّةَ وقَدْ تَقَدَّمَ، قالَهُ عِكْرِمَةُ والسُّدِّيُّ وابْنُ زَيْدٍ. قالَ المَرْوَزِيُّ: كانَ اليُونانُ يُعْطُونَ جَمِيعَ المالِ لِلْبَناتِ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ لا يَعْجَزُ عَنِ الكَسْبِ، والمَرْأةُ تَعْجَزُ. وكانَتِ العَرَبُ لا يُعْطُونَ البَناتِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلى الفَرِيقَيْنِ. والمَعْنِيُّ بِالرِّجالِ الذُّكُورُ، وبِالنِّساءِ الإناثُ كَقَوْلِهِ: ﴿وبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً﴾ [النساء: ١] . وأبْهَمَ في قَوْلِهِ: (نَصِيبٌ)، و(مِمّا تَرَكَ) في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ(نَصِيبٌ) . وقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ (نَصِيبٌ) فَهو مِن تَمامِهِ. والوالِدانِ: يَعْنِي والِدَيِ الرِّجالِ والنِّساءِ، وهُما أبَواهم، وسُمِّيَ الأبُ والِدًا؛ لِأنَّ الوَلَدَ مِنهُ، ومِنَ الوالِدَةِ. ولِلِاشْتِراكِ جاءَ الفَرْقُ بَيْنَهُما بِالتّاءِ كَقَوْلِهِ: ﴿لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها﴾ [البقرة: ٢٣٣] وجُمِعَ بِالألِفِ والتّاءِ قِياسًا كَقَوْلِهِ: ﴿والوالِداتُ﴾ [البقرة: ٢٣٣] قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَما قالَ الشّاعِرُ:(p-١٧٥) ؎بِحَيْثُ يَعْتَشُّ الغُرابُ البائِضُ لِأنَّ البَيْضَ مِنَ الأُنْثى والذَّكَرِ. انْتَهى. ولا يَتَعَيَّنُ أنْ يُرادَ بِالغُرابِ هُنا الذَّكَرُ؛ لِأنَّ لَفْظَ الغُرابِ يَنْطَلِقُ عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى، ولَيْسَ مِمّا فُرِّقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُؤَنَّثِهِ بِالتّاءِ. فَهو كالرُّعُوبِ يَنْطَلِقُ عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى، ولا يُرَجِّحُ كَوْنَهُ ذَكَرًا وصْفُهُ بِالبائِضِ، وهو وصْفُ مُذَكَّرٍ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ ذَكَرًا حَمْلًا عَلى اللَّفْظِ، إذْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلامَةُ تَأْنِيثٍ كَما أُنِّثَ المُذَكَّرُ حَمْلًا عَلى لَفْظِ التَّأْنِيثِ في قَوْلِهِ: وعَنْتَرَةُ الفَلْحاءُ. وفي قَوْلِهِ: ؎أبُوكَ حَلِيفَةٌ ولَدَتْهُ أُخْرى والأقْرَبُونَ: هُمُ المُتَوارِثُونَ مِن ذَوِي القَراباتِ. وقَدْ أبْهَمَ في لَفْظِ الأقْرَبُونَ كَما أبْهَمَ في النَّصِيبِ، وعَيَّنَ الوارِثَ والمِقْدارَ في الآياتِ بَعْدَها. وقَوْلُهُ: ﴿مِمّا قَلَّ مِنهُ﴾، هو بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: مِمّا تَرَكَ الأخِيرِ، أُعِيدَ مَعَهُ حَرْفُ الجَرِّ، والضَّمِيرُ في (مِنهُ) عائِدٌ عَلى (ما) مِن قَوْلِهِ: مِمّا تَرَكَ الأخِيرِ. واكْتَفى بِذِكْرِهِ في هَذِهِ الجُمْلَةِ، وهو مُرادٌ في الجُمْلَةِ الأُولى، ولَمْ يُضْطَرَّ إلى ذِكْرِهِ لِأنَّ البَدَلَ جاءَ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ إلّا تَوْضِيحُ أنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: مِمّا تَرَكَ العُمُومُ في المَتْرُوكِ. وهَذا البَدَلُ فِيهِ ذِكْرُ نَوْعَيِ المَتْرُوكِ مِنَ القِلَّةِ أوِ الكَثْرَةِ. وقالَ أبُو البَقاءِ: ﴿مِمّا قَلَّ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ في (تَرَكَ)، أيْ: مِمّا تَرَكَهُ مُسْتَقِرًّا مِمّا قَلَّ. ومَعْنى ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾: أيْ حَظًّا مَقْطُوعًا بِهِ لا بُدَّ لَهم مِن أنْ يَحُوزُوهُ. وقالَ الزَّجّاجُ ومَكِّيٌّ: (نَصِيبًا) مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، المَعْنى: لِهَؤُلاءِ أنْصِباءُ عَلى ما ذَكَرْنا هُنا في حالِ الفَرْضِ. وقالَ الفَرّاءُ: نُصِبَ لِأنَّهُ أخْرَجَهُ مَخْرَجَ المَصْدَرِ، ولِذَلِكَ وحَّدَهُ كَقَوْلِكَ لَهُ: عَلَيَّ كَذا حَقًّا لازِمًا، ونَحْوُهُ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١] ولَوْ كانَ اسْمًا صَحِيحًا لَمْ يُنْصَبْ، لا تَقُولُ: لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ دِرْهَمًا. انْتَهى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَرِيبًا مِن هَذا القَوْلِ، قالَ: ويَجُوزُ أنْ يَنْتَصِبَ انْتِصابَ المَصْدَرِ المُؤَكِّدِ لِقَوْلِهِ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١]، كَأنَّهُ قِسْمَةٌ مَفْرُوضَةٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ نَحْوًا مِن كَلامِ الزَّجّاجِ، قالَ: إنَّما هو اسْمٌ نُصِبَ كَما يُنْصَبُ المَصْدَرُ في مَوْضِعِ الحالِ، تَقْدِيرُهُ: فَرْضًا. ولِذَلِكَ جازَ نَصْبُهُ كَما تَقُولُ لَهُ: عَلَيَّ كَذا وكَذا حَقًّا واجِبًا، ولَوْلا مَعْنى المَصْدَرِ الَّذِي فِيهِ ما جازَ في اسْمِ الَّذِي لَيْسَ بِمَصْدَرٍ هَذا النَّصْبَ، ولَكِنْ حَقُّهُ الرَّفْعُ، انْتَهى كَلامُهُ. وهو مُرَكَّبٌ مِن كَلامِ الزَّجّاجِ والفَرّاءِ، وهُما مُتَبايِنانِ لِأنَّ الِانْتِصابَ عَلى الحالِ مُبايِنٌ لِلِانْتِصابِ عَلى المَصْدَرِ المُؤَكِّدِ مُخالِفٌ لَهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: و﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ نُصِبَ عَلى الِاخْتِصاصِ، بِمَعْنى: أعْنِي نَصِيبًا مَفْرُوضًا مَقْطُوعًا واجِبًا، انْتَهى. فَإنْ عَنى بِالِاخْتِصاصِ ما اصْطَلَحَ عَلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ فَهو مَرْدُودٌ بِكَوْنِهِ نَكِرَةً، والمَنصُوبُ عَلى الِاخْتِصاصِ نَصُّوا عَلى أنَّهُ لا يَكُونُ نَكِرَةً. وقِيلَ: انْتَصَبَ نَصْبَ المَصْدَرِ الصَّرِيحِ، لِأنَّهُ مَصْدَرٌ، أيْ: نَصِيبُهُ نَصِيبًا. وقِيلَ: حالٌ مِنَ النَّكِرَةِ، لِأنَّها قَدْ وُصِفَتْ. وقِيلَ: بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: جَعَلْتُهُ، أوْ أوْجَبْتُ لَهم نَصِيبًا. وقِيلَ: حالٌ مِنَ الفاعِلِ في (قَلَّ أوْ كَثُرَ) . واسْتُدِلَّ بِظاهِرِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى وُجُوبِ القِسْمَةِ في الحُقُوقِ المُتَمَيِّزَةِ إذا أمْكَنَتْ وطَلَبَ ذَلِكَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ بِلا خِلافٍ. واخْتَلَفُوا في قِسْمَةِ المَتْرُوكِ عَلى الفَرائِضِ، إذا كانَتِ القِسْمَةُ بِغَيْرِهِ عَلى حالِهِ كالحَمّامِ والرَّحا والبَثْرِ والدّارِ الَّتِي تَبْطُلُ مَنافِعُها بِافْتِراقِ السِّهامِ. فَقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ: تُقَسَّمُ. وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى وأبُو ثَوْرٍ: لا تُقَسَّمُ. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: وهو أصَحُّ القَوْلَيْنِ. واسْتُدِلَّ بِها أيْضًا عَلى وُجُوبِ تَوْرِيثِ الأخِ لِلْمَيِّتِ مَعَ البِنْتِ، فَإذا أخَذَتِ النِّصْفَ أخَذَ الباقِيَ. واخْتُلِفَ في ابْنَيْ عَمِّ، أحَدُهُما أخٌ لِأُمٍّ، فَقالَ عَلِيٌّ وزَيْدٌ: لِلْأخِ مِنَ الأُمِّ السُّدُسُ، وما بَقِيَ بَيْنَهُما نِصْفانِ، وهو قَوْلُ فُقَهاءِ الأمْصارِ. وقالَ عُمَرُ والأعْمَشِ وشُرَيْحٌ والحَسَنُ: المالُ لِلْأخِ مِنَ الأُمِّ. ﴿وإذا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُوا القُرْبى واليَتامى والمَساكِينُ فارْزُقُوهم مِنهُ وقُولُوا لَهم قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ قِيلَ: نَزَلَتْ في أرْبابِ الأمْوالِ يُقَسِّمُونَها عِنْدَما يَحْضُرُ المَوْتُ في وصِيَّةٍ وجِهاتٍ يَخْتارُونَها، ويَحْضُرُهم مِنَ القَراباتِ مَحْجُوبٌ عَنِ الإرْثِ، فَيُوصُونَ لِلْأجانِبِ ويَتْرُكُونَ المَحْجُوبِينَ فَيُحْرَمُونَ الإرْثَ والوَصِيَّةَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ (p-١٧٦)المُسَيَّبِ وابْنُ زَيْدٍ وأبُو جَعْفَرٍ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في أرْبابِ الفَرائِضِ يَحْضُرُهم أيْضًا مَحْجُوبٌ، فَأُمِرُوا أنْ يَرْضَخُوا لَهم مِمّا أعْطاهُمُ اللَّهُ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ المُسَيَّبِ: أنَّها مَنسُوخَةٌ، وبِهِ قالَ عِكْرِمَةُ والضَّحّاكُ، قالُوا: كانَتْ قِسْمَةً جَعَلَها اللَّهُ ثَلاثَةَ أصْنافٍ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِآيَةِ المِيراثِ، وأعْطى كُلَّ ذِي حَظٍّ حَظَّهُ، وجَعَلَ الوَصِيَّةَ لِلَّذِينَ يُحْرَمُونَ ولا يَرِثُونَ. وقِيلَ: هي مُحْكَمَةٌ، أمَرَ اللَّهُ مَنِ اسْتَحَقَّ إرْثًا، وحَضَرَ القِسْمَةَ قَرِيبٌ أوْ يَتِيمٌ أوْ مِسْكِينٌ لا يَرِثُ، أنْ لا يُحْرَمُوا إنْ كانَ المالُ كَثِيرًا، وأنْ يُعْتَذَرَ إلَيْهِمْ إنْ كانَ قَلِيلًا، وأمَرَ بِهِ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ. وقالَ الحَسَنُ والنَّخَعِيُّ: كانَ المُؤْمِنُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يَقْسِمُونَ لَهم مِنَ العَيْنِ الوَرِقَ والفِضَّةَ، فَإذا قَسَّمُوا الأرَضِينَ والرَّقِيقَ قالُوا لَهم قَوْلًا مَعْرُوفًا: بُورِكَ فِيكم. وفَعَلَهُ الأعْمَشُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ. وإذا كانَ الوارِثُ صَغِيرًا لا يَتَصَرَّفُ، هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الوَلِيُّ أوْ لا ؟ قَوْلانِ. والظّاهِرُ مِن سِياقِ هَذِهِ الآيَةِ عَقِيبَ ما قَبْلَها أنَّها في الوارِثِينَ لا في المُحْتَضَرِينَ المُوصِينَ، والَّذِي يَظْهَرُ مِنَ القِسْمَةِ أنَّها مَصْدَرٌ بِمَعْنى القَسَمِ، قالَ تَعالى: ﴿تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ [النجم: ٢٢] . وقِيلَ: المُرادُ بِالقِسْمَةِ المَقْسُومُ. وقِيلَ: القِسْمَةُ الِاسْمُ مِنَ الِاقْتِسامِ لا مِنَ القَسْمِ، كالخِيرَةِ مِنَ الِاخْتِيارِ. ولا يَكادُ الفُصَحاءُ يَقُولُونَ قَسَمْتُ بَيْنَهم قِسْمَةً، ورَوى ذَلِكَ الكِسائِيُّ. وقِسْمَتُكَ ما أخَذْتَهُ مِنَ الأقْسامِ، والجَمْعُ قِسَمٌ. وقالَ الخَلِيلُ: القَسْمُ الحَظُّ والنَّصِيبُ مِنَ الجُزْءِ، ويُقالُ: قاسَمْتُ فُلانًا المالَ وتَقاسَمْناهُ واقْتَسَمْناهُ، والقَسْمُ الَّذِي يُقاسِمُكَ. وظاهِرُ قَوْلِهِ فارْزُقُوهم الوُجُوبُ. وبِهِ قالَ جَماعَةٌ، مِنهم: مُجاهِدٌ، وعَطاءٌ، والزُّهْرِيُّ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والحَسَنُ: هو نَدْبٌ. وفي قَوْلِهِ: فارْزُقُوهم إضافَةُ الرِّزْقِ إلى غَيْرِ اللَّهِ تَعالى، كَما قالَ: ﴿واللَّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ﴾ [الجمعة: ١١] وقِيلَ: كانَ ذَلِكَ في الوَرَثَةِ واجِبًا فَنَسَخَتْهُ آيَةُ المِيراثِ، والضَّمِيرُ في (مِنهُ) عائِدٌ عَلى المالِ المَقْسُومِ، ودَلَّ عَلَيْهِ القِسْمَةُ، لِأنَّ القِسْمَةَ وهي المَصْدَرُ تَدُلُّ عَلى مُتَعَلِّقِها وهو المالُ. وقِيلَ: يَعُودُ إلى (ما) مِن قَوْلِهِ: ﴿مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ . ومَن قالَ: القِسْمَةُ المَقْسُومُ - أعادَ الضَّمِيرَ إلى القِسْمَةِ عَلى مَعْنى التَّذْكِيرِ، إذِ المُرادُ المَقْسُومُ. وقَدَّمَ اليَتامى عَلى المَساكِينِ لِأنَّ ضَعْفَهم أكْثَرُ، وحاجَتُهم أشَدُّ، فَوَضْعُ الصَّدَقاتِ فِيهِمْ أفْضَلُ وأعْظَمُ لِلْأجْرِ. والظّاهِرُ أنَّهم يُرْزَقُونَ مِن عَيْنِ المالِ المَقْسُومِ، ورَأى عُبَيْدَةُ وابْنُ سِيرِينَ: أنَّ الرِّزْقَ في هَذِهِ الآيَةِ أنْ يُصْنَعَ لَهم طَعامٌ يَأْكُلُونَهُ، وفَعَلا ذَلِكَ، وذَبَحا شاةً مِنَ التَّرِكَةِ، وقُسِّمَ عِنْدَ عُبَيْدَةَ مالٌ لِيَتِيمٍ فاشْتَرى مِنهُ شاةً وذَبَحَها، وقالَ عُبَيْدَةُ: لَوْلا هَذِهِ لَكانَتْ مِن مالِي. وقَوْلُهُ: (مِنهُ) يَدُلُّ عَلى التَّبْعِيضِ، ولا تَقْدِيرَ فِيهِ بِالإجْماعِ، وهَذا مِمّا يَدُلُّ عَلى النَّدْبِ. إذْ لَوْ كانَ لِهَؤُلاءِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ لَبَيَّنَ اللَّهُ قَدْرَ ذَلِكَ الحَقِّ، كَما بَيَّنَ في سائِرِ الحُقُوقِ. وعَلى هَذا فُقَهاءُ الأمْصارِ إذا كانَ الوَرَثَةُ كِبارًا، وإنْ كانُوا صِغارًا فَلَيْسَ إلّا القَوْلُ المَعْرُوفُ. والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿وقُولُوا لَهُمْ﴾ عائِدٌ عَلى ما عادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ في فارْزُقُوهم، وهم: أُولُو القُرْبى واليَتامى والمَساكِينُ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الآيَةُ مُحْكَمَةٌ في الوَصِيَّةِ، والضَّمِيرُ في فارْزُقُوهم عائِدٌ عَلى أُولِي القُرْبى المُوصى لَهم، وفي (لَهم) عائِدٌ عَلى اليَتامى والمَساكِينِ. أمَرَ أنْ يُقالَ لَهم قَوْلٌ مَعْرُوفٌ. وقِيلَ أيْضًا بِتَفْرِيقِ الضَّمِيرِ، ويَكُونُ المُرادُ مِن أُولِي القُرْبى الَّذِينَ يَرِثُونَ، والمُرادُ مِنَ اليَتامى والمَساكِينِ الَّذِينَ لا يَرِثُونَ. فَقَوْلُهُ: ﴿فارْزُقُوهُمْ﴾ راجِعٌ إلى أُولِي القُرْبى. وقَوْلُهُ: (لَهم) راجِعٌ إلى اليَتامى والمَساكِينِ. وما قِيلَ مِن تَفْرِيقِ الضَّمِيرِ تَحَكُّمٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ. والمَقُولُ المَعْرُوفُ فَسَّرَهُ هُنا ابْنُ جُبَيْرٍ، أنْ يَقُولَ لَهم: هَذا المالُ لِقَوْمٍ غُيَّبٍ أوْ لِيَتامى صِغارٍ، ولَيْسَ لَكم فِيهِ حَقٌّ. وقِيلَ: الدُّعاءُ لَهم بِالرِّزْقِ والغِنى. وقِيلَ: هو القَوْلُ الدّالُّ عَلى اسْتِقْلالِ ما أرْضَخُوهم بِهِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ. وقِيلَ: العِدَةُ الحَسَنَةُ بِأنْ يُقالَ: هَؤُلاءِ أيْتامٌ صِغارٌ، فَإذا بَلَغُوا أمَرْناهم أنْ يَعْرِفُوا حَقَّكم، قالَهُ عَطاءُ بْنُ يَسارٍ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ. وقِيلَ: المَعْرُوفُ ما يُؤْنَسُ بِهِ مِن دُعاءٍ وغَيْرِهِ. (p-١٧٧)وظاهِرُ الكَلامِ أنَّ الأصْنافَ الثَّلاثَةَ يَجْمَعُ لَهم بَيْنَ الرِّزْقِ والقَوْلِ المَعْرُوفِ. وقِيلَ: إمّا أنْ يُعْطُوا وإمّا أنْ يُقالَ لَهم قَوْلٌ مَعْرُوفٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب