الباحث القرآني

﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا لِيُطاعَ بِإذْنِ اللَّهِ ولَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوّابًا رَحِيمًا﴾ ﴿فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] ﴿ولَوْ أنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أنِ اقْتُلُوا أنْفُسَكم أوِ اخْرُجُوا مِن دِيارِكم ما فَعَلُوهُ إلّا قَلِيلٌ مِنهم ولَوْ أنَّهم فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْرًا لَهم وأشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦] ﴿وإذًا لَآتَيْناهم مِن لَدُنّا أجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٦٧] ﴿ولَهَدَيْناهم صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [النساء: ٦٨] ﴿ومَن يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] ﴿ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وكَفى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٧٠] ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكم فانْفِرُوا ثُباتٍ أوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١] ﴿وإنَّ مِنكم لَمَن لَيُبَطِّئَنَّ فَإنْ أصابَتْكم مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إذْ لَمْ أكُنْ مَعَهم شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٢] شَجَرَ الأمْرُ: التَبَسَ يَشْجُرُ شُجُورًا، وشَجَرًا، وشاجَرَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ في الأمْرِ نازَعَهُ فِيهِ، وتَشاجَرُوا. وخَشَباتُ الهَوْدَجِ يُقالُ لَها شِجارٌ؛ لِتَداخُلِ بَعْضِها بِبَعْضٍ. ورُمْحٌ شاجِرٌ والشَّجِيرُ الَّذِي امْتَزَجَتْ مَوَدَّتُهُ بِمَوَدَّةِ غَيْرِهِ، وهو مِنَ الشَّجَرِ شُبِّهَ بِالتِفافِ الأغْصانِ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ المادَّةِ في البَقَرَةِ، وأُعِيدَتْ لِمَزِيدِ الفائِدَةِ. نَفَرَ الرَّجُلُ يَنْفِرُ نَفِيرًا، خَرَجَ مُجِدًّا بِكَسْرِ الفاءِ في المُضارِعِ وضَمِّها، وأصْلُهُ الفَزَعُ. يُقالُ: نَفَرَ إلَيْهِ إذا فَزِعَ إلَيْهِ؛ أيْ طَلَبَ إزالَةَ الفَزَعِ. والنَّفِيرُ النّافُورُ والنَّفَرُ الجَماعَةُ. ونَفَرَتِ الدّابَّةُ تَنْفِرُ بِضَمِّ الفاءِ نُفُورًا؛ أيْ هَرَبَتْ بِاسْتِعْجالٍ. الثِّبَةُ: الجَماعَةُ الِاثْنانِ والثَّلاثَةُ في كَلامِ العَرَبِ قالَهُ الماتُرِيدِيُّ. وقِيلَ هي فَوْقَ العَشْرَةِ مِنَ الرِّجالِ، وزْنُها فِعْلَةٌ. ولامُها قِيلَ واوٌ، وقِيلَ ياءٌ؛ مُشْتَقَّةٌ مِن: تَثَبَّيْتُ عَلى الرَّجُلِ إذا أثْنَيْتَ عَلَيْهِ، كَأنَّكَ جَمَعْتَ مَحاسِنَهُ. ومَن قالَ: إنَّ لامَها واوٌ، جَعَلَها مِن (ثَبا) يَثْبُو مِثْلَ حَلا يَحْلُو. وتُجْمَعُ بِالألِفِ والتّاءِ وبِالواوِ والنُّونِ فَتُضَمُّ في هَذا الجَمْعِ تاؤُهْا، أوْ تُكْسَرُ، وثِبَةُ الحَوْضِ وسَطُهُ الَّذِي يَثُوبُ الماءُ إلَيْهِ، المَحْذُوفُ مِنهُ عَيْنُهُ؛ لِأنَّهُ مِن ثابَ يَثُوبُ؛ وتَصْغِيرُهُ ثُوَيْبَةٌ كَما تَقُولُ في سَهٍّ سُيَيْهَةٌ، وتَصْغِيرُ تِلْكَ ثُبَيَّةٌ. البُطْءُ: التَّثَبُّطُ عَنِ الشَّيْءِ. يُقالُ: أبْطَأ، وبَطُؤَ مِثْلَ أسْرَعَ، وسَرُعَ مُقابِلَهُ، وبُطْآنِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنى بَطُؤَ. ﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا لِيُطاعَ بِإذْنِ اللَّهِ﴾ نَبَّهَ تَعالى عَلى جَلالَةِ الرُّسُلِ، وأنَّ العالَمَ يَلْزَمُهم طاعَتُهم والرَّسُولُ مِنهم تَجِبُ طاعَتُهُ. ولامُ ﴿لِيُطاعَ﴾ لامُ كَيْ، وهو اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِنَ المَفْعُولِ مِن أجْلِهِ؛ أيْ: وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ إلّا لِأجْلِ الطّاعَةِ. وبِإذْنِ اللَّهِ؛ أيْ بِأمْرِهِ؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. أوْ بِعِلْمِهِ وتَوْفِيقِهِ وإرْشادِهِ. وحَقِيقَةُ الإذْنِ التَّمْكِينُ مَعَ العِلْمِ بِقَدْرِ ما مُكِّنَ فِيهِ. والظّاهِرُ أنَّ ﴿بِإذْنِ اللَّهِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيُطاعَ﴾ . وقِيلَ بِأرْسَلْنا؛ أيْ: وما أرْسَلْنا بِأمْرِ اللَّهِ؛ أيْ بِشَرِيعَتِهِ، ودِينِهِ وعِبادَتِهِ مِن رَسُولٍ إلّا لِيُطاعَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وعَلى التَّعْلِيقَيْنِ فالكَلامُ عامُّ اللَّفْظِ، خاصُّ (p-٢٨٣)المَعْنى لِأنّا نَقْطَعُ أنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى قَدْ أرادَ مِن بَعْضِ خَلْقِهِ أنْ لا يُطِيعُوهُ؛ ولِذَلِكَ خَرَّجَتْ طائِفَةٌ مَعْنى الإذْنِ إلى العِلْمِ، وطائِفَةٌ خَرَّجَتْهُ إلى الإرْشادِ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وهو تَخْرِيجٌ حَسَنٌ؛ لِأنَّ اللَّهَ إذا عَلِمَ مِن أحَدٍ أنَّهُ يُؤْمِنُ وفَّقَهُ لِذَلِكَ؛ فَكَأنَّهُ أذِنَ لَهُ. انْتَهى. ولا يَلْزَمُ ما ذَكَرَهُ مِن أنَّ الكَلامَ عامُّ اللَّفْظِ خاصُّ المَعْنى؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِيُطاعَ﴾ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، ولا يَلْزَمُ مِنَ الفاعِلِ المَحْذُوفِ أنْ يَكُونَ عامًّا؛ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لِيُطِيعَهُ العالَمُ، بَلِ المَحْذُوفُ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ خاصًّا لِيُوافِقَ المَوْجُودَ، فَيَكُونَ أصْلَهُ: إلّا لِيُطِيعَهُ مَن أرَدْنا طاعَتَهُ. وقالَ عَبْدُ اللَّهِ الرّازِيُّ: والآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّهُ لا رَسُولَ إلّا ومَعَهُ شَرِيعَةٌ لِيَكُونَ مُطاعًا في تِلْكَ الشَّرِيعَةِ ومَتْبُوعًا فِيها؛ إذْ لَوْ كانَ لا يَدْعُو إلّا إلى شَرْعِ مَن قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ هو في الحَقِيقَةِ مُطاعًا؛ بَلِ المُطاعُ هو الرَّسُولُ المُتَقَدِّمُ الَّذِي هو الواضِعُ لِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ، واللَّهُ تَعالى حَكَمَ عَلى كُلِّ رَسُولٍ بِأنَّهُ مُطاعٌ انْتَهى. ولا يُعْجِبُنِي قَوْلُهُ: الواضِعُ لِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ والأحْسَنُ أنْ يُقالَ: الَّذِي جاءَ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ مِن عِنْدِ اللَّهِ. * * * ﴿ولَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوّابًا رَحِيمًا﴾ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِسُخْطِهِمْ لِقَضائِكَ أوْ بِتَحاكُمِهِمْ إلى الطّاغُوتِ، أوْ بِجَمِيعِ ما صَدَرَ عَنْهم مِنَ المَعاصِي. جاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ بِالإخْلاصِ، واعْتَذَرُوا إلَيْكَ. واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ؛ أيْ شَفَعَ لَهُمُ الرَّسُولُ في غُفْرانِ ذُنُوبِهِمْ. والعامِلُ في إذْ جاءُوكَ والتَفَتَ في قَوْلِهِ: ﴿واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ ولَمْ يَجِئْ عَلى ضَمِيرِ الخِطابِ في جاءُوكَ تَفْخِيمًا لِشَأْنِ الرَّسُولِ، وتَعْظِيمًا لِاسْتِغْفارِهِ، وتَنْبِيهًا عَلى أنَّ شَفاعَةَ مَنِ اسْمُهُ الرَّسُولُ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِمَكانٍ، وعَلى أنَّ هَذا الوَصْفَ الشَّرِيفَ، وهو إرْسالُ اللَّهِ إيّاهُ مُوجِبٌ لِطاعَتِهِ، وعَلى أنَّهُ مُنْدَرِجٌ في عُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا لِيُطاعَ بِإذْنِ اللَّهِ﴾ . ومَعْنى وجَدُوا: عَلِمُوا؛ أيْ بِإخْبارِهِ أنَّهُ قَبِلَ تَوْبَتَهم، ورَحِمَهم. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ ما مُلَخَّصُهُ: فائِدَةٌ ضُمَّ اسْتِغْفارُ الرَّسُولِ إلى اسْتِغْفارِهِمْ بِأنَّهم بِتَحاكُمِهِمْ إلى الطّاغُوتِ خالَفُوا حُكْمَ اللَّهِ، وأساءُوا إلى الرَّسُولِ ﷺ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أنْ يَعْتَذِرُوا ويَطْلُبُوا مِنَ الرَّسُولِ الِاسْتِغْفارَ. أوْ لَمّا لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ الرَّسُولِ ظَهَرَ مِنهُمُ التَّمَرُّدُ؛ فَإذا تابُوا وجَبَ أنْ يَظْهَرَ مِنهم ما يُزِيلُ التَّمَرُّدَ بِأنْ يَذْهَبُوا إلى الرَّسُولِ، ويَطْلُبُوا مِنهُ الِاسْتِغْفارَ أوْ إذا تابُوا بِالتَّوْبَةِ أتَوْا بِها عَلى وجْهٍ مِنَ الخَلَلِ، فَإذا انْضَمَّ إلَيْها اسْتِغْفارُ الرَّسُولِ ﷺ صارَتْ مُسْتَحَقَّةً. والآيَةُ تَدُلُّ عَلى قَبُولِ تَوْبَةِ التّائِبِ؛ لِأنَّهُ قالَ بَعْدَها: ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ﴾، وهَذا لا يَنْطَبِقُ عَلى ذَلِكَ الكَلامِ إلّا إذا كانَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿تَوّابًا رَحِيمًا﴾ قَبُولَ تَوْبَتِهِ انْتَهى. ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ أنَّهُ قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا أعْرابِيٌّ بَعْدَما دَفَنّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِثَلاثَةِ أيّامٍ فَرَمى بِنَفْسِهِ عَلى قَبْرِهِ، وحَثا مِن تُرابِهِ عَلى رَأْسِهِ، ثُمَّ قالَ: ؎يا خَيْرَ مَن دُفِنَتْ في التُّرْبِ أعْظُمُهُ فَطابَ مِن طِيبِهِنَّ القاعُ والأكَمُ ؎نَفْسِي الفِداءُ لِقَبْرٍ أنْتَ ساكِنُهُ ∗∗∗ فِيهِ العَفافُ، وفِيهِ الجُودُ والكَرَمُ ثُمَّ قالَ: قَدْ قُلْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ فَسَمِعْنا قَوْلَكَ، ووَعَيْتَ عَنِ اللَّهِ فَوَعَيْنا عَنْكَ، وكانَ فِيما أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ ﴿ولَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوكَ﴾ الآيَةَ، وقَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وجِئْتُ أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبِي، فاسْتَغْفِرْ لِي مِن رَبِّي، فَنُودِيَ مِنَ القَبْرِ أنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب