الباحث القرآني
﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشَّيْطانُ أنْ يُضِلَّهم ضَلالًا بَعِيدًا﴾ ذُكِرَ في سَبَبِ نُزُولِها قَصَصٌ طَوِيلٌ مُلَخَّصُهُ: أنَّ أبا بُرْدَةَ الأسْلَمِيَّ كانَ كاهِنًا يَقْضِي بَيْنَ اليَهُودِ، فَتَنافَرَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِن أسْلَمَ، أوْ أنَّ قَيْسًا الأنْصارِيَّ أحَدَ مَن يَدَّعِي الإسْلامَ، ورَجُلًا مِنَ اليَهُودِ تَداعَيا إلى الكاهِنِ، وتَرَكا الرَّسُولَ ﷺ بَعْدَما دَعا اليَهُودِيُّ إلى الرَّسُولِ والأنْصارِيُّ يَأْبى إلّا الكاهِنَ. أوْ أنَّ مُنافِقًا ويَهُودِيًّا اخْتَصَما؛ فاخْتارَ اليَهُودِيُّ الرَّسُولَ ﷺ، واخْتارَ المُنافِقُ كَعْبَ بْنَ الأشْرَفِ؛ فَأبى اليَهُودِيُّ، وتَحاكَما إلى الرَّسُولِ فَقَضى لِلْيَهُودِيِّ، فَخَرَجا ولَزِمَهُ المُنافِقُ، وقالَ: نَنْطَلِقُ إلى عُمَرَ، فانْطَلَقا إلَيْهِ فَقالَ اليَهُودِيُّ: قَدْ تَحاكَمْنا إلى الرَّسُولِ ﷺ، فَلَمْ يَرْضَ بِقَضائِهِ، فَأقَرَّ المُنافِقُ بِذَلِكَ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَتَلَهُ عُمَرُ، وقالَ: هَكَذا أقْضِي فِيمَن لَمْ يَرْضَ بِقَضاءِ اللَّهِ، وقَضاءِ رَسُولِهِ.
ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها (p-٢٨٠)ظاهِرَةٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِطاعَةِ اللَّهِ ورَسُولِهِ، وأُولِي الأمْرِ ذَكَرَ أنَّهُ يَعْجَبُ بَعْدَ وُرُودِ هَذا الأمْرِ مِن حالِ مَن يَدَّعِي الإيمانَ، ويُرِيدُ أنْ يَتَحاكَمَ إلى الطّاغُوتِ، ويَتْرُكَ الرَّسُولَ. وظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ؛ لِأنَّهُ قالَ: يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِما أنْزِلُ إلَيْكَ، وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ؛ فَلَوْ كانَتْ في يَهُودٍ أوْ في مُؤْمِنٍ ويَهُودِيٍّ كانَ ذَلِكَ بَعِيدًا مِن لَفْظِ الآيَةِ، إلّا إنْ حُمِلَ عَلى التَّوْزِيعِ؛ فَيَجْعَلُ بِما أنْزِلُ إلَيْكَ في مُنافِقٍ، وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ في يَهُودِيٍّ، وشُمِلُوا في ضَمِيرِ ﴿يَزْعُمُونَ﴾ فَيُمْكِنُ. وقالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ مِن قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، تَفاخَرُوا بِسَبَبِ تَكافُؤِ دِمائِهِمْ؛ إذْ كانَتِ النَّضِيرُ في الجاهِلِيَّةِ تَدِي مَن قَتَلَتْ، وتَسْتَقِيهِ إذا قَتَلَتْ قُرَيْظَةُ مِنهم، فَأبَتْ قُرَيْظَةُ لَمّا جاءَ الإسْلامُ، وطَلَبُوا المُنافَرَةَ، فَدَعا المُؤْمِنُونَ مِنهم إلى النَّبِيِّ ﷺ، ودَعا المُنافِقُونَ إلى بُرْدَةَ الكاهِنِ فَنَزَلَتْ. وقالَ الحَسَنُ: احْتَكَمَ المُنافِقُونَ بِالقِداحِ الَّتِي يُضْرَبُ بِها عِنْدَ الأوْثانِ فَنَزَلَتْ. أوْ لِسَبَبِ اخْتِلافِهِمْ في أسْبابِ النُّزُولِ اخْتَلَفُوا في الطّاغُوتِ. فَقِيلَ كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ. وقِيلَ الأوْثانُ، وقِيلَ ما عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ، وقِيلَ الكُهّانُ.
* * *
﴿وقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ مِن قَوْلِهِ: يُرِيدُونَ. و(يُرِيدُونَ) حالٌ؛ فَهي حالٌ مُتَداخِلَةٌ. وأعادَ الضَّمِيرُ هُنا مُذَكَّرًا، وأعادَهُ مُؤَنَّثًا في قَوْلِهِ: ﴿اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها﴾ [الزمر: ١٧] . وقَرَأ بِها هَنا عَبّاسُ بْنُ الفَضْلِ عَلى التَّأْنِيثِ، وأعادَ الضَّمِيرَ كَضَمِيرِ جَمْعِ العُقَلاءِ في قَوْلِهِ: ﴿أوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٧] .
﴿ويُرِيدُ الشَّيْطانُ أنْ يُضِلَّهم ضَلالًا بَعِيدًا﴾ ضَلالًا لَيْسَ جارِيًا عَلى ﴿يُضِلَّهُمْ﴾؛ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جُعِلَ مَكانَ (إضْلالٍ)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرَ المُطاوِعِ ﴿يُضِلَّهُمْ﴾؛ أيْ فَيَضِلُّونَ ضَلالًا بَعِيدًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ، وما أُنْزِلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فِيهِما. وقُرِئَ: مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ فِيهِما.
﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا إلى ما أنْزَلَ اللَّهُ وإلى الرَّسُولِ رَأيْتَ المُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ قَرَأ الحَسَنُ: تَعالُوا بِضَمِّ اللّامِ. قالَ أبُو الفَتْحِ: وجْهُها أنَّ لامَ الفِعْلِ مِن تَعالَيْتُ حُذِفَتْ تَخْفِيفًا، وضُمَّتِ اللّامُ الَّتِي هي عَيْنُ الفِعْلِ؛ لِوُقُوعِ واوِ الجَمْعِ بَعْدَها. ونَظَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَذْفَ لامِ الكَلِمَةِ هُنا بِحَذْفِها في قَوْلِهِمْ: ما بالَيْتُ بِهِ بالَةً؛ وأصْلُهُ: بالِيَةٌ كَعافِيَةٍ. وكَمَذْهَبِ الكِسائِيِّ في (آيَةٍ) أنَّ أصْلَها (أيْلَةٌ) فَحُذِفَتِ اللّامُ. قالَ: ومِنهُ قَوْلُ أهْلِ مَكَّةَ: تَعالِي بِكَسْرِ اللّامِ لِلْمَرْأةِ. وفي شِعْرِ الحَمَدانِيِّ:
؎تَعالِي أُقاسِمْكِ الهُمُومَ تَعالِي
والوَجْهُ: فَتْحُ اللّامِ انْتَهى. وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: قَوْلُ أهْلِ مَكَّةَ (تَعالِي) يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ عَرَبِيَّةً قَدِيمَةً، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمّا غَيَّرَتْهُ عَنْ وجْهِهِ العَرَبِيِّ فَلا يَكُونُ عَرَبِيًّا. وأمّا قَوْلُهُ في شِعْرِ الحَمَدانِيِّ فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهم بِأنَّهُ أبُو فِراسٍ. وطالَعْتُ دِيوانَهُ جَمْعَ الحُسَيْنِ بْنِ خالَوَيْهِ فَلَمْ أجِدْ ذَلِكَ فِيهِ. وبَنُو حَمْدانَ كَثِيرُونَ، وفِيهِمْ عِدَّةٌ مِنَ الشُّعَراءِ؛ وعَلى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ ذَلِكَ في شِعْرِهِمْ لا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأنَّهُ لا يُسْتَشْهَدُ بِكَلامِ المُوَلَّدِينَ. والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ: ﴿رَأيْتَ المُنافِقِينَ﴾ أنَّها مِن رُؤْيَةِ العَيْنِ، صَدُّوا مُجاهَرَةً، وتَصْرِيحًا؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن رُؤْيَةِ القَلْبِ؛ أيْ عُلِمَتْ. ويَكُونُ صَدُّهم مَكْرًا وتَخابُثًا ومُسارَقَةً حَتّى لا يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنهُ إلّا بِالتَّأْوِيلِ عَلَيْهِ. وصُدُودًا: مَصْدَرٌ لِـ (صَدَّ)، وهو هُنا مُتَعَدٍّ بِحَرْفِ الجَرِّ، وقَدْ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ نَحْوَ: ﴿فَصَدَّهم عَنِ السَّبِيلِ﴾ [النمل: ٢٤] . وقِياسُ صَدَّ في المَصْدَرِ فَعَلَ نَحْوَ: صَدَّهُ صَدًّا. وحَكى ابْنُ عَطِيَّةَ: أنَّ ﴿صُدُودًا﴾ هُنا لَيْسَ مَصْدَرًا والمَصْدَرُ عِنْدَهُ (صَدٌّ) .
﴿فَكَيْفَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ ثُمَّ جاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنْ أرَدْنا إلّا إحْسانًا وتَوْفِيقًا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: كَيْفَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ تَقْدِيرُهُ: كَيْفَ تَراهم، أوْ في مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ أيْ فَكَيْفَ صَنِيعُهم والمُصِيبَةُ. قالَ الزَّجّاجُ: قُتِلَ عُمَرُ الَّذِي رَدَّ حُكْمَ الرَّسُولِ ﷺ . وقِيلَ كُلُّ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُنافِقِينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ثُمَّ عادَ الكَلامُ إلى ما سَبَقَ يُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِمْ، فَقالَ: ﴿ثُمَّ جاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ . وقِيلَ هي هَدْمُ مَسْجِدِ الضِّرارِ؛ وفِيهِ نَزَلَتِ الآيَةُ، حَلَفُوا دِفاعًا عَنْ أنْفُسِهِمْ ما أرَدْنا بِبِناءِ المَسْجِدِ إلّا طاعَةً، ومُوافَقَةَ الكِتابِ. وقِيلَ تَرْكُ الِاسْتِعانَةِ (p-٢٨١)بِهِمْ، وما يَلْحَقُهم مِنَ الذُّلِّ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أبَدًا ولَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا﴾ [التوبة: ٨٣]، والَّذِي قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ رَدُّهم حُكْمَ الرَّسُولِ أوْ مَعاصِيهِمُ المُتَقَدِّمَةُ أوْ نِفاقُهم، واسْتِهْزاؤُهم ثَلاثَةَ أقْوالٍ. وقِيلَ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا إحْسانًا وتَوْفِيقًا﴾؛ أيْ ما أرَدْنا بِطَلَبِ دَمِ صاحِبِنا الَّذِي قَتَلَهُ عُمَرُ إلّا إحْسانًا إلَيْنا، وما يُوافِقُ الحَقَّ في أمْرِنا. وقِيلَ ما أرَدْنا بِالرَّفْعِ إلى عُمَرَ إلّا إحْسانًا إلى صاحِبِنا بِحُكُومَةِ العَدْلِ، وتَوْفِيقًا بَيْنَهُ وبَيْنَ خَصْمِهِ. وقِيلَ جاءُوا يَعْتَذِرُونَ إلى الرَّسُولِ ﷺ مِن مُحاكَمَتِهِمْ إلى غَيْرِهِ ما أرَدْنا في عُدُولِنا عَنْكَ إلّا إحْسانًا بِالتَّقْرِيبِ في الحُكْمِ، وتَوْفِيقًا بَيْنَ الخُصُومِ دُونَ الحَمْلِ عَلى الحَقِّ. وفي قَوْلِهِ: ﴿فَكَيْفَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ﴾ وعِيدٌ لَهم عَلى فِعْلِهِمْ، وأنَّهم سَيَنْدَمُونَ عَلَيْهِ عِنْدَ حُلُولِ بَأْسِ اللَّهِ تَعالى حِينَ لا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ، ولا يُغْنِي عَنْهُمُ الِاعْتِذارُ.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما في قُلُوبِهِمْ فَأعْرِضْ عَنْهم وعِظْهم وقُلْ لَهم في أنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ أيْ: يَعْلَمُ ما في قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفاقِ. والمَعْنى: يَعْلَمُهُ فَيُجازِيهِمْ عَلَيْهِ، أوْ يُجازِيهِمْ عَلى ما أسَرُّوهُ مِنَ الكُفْرِ، وأظْهَرُوهُ مِنَ الحَلِفِ الكاذِبِ. وعَبَّرَ بِالعِلْمِ عَنِ المُجازاةِ. فَأعْرِضْ عَنْهم: أيْ عَنْ مُعاتَبَتِهِمْ وشَغْلِ البالِ بِهِمْ، وقَبُولِ إيمانِهِمْ وأعْذارِهِمْ. وقِيلَ: المَعْنى بِالإعْراضِ مُعامَلَتُهم بِالرِّفْقِ والأناةِ، فَفي ذَلِكَ تَأْدِيبٌ لَهم؛ وهو عِتابُهم. ولا يُرادُ بِالإعْراضِ الهَجْرُ والقَطِيعَةُ؛ فَإنَّ قَوْلَهُ: وعِظْهم يَمْنَعُ مِن ذَلِكَ. وعِظْهم: أيْ خَوِّفْهم بِعَذابِ اللَّهِ وازْجُرْهم. وأنْكَرُ عَلَيْهِمْ أنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ما فَعَلُوا.
والقَوْلُ البَلِيغُ هو الزَّجْرُ والرَّدْعُ. قالَ الحَسَنُ: هو التَّوَعُّدُ بِالقَتْلِ إنِ اسْتَدامُوا حالَةَ النِّفاقِ. ويَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: ﴿فِي أنْفُسِهِمْ﴾ بِقَوْلِهِ: قُلْ عَلى أحَدِ مَعْنَيَيْنِ؛ أيْ: قُلْ لَهم خالِيًا بِهِمْ لا يَكُونُ مَعَهم أحَدٌ مِن غَيْرِهِمْ مُسارًّا؛ لِأنَّ النُّصْحَ إذا كانَ في السِّرِّ كانَ أنْجَحَ، وكانَ بِصَدَدِ أنْ يُقْبَلَ سَرِيعًا. ومَعْنى ﴿بَلِيغًا﴾: أيْ مُؤَثِّرًا فِيهِمْ. أوْ قُلْ لَهم في مَعْنى أنْفُسِهِمُ النَّجِسَةِ المُنْطَوِيَةِ عَلى النِّفاقِ قَوْلًا يَبْلُغُ مِنهم ما يَزْجُرُهم عَنِ العَوْدِ إلى ما فَعَلُوا.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: بِمَ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ: ﴿فِي أنْفُسِهِمْ﴾ ؟ قُلْتُ: بِقَوْلِهِ: ﴿بَلِيغًا﴾ أيْ: قُلْ لَهم قَوْلًا بَلِيغًا في أنْفُسِهِمْ؛ مُؤَثِّرًا في قُلُوبِهِمْ يَغْتَمُّونَ بِهِ اغْتِمامًا، ويَسْتَشْعِرُونَ مِنهُ الخَوْفَ اسْتِشْعارًا، وهو التَّوَعُّدُ بِالقَتْلِ والِاسْتِئْصالِ إنْ نَجَمَ مِنهُمُ النِّفاقُ، وأطْلَعَ قَرْنَهُ، وأخْبَرَهم أنَّ ما في نُفُوسِهِمْ مِنَ الدَّغَلِ والنِّفاقِ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ، وأنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَكم وبَيْنَ المُشْرِكِينَ. وما هَذِهِ المُكافَّةُ إلّا لِإظْهارِكُمُ الإيمانَ، وإسْرارِكُمُ الكُفْرَ وإضْمارِهِ؛ فَإنْ فَعَلْتُمْ ما تَكْشِفُونَ بِهِ غِطاءَكم لَمْ يَبْقَ إلّا السَّيْفُ، انْتَهى كَلامُهُ. وتَعْلِيقُهُ في أنْفُسِهِمْ بِقَوْلِهِ: بَلِيغًا لا يَجُوزُ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ، لِأنَّ مَعْمُولَ الصِّفَةِ لا يَتَقَدَّمُ عِنْدَهم عَلى المَوْصُوفِ. لَوْ قُلْتُ: هَذا رَجُلٌ (p-٢٨٢)ضارِبٌ زَيْدًا لَمْ يَجُزْ أنْ تَقُولَ: هَذا زَيْدًا رَجُلٌ ضارِبٌ، لِأنَّ حَقَّ المَعْمُولِ ألّا يَحِلَّ إلّا في مَوْضِعٍ يَحِلُّ فِيهِ العامِلُ؛ ومَعْلُومٌ أنَّ النَّعْتَ لا يَتَقَدَّمُ عَلى المَنعُوتِ؛ لِأنَّهُ تابِعٌ، والتّابِعُ في ذَلِكَ بِمَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ. وأمّا ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الكَلامِ المُسْهَبِ فَهو مِن نَوْعِ الخَطابَةِ، وتَحْمِيلِ لَفْظِ القُرْآنِ ما لا يَحْتَمِلُهُ، وتَقْوِيلِ اللَّهِ تَعالى ما لَمْ يَقُلْهُ، وتِلْكَ عادَتُهُ في تَفْسِيرِهِ وهو تَكْثِيرُ الألْفاظِ، ونِسْبَةِ أشْياءَ إلى اللَّهِ تَعالى لَمْ يَقُلْها اللَّهُ تَعالى، ولا دَلَّ عَلَيْها اللَّفْظُ دَلالَةً واضِحَةً، والتَّفْسِيرُ في الحَقِيقَةِ إنَّما هو شَرْحُ اللَّفْظِ المُسْتَغْلَقِ عِنْدَ السّامِعِ مِمّا هو واضِحٌ عِنْدَهُ مِمّا يُرادِفُهُ أوْ يُقارِبُهُ، أوْ لَهُ دَلالَةٌ عَلَيْهِ بِإحْدى طُرُقِ الدَّلالاتِ. وحُكِيَ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فِي أنْفُسِهِمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: مُصِيبَةٌ، وهو مُؤَخَّرٌ بِمَعْنى التَّقْدِيمِ؛ وهَذا يُنَزَّهُ مُجاهِدٌ أنْ يَقُولَهُ، فَإنَّهُ في غايَةِ الفَسادِ.
* * *
من الآية الرابعة والستين للآية الثانية والسبعين
{"ayahs_start":60,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ یُرِیدُونَ أَن یَتَحَاكَمُوۤا۟ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوۤا۟ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِهِۦۖ وَیُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُضِلَّهُمۡ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدࣰا","وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَیۡتَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ یَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودࣰا","فَكَیۡفَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ جَاۤءُوكَ یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡسَـٰنࣰا وَتَوۡفِیقًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِیغࣰا"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ یُرِیدُونَ أَن یَتَحَاكَمُوۤا۟ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوۤا۟ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِهِۦۖ وَیُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُضِلَّهُمۡ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق