الباحث القرآني

﴿ويَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ الضَّمِيرُ في يَقُولُونَ عائِدٌ عَلى الَّذِينَ أُوتُوا. وفي سَبَبِ النُّزُولِ أنَّ كَعْبًا هو قائِلُ هَذِهِ المَقالَةِ. والجُمْلَةُ مِن يُؤْمِنُونَ حالٌ، ويَقُولُونَ مَعْطُوفٌ عَلى يُؤْمِنُونَ فَهي حالٌ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافَ أخْبارٍ تُبَيِّنُ التَّعَجُّبَ مِنهم كَأنَّهُ قالَ: ألا تَعْجَبُ إلى حالِ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا؛ فَكَأنَّهُ قِيلَ، وما حالُهم، وهم قَدْ أُوتُوا نَصِيبًا مِن كِتابِ اللَّهِ ؟ فَقالَ: يُؤْمِنُونَ بِكَذا، ويَقُولُونَ كَذا؛ أيْ أنَّ أحْوالَهم مُتَنافِيَةٌ؛ فَكَوْنُهم أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ يَقْتَضِي لَهم أنْ لا يَقَعُوا فِيما وقَعُوا فِيهِ؛ ولَكِنَّ الحامِلَ لَهم عَلى ذَلِكَ هو الحَسَدُ. واللّامُ في لِلَّذِينِ كَفَرُوا لِلتَّبْلِيغِ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَقُولُونَ. والَّذِينَ كَفَرُوا هم قُرَيْشٌ والإشارَةُ بِهَؤُلاءِ إلَيْهِمْ والَّذِينَ آمَنُوا هُمُ النَّبِيُّ وأُمَّتُهُ. والظّاهِرُ أنَّهم أطْلَقُوا أفْعَلَ التَّفْضِيلِ، ولَمْ يَلْحَظُوا مَعْنى التَّشْرِيكِ فِيهِ، أوْ قالُوا ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ لِكُفْرِهِمْ. ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ إشارَةٌ إلى مَن آمَنَ بِالجِبْتِ والطّاغُوتِ، وقالَ تِلْكَ المَقالَةَ، أبْعَدَهُمُ اللَّهُ تَعالى، ومَقَتَهم. ﴿ومَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾؛ أيْ مَن يَنْصُرُهُ، ويَمْنَعُهُ مِن آثارِ اللَّعْنَةِ، وهو العَذابُ العَظِيمُ. ﴿أمْ لَهم نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ﴾ أمْ هُنا مُنْقَطِعَةُ التَّقْدِيرِ: بَلْ ألَهم نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ انْتَقَلَ مِنَ الكَلامِ إلى كَلامٍ تامٍّ، واسْتَفْهَمَ عَلى الإنْكارِ أنْ يَكُونَ لَهم نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ. وحَكى ابْنُ قُتَيْبَةَ أنَّ أمْ يُسْتَفْهَمُ بِها ابْتِداءً. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ. أمْ هُنا بِمَعْنى بَلْ؛ وفَسَّرُوا عَلى سَبِيلِ الإخْبارِ أنَّهم مُلُوكُ أهْلِ الدُّنْيا، وعُتُوٌّ وتَنَعُّمٌ لا يَبْغُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَهم بُخَلاءُ حَرِيصُونَ عَلى أنْ لا يَكُونَ ظُهُورٌ لِغَيْرِهِمْ. والمَعْنى عَلى القَوْلِ الأوَّلِ: بَلْ ألَهم نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ ؟ فَلَوْ كانَ لَهم نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ لَبَخِلُوا بِهِ. والمُلْكُ مُلْكُ أهْلِ الدُّنْيا؛ وهو الظّاهِرُ، أوْ مُلْكُ اللَّهِ لِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَوْ أنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إذًا لَأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفاقِ﴾ [الإسراء: ١٠٠]، وقِيلَ المالُ؛ لِأنَّهُ بِهِ يُنالُ المُلْكُ، وهو أساسُهُ. وقِيلَ اسْتِحْقاقُ الطّاعَةِ. وقِيلَ النُّبُوَّةُ (p-٢٧٣)وقِيلَ صِدْقُ الفِراسَةِ ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. والأفْصَحُ إلْغاءُ (إذًا) بَعْدَ حَرْفِ العَطْفِ الواوِ والفاءِ، وعَلَيْهِ أكْثَرُ القُرّاءِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ: (لا يُؤْتُوا) بِحَذْفِ النُّونِ عَلى إعْمالِ إذًا. والنّاسُ هُنا العَرَبُ، أوِ المُؤْمِنُونَ، أوِ النَّبِيُّ، أوْ مِنَ اليَهُودِ، وغَيْرِهِمْ أقْوالٌ. والنَّقِيرُ: النُّقْطَةُ في ظَهْرِ النَّواةِ رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وعَطاءٌ وقَتادَةُ والضِّحاكُ، وابْنُ زَيْدٍ والسُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ والفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ في آخَرِينَ. وقِيلَ القِشْرُ يَكُونُ في وسَطِ النَّواةِ. رَواهُ التَّمِيمِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. أوِ الخَيْطُ في وسَطِ النَّواةِ. رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ، أوْ نَقْرُ الرَّجُلِ الشَّيْءَ بِطَرَفِ إبْهامِهِ رَواهُ أبُو العالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. أوْ حَبَّةُ النَّواةِ الَّتِي في وسَطِها رَواهُ ابْنُ أبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ. وقالَ الأزْهَرِيُّ: الفَتِيلُ والنَّقِيرُ والقِطْمِيرُ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلشَّيْءِ التّافِهِ الحَقِيرِ؛ وخُصَّتِ الأشْياءُ الحَقِيرَةُ بِقَوْلِهِ: ”فَتِيلًا“ في قَوْلِهِ: ”ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا“، وهُنا بِقَوْلِهِ نَقِيرًا لِوِفاقِ النَّظِيرِ مِنَ الفَواصِلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب