الباحث القرآني

﴿قُلْ هو نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ ﴿ما كانَ لِيَ مِن عِلْمٍ بِالمَلَإ الأعْلى إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ ﴿إنْ يُوحى إلَيَّ إلّا أنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿إذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ﴾ ﴿فَإذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ ﴿فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهم أجْمَعُونَ﴾ ﴿إلّا إبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وكانَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ ﴿قالَ يا إبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أأسْتَكْبَرْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العالِينَ﴾ ﴿قالَ أنا خَيْرٌ مِنهُ خَلَقْتَنِي مِن نارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ ﴿قالَ فاخْرُجْ مِنها فَإنَّكَ رَجِيمٌ﴾ ﴿وإنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إلى يَوْمِ الدِّينِ﴾ ﴿قالَ رَبِّ فَأنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ﴿قالَ فَإنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ﴾ ﴿إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ ﴿قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿إلّا عِبادَكَ مِنهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ ﴿قالَ فالحَقُّ والحَقَّ أقُولُ﴾ ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ مِنهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ ﴿ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ . الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هو نَبَأٌ﴾ يَعُودُ عَلى ما أخْبَرَ بِهِ مِن كَوْنِهِ رَسُولًا مُنْذِرًا داعِيًا إلى اللَّهِ، وأنَّهُ تَعالى هو المُنْفَرِدُ بِالأُلُوهِيَّةِ، المُتَّصِفُ بِتِلْكَ الأوْصافِ مِنَ الوَحْدانِيَّةِ والقَهْرِ ومُلْكِ العالَمِ وعِزَّتِهِ وغُفْرانِهِ، وهو خَبَرٌ عَظِيمٌ لا يُعْرِضُ عَنْ مِثْلِهِ إلّا غافِلٌ شَدِيدُ الغَفْلَةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: النَّبَأُ العَظِيمُ: القُرْآنُ. وقالَ الحَسَنُ: يَوْمُ القِيامَةِ. وقِيلَ: قَصَصُ آدَمَ والإنْباءُ بِهِ مِن غَيْرِ سَماعٍ مِن أحَدٍ. وقالَ صاحِبُ التَّحْرِيرِ: سِياقُ الآيَةِ وظاهِرُها أنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هو نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾، ما قَصَّهُ اللَّهُ تَعالى مِن مُناظَرَةِ أهْلِ النّارِ ومُقاوَلَةِ الأتْباعِ مَعَ السّاداتِ؛ لِأنَّهُ مِن أحْوالِ البَعْثِ، وقُرَيْشٌ كانْتَ تُنْكِرُ البَعْثَ والحِسابَ والعِقابَ، وهم عَنْ ذَلِكَ مُعْرِضُونَ. وقَوْلُهُ: ﴿ما كانَ لِيَ مِن عِلْمٍ بِالمَلَإ الأعْلى إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾: احْتِجاجٌ عَلى قُرَيْشٍ بِأنَّ ما جاءَ بِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ لا مِن قِبَلِ نَفْسِهِ. فَإنَّ مَن في الأرْضِ ما لَهُ عِلْمٌ بِمَن في السَّماءِ إلّا بِإعْلامِ اللَّهِ تَعالى؛ وعِلْمُ المُغَيَّباتِ لا يُوصَلُ إلَيْهِ إلّا (p-٤٠٩)بِإعْلامِ اللَّهِ تَعالى، وعِلْمُهُ بِأحْوالِ أهْلِ النّارِ، وابْتِداءِ خَلْقِ آدَمَ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ؛ فَإخْبارُهُ بِذَلِكَ هو بِإعْلامِ اللَّهِ، والِاسْتِدْلالُ بِقِصَّةِ آدَمَ؛ لِأنَّهُ أوَّلُ البَشَرِ خَلْقًا، وبَيْنَهُ وبَيْنَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أزْمانٌ مُتَقادِمَةٌ وقُرُونٌ سالِفَةٌ. انْتَهى، وفي آخِرِهِ بَعْضُ اخْتِصارٍ. ثُمَّ احْتَجَّ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، بِأنَّ ما يُنْبِئُ بِهِ عَنِ المَلَأِ الأعْلى واخْتِصامِهِمْ أمْرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ مِن عِلْمٍ قَطُّ. ثُمَّ عَلِمَهُ مِن غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ المُتَعَلِّمُونَ، بَلْ ذَلِكَ مُسْتَفادٌ مِنَ الوَحْيِ، و(بِالمَلَأِ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (عِلْمٍ)، و(إذْ) مَنصُوبٌ بِهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِمَحْذُوفٍ؛ لِأنَّ المَعْنى: ما كانَ لِي مِن عِلْمٍ بِكَلامِ المَلَأِ الأعْلى وقْتَ اخْتِصامِهِمْ. (وإذْ قالَ) بَدَلٌ مِن ﴿إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ عَلى المَلَأِ الأعْلى، وهُمُ المَلائِكَةُ، وأبْعَدَ مَن قالَ إنَّهم قُرَيْشٌ، واخْتِصامُ المَلائِكَةِ في أمْرِ آدَمَ وذُرِّيَّتِهِ في جَعْلِهِمْ في الأرْضِ. وقالُوا: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وقالَ الحَسَنُ: إنَّ اللَّهَ خالِقٌ خَلْقًا كُنّا أكْرَمَ مِنهُ وأعْلَمَ. وقِيلَ: في الكَفّاراتِ وغَفْرِ الذُّنُوبِ، فَإنَّ العَبْدَ إذا عَمِلَ حَسَنَةً اخْتَلَفَتِ المَلائِكَةُ في قَدْرِ ثَوابِهِ في ذَلِكَ حَتّى يَقْضِيَ اللَّهُ بِما يَشاءُ. وفي الحَدِيثِ: ”«قالَ لَهُ رَبُّهُ في نَوْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: فِيمَ يَخْتَصِمُونَ ؟ فَقُلْتُ: لا أدْرِي، فَقالَ: في الكَفّاراتِ، وفي إسْباغِ الوُضُوءِ في السَّرّاتِ، ونَقْلِ الخُطا إلى الجَماعاتِ“» . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كانَتْ مُقاوَلَةُ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِواسِطَةِ مَلَكٍ، وكانَ المُقاوِلُ في الحَقِيقَةِ هو المَلَكُ المُتَوَسِّطُ، فَيَصِحُّ أنَّ التَّقاوُلَ بَيْنَ المَلائِكَةِ وآدَمَ وإبْلِيسَ، وهُمُ المَلَأُ الأعْلى. والمُرادُ بِالِاخْتِصامِ: التَّقاوُلُ. وقِيلَ: المَلَأُ الأعْلى: المَلائِكَةُ، و﴿إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْعَرَبِ الكافِرِينَ، فَبَعْضُهم يَقُولُ: هي بَناتُ اللَّهِ، وبَعْضُهم: آلِهَةٌ تُعْبَدُ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِن أقْوالِهِمْ. ﴿إنْ يُوحى إلَيَّ﴾ أيْ: ما يُوحى إلَيَّ، ﴿إلّا أنَّما أنا نَذِيرٌ﴾ أيْ: لِلْإنْذارِ، حَذَفَ اللّامَ ووَصَلَ الفِعْلَ والمَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرًا يَدُلُّ عَلَيْهِ المَعْنى، أيْ: إنْ يُوحى إلَيَّ هو، أيْ: ما يُوحى إلّا الإنْذارُ، وأُقِيمَ إلِيَّ مَقامَهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إنَّما هو المَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، أيْ: ما يُوحى إلَيَّ إلّا الإنْذارُ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: (إلّا إنَّما) بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنَّما عَلى الحِكايَةِ، أيْ: ما يُوحى إلَيَّ إلّا هَذِهِ الجُمْلَةُ، كَأنْ قِيلَ لَهُ: أنْتَ نَذِيرٌ مُبِينٌ، فَحَكى هو المَعْنى، وهَذا كَما يَقُولُ الإنْسانُ: أنا عالِمٌ، فَيُقالُ لَهُ: قُلْتَ إنَّكَ عالِمٌ، فَيُحْكى المَعْنى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقُرِئَ إنَّما بِالكَسْرِ عَلى الحِكايَةِ، أيْ: إلّا هَذا القَوْلُ، وهو أنْ أقُولَ لَكم ﴿إنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾، فَلا أدَّعِي شَيْئًا آخَرَ. انْتَهى. فِي تَخْرِيجِهِ تَعارُضٌ؛ لِأنَّهُ قالَ أيْ: إلّا هَذا القَوْلَ، فَظاهِرُهُ الجُمْلَةُ الَّتِي هي ﴿إنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾، ثُمَّ قالَ: وهو أنْ أقُولَ لَكم إنِّي نَذِيرٌ، فالمَقامُ مَقامُ الفاعِلِ هو أنْ أقُولَ لَكم، وأنْ وما بَعْدَهُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، وعَلى قَوْلِهِ: إلّا هَذا القَوْلَ، يَكُونُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ فَيَتَعارَضا. وتَقَدَّمَ أنَّ (إذْ قالَ) بَدَلٌ مِن ﴿إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ هَذا إذا كانَتِ الخُصُومَةُ في شَأْنِ مَن يُسْتَخْلَفُ في الأرْضِ، وعَلى غَيْرِهِ مِنَ الأقْوالِ يَكُونُ مَنصُوبًا بِاذْكُرْ. ولَمّا كانَتْ قُرَيْشٌ، خالَفُوا الرَّسُولَ، - عَلَيْهِ السَّلامُ -، بِسَبَبِ الحَسَدِ والكِبْرِ. ذَكَرَ حالَ إبْلِيسَ، حَيْثُ خالَفَ أمْرَ اللَّهِ بِسَبَبِ الحَسَدِ والكِبْرِ وما آلَ إلَيْهِ مِنَ اللَّعْنَةِ والطَّرْدِ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، لِيَزْدَجِرَ عَنْ ذَلِكَ مَن فِيهِ شَيْءٌ مِنهُما. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ صَحَّ أنْ يَقُولَ لَهم: ﴿إنِّي خالِقٌ بَشَرًا﴾، وما عَرَفُوا ما البَشَرُ ولا عَهِدُوا بِهِ قَبْلُ ؟ (قُلْتُ): وجْهُهُ أنْ يَكُونَ قَدْ قالَ لَهم: إنِّي خالِقٌ خَلْقًا مِن صِفَةِ كَيْتَ وكَيْتَ، ولَكِنَّهُ حِينَ حَكاهُ اقْتَصَرَ عَلى الِاسْمِ. انْتَهى. والبَشَرُ هو آدَمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وذَكَرَ هُنا أنَّهُ خَلَقَهُ مِن طِينٍ، وفي آلِ عِمْرانَ: ﴿خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩]، وفي الحِجْرِ: ﴿مِن صَلْصالٍ مِن حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦]، وفي الأنْبِياءِ: ﴿مِن عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧]؛ ولا مُنافاةَ في تِلْكَ المادَّةِ البَعِيدَةِ، وهي التُّرابُ، ثُمَّ ما يَلِيهِ وهو الطِّينُ، ثُمَّ ما يَلِيهِ وهو الحَمَأُ المَسْنُونُ، ثُمَّ المادَّةُ تَلِي الحَمَأ وهو الصَّلْصالُ؛ وأمّا ﴿مِن عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] فَمَضى تَفْسِيرُهُ. ﴿فَإذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ ﴿فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهم أجْمَعُونَ﴾ ﴿إلّا إبْلِيسَ﴾: تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا في الحِجْرِ، وهُنا ﴿اسْتَكْبَرَ وكانَ مِنَ الكافِرِينَ﴾، (p-٤١٠)وفِي البَقَرَةِ: ﴿أبى واسْتَكْبَرَ وكانَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤]، وفي الأعْرافِ: ﴿لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ [الأعراف: ١١]، وفي الحِجْرِ: ﴿أبى أنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٣١]، وفي الإسْراءِ: ﴿قالَ أأسْجُدُ لِمَن خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: ٦١]، وفي الكَهْفِ: ﴿كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠] . والِاسْتِثْناءُ في جَمِيعِ هَذِهِ الآياتِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، فَتارَةً أكَّدَ بِالنَّفْيِّ المَحْضِ، وتارَةً ذَكَرَ إبايَتَهُ عَنِ السُّجُودِ، وهي الأنَفَةُ مِن ذَلِكَ، وتارَةً نَصَّ عَلى أنَّ ذَلِكَ الِامْتِناعَ كانَ سَبَبُهُ الِاسْتِكْبارَ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وكانَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ أُرِيدَ بِهِ كُفْرُهُ ذَلِكَ الوَقْتَ، وإنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ كافِرًا؛ وعُطِفَ عَلى اسْتَكْبَرَ، فَقَوِيَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ الِاسْتِكْبارَ عَنِ السُّجُودِ إنَّما حَصَلَ لَهُ وقْتَ الأمْرِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إخْبارًا مِنهُ بِسَبْقِ كُفْرِهِ في الأزْمِنَةِ الماضِيَةِ في عِلْمِ اللَّهِ. ﴿قالَ يا إبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ﴾، وفي الأعْرافِ: ﴿ما مَنَعَكَ ألّا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢]، فَدَلَّ أنْ تَسْجُدَ هُنا، عَلى أنَّ لا في ﴿أنْ لا أقُولَ﴾ [الأعراف: ١٠٥] زائِدَةٌ، والمَعْنى أيْضًا يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لا يَسْتَفْهِمُ إلّا عَنِ المانِعِ مِنَ السُّجُودِ، وهو اسْتِفْهامُ تَقْرِيرٍ وتَوْبِيخٍ. وما في ﴿لِما خَلَقْتُ﴾، اسْتَدَلَّ بِها مَن يُجِيزُ إطْلاقَ ما عَلى آحادِ مَن يَعْقِلُ، وأوَّلَ بِأنَّ ما مَصْدَرِيَّةٌ، والمَصْدَرُ يُرادُ بِهِ المَخْلُوقُ، لا حَقِيقَةُ المَصْدَرِ. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: (لَمّا) بِفَتْحِ اللّامِ وتَشْدِيدِ المِيمِ، ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، عَلى الإفْرادِ؛ والجُمْهُورُ: عَلى التَّثْنِيَةِ؛ وقُرِئَ ﴿بِيَدَيَّ﴾ كَقِراءَةِ ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢]؛ وقالَ تَعالى: ﴿مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا﴾ [يس: ٧١] بِالجَمْعِ، وكُلُّها عِبارَةٌ عَنِ القُدْرَةِ والقُوَّةِ، وعَبَّرَ بِاليَدِ، إذْ كانَ عِنْدَ البَشَرِ مُعْتادًا أنَّ البَطْشَ والقُوَّةَ بِاليَدِ. وذَهَبَ القاضِي أبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ إلى أنَّ اليَدَ صِفَةُ ذاتٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهو قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (أسْتَكْبَرْتَ)، بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ، فَأمْ مُتَّصِلَةٌ عادَلَتِ الهَمْزَةَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ إلى أنَّ أمْ لا تَكُونُ مُعادِلَةً لِلْألِفِ مَعَ اخْتِلافِ الفِعْلَيْنِ، وإنَّما تَكُونُ مُعادِلَةً إذا دَخَلَتا عَلى فِعْلٍ واحِدٍ، كَقَوْلِكَ: أزَيْدٌ قامَ أمْ عَمْرٌو ؟ وقَوْلُكَ: أقامَ زَيْدٌ أمْ عَمْرٌو ؟ فَإذا اخْتَلَفَ الفِعْلانِ كَهَذِهِ الآيَةِ، فَلَيْسَتْ مُعادِلَةً. ومَعْنى الآيَةِ: أحَدَثَ لَكَ الِاسْتِكْبارُ الآنَ، أمْ كُنْتَ قَدِيمًا مِمَّنْ لا يَلِيقُ أنْ تُكَلَّفَ مِثْلَ هَذا لِعُلُوِّ مَكانِكَ ؟ وهَذا عَلى جِهَةِ التَّوْبِيخِ. انْتَهى. وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَذْهَبٌ غَيْرُ صَحِيحٍ. قالَ سِيبَوَيْهِ: وتَقُولُ أضْرَبْتَ زَيْدًا أمْ قَتَلْتَهُ فالبَدْءُ هُنا بِالفِعْلِ أحْسَنُ؛ لِأنَّكَ إنَّما تَسْألُ عَنْ أحَدِهِما، لا تَدْرِي أيُّهُما كانَ، ولا تَسْألُ عَنْ مَوْضِعِ أحَدِهِما، كَأنَّكَ قُلْتَ: أيُّ ذَلِكَ كانَ ؟ انْتَهى. فَعادَلَ بِأمِ الألِفَ مَعَ اخْتِلافِ الفِعْلَيْنِ. ﴿مِنَ العالِينَ﴾: مِمَّنْ عَلَوْتَ وفُقْتَ. فَأجابَ بِأنَّهُ مِنَ العالِينَ، حَيْثُ قالَ ﴿أنا خَيْرٌ مِنهُ﴾ . وقِيلَ: أسْتَكْبَرْتَ الآنَ، أوْ لَمْ تَزَلْ مُذْ كُنْتَ مِنَ المُسْتَكْبِرِينَ ؟ ومَعْنى الهَمْزَةِ: التَّقْرِيرُ. انْتَهى. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ، مِنهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وغَيْرُهُ: (اسْتَكْبَرْتَ)، بِصِلَةِ الألِفِ، وهي قِراءَةُ أهْلِ مَكَّةَ، ولَيْسَتْ في مَشْهُورِ ابْنِ كَثِيرٍ، فاحْتُمِلَ أنْ تَكُونَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ حُذِفَتْ لِدَلالَةِ أمْ عَلَيْها، كَقَوْلِهِ: ؎بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أمْ بِثَمانِ، واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ إخْبارًا خاطَبَهُ بِذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ، وأمْ تَكُونُ مُنْقَطِعَةً، والمَعْنى: بَلْ أنْتَ مِنَ العالِينَ عِنْدَ نَفْسِكَ اسْتِخْفافًا بِهِ. ﴿قالَ أنا خَيْرٌ مِنهُ خَلَقْتَنِي مِن نارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾: تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ذَلِكَ في الأعْرافِ. ﴿قالَ فاخْرُجْ مِنها﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾: تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ في الحِجْرِ، إلّا أنَّ هُنا ﴿لَعْنَتِي﴾ وهُناكَ (اللَّعْنَةُ) أعَمُّ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ﴾ [البقرة: ١٥٩] وأمّا بِالإضافَةِ، فالعُمُومُ في اللَّعْنَةِ أعَمُّ، واللَّعَناتُ إنَّما تَحْصُلُ مِن جِهَةِ أنَّ مَن عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ كانَتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ كُلِّ لاعِنٍ، هَذا مِن جِهَةِ المَعْنى، وأمّا بِاللَّفْظِ فَيَقْتَضِي التَّخْصِيصَ. ﴿قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾: أقْسَمَ إبْلِيسُ هُنا بِعِزَّةِ اللَّهِ، وقالَ في الأعْرافِ: ﴿فَبِما أغْوَيْتَنِي لَأقْعُدَنَّ﴾ [الأعراف: ١٦]، وفي الحِجْرِ: ﴿رَبِّ بِما أغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ﴾ [الحجر: ٣٩] . وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِما في مَوْضِعِهِما، وإنَّ مِنَ المُفَسِّرِينَ مَن قالَ: إنَّ الباءَ في: ﴿بِما أغْوَيْتَنِي﴾ [الحجر: ٣٩] وفي: ﴿فَبِما أغْوَيْتَنِي﴾ [الأعراف: ١٦] لَيْسَتْ باءَ القَسَمِ. فَإنْ كانَتْ باءَ القَسَمِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ في مَوْطِنَيْنِ: فَهُنا: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾، وفي الأعْرافِ: ﴿لَأقْعُدَنَّ﴾ [الأعراف: ١٦]، وفي الحِجْرِ: ﴿لَأُزَيِّنَنَّ﴾ [الحجر: ٣٩] . (p-٤١١)وقَرَأ الجُمْهُورُ: (فالحَقَّ والحَقَّ) بِنَصْبِهِما. أمّا الأوَّلُ فَمُقْسَمٌ بِهِ، حُذِفَ مِنهُ الحَرْفُ كَقَوْلِهِ: (أمانَةَ اللَّهِ لَأقُومَنَّ)، والمُقْسَمُ عَلَيْهِ (لَأمْلَأنَّ) . ﴿والحَقَّ أقُولُ﴾: اعْتِراضٌ بَيْنَ القَسَمِ وجَوابِهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعْناهُ: ولا أقُولُ إلّا الحَقَّ. انْتَهى؛ لِأنَّ عِنْدَهُ تَقُدُّمَ المَفْعُولِ يُفِيدُ الحَصْرَ. والحَقُّ المُقْسَمُ بِهِ إمّا اسْمُهُ تَعالى الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ [النور: ٢٥]، أوِ الَّذِي هو نَقِيضُ الباطِلِ. وقِيلَ: ﴿فالحَقُّ﴾ مَنصُوبٌ عَلى الإغْراءِ، أيْ: فالزَمُوا الحَقَّ، و(لَأمْلَأنَّ): جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ. وقالَ الفَرّاءُ: هو عَلى مَعْنى قَوْلِكَ: حَقًّا لا شَكَّ، ووُجُودُ الألِفِ واللّامِ وطَرْحُهُما سَواءٌ، أيْ: لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ حَقًّا. انْتَهى. وهَذا المَصْدَرُ الجائِي تَوْكِيدًا لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ، لا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحاةِ، وذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالجُمْلَةِ الَّتِي جُزْآها مَعْرِفَتانِ جامِدَتانِ جُمُودًا مَحْضًا. وقالَ صاحِبُ البَسِيطِ: وقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخَبَرُ نَكِرَةً، قالَ: والمُبْتَدَأُ يَكُونُ ضَمِيرًا نَحْوَ: هو زَيْدٌ مَعْرُوفًا، وهو الحَقُّ بَيِّنًا، وأنا الأمِيرُ مُفْتَخِرًا؛ ويَكُونُ ظاهِرًا كَقَوْلِكَ: زِيدٌ أبُوكَ عَطُوفًا، وأخُوكَ زَيْدٌ مَعْرُوفًا. انْتَهى. وقالَتِ العَرَبُ: زَيْدٌ قائِمٌ غَيْرَ ذِي شَكٍّ، فَجاءَتِ الحالُ بَعْدَ جُمْلَةٍ، والخَبَرُ نَكِرَةً، وهي حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ، وكَأنَّ الفَرّاءَ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذا الَّذِي ذَكَرَهُ أصْحابُنا مِن كَوْنِ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ مَعْرُوفَيْنِ جامِدَيْنِ؛ لِأنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ تَأْكِيدِ مَضْمُونِ الجُمْلَةِ الِابْتِدائِيَّةِ وبَيْنَ تَأْكِيدِ الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ فالحَقُّ الحَقُّ، أيْ أفْعَلُهُ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والأعْمَشُ: بِالرَّفْعِ فِيهِما، فالأوَّلُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، قِيلَ: تَقْدِيرُهُ فالحَقُّ أنا، وقِيلَ: فالحَقُّ مِنِّي، وقِيلَ: تَقْدِيرُهُ فالحَقُّ قَسَمِي، وحُذِفَ كَما حُذِفَ في: لَعَمْرُكَ لَأقُومَنَّ، وفي: يَمِينُ اللَّهِ أبْرَحُ قاعِدًا، أيْ لَعَمْرُكَ قَسَمِي ويَمِينُ اللَّهِ قَسَمِي، وهَذِهِ الجُمْلَةُ هي جُمْلَةُ القَسَمِ، وجَوابُهُ: لَأمْلَأنَّ. وأمّا (والحَقُّ أقُولُ) فَمُبْتَدَأٌ أيْضًا، خَبَرُهُ الجُمْلَةُ، وحُذِفَ العائِدُ، كَقِراءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ [النساء: ٩٥] . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أمّا الأوَّلُ فَرُفِعَ عَلى الِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿لَأمْلَأنَّ﴾؛ لِأنَّ المَعْنى: أنْ أمْلَأ. انْتَهى. وهَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأنَّ لَأمْلَأنَّ جَوابُ قَسَمٍ، ويَجِبُ أنْ يَكُونَ جُمْلَةً، فَلا يَتَقَدَّرُ بِمُفْرَدٍ. وأيْضًا لَيْسَ مَصْدَرًا مُقَدَّرًا بِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ والفِعْلِ حَتّى يَنْحَلَّ إلَيْهِما، ولَكِنَّهُ لَمّا صَحَّ لَهُ إسْنادُ ما قُدِّرَ إلى المُبْتَدَأِ حُكِمَ أنَّهُ خَبَرٌ عَنْهُ. وقَرَأ الحَسَنُ، وعِيسى، و عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِي حَمّادٍ عَنْ أبِي بَكْرٍ: بِجَرِّهِمْ، ويَخْرُجُ عَلى أنَّ الأوَّلَ مَجْرُورٌ بِواوِ القَسَمِ مَحْذُوفَةً، تَقْدِيرُهُ: فَوالحَقِّ، والحَقِّ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، كَما تَقُولُ: واللَّهِ واللَّهِ لَأقُومَنَّ، و(أقُولُ) اعْتِراضٌ بَيْنَ القَسَمِ وجَوابِهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿والحَقَّ أقُولُ﴾: أيْ: ولا أقُولُ إلّا الحَقَّ عَلى حِكايَةِ لَفْظِ المُقْسَمَ بِهِ، ومَعْناهُ التَّوْكِيدُ والتَّسْدِيدُ، وهَذا الوَجْهُ جائِزٌ في المَنصُوبِ والمَرْفُوعِ، وهو وجْهٌ دَقِيقٌ حَسَنٌ. انْتَهى. ومُلَخَّصُهُ أنَّهُ أعْمَلَ القَوْلَ في لَفْظِ المُقْسَمِ بِهِ عَلى سَبِيلِ الحِكايَةِ نَصْبًا أوْ رَفْعًا أوْ جَرًّا. وقَرَأ مُجاهِدٌ، والأعْمَشُ: بِخِلافٍ عَنْهُما؛ وأبانُ بْنُ تَغْلَبَ، وطَلْحَةُ في رِوايَةٍ، وحَمْزَةُ، وعاصِمٌ، عَنِ المُفَضَّلِ، وخَلَفٍ، والعَبْسِيِّ: بِرَفْعِ ﴿فالحَقُّ﴾ ونَصْبِ ﴿والحَقَّ﴾، وتَقَدَّمَ إعْرابُهُما. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: (أجْمَعِينَ) تَأْكِيدٌ لِلْمُحَدَّثِ عَنْهُ والمَعْطُوفُ عَلَيْهِ، وهو ضَمِيرُ إبْلِيسَ ومَن عُطِفَ عَلَيْهِ، أيْ مِنكَ ومِن تابِعِيكِ أجْمَعِينَ. وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ يَكُونَ أجْمَعِينَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الَّذِي في مِنهم، مُقَدَّرٌ، لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الشَّياطِينِ ومِمَّنْ تَبِعَهم مِن جَمِيعِ النّاسِ، لا تَفاوُتَ في ذَلِكَ بَيْنَ ناسٍ وناسٍ بَعْدَ وُجُودِ الأتْباعِ مِنهم مِن أوْلادِ الأنْبِياءِ وغَيْرِهِمْ. انْتَهى. والضَّمِيرُ في (عَلَيْهِ) عائِدٌ عَلى القُرْآنِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقِيلَ: عائِدٌ عَلى الوَحْيِ. وقِيلَ: عَلى الدُّعاءِ إلى اللَّهِ. ﴿وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾: أيِ المُتَصَنِّعِينَ المُتَحَلِّينَ بِما لَيْسُوا مِن أهْلِهِ، فَأنْتَحَلُ النُّبُوَّةَ والقَوْلَ عَلى اللَّهِ. (إنْ هو) أيِ: القُرْآنُ، ﴿إلّا ذِكْرٌ﴾: أيْ: مِنَ اللَّهِ، ﴿لِلْعالَمِينَ﴾: الثَّقَلَيْنِ الإنْسِ والجِنِّ. ﴿ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ﴾: أيْ عاقِبَةَ خَبَرِهِ لِمَن آمَنَ بِهِ ومَن أعْرَضَ عَنْهُ، ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ وابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي يَوْمَ القِيامَةِ. وقالَ قَتادَةُ، والفَرّاءُ، والزَّجّاجُ: بَعْدَ المَوْتِ. وكانَ الحَسَنُ يَقُولُ: يا ابْنَ آدَمَ، عِنْدَ المَوْتِ (p-٤١٢)يَأْتِيكَ الخَبَرُ اليَقِينُ. وقِيلَ: المَعْنى لَيَظْهَرَنَّ لَكم حَقِيقَةُ ما أقُولُ. ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾ أيْ: في المُسْتَأْنَفِ، إذا أخَذَتْكم سُيُوفُ المُسْلِمِينَ، وذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وأشارَ إلى ذَلِكَ السُّدِّيُّ. * * * سُورَةُ الزُّمَرِ خَمْسٌ وسَبْعُونَ آيَةً، مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ [الزمر: ١] ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] ﴿ألا لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهم في ما هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ [الزمر: ٣] ﴿لَوْ أرادَ اللَّهُ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هو اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ﴾ [الزمر: ٤] ﴿خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلى النَّهارِ ويُكَوِّرُ النَّهارَ عَلى اللَّيْلِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأجَلٍ مُسَمًّى ألا هو العَزِيزُ الغَفّارُ﴾ [الزمر: ٥] ﴿خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنها زَوْجَها وأنْزَلَ لَكم مِنَ الأنْعامِ ثَمانِيَةَ أزْواجٍ يَخْلُقُكم في بُطُونِ أُمَّهاتِكم خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكم لَهُ المُلْكُ لا إلَهَ إلّا هو فَأنّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر: ٦] ﴿إنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكم ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ وإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكم ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إلى رَبِّكم مَرْجِعُكم فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [الزمر: ٧] ﴿وإذا مَسَّ الإنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إلَيْهِ ثُمَّ إذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِن قَبْلُ وجَعَلَ لِلَّهِ أنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إنَّكَ مِن أصْحابِ النّارِ﴾ [الزمر: ٨] ﴿أمْ مَن هو قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وقائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ ويَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبابِ﴾ [الزمر: ٩] ﴿قُلْ يا عِبادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكم لِلَّذِينَ أحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وأرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إنَّما يُوَفّى الصّابِرُونَ أجْرَهم بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [الزمر: ١٠] ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ١١] ﴿وأُمِرْتُ لِأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ﴾ [الزمر: ١٢] ﴿قُلْ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الزمر: ١٣] ﴿قُلِ اللَّهَ أعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ [الزمر: ١٤] ﴿فاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِن دُونِهِ قُلْ إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ ألا ذَلِكَ هو الخُسْرانُ المُبِينُ﴾ [الزمر: ١٥] ﴿لَهم مِن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ ومِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فاتَّقُونِ﴾ [الزمر: ١٦] ﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها وأنابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ البُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِي﴾ [الزمر: ١٧] ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وأُولَئِكَ هم أُولُو الألْبابِ﴾ [الزمر: ١٨] ﴿أفَمَن حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ أفَأنْتَ تُنْقِذُ مَن في النّارِ﴾ [الزمر: ١٩] ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهم لَهم غُرَفٌ مِن فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ وعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعادَ﴾ [الزمر: ٢٠] ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ في الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا ألْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطامًا إنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الألْبابِ﴾ [الزمر: ٢١] ﴿أفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ فَهو عَلى نُورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهم مِن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر: ٢٢] ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم إلى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشاءُ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ [الزمر: ٢٣] ﴿أفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذابِ يَوْمَ القِيامَةِ وقِيلَ لِلظّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [الزمر: ٢٤] ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأتاهُمُ العَذابُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٢٥] ﴿فَأذاقَهُمُ اللَّهُ الخِزْيَ في الحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٢٦] ﴿ولَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ [الزمر: ٢٧] ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٢٨] ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٢٩] ﴿إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهم مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠] ﴿ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكم تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١] . (p-٤١٣)التَّكْوِيرُ: اللَّفُّ واللَّيُّ، يُقالُ: كارَ العِمامَةَ عَلى رَأْسِهِ وكَوَّرَها. خَوَّلَهُ النِّعْمَةَ أيْ: أعْطاهُ ابْتِداءً مِن غَيْرِ مُجازاةٍ، ولا يُقالُ في الجَزاءِ خَوَّلَ. قالَ زُهَيْرٌ: ؎هُنالِكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المالَ يُخَوَّلُوا ويُرْوى: يُسْتَخْيَلُوا المالَ يُخَيَّلُوا وقالَ أبُو النَّجْمِ: ؎أعْطى فَلَمْ يَبْخَلْ ولَمْ يُبَخِّلْ ∗∗∗ كَوْمَ الذُّرى مِن خَوَلِ المَخْوِلِ هاجَ الزَّرْعُ: ثارَ مِن مَنابِتِهِ، وقِيلَ: يَبِسَ. الحُطامُ: الفُتاتُ بَعْدَ يُبْسِهِ. القُشَعْرِيرَةُ: تَقَبُّضُ الجِلْدِ، يُقالُ: اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنَ الخَوْفِ: وقَفَ شَعْرُهُ، وهو مَثَلٌ في شِدَّةِ الخَوْفِ. الشِّكاسَةُ: سُوءُ الخُلُقِ وعُسْرُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب