الباحث القرآني

﴿وما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِن فَواقٍ﴾ ﴿وقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ﴾ ﴿اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذا الأيْدِ إنَّهُ أوّابٌ﴾ ﴿إنّا سَخَّرْنا الجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالعَشِيِّ والإشْراقِ﴾ ﴿والطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أوّابٌ﴾ ﴿وشَدَدْنا مُلْكَهُ وآتَيْناهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطابِ﴾ ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ ﴿إذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنهم قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكم بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ ﴿إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أكْفِلْنِيها وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ ﴿قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وقَلِيلٌ ما هم وظَنَّ داوُدُ أنَّما فَتَنّاهُ فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأنابَ﴾ ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذَلِكَ وإنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ﴾ ﴿يا داوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأرْضِ فاحْكم بَيْنَ النّاسِ بِالحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهم عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الحِسابِ﴾ [ص: ٢٦] ﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾ [ص: ٢٧] ﴿أمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كالمُفْسِدِينَ في الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كالفُجّارِ﴾ [ص: ٢٨] ﴿كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبابِ﴾ [ص: ٢٩] ﴿ووَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوّابٌ﴾ [ص: ٣٠] ﴿إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصّافِناتُ الجِيادُ﴾ [ص: ٣١] الفَواقُ، بِضَمِّ الفاءِ وفَتْحِها: الزَّمانُ الَّذِي ما بَيْنَ حَلْبَتَيِ الحالِبِ ورَضْعَتَيِ الرّاضِعِ، وفي الحَدِيثِ: «العِبادَةُ قَدْرُ فَواقِ النّاقَةِ». وأفاقَتِ النّاقَةُ إفاقَةً: اجْتَمَعَتِ الفِيقَةُ في ضَرْعِها فَهي مُفِيقٌ ومُفِيقَةٌ، عَنْ أبِي عَمْرٍو. والفِيقَةُ: اللَّبَنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ بَيْنَ الحَلْبَتَيْنِ، ويُجْمَعُ عَلى أفْواقٍ، وأفاوِيقُ جَمْعُ الجَمْعِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والفَرّاءُ ومُؤَرِّجٌ: الفَواقُ، بِالفَتْحِ: الإفاقَةُ والِاسْتِراحَةُ. القِطُّ، قالَ الفَرّاءُ: الحَظُّ والنَّصِيبُ، ومِنهُ قِيلَ لِلصَّكِّ: القِطُّ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والكِسائِيُّ: القِطُّ: الكِتابُ بِالجَوائِزِ، وقالَ الأعْشى: ؎ولا المَلِكُ النُّعْمانُ يَوْمَ لَقِيتَهُ بِغِبْطَتِهِ يُعْطِي القُطُوطَ ويَأْفِقُ ويُرْوى بِإمَّتِهِ: أيْ بِنِعْمَتِهِ، ويَأْفِقُ: يَصْلُحُ، وهو في الكِتابِ أكْثَرُ اسْتِعْمالًا. قالَ أُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ: ؎قَوْمٌ لَهم ساحَةُ أرْضِ العِراقِ وما ∗∗∗ يُجْبى إلَيْهِمْ بِها والقِطُّ والعِلْمُ ويُجْمَعُ أيْضًا عَلى قِطَطَةَ، وفي القَلِيلِ قِطٌّ وأقْطاطٌ. تَسَوَّرَ الحائِطَ والسُّورَ وتَسَنَّمَهُ والبَعِيرَ: عَلا أعْلاهُ. والسُّورُ: حائِطُ المَدِينَةِ، وهو غَيْرُ مَهْمُوزٍ. الشَّطَطُ: مُجاوَزَةُ الحَدِّ وتَخَطِّي الحَقِّ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: شَطَطْتُ عَلى فُلانٍ وأشْطَطْتُ: جُرْتُ في الحُكْمِ. التِّسْعُ: رُتْبَةٌ مِنَ العَدَدِ مَعْرُوفَةٌ، وكَسْرُ التّاءِ أشْهَرُ مِنَ (p-٣٨٨)الفَتْحِ. النَّعْجَةُ: الأُنْثى مِن بَقَرِ الوَحْشِ ومِنَ الضَّأْنِ، ويُكَنّى بِها عَنِ المَرْأةِ. قالَ الشّاعِرُ: ؎هُما نَعْجَتانِ مِن نِعاجِ تِبالَةٍ لِذِي ∗∗∗ جُؤْذَرَيْنِ أوْ كَبَعْضٍ لَدى هَكِرِ وقالَ ابْنُ عَوْنٍ: ؎أنا أبُوهُنَّ ثَلاثٌ هُنَّهْ ∗∗∗ رابِعَةٌ في البَيْتِ صُغْراهُنَّهْ ؎ونَعْجَتِي خَمْسًا تُوَفِّيهُنَّهْ ∗∗∗ إلّا فَتًى سَجْحٌ يُغَذِّيهُنَّهْ عَزَّهُ: غَلَبَهُ، يَعِزُّهُ عَزًّا؛ وفي المَثَلِ: مَن عَزَّ بَزَّ أْى مَن غَلَبَ سَلَبَ. وقالَ الشّاعِرُ: ؎قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَباتَتْ ∗∗∗ تُجاذِبُهُ وقَدْ عَلِقَ الجَناحُ الصّافِنُ مِنَ الخَيْلِ: الَّذِي يَرْفَعُ إحْدى يَدَيْهِ ويَقِفُ عَلى طَرَفِ سُنْبُكِهِ، وقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِرِجْلِهِ، وهي عَلامَةُ الفَراهَةِ، وأنْشَدَ الزَّجّاجُ: ؎ألِفَ الصُّفُونَ فَما يَزالُ كَأنَّهُ ∗∗∗ مِمّا يَقُومُ عَلى الثَّلاثِ كَسِيرا وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الصّافِنُ: الَّذِي يَجْمَعُ يَدَيْهِ ويُسَوِّيهِما، وأمّا الَّذِي يَقِفُ عَلى طَرَفِ السُّنْبُكِ فَهو المُتَخَيِّمُ. وقالَ القُتَبِيُّ: الصّافِنُ: الواقِفُ في الخَيْلِ وغَيْرِها. وفي الحَدِيثِ: «مَن سَرَّهُ أنْ يَقُومَ النّاسُ لَهُ صُفُونًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ»، أيْ يَدِيمُونَ لَهُ القِيامَ، حَكاهُ قُطْرُبٌ. وأنْشَدَ النّابِغَةُ: ؎لَنا قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ بِفَنائِها عِتاقُ ∗∗∗ المَهارى والجِيادِ الصَّوافِنِ وقالَ الفَرّاءُ: عَلى هَذا رَأيْتُ العَرَبَ وأشْعارَهم تَدُلُّ عَلى أنَّهُ القِيامُ خاصَّةً. جادَ الفَرَسُ: صارَ رابِضًا، يَجُودُ، جُودَةٌ بِالضَّمِّ، فَهو جَوادٌ لِلذَّكَرِ والأُنْثى مِن خَيْلٍ جِيادٍ وأجْوادٍ وأجاوِيدَ. وقِيلَ: الطُّوالُ الأعْناقِ مِنَ الجِيدِ، وهو العُنُقُ، إذْ هي مِن صِفاتِ فَراهَتِها. وقِيلَ: الجِيادُ جَمْعُ جَوْدٍ، كَثَوْبٍ وثِيابٍ. الرَّخاءُ: اللَّيِّنَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الرَّخاوَةِ. (p-٣٨٩)﴿وما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِن فَواقٍ﴾ ﴿وقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ﴾ ﴿اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذا الأيْدِ إنَّهُ أوّابٌ﴾ ﴿إنّا سَخَّرْنا الجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالعَشِيِّ والإشْراقِ﴾ ﴿والطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أوّابٌ﴾ ﴿وشَدَدْنا مُلْكَهُ وآتَيْناهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطابِ﴾ ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ ﴿إذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنهم قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكم بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ ﴿إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أكْفِلْنِيها وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ ﴿قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وقَلِيلٌ ما هم وظَنَّ داوُدُ أنَّما فَتَنّاهُ فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأنابَ﴾ ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذَلِكَ وإنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ﴾ . (وما يَنْظُرُ) أيْ يَنْظُرُ، (هَؤُلاءِ) إشارَةٌ إلى كُفّارِ قُرَيْشٍ، والإشارَةُ بِهَؤُلاءِ مُقَوِّيَةٌ أنَّ الإشارَةَ بِأُولَئِكَ هي لِلَّذِينِ يَلُونَها مِن قَوْمِ نُوحٍ وما عُطِفَ عَلَيْهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى جَمِيعِ الأحْزابِ لِاسْتِحْضارِهِمْ بِالذِّكْرِ، أوْ لِأنَّهم كالحُضُورِ عِنْدَ اللَّهِ. انْتَهى. وفِيهِ بُعْدٌ، وهو إخْبارٌ مِنهُ تَعالى صَدَّقَهُ الوُجُودُ. والصَّيْحَةُ: ما نالَهم مِن قَتْلٍ وأسْرٍ وغَلَبَةٍ، كَما تَقُولُ؛ صاحَ فِيهِمُ الدَّهْرُ. وقالَ قَتادَةُ: تَوَعَّدَهم بِصَيْحَةِ القِيامَةِ والنَّفْخِ في الصُّورِ. وقِيلَ: بِصَيْحَةٍ يُمْلَكُونَ بِها في الدُّنْيا. فالقَوْلُ الأوَّلُ فِيهِ الِانْتِظارُ مِنَ الرَّسُولِ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِيهِمْ، وعَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ هم بِمَدْرَجِ عُقُوبَةٍ، وتَحْتَ أمْرٍ خَطَرٍ ما يَنْتَظِرُونَ فِيهِ إلّا الهَلَكَةَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿مِن فَواقٍ﴾ بِفَتْحِ الفاءِ، والسُّلَمِيُّ، وابْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وطَلْحَةُ: بِضَمِّها، فَقِيلَ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ، كَقَصاصِ الشِّعْرِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ، والسُّدِّيُّ: بِالفَتْحِ، إفاقَةٌ مِن أفاقَ واسْتَراحَ، كَجَوابٍ مِن أجابَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ﴿مِن فَواقٍ﴾ مِن تَرْدادٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: مِن رُجُوعٍ. ﴿عَجِّلْ لَنا قِطَّنا﴾ نَصِيبَنا مِنَ الجَنَّةِ لِنَتَنَعَّمَ بِهِ في الدُّنْيا قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ وابْنُ جُبَيْرٍ. وقالَ قَتادَةُ أيْضًا ومُجاهِدٌ نَصِيبَنا مِنَ العَذابِ. وقالَ أبُو العالِيَةِ والكَلْبِيُّ: صُحُفَنا بِإيمانِنا. وقالَ السُّدِّيُّ: المَعْنى: أرِنا مَنازِلَنا مِنَ الجَنَّةِ حَتّى نُتابِعَكَ، وعَلى كُلِّ قَوْلٍ، فَإنَّما قالُوا ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِخْفافِ والِاسْتِهْزاءِ. ومَعْنى ﴿قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ﴾ أيِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهُ واقِعٌ في العالَمِ، إذْ هم كَفَرَةٌ لا يُؤْمِنُونَ بِالبَعْثِ. ولَمّا كانَتْ مَقالَتُهم تَقْتَضِي الِاسْتِخْفافَ (p-٣٩٠)أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ عَلى أذاهم، وذَكَرَ قَصَصًا لِلْأنْبِياءِ داوُدَ وسُلَيْمانَ وأيُّوبَ وغَيْرِهِمْ، وما عَرَضَ لَهم، فَصَبَرُوا حَتّى فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهم، وصارَتْ عاقِبَتُهم أحْسَنَ عاقِبَةٍ. فَكَذَلِكَ أنْتَ تَصْبِرُ، ويَؤُولُ أمْرُكَ إلى أحْسَنِ مَآلٍ، وتَبْلُغُ ما تُرِيدُ مِن إقامَةِ دِينِكَ وإماتَةِ الضَّلالِ. وقِيلَ ﴿اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ وعَظِّمْ أمْرَ مُخالَفَتِهِمْ لِلَّهِ في أعْيُنِهِمْ، وذَكِّرْهم بِقِصَّةِ داوُدَ وما عَرَضَ لَهُ، وهو قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ والمُلْكَ، فَما الظَّنُّ بِكم مَعَ كُفْرِكم وعِصْيانِكم ؟ انْتَهى. وهو مُلْتَقَطٌ مِن كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ مَعَ تَغْيِيرِ بَعْضِ ألْفاظِهِ لا تُناسِبُ مَنصِبَ النُّبُوَّةِ. وقِيلَ: أُمِرَ بِالصَّبْرِ، فَذَكَرَ قَصَصَ الأنْبِياءِ لِيَكُونَ بُرْهانًا عَلى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ. وقِيلَ ﴿اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ وحافِظْ عَلى ما كُلِّفْتَ بِهِ مِن مُصابِرَتِهِمْ، وتَحَمُّلِ أذاهم، واذْكُرْ داوُدَ وكَرامَتَهُ عَلى اللَّهِ، وما عَرَضَ لَهُ، وما لَقِيَ مَن عَتَبِ اللَّهِ. ﴿ذا الأيْدِ﴾ أيْ ذا القُوَّةِ في الدِّينِ والشَّرْعِ والصَّدْعِ بِأمْرِ اللَّهِ والطّاعَةِ لِلَّهِ، وكانَ مِن ذَلِكَ قَوِيًّا في بَدَنِهِ. والآوّابُ: الرَّجّاعُ إلى طاعَةِ اللَّهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ وابْنُ زَيْدٍ. وقالَ السُّدِّيُّ: المُسَبِّحُ. ووَصْفُهُ بِأنَّهُ أوّابٌ يَدُلُّ عَلى أنَّ ذا الأيْدِ مَعْناهُ: القُوَّةُ في الدِّينِ. ويُقالُ: رَجُلٌ أيْدٍ وأيِّدٍ وذُو أدٍّ وأيادٍ: كَلٌّ بِمَعْنى ما يَتَقَوّى. و﴿والإشْراقِ﴾ وقْتَ الإشْراقِ. قالَ ثَعْلَبٌ: شَرِقَتِ الشَّمْسُ إذا طَلَعَتْ، وأشْرَقَتْ: إذا أضاءَتْ وصَفَتْ. وفي الحَدِيثِ «أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - صَلّى صَلاةَ الضُّحى وقالَ: ”يا أُمَّ هانِئٍ، هَذِهِ صَلاةُ الإشْراقِ“» وفي هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ كانَتْ صَلاةُ بَنِي إسْرائِيلَ. وتَقَدَّمَ كُلُّ الكَلامِ في تَسْبِيحِ الجِبالِ في قِصَّةِ داوُدَ في سُورَةِ الأنْبِياءِ، وأتى بِالمُضارِعِ بِاسْمِ الفاعِلِ دَلالَةً عَلى حُدُوثِ التَّسْبِيحِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وحالًا بَعْدَ حالٍ، فَكَأنَّ السّامِعَ مُحاضِرٌ تِلْكَ الجِبالَ سَمِعَها تُسَبِّحُ. ومِثْلُهُ قَوْلُ الأعْشى: لَعَمْرِي لَقَدْ لاحَتْ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ إلى ضَوْءِ نارٍ في بِقاعٍ تُحَرَّقُ أيْ: تُحْرَقُ شَيْئًا فَشَيْئًا. ولَوْ قالَ مُحْرِقَةٌ، لَمْ يَدُلَّ عَلى هَذا المَعْنى. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿والطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ بِنَصْبِهِما، عَطْفًا عَلى الجِبالِ يُسَبِّحْنَ، عَطْفَ مَفْعُولٍ عَلى مَفْعُولٍ، وحالٍ عَلى حالٍ، كَقَوْلِكَ: ضَرَبْتُ هِنْدًا مُجَرَّدَةً ودَعْدًا لابِسَةً. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ والجَحْدَرِيُّ: والطَّيْرُ مَحْشُورَةٌ بِرَفْعِهِما، مُبْتَدَأً وخَبَرًا، وجاءَ ﴿مَحْشُورَةً﴾ بِاسْمِ المَفْعُولِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يُرِدْ أنَّها تَحْشِرُ شَيْئًا، إذْ حاشِرُها هو اللَّهُ تَعالى، فَحَشْرُها جُمْلَةً واحِدَةً أدَلُّ عَلى القُدْرَةِ. والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ في لَهُ عَلى داوُدَ، أيْ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الجَبَلِ والطَّيْرِ لِأجْلِ داوُدَ، أيْ لِأجْلِ تَسْبِيحِهِ سَبَّحَ لِأنَّها كانَتْ تُرَجِّعُ تَسْبِيحَهُ، ووُضِعَ الأوّابُ مَوْضِعَ المُسَبِّحِ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى اللَّهِ، أيْ كُلٌّ مِن داوُدَ والجِبالِ والطَّيْرِ أوّابٌ، أيْ مُسَبِّحٌ مُرْجِعٌ لِلتَّسْبِيحِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿وشَدَدْنا﴾ مُخَفَّفًا: أيْ قَوَّيْنا، كَقَوْلِهِ ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ﴾ [القصص: ٣٥] . والحَسَنُ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: بِشَدِّ الدّالِ، وهي عِبارَةٌ شامِلَةٌ لِما وهَبَهُ اللَّهُ تَعالى مِن قُوَّةٍ وجُنْدٍ ونِعْمَةٍ، فالتَّخْصِيصُ بِبَعْضِ الأشْياءِ لا يَظْهَرُ. وقالَ السُّدِّيُّ: بِالجُنُودِ. قِيلَ: كانَ يَبِيتُ حَوْلَ مِحْرابِهِ أرْبَعُونَ ألْفَ مُسْلِمٍ يَحْرُسُونَهُ، وهَذا بَعِيدٌ في العادَةِ وقِيلَ: بِهَيْبَةٍ قَذَفَها اللَّهُ لَهُ في قُلُوبِ قَوْمِهِ. والحِكْمَةُ هُنا: النُّبُوَّةُ، أوِ الزَّبُورُ، أوِ الفَهْمُ في الدِّينِ، أوْ كُلُّ كَلامٍ، ولَقْنُ الحَقِّ. أقْوالٌ. ﴿وفَصْلَ الخِطابِ﴾ قالَ عَلِيٌّ والشَّعْبِيُّ: إيجابُ اليَمِينِ عَلى المُدَّعى عَلَيْهِ، والبَيِّنَةُ عَلى المُدَّعِي. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ: القَضاءُ بَيْنَ النّاسِ بِالحَقِّ وإصابَتُهُ وفَهْمُهُ. وقالَ الشَّعْبِيُّ: كَلِمَةُ أمّا بَعْدُ؛ لِأنَّهُ أوَّلُ مَن تَكَلَّمَ بِها وفَصَلَ بَيْنَ كَلامَيْنِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأنَّهُ يَفْتَتِحُ إذا تَكَلَّمَ في الأمْرِ الَّذِي لَهُ شَأْنٌ بِذِكْرِ اللَّهِ وتَحْمِيدِهِ، فَإذا أرادَ أنْ يَخْرُجَ إلى الغَرَضِ المَسُوقِ إلَيْهِ، فَصَلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ذِكْرِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: أمّا بَعْدُ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالخِطابِ: القَصْدُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِيهِ اخْتِصارٌ مُخِلٌّ، ولا إشْباعٌ مُمِلٌّ، ومِنهُ ما جاءَ في صِفَةِ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «فَصْلٌ لا نَذِرٌ ولا هَذِرٌ» . انْتَهى. ولَمّا كانَ تَعالى قَدْ كَمَّلَ نَفْسَ نَبِيِّهِ داوُدَ بِالحِكْمَةِ، أرْدَفَهُ بِبَيانِ كَمالِ خَلْقِهِ في النُّطْقِ والعِبادَةِ فَقالَ ﴿وفَصْلَ الخِطابِ﴾ . ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ﴾ (p-٣٩١)لَمّا أثْنى تَعالى عَلى داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِما أثْنى، ذَكَرَ قِصَّتَهُ هَذِهِ، لِيَعْلَمَ أنَّ مِثْلَ قِصَّتِهِ لا يَقْدَحُ في الثَّناءِ عَلَيْهِ والتَّعْظِيمِ لِقَدْرِهِ، وإنْ تَضَمَّنَتِ اسْتِغْفارَهُ رَبَّهُ، ولَيْسَ في الِاسْتِغْفارِ ما يُشْعِرُ بِارْتِكابِ أمْرٍ يُسْتَغْفَرُ مِنهُ، وما زالَ الِاسْتِغْفارُ شِعارَ الأنْبِياءِ المَشْهُودِ لَهم بِالعِصْمَةِ. ومَجِيءُ مِثْلِ هَذا الِاسْتِفْهامِ إنَّما يَكُونُ لِغَرابَةِ ما يَجِيءُ مَعَهُ مِنَ القَصَصِ، كَقَوْلِهِ ﴿وهَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾ [طه: ٩] فَيَتَهَيَّأُ المُخاطَبُ بِهَذا الِاسْتِفْهامِ لِما يَأْتِي بَعْدَهُ ويُصْغِي لِذَلِكَ. وذَكَرَ المُفَسِّرُونَ في هَذِهِ القِصَّةِ أشْياءَ لا تُناسِبُ مَناصِبَ الأنْبِياءِ، ضَرَبْنا عَنْ ذِكْرِها صَفْحًا، وتَكَلَّمْنا عَلى ألْفاظِ الآيَةِ. والنَّبَأُ: الخَبَرُ، فالخَبَرُ أصْلُهُ مَصْدَرٌ، فَلِذَلِكَ تَصْلُحُ لِلْمُفْرَدِ والمُذَكَّرِ وفُرُوعِهِما، وهُنا جاءَ لِلْجَمْعِ، ولِذَلِكَ قالَ ﴿إذْ تَسَوَّرُوا﴾ إذْ دَخَلُوا، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎وخَصْمٍ يُعِدُّونَ الدُّخُولَ كَأنَّهم ∗∗∗ قُرُومٌ غَيارى كَلُّ أزْهَرَ مُصْعَبِ والظّاهِرُ أنَّهم كانُوا جَماعَةً، فَلِذَلِكَ أتى بِضَمِيرِ الجَمْعِ. فَإنْ كانَ المُتَحاكِمانِ اثْنَيْنِ، فَيَكُونُ قَدْ جاءَ مَعَهم غَيْرُهم عَلى جِهَةِ المُعاضَدَةِ أوِ المُؤانَسَةِ، ولا خِلافَ أنَّهم كانُوا مَلائِكَةً، كَذا قالَ بَعْضُهم. وقِيلَ: كانا أخَوَيْنِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ لِأبٍ وأُمٍّ، والأوَّلُ أشْهَرُ. وقِيلَ: الخَصْمُ هُنا اثْنانِ، وتَجَوَّزَ في العِبارَةِ فَأخْبَرَ عَنْهُما إخْبارَ ما زادَ عَلى اثْنَيْنِ؛ لِأنَّ مَعْنى الجَمْعِ في التَّثْنِيَةِ. وقِيلَ: مَعْنى ﴿خَصْمانِ﴾: فَرِيقانِ، فَيَكُونُ تَسَوَّرُوا ودَخَلُوا عائِدًا عَلى الخَصْمِ الَّذِي هو جَمْعُ الفَرِيقَيْنِ، ويَدُلُّ عَلى أنَّ ﴿خَصْمانِ﴾ بِمَعْنى (فَرِيقانِ) قِراءَةُ مَن قَرَأ: بَغى بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ. وقالَ تَعالى ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ [الحج: ١٩] بِمَعْنى: فَأمّا إنَّ هَذا أخِي. وما رُوِيَ أنَّهُ بُعِثَ إلَيْهِ مَلَكانِ، فالمَعْنى: أنَّ التَّحاكُمَ كانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ولا يَمْتَنِعُ أنْ يَصْحَبَهُما غَيْرُهُما. وأُطْلِقَ عَلى الجَمِيعِ خَصْمٌ، وعَلى الفَرِيقَيْنِ خَصْمانِ؛ لِأنَّ مَن جاءَ مَعَ مُتَخاصِمٍ لِمُعاضَدَةٍ فَهو في صُورَةِ خَصْمٍ، ولا يَبْعُدُ أنْ تُطْلَقَ عَلَيْهِ التَّسْمِيَةُ، والعامِلُ في الظَّرْفِ وهو إذْ أتاكَ، قالَهُ الحَوْفِيُّ ورَدَ بِأنَّ إتْيانَ النَّبَأِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لا يَقَعُ إلّا في عَهْدِهِ، لا في عَهْدِ داوُدَ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وأبُو البَقاءِ: العامِلُ فِيهِ (نَبَأٌ) ورُدَّ بِما رُدَّ بِهِ ما قَبْلُهُ أنَّ النَّبَأ الواقِعَ في عَهْدِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ لا يَصِحُّ إتْيانُهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وإذا أرَدْتَ بِالنَّبَأِ القِصَّةَ في نَفْسِها، لَمْ يَكُنْ ناصِبًا. وقِيلَ: العامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وهَلْ أتاكَ تَخاصُمُ الخَصْمِ ؟ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. ويَجُوزُ أنْ يَنْتَصِبَ بِالخَصْمِ، لِما فِيهِ مِن مَعْنى الفِعْلِ. وإذْ دَخَلُوا بَدَلٌ مِن إذِ الأُولى، وقِيلَ: يَنْتَصِبُ بِتَسَوَّرُوا. ورُوِيَ أنَّ اللَّهَ تَعالى بَعَثَ إلَيْهِ مَلَكَيْنِ في صُورَةِ إنْسانَيْنِ، فَطَلَبا أنْ يَدْخُلا عَلَيْهِ، فَوَجَداهُ في يَوْمِ عِبادَتِهِ، فَمَنَعَهُما، فَتَسَوَّرا عَلَيْهِ المِحْرابَ، فَلَمْ يَشْعُرْ إلّا وهُما بَيْنَ يَدَيْهِ جالِسانِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: جَزَّأ زَمانَهُ أرْبَعَةَ أجْزاءٍ: يَوْمًا لِلْعِبادَةِ، ويَوْمًا لِلْقَضاءِ، ويَوْمًا لِلِاشْتِغالِ بِخَواصِّ أُمُورِهِ، ويَوْمًا لِجَمِيعِ بَنِي إسْرائِيلَ فَيَعِظُهم ويُبْكِيهِمْ. فَجاءُوهُ في غَيْرِ القَضاءِ، فَفَزِعَ مِنهم لِأنَّهم نَزَلُوا عَلَيْهِ مِن فَوْقٍ، وفي يَوْمِ الِاحْتِجابِ، والحَرَسُ حَوْلَهُ لا يَتْرُكُونَ مَن يَدْخُلُ عَلَيْهِ، فَخافَ أنْ يُؤْذُوهُ. وقِيلَ: كانَ ذَلِكَ لَيْلًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ فَزَعُهُ مِن أجْلِ أنَّ أهْلَ مَمْلَكَتِهِ قَدِ اسْتَهانُوهُ حَتّى تَرَكَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِئْذانَ، فَيَكُونَ فَزَعُهُ عَلى فَسادِ السِّيرَةِ، لا مِنَ الدّاخِلِينَ. وقالَ أبُو الأحْوَصِ: فَزِعَ مِنهم لِأنَّهُما دَخَلا عَلَيْهِ، وكُلٌّ مِنهُما آخِذٌ بِرَأْسِ صاحِبِهِ. وقِيلَ: فَزِعَ مِنهم لَمّا رَأى مِن تَسَوُّرِهِمْ عَلى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ جِدًّا لا يُمْكِنُ أنْ يَرْتَقِيَ إلَيْهِ بَعْدَ أشْهُرٍ مَعَ أعْوانٍ وكَثْرَةِ عَدَدٍ. وقِيلَ: إنَّهُما قالا: لَمْ نَتَوَصَّلْ إلَيْكَ إلّا بِالتَّسَوُّرِ لِمَنعِ الحِجابِ، وخِفْنا تَفاقُمَ الأمْرِ بَيْنَنا، فَقَبِلَ داوُدُ عُذْرَهم. ولَمّا أدْرَكُوا مِنهُ الفَزَعَ قالُوا (لا تَخَفْ) أيْ لَسْنا مِمَّنْ جاءَ إلّا لِأجْلِ التَّحاكُمِ. (خَصْمانِ) يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا مَوْصُولًا بِقَوْلِهِما (لا تَخَفْ) بادَرَ بِإخْبارِ ما جاءا إلَيْهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ سَألَهم: ما أمْرُكم ؟ فَقالُوا: خَصْمانِ، أيْ نَحْنُ خَصْمانِ. (بَغى) أيْ جارَ (بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) كَما قالَ الشّاعِرُ:(p-٣٩٢) ؎ولَكِنَّ الفَتى حَمْلَ بْنَ بَدْرٍ ∗∗∗ بَغى والبَغْيُ مَرْتَعُهُ وخِيَمُ وقَرَأ أبُو يَزِيدَ الجَرّادُ عَنِ الكِسائِيِّ: خِصْمانِ بِكَسْرِ الخاءِ، وفي أمْرِهِمْ لَهُ ونَهْيِهِمْ بِبَعْضِ فَظاظَةٍ عَلى الحُكّامِ، حَمَلَ عَلى ذَلِكَ ما هم فِيهِ مِنَ التَّخاصُمِ والتَّشاجُرِ، واسْتَدْعَوْا عَدْلَهُ مِن غَيْرِ ارْتِيابٍ في أنَّهُ يَحْكُمُ بِالعَدْلِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿ولا تُشْطِطْ﴾ مَفْكُوكًا مِن أشَطَّ رُباعِيًّا وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وقَتادَةُ، والحَسَنُ، وأبُو حَيْوَةَ: تَشْطِطْ مِن شَطَّ ثُلاثِيًّا. وقَرَأ قَتادَةُ أيْضًا: تُشِطَّ، مُدْغَمًا مِن أشَطَّ، وقَرَأ زِرٌّ: تُشاطِطْ، بِضَمِّ التّاءِ وبِالألِفِ عَلى وزْنِ (تُفاعِلْ)، مَفْكُوكًا. وعَنْ قَتادَةَ أيْضًا: تَشْطِطْ مِن شَطَطَ و﴿سَواءِ الصِّراطِ﴾ وسَطَ طَرِيقِ الحَقِّ، لا مَيْلَ فِيهِ مِن هُنا ولا هُنا. ﴿إنَّ هَذا أخِي﴾ هو قَوْلُ المُدَّعِي مِنهُما، وأخِي عَطْفُ بَيانٍ عِنْدَ ابْنِ عَطِيَّةَ، وبَدَلٌ أوْ خَبَرٌ لَإنَّ عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ. والأُخُوَّةُ هُنا مُسْتَعارَةٌ، إذْ هُما مَلَكانِ، لَكِنَّهُما لَمّا ظَهَرا في صُورَةِ إنْسانَيْنِ تَكَلَّما بِالأُخُوَّةِ، ومَجازُها أنَّها إخْوَةٌ في الدِّينِ والإيمانِ، أوْ عَلى مَعْنى الصُّحْبَةِ والمُرافَقَةِ، أوْ عَلى مَعْنى الشَّرِكَةِ والخُلْطَةِ لِقَوْلِهِ ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ﴾ وكُلُّ واحِدَةٍ مِن هَذِهِ الأخَواتِ تَقْتَضِي مَنعَ الِاعْتِداءِ، ويُنْدَبُ إلى العَدْلِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿تِسْعٌ وتِسْعُونَ﴾ بِكَسْرِ التّاءِ فِيهِما. وقَرَأ الحَسَنُ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: بِفَتْحِها. وقَرَأ الجُمْهُورُ (نَعْجَةً) بِفَتْحِ النُّونِ. والحَسَنُ وابْنُ هُرْمُزَ: بِكَسْرِ النُّونِ، وهي لُغَةٌ لِبَعْضٍ بَنِي تَمِيمٍ. قِيلَ: وكَنّى بِالنَّعْجَةِ عَنِ الزَّوْجَةِ. ﴿فَقالَ أكْفِلْنِيها﴾ أيْ رُدَّها في كَفالَتِي. وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: اجْعَلْها كِفْلِي، أيْ نَصِيبِي. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أعْطِنِيها. وعَنْهُ وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: تَحَوَّلْ لِي عَنْها، وعَنْ أبِي العالِيَةِ: ضُمَّها إلَيَّ حَتّى أكْفُلَها. ﴿وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ قالَ الضَّحّاكُ: إنْ تَكَلَّمَ كانَ أفْصَحَ مِنِّي، وإنْ حارَبَ كانَ أبْطَشَ مِنِّي. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كانَ أوْجَهَ مِنِّي وأقْوى، فَإذا خاطَبْتُهُ كانَ كَلامُهُ أقْوى مِن كَلامِي، وقُوَّتُهُ أعْظَمَ مِن قُوَّتِي. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جاءَنِي مِحْجاجٌ لَمْ أقْدِرْ أنْ أُورِدَ عَلَيْهِ ما أرُدُّهُ بِهِ. وأرادَ بِالخِطابِ مُخاطَبَةَ المُحاجِّ المُجادِلِ، أوْ أرادَ خَطِيبَ المَرْأةِ، وخَطَبَها هو فَخاطَبَنِي خِطابًا: أيْ غالَبَنِي في الخِطْبَةِ، فَغَلَبَنِي حَيْثُ زُوِّجَها دُونِي، وقِيلَ: غَلَبَنِي بِسُلْطانِهِ؛ لِأنَّهُ لَمّا سَألَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ خِلافَهُ. قالَ الحافِظُ أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ: كانَ بِبِلادِنا أمِيرٌ يُقالُ لَهُ سَيْرِي بْنُ أبِي بَكْرٍ، فَكَلَّمْتُهُ في أنْ يَسْألَ لِي رَجُلًا حاجَةً فَقالَ لِي: أما عَلِمْتَ أنَّ طَلَبَ السُّلْطانِ لِلْحاجَةِ غَصْبٌ لَها ؟ فَقُلْتُ: أمّا إذا كانَ عَدْلًا فَلا. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ، وطَلْحَةُ: وعَزَنِي بِتَخْفِيفِ الزّايِ. قالَ أبُو الفَتْحِ: حَذَفَ الزّايَ الواحِدَةَ تَخْفِيفًا كَما قالَ أبُو زُبَيْدٍ: ؎أحْسِنْ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسُ ورُوِيَ كَذَلِكَ عَنْ عاصِمٍ. وقَرَأ عُبَيْدُ اللَّهِ، وأبُو وائِلٍ، ومَسْرُوقٌ، والضَّحّاكُ، والحَسَنُ، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: وعازَّنِي بِألِفٍ وتَشْدِيدِ الزّايِ: أيْ وغالَبَنِي. والظّاهِرُ إبْقاءُ لَفْظِ النَّعْجَةِ عَلى حَقِيقَتِها مِن كَوْنِها أُنْثى الضَّأْنِ، ولا يُكَنّى بِها عَنِ المَرْأةِ، ولا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلى ذَلِكَ لِأنَّ ذَلِكَ الإخْبارَ كانَ صادِرًا مِنَ المَلائِكَةِ، عَلى سَبِيلِ التَّصْوِيرِ لِلْمَسْألَةِ والفَرْضِ لَها مَرَّةً غَيْرَ تَلَبُّسٍ بِشَيْءٍ مِنها، فَمَثَّلُوا بِقِصَّةِ رَجُلٍ لَهُ نَعْجَةٌ، ولِخَلِيطِهِ تِسْعٌ وتِسْعُونَ، فَأرادَ صاحِبُهُ تَتِمَّةَ المِائَةِ، فَطَمِعَ في نَعْجَةِ خَلِيطِهِ، وأرادَ انْتِزاعَها مِنهُ. وحاجَّهُ في ذَلِكَ مُحاجَّةَ حَرِيصٍ عَلى بُلُوغِ مُرادِهِ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ﴾ وهَذا التَّصْوِيرُ والتَّمْثِيلُ أبْلَغُ في المَقْصُودِ وأدَلُّ عَلى المُرادِ. ﴿قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ﴾ لَيْسَ هَذا ابْتِداءً مِن داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إثْرَ فَراغِ لَفْظِ المُدَّعِي، ولا فُتْيا بِظاهِرِ كَلامِهِ قَبْلَ ظُهُورِ ما يَجِبُ، فَقِيلَ ذَلِكَ عَلى تَقْدِيرِ أيْ لَئِنْ كانَ ما تَقُولُ ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾ . وقِيلَ: ثَمَّ مَحْذُوفٌ، أيْ فَأقَرَّ المُدَّعى عَلَيْهِ فَقالَ ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾ ولَكِنَّهُ لَمْ يُحْكَ في القُرْآنِ اعْتِرافُ المُدَّعى عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الشَّرائِعِ كُلِّها، إذْ لا يَحْكُمُ الحاكِمُ إلّا بَعْدَ إجابَةِ المُدَّعى عَلَيْهِ. فَأمّا ما قالَهُ الحَلِيمِيُّ مِن أنَّهُ رَأى في المُدَّعِي مَخايِلَ الضَّعْفِ والهَضِيمَةِ، فَحَمَلَ أمْرَهُ (p-٣٩٣)عَلى أنَّهُ مَظْلُومٌ كَما تَقُولُ، فَدَعاهُ ذَلِكَ إلى أنْ لا يَسْألَ المُدَّعى عَلَيْهِ، فاسْتَعْجَلَ بِقَوْلِهِ (لَقَدْ ظَلَمَكَ) فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. ورُوِيَ أنَّ داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمّا سَمِعَ كَلامَ الشّاكِي قالَ لِلْآخَرِ: ما تَقُولُ ؟ فَأقَرَّ فَقالَ لَهُ: لَئِنْ لَمْ تَرْجِعْ إلى الحَقِّ لَأكْسِرَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْناكَ، وقالَ لِلثّانِي ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾ فَتَبَسَّما عِنْدَ ذَلِكَ وذَهَبا، ولَمْ يَرَهُما لِحِينِهِ، ورَأى أنَّهُما ذَهَبا نَحْوَ السَّماءِ بِمَرْأًى مِنهُ. وأضافَ المَصْدَرَ إلى المَفْعُولِ، وضَمَّنَ السُّؤالَ مَعْنى الإضافَةِ، أيْ بِإضافَةِ نَعْجَتِكِ عَلى سَبِيلِ السُّؤالِ والطَّلَبِ، ولِذَلِكَ عَدّاهُ بِإلى. ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبْغِيِ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ﴾ هَذا مِن كَلامِ داوُدَ، ويَدُلُّ عَلى أنَّ زَمانَهُ كانَ فِيهِ الظُّلْمُ والِاعْتِداءُ كَثِيرًا. والخُلَطاءُ: الشُّرَكاءُ الَّذِينَ خَلَطُوا أمْوالَهم، الواحِدُ خَلِيطٌ. قَصَدَ داوُدُ بِهَذا الكَلامِ المَوْعِظَةَ الحَسَنَةَ، والتَّرْغِيبَ في إيثارِ عادَةِ الخُلَطاءِ الصُّلَحاءِ الَّذِينَ حَكَمَ لَهم بِالقِلَّةِ، وأنْ يُكَرِّهَ إلَيْهِمُ الظُّلْمَ، وأنْ يُسَلِّيَ المَظْلُومَ عَنْ ما جَرى عَلَيْهِ مِن خَلِيطِهِ، وأنَّ لَهُ في أكْثَرِ الخُلَطاءِ أُسْوَةً. وقُرِئَ: لَيَبْغِيَ، بِفَتْحِ الياءِ عَلى تَقْدِيرِ حَذْفِ النُّونِ الخَفِيفَةِ وأصْلُهُ: لَيَبْغِيَنْ كَما قالَ: اضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طارِقَها يُرِيدُ: اضْرِبَنْ، ويَكُونُ عَلى تَقْدِيرِ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ ذَلِكَ القَسَمُ وجَوابُهُ خَبَرٌ لِـ (إنَّ) . وعَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ يَكُونُ لَيَبْغِي خَبَرًا لِـ (إنَّ) . وقُرِئَ: لَيَبْغِ، بِحَذْفِ الياءِ كَقَوْلِهِ: مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ أيْ: تَفِدِي عَلى أحَدِ القَوْلَيْنِ. و(قَلِيلٌ) خَبَرُهُ مُقَدَّمٌ، و(ما) زائِدَةٌ تُفِيدُ مَعْنى التَّعْظِيمِ والتَّعَجُّبِ، وهم مُبْتَدَأٌ. ﴿وظَنَّ داوُدُ﴾ لَمّا كانَ الظَّنُّ الغالِبُ يُقارِبُ العِلْمَ اسْتُعِيرَ لَهُ ومَعْناهُ: وعَلِمَ داوُدُ وأيْقَنَ أنّا ابْتَلَيْناهُ بِمُحاكَمَةِ الخَصْمَيْنِ. وأنْكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ مَجِيءَ الظَّنِّ بِمَعْنى اليَقِينِ. وقالَ: لَسْنا نَجِدُهُ في كَلامِ العَرَبِ، وإنَّما هو تَوْقِيفٌ بَيْنَ مُعْتَقَدَيْنِ غَلَبَ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ، وتُوقِعُهُ العَرَبُ عَلى العِلْمِ الَّذِي لَيْسَ عَلى الحَواسِّ ودَلالَةِ اليَقِينِ التّامِّ، ولَكِنْ يَخْلِطُ النّاسُ في هَذا ويَقُولُونَ: ظَنَّ بِمَعْنى أيْقَنَ، وطَوَّلَ ابْنُ عَطِيَّةَ في ذَلِكَ بِما يُوقَفُ عَلَيْهِ في كِتابِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿فَتَنّاهُ﴾ وعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وأبُو رَجاءٍ، والحَسَنُ: بِخِلافٍ عَنْهُ شَدُّ التّاءِ والنُّونِ مُبالَغَةً، والضَّحّاكُ: أفْتَنّاهُ، كَقَوْلِهِ: لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهي بِالأمْسِ أفْتَنَتْ وقَتادَةُ، وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ يُخَفِّفُ التّاءَ والنُّونَ، والألِفُ ضَمِيرُ الخَصْمَيْنِ. ﴿فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأنابَ﴾ راكِعًا: حالٌ، والخُرُورُ: الهَوى إلى الأرْضِ. فَإمّا أنَّهُ عَبَّرَ بِالرُّكُوعِ عَنِ السُّجُودِ، وإمّا أنَّهُ ذَكَرَ أوَّلَ أحْوالِ الخُرُورِ، أيْ راكِعًا لِيَسْجُدَ. وقالَ الحَسَنُ: لِأنَّهُ لا يَكُونُ ساجِدًا حَتّى يَرْكَعَ. وقالَ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ: أخَرَّ مِن رُكُوعِهِ، أيْ سَجَدَ بَعْدَ أنْ كانَ راكِعًا. وقالَ قَوْمٌ: يُقالُ خَرَّ لِمَن رَكَعَ، وإنْ لَمْ يَنْتَهِ إلى الأرْضِ. والَّذِي يُذْهَبُ إلَيْهِ ما دَلَّ عَلَيْهِ ظاهِرُ الآيَةِ مِن أنَّ المُتَسَوِّرِينَ المِحْرابَ كانُوا مِنَ الإنْسِ، دَخَلُوا عَلَيْهِ مِن غَيْرِ المَدْخَلِ، وفي غَيْرِ وقْتِ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ، وأنَّهُ فَزِعَ مِنهم ظانًّا أنَّهم يَغْتالُونَهُ، إذا كانَ مُنْفَرِدًا في مِحْرابِهِ لِعِبادَةِ رَبِّهِ. فَلَمّا اتَّضَحَ لَهُ أنَّهم جاءُوا في حُكُومَةٍ، وبَرَزَ مِنهُمُ اثْنانِ لِلتَّحاكُمِ، كَما قَصَّ اللَّهُ تَعالى، وأنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ ظَنَّ دُخُولَهم عَلَيْهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ ومِن تِلْكَ الجِهَةِ إنْقاذًا مِنَ اللَّهِ لَهُ أنْ يَغْتالُوهُ، فَلَمْ يَقَعْ ما كانَ ظَنُّهُ، فاسْتَغْفَرَ مِن ذَلِكَ الظَّنِّ، حَيْثُ أُخْلِفَ ولَمْ يَكُنْ يَقَعُ مَظْنُونُهُ، وخَرَّ ساجِدًا، أوْ رَجَعَ إلى اللَّهِ تَعالى فَغَفَرَ لَهُ ذَلِكَ الظَّنَّ؛ ولِذَلِكَ أشارَ بِقَوْلِهِ ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذَلِكَ﴾ ولَمْ يَتَقَدَّمْ سِوى قَوْلِهِ ﴿وظَنَّ داوُدُ أنَّما فَتَنّاهُ﴾ ويُعْلَمُ قَطْعًا أنَّ الأنْبِياءَ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - مَعْصُومُونَ مِنَ الخَطايا، لا يُمْكِنُ وُقُوعُهم في شَيْءٍ مِنها ضَرُورَةَ أنْ لَوْ جَوَّزْنا عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِن ذَلِكَ، بَطَلَتِ الشَّرائِعُ، ولَمْ نَثِقْ بِشَيْءٍ مِمّا يَذْكُرُونَ أنَّهُ أوْحى اللَّهُ بِهِ إلَيْهِمْ، فَما حَكى اللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ يَمُرُّ عَلى ما أرادَهُ تَعالى، وما حَكى القَصّاصُ مِمّا فِيهِ غَضٌّ عَنْ مَنصِبِ النُّبُوَّةِ طَرَحْناهُ، ونَحْنُ كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎ونُؤْثِرُ حُكْمَ العَقْلِ في كُلِّ شُبْهَةٍ ∗∗∗ إذا آثَرَ الأخْبارَ جُلّاسُ قَصّاصِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب