الباحث القرآني

(p-٣٢١)سُورَةُ يس عَلْيِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ثَلاثٌ وثَمانُونَ مَكِّيَّةٌ ﷽ ﴿يس﴾ ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهم فَهم غافِلُونَ﴾ ﴿لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلى أكْثَرِهِمْ فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿إنّا جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالًا فَهي إلى الأذْقانِ فَهم مُقْمَحُونَ﴾ ﴿وجَعَلْنا مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ سَدًّا ومِن خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأغْشَيْناهم فَهم لا يُبْصِرُونَ﴾ ﴿وسَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهم وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾ ﴿واضْرِبْ لَهم مَثَلًا أصْحابَ القَرْيَةِ إذْ جاءَها المُرْسَلُونَ﴾ ﴿إذْ أرْسَلْنا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إنّا إلَيْكم مُرْسَلُونَ﴾ ﴿قالُوا ما أنْتُمْ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا وما أنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إنْ أنْتُمْ إلّا تَكْذِبُونَ﴾ ﴿قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إنّا إلَيْكم لَمُرْسَلُونَ﴾ ﴿وما عَلَيْنا إلّا البَلاغُ المُبِينُ﴾ ﴿قالُوا إنّا تَطَيَّرْنا بِكم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكم ولَيَمَسَّنَّكم مِنّا عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿قالُوا طائِرُكم مَعَكم أئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ ﴿وجاءَ مِن أقْصى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ ياقَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ﴾ ﴿اتَّبِعُوا مَن لا يَسْألُكم أجْرًا وهم مُهْتَدُونَ﴾ [يس: ٢١] ﴿وما لِيَ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٢٢] ﴿أأتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهم شَيْئًا ولا يُنْقِذُونِ﴾ [يس: ٢٣] ﴿إنِّي إذًا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٢٤] ﴿إنِّي آمَنتُ بِرَبِّكم فاسْمَعُونِ﴾ [يس: ٢٥] ﴿قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قالَ يالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ [يس: ٢٦] ﴿بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٧] ﴿وما أنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وما كُنّا مُنْزِلِينَ﴾ [يس: ٢٨] ﴿إنْ كانَتْ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا هم خامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] ﴿يا حَسْرَةً عَلى العِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِن رَسُولٍ إلّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [يس: ٣٠] ﴿ألَمْ يَرَوْا كَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِنَ القُرُونِ أنَّهم إلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٣١] ﴿وإنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ وآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ المَيْتَةُ أحْيَيْناها وأخْرَجْنا مِنها حَبًّا فَمِنهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٣٢] ﴿وجَعَلْنا فِيها جَنّاتٍ مِن نَخِيلٍ وأعْنابٍ وفَجَّرْنا فِيها مِنَ العُيُونِ﴾ [يس: ٣٤] ﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وما عَمِلَتْهُ أيْدِيهِمْ أفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٣٥] ﴿سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْواجَ كُلَّها مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ ومِن أنْفُسِهِمْ ومِمّا لا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: ٣٦] ﴿وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ فَإذا هم مُظْلِمُونَ﴾ [يس: ٣٧] ﴿والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾ [يس: ٣٨] ﴿والقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كالعُرْجُونِ القَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ ولا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] ﴿وآيَةٌ لَهم أنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهم في الفُلْكِ المَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] ﴿وخَلَقْنا لَهم مِن مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] ﴿وإنْ نَشَأْ نُغْرِقْهم فَلا صَرِيخَ لَهم ولا هم يُنْقَذُونَ﴾ [يس: ٤٣] ﴿إلّا رَحْمَةً مِنّا ومَتاعًا إلى حِينٍ﴾ [يس: ٤٤] ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أيْدِيكم وما خَلْفَكم لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ [يس: ٤٥] ﴿وما تَأْتِيهِمْ مِن آيَةٍ مِن آياتِ رَبِّهِمْ إلّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ﴾ [يس: ٤٦] ﴿وإذا قِيلَ لَهم أنْفِقُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أنُطْعِمُ مَن لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أطْعَمَهُ إنْ أنْتُمْ إلّا في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٤٧] ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [يس: ٤٨] ﴿ما يَنْظُرُونَ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهم وهم يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩] ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٥٠] ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ فَإذا هم مِنَ الأجْداثِ إلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] ﴿قالُوا ياوَيْلَنا مَن بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا هَذا ما وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢] ﴿إنْ كانَتْ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا هم جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٥٣] ﴿فاليَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولا تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يس: ٥٤] ﴿إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ في شُغُلٍ فاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] ﴿هم وأزْواجُهم في ظِلالٍ عَلى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ [يس: ٥٦] ﴿لَهم فِيها فاكِهَةٌ ولَهم ما يَدَّعُونَ﴾ [يس: ٥٧] (p-٣٢٢)﴿سَلامٌ قَوْلًا مِن رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] ﴿وامْتازُوا اليَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يابَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يس: ٥٩] ﴿وأنِ اعْبُدُونِي هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس: ٦١] ﴿ولَقَدْ أضَلَّ مِنكم جِبِلًّا كَثِيرًا أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٦٢] ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [يس: ٦٣] ﴿اصْلَوْها اليَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [يس: ٦٤] ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: ٦٥] ﴿ولَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأنّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] ﴿ولَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهم عَلى مَكانَتِهِمْ فَما اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٦٧] ﴿ومَن نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في الخَلْقِ أفَلا يَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٦٨] ﴿وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ إنْ هو إلّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٩] ﴿لِيُنْذِرَ مَن كانَ حَيًّا ويَحِقَّ القَوْلُ عَلى الكافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠] ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا خَلَقْنا لَهم مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعامًا فَهم لَها مالِكُونَ﴾ [يس: ٧١] ﴿وذَلَّلْناها لَهم فَمِنها رَكُوبُهم ومِنها يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢] ﴿ولَهم فِيها مَنافِعُ ومَشارِبُ أفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٧٣] ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهم يُنْصَرُونَ﴾ [يس: ٧٤] ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهم وهم لَهم جُنْدٌ مُحْضَرُون﴾ [يس: ٧٥] ﴿فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهم إنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ [يس: ٧٦] ﴿أوَلَمْ يَرَ الإنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن نُطْفَةٍ فَإذا هو خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧] ﴿وضَرَبَ لَنا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَن يُحْيِي العِظامَ وهي رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] ﴿قُلْ يُحْيِيها الَّذِي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ وهو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٩] ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكم مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نارًا فَإذا أنْتُمْ مِنهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس: ٨٠] ﴿أوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهم بَلى وهو الخَلّاقُ العَلِيمُ﴾ [يس: ٨١] ﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] ﴿فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٨٣] قَمَحَ البَعِيرُ رَأْسَهُ: رَفَعَهُ أثَرَ شُرْبِ الماءِ، ويَأْتِي الكَلامُ فِيهِ مُسْتَوْفِيًا. العُرْجُونُ: عُودُ العَذْقِ مِن بَيْنِ الشِّمْراخِ إلى مَنبَتِهِ مِنَ النَّخْلَةِ. وقالَ الزَّجّاجُ: هو فُعْلُونٌ مِنَ الِانْعِراجِ، وهو الِانْعِطافُ. الجَدَثُ: القَبْرُ، وسُمِعَ فِيهِ جَدَفٌ بِإبْدالِ الثّاءِ فاءً، كَما قالُوا: فُمَّ في ثُمَّ، وكَما أبْدَلُوا مِنَ الفاءِ ثاءً، قالُوا في مَعْفُورٍ مَعْثُورٌ، وهو ضَرْبٌ مِنَ الكَمْأةِ. المَسْخُ: تَحْوِيلٌ مِن صُورَةٍ إلى صُورَةٍ مُنْكَرَةٍ. الرَّمِيمُ: البالِي المُفَتَّتُ. * * * ﴿يس﴾ ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهم فَهم غافِلُونَ﴾ ﴿لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلى أكْثَرِهِمْ فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿إنّا جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالًا فَهي إلى الأذْقانِ فَهم مُقْمَحُونَ﴾ ﴿وجَعَلْنا مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ سَدًّا ومِن خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأغْشَيْناهم فَهم لا يُبْصِرُونَ﴾ ﴿وسَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهم وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾ . هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، إلّا أنَّ فِرْقَةً زَعَمَتْ أنَّ قَوْلَهُ ﴿ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا﴾، و(آثارَهم)، فَنَزَلَتْ في بَنِي سَلَمَةَ مِنَ الأنْصارِ حِينَ أرادُوا أنْ يَتْرُكُوا دِيارَهم ويَنْتَقِلُوا إلى جِوارِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ، ولَيْسَ زَعْمًا صَحِيحًا. وقِيلَ: إلّا قَوْلَهُ ﴿وإذا قِيلَ لَهم أنْفِقُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [يس: ٤٧] الآيَةَ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ في الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ في أوَّلِ البَقَرَةِ، قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ هُنا: (p-٣٢٣)إنَّهُ اسْمٌ مِن أسْماءِ مُحَمَّدٍ ﷺ ودَلِيلُهُ ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ . قالَ السَّيِّدُ الحَمَوِيُّ: ؎يا نَفْسِ لا تَمْحَضِي بِالوِدِّ جاهِدَةً عَلى المَوَدَّةِ إلّا آلَ ياسِينا وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَعْناهُ يا إنْسانُ بِالحَبَشِيَّةِ، وعَنْهُ هو في لُغَةِ طَيْئٍ، وذَلِكَ أنَّهم يَقُولُونَ إيسانٌ بِمَعْنى إنْسانٌ، ويَجْمَعُونَهُ عَلى (أياسِينَ)، فَهَذا مِنهُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: يا: حَرْفُ نِداءٍ، والسِّينُ مُقامَةٌ مَقامَ إنْسانٍ انْتُزِعَ مِنهُ حَرْفٌ فَأُقِيمَ مُقامَهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إنْ صَحَّ أنَّ مَعْناهُ يا إنْسانُ في لُغَةِ طَيْئٍ، فَوَجْهُهُ أنْ يَكُونَ أصْلُهُ يا أنَيْسِينُ، فَكَثُرَ النِّداءُ عَلى ألْسِنَتِهِمْ حَتّى اقْتَصَرُوا عَلى شَطْرِهِ، كَما قالُوا في القَسَمِ: مُ اللَّهِ في ايْمُنُ اللَّهِ. انْتَهى. والَّذِي نُقِلَ عَنِ العَرَبِ في تَصْغِيرِهِمْ إنْسانٍ أُنَيْسِيانٌ بِياءٍ بَعْدَها ألِفٌ، فَدَلَّ عَلى أنَّ أصْلَهُ أُنَيْسانٌ؛ لِأنَّ التَّصْغِيرَ يَرُدُّ الأشْياءَ إلى أُصُولِها، ولا نَعْلَمُهم قالُوا في تَصْغِيرِهِ (أُنَيْسِينٌ)، وعَلى تَقْدِيرِ أنَّهُ بَقِيَّةُ أُنَيْسِينٍ، فَلا يَجُوزُ ذَلِكَ، لا أنْ يُبْنى عَلى الضَّمِّ، ولا يَبْقى مَوْقُوفًا؛ لِأنَّهُ مُنادًى مُقْبَلٌ عَلَيْهِ، مَعَ ذَلِكَ فَلا يَجُوزُ لِأنَّهُ تَحْقِيرٌ، ويُمْتَنَعُ ذَلِكَ في حَقِّ النُّبُوَّةِ. وقَوْلُهُ: كَما قالُوا في القَسَمِ مُ اللَّهِ في ايْمُنُ اللَّهِ، هَذا قَوْلٌ. ومِنَ النَّحْوِيِّينَ مَن يَقُولُ: إنَّ (مُ) حَرْفُ قَسَمٍ ولَيْسَ مُبَقّى مِنِ ايْمُنٍ. وقُرِئَ: بِفَتْحِ الياءِ وإمالَتِها مَحْضًا، وبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِسُكُونِ النُّونِ مُدْغَمَةً في الواوِ؛ ومِنَ السَّبْعَةِ: الكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ، ووَرْشٌ، وابْنُ عامِرٍ: مُظْهَرَةٌ عِنْدَ باقِي السَّبْعَةِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ، وعِيسى: بِفَتْحِ النُّونِ. وقالَ قَتادَةُ: يس قَسَمٌ. قالَ أبُو حاتِمٍ: فَقِياسُ هَذا القَوْلِ فَتْحُ النُّونِ، كَما تَقُولُ: اللَّهِ لَأفْعَلَنَّ كَذا. وقالَ الزَّجّاجُ: النَّصْبُ، كَأنَّهُ قالَ: اتْلُ يس، وهَذا عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ اسْمٌ لِلسُّورَةِ. وقَرَأ الكَلْبِيُّ: بِضَمِّ النُّونِ، وقالَ هي بِلُغَةِ طَيْئٍ: يا إنْسانُ. وقَرَأ السَّمّاكُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ أيْضًا: بِكَسْرِها؛ قِيلَ: والحَرَكَةُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، فالفَتْحُ كائِنٌ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ والضَّمِّ كَحَيْثُ، والكَسْرُ عَلى أصْلِ التِقائِهِما. وإذا قِيلَ أنَّهُ قَسَمٌ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُعْرَبًا بِالنَّصْبِ عَلى ما قالَ أبُو حاتِمٍ، والرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ نَحْوُ: أمانَةُ اللَّهِ لَأقُومَنَّ، والجَرُّ عَلى إضْمارِ حَرْفِ الجَرِّ، وهو جائِزٌ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ. (والحَكِيمِ): إمّا فَعِيلٌ بِمَعْنى مُفْعَلٍ، كَما تَقُولُ: عَقَدْتُ العَسَلَ فَهو عَقِيدٌ: أيْ مُعْقَدٌ، وإمّا لِلْمُبالَغَةِ مِن حاكِمٍ، وإمّا عَلى مَعْنى السَّبَبِ، أيْ ذِي حِكْمَةٍ. ﴿عَلى صِراطٍ﴾ خَبَرُ ثانٍ، أوْ في مَوْضِعِ الحالِ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، أوْ مِنَ المُرْسَلِينَ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِالمُرْسَلِينَ. والصِّراطُ المُسْتَقِيمُ: شَرِيعَةُ الإسْلامِ. وقَرَأ طَلْحَةُ، والأشْهَبُ، وعِيسى: بِخِلافٍ عَنْهُما؛ وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: تَنْزِيلَ، بِالنَّصْبِ عَلى المَصْدَرِ؛ وباقِي السَّبْعَةِ، وأبُو بَكْرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، والحَسَنُ، والأعْرَجُ، والأعْمَشُ بِالرَّفْعِ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هو تَنْزِيلٌ؛ وأبُو حَيْوَةَ، واليَزِيدِيُّ، والقُورَصِيُّ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ وشَيْبَةَ؛ بِالخَفْضِ إمّا عَلى البَدَلِ مِنَ القُرْآنِ، وإمّا عَلى الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ. (لِتُنْذِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِتَنْزِيلَ أوْ بِأرْسَلْنا مُضْمَرَةً. ﴿ما أُنْذِرَ﴾، قالَ عِكْرِمَةُ: بِمَعْنى الَّذِي، أيِ الشَّيْءُ الَّذِي أُنْذِرَهُ آباؤُهم مِنَ العَذابِ، فَما مَفْعُولٌ ثانٍ، كَقَوْلِهِ ﴿إنّا أنْذَرْناكم عَذابًا قَرِيبًا﴾ [النبإ: ٤٠] . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ ما مَصْدَرِيَّةً، أيْ ﴿ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ﴾، والآباءُ عَلى هَذا هُمُ الأقْدَمُونَ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ، وكانَتِ النِّذارَةُ فِيهِمْ. و(فَهم) عَلى هَذا التَّأْوِيلِ بِمَعْنى فَإنَّهم، دَخَلَتِ الفاءُ لِقَطْعِ الجُمْلَةِ مِنَ الجُمْلَةِ الواقِعَةِ صِلَةً، فَتَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ . (لِتُنْذِرَ)، كَما تَقُولُ: أرْسَلْتُكَ إلى فُلانٍ لِتُنْذِرَهُ، فَإنَّهُ غافِلٌ، أوْ فَهو غافِلٌ. وقالَ قَتادَةُ: ما نافِيَةٌ، أيْ أنَّ آباءَهم لَمْ يُنْذَرُوا، فَآباؤُهم عَلى هَذا هُمُ القَرِيبُونَ مِنهم، وما أُنْذِرَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ، أيْ غَيْرُ مُنْذَرٍ آباؤُهم، وفَهم غافِلُونَ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ، أيْ لَمْ يُنْذَرُوا فَهم غافِلُونَ، عَلى أنَّ عَدَمَ إنْذارِهِمْ هو سَبَبُ غَفْلَتِهِمْ. وبِاعْتِبارِ الآباءِ في القِدَمِ والقُرْبِ يَزُولُ التَّعارُضُ بَيْنَ الإنْذارِ ونَفْيِهِ. ﴿لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلى أكْثَرِهِمْ﴾ المَشْهُورُ أنَّ القَوْلَ ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩] . وقِيلَ: لَقَدْ سَبَقَ في عِلْمِهِ وُجُوبُ العَذابِ. وقِيلَ: حَقَّ القَوْلُ (p-٣٢٤)الَّذِي قالَهُ اللَّهُ عَلى لِسانِ الرُّسُلِ مِنَ التَّوْحِيدِ وغَيْرِهِ وبانَ بُرْهانُهُ؛ فَأكْثَرُهم لا يُؤْمِنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ ﴿إنّا جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالًا﴾ الآيَةَ هو حَقِيقَةٌ لا اسْتِعارَةٌ. لَمّا أخْبَرَ تَعالى أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، أخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ مِن أحْوالِهِمْ في الآخِرَةِ إذا دَخَلُوا النّارَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَوْلُهُ ﴿فَأغْشَيْناهم فَهم لا يُبْصِرُونَ﴾ يُضْعِفُ هَذا؛ لِأنَّ بَصَرَ الكافِرِ يَوْمَ القِيامَةِ إنَّما هو حَدِيدٌ يَرى قُبْحَ حالِهِ. انْتَهى، ولا يُضْعِفُ هَذا. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ ﴿ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا﴾ [الإسراء: ٩٧]، وقَوْلِهِ ﴿قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمى﴾ [طه: ١٢٥] ؟ وإمّا أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: ٢٢]، كِنايَةٌ عَنْ إدْراكِهِ ما يَؤُولُ إلَيْهِ، حَتّى كَأنَّهُ يُبْصِرُهُ. وقالَ الجُمْهُورُ: ذَلِكَ اسْتِعارَةٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ إسْحاقَ: اسْتِعارَةٌ لِحالَةِ الكَفَرَةِ الَّذِينَ أرادُوا الرَّسُولَ بِسُوءٍ، جَعَلَ اللَّهُ هَذا لَهم مَثَلًا في كَفِّهِ إيّاهم عَنْهُ، ومَنعِهِمْ مِن أذاهُ حِينَ بَيَّتُوهُ. وقالَ الضَّحّاكُ، والفَرّاءُ: اسْتِعارَةٌ لِمَنعِهِمْ مِنَ النَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ، كَما قالَ ﴿ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ﴾ [الإسراء: ٢٩] وقالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ حِينَ أرادَ أبُو جَهْلٍ ضَرْبَهُ بِالحَجَرِ العَظِيمِ، وفي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُواطِنِ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ؛ وهَذا قَرِيبٌ مِن قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ، فَرُوِيَ «أنَّ أبا جَهْلٍ حَمَلَ حَجَرًا لِيَدْفَعَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ وهو يُصَلِّي، فانْثَنَتْ يَداهُ إلى عُنُقِهِ حَتّى عادَ إلى أصْحابِهِ والحَجَرُ في يَدِهِ قَدْ لَزِقَ، فَما فَكُّوهُ إلّا بِجُهْدٍ، فَأخَذَ آخَرَ، فَلَمّا دَنا مِنَ الرَّسُولِ، طَمَسَ اللَّهُ بَصَرَهُ فَلَمْ يَرَهُ، فَعادَ إلى أصْحابِهِ فَلَمْ يُبْصِرْهم حَتّى نادَوْهُ»، فَجَعْلُ الغُلِّ يَكُونُ اسْتِعارَةً عَنْ مَنعِ أبِي جَهْلٍ وغَيْرِهِ في هَذِهِ القِصَّةِ. ولَمّا كانَ أصْحابُ أبِي جَهْلٍ راضِينَ بِما أرادَ أنْ يَفْعَلَ، فَنُسِبَ ذَلِكَ إلى جَمْعٍ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: اسْتِعارَةٌ لِمَنعِ اللَّهِ إيّاهم مِنَ الإيمانِ وحَوْلِهِ بَيْنَهم وبَيْنَهُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا أرْجَحُ الأقْوالِ؛ لِأنَّهُ تَعالى لَمّاَ ذَكَرَ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، لِما سَبَقَ لَهم في الأزَلِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِأنْ جَعَلَ لَهم مِنَ المَنعِ وإحاطَةِ الشَّقاوَةِ ما حالُهم مَعَهُ حالُ المَغْلُولِينَ. انْتَهى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَثَّلَ تَصْمِيمَهم عَلى الكُفْرِ، وأنَّهُ لا سَبِيلَ إلى دَعْواهم بِأنْ جَعَلَهم كالمَغْلُولِينَ المُقْمَحِينَ في أنَّهم لا يَلْتَفِتُونَ إلى الحَقِّ ولا يَعْطِفُونَ أعْناقَهم نَحْوَهُ، ولا يُطَأْطِئُونَ رُءُوسَهم لَهُ، وكالحاصِلِينَ بَيْنَ سَدَّيْنِ لا يُبْصِرُونَ ما قُدّامَهم ولا ما خَلْفَهم في أنْ لا تَأْمُّلَ لَهم ولا يُبْصِرُونَ، أنَّهم مُتَعامُونَ عَنِ النَّظَرِ في آياتِ اللَّهِ تَعالى. انْتَهى، وفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ. ألا تَرى إلى قَوْلِ أهْلِ السُّنَّةِ اسْتِعارَةٌ لِمَنعِ اللَّهِ إيّاهم مِنَ الإيمانِ، وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ مَثَّلَ تَصْمِيمَهم ونِسْبَتُهُ الأفْعالَ الَّتِي يَعْدُها إلَيْهِمْ لا إلى اللَّهِ. والغُلُّ ما أحاطَ بِالعُنُقِ عَلى مَعْنى التَّعْنِيفِ والتَّضْيِيقِ والتَّعْذِيبِ والأسْرِ، ومَعَ العُنُقِ اليَدانِ أوِ اليَدُ الواحِدَةُ عَلى مَعْنى التَّعْلِيلِ. والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ في فَهي إلى الأغْلالِ؛ لِأنَّها هي المَذْكُورَةُ والمُحَدَّثُ عَنْها. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هي عَرِيضَةٌ تَبْلُغُ بِحَرْفِها الأذْقانَ، والذَّقَنُ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، فَيَضْطَرُّ المَغْلُولُ إلى رَفْعِ وجْهِهِ نَحْوُ السَّماءِ، وذَلِكَ هو الإقْماحُ، وهو نَحْوُ الإقْناعِ في الهَيْئَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الأغْلالُ وأصْلُهُ إلى الأذْقانِ مَكْزُوزَةٌ إلَيْها، وذَلِكَ أنَّ طَوْقَ الغُلِّ الَّذِي هو عُنُقُ المَغْلُولِ يَكُونُ في مُلْتَقى طَرَفَيْهِ تَحْتَ الذَّقَنِ حَلْقَةٌ فِيها رَأْسُ العَمُودِ نادِرًا مِنَ الحَلْقَةِ إلى الذَّقَنِ، فَلا تُخَلِّيهِ يُطاطِئُ رَأْسَهُ ويُوَطِئُ قَذالَهُ، فَلا يَزالُ مُقْمَحًا. انْتَهى. وقالَ الفَرّاءُ: القَمْحُ الَّذِي يَغُضُّ بَصَرَهُ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ. وقالَ الزَّجّاجُ نَحْوَهُ قالَ: يُقالُ قَمَحَ البَعِيرُ رَأْسَهُ عَنْ رَيٍّ وقَمَحَ هو. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: قَمَحَ قُمُوحًا: رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ الحَوْضِ ولَمْ يَشْرَبْ، والجَمْعُ قِماحٌ، ومِنهُ قَوْلُ بِشْرٍ يَصِفُ مَيْتَةَ أحَدِهِمْ لِيَدْفِنَها: ؎ونَحْنُ عَلى جَوانِبِها قُعُودٌ ∗∗∗ نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإبِلِ القِماحِ وقالَ اللَّيْثُ: هو رَفْعُ البَعِيرِ رَأْسَهُ إذا شَرِبَ الماءَ الكَرِيهَ ثُمَّ يَعُودُ. وقالَ الزَّجّاجُ: لِلْكانُونَيْنِ شَهْرا قِماحٍ؛ لِأنَّ الإبِلَ إذا ورَدَتِ الماءَ تَرْفَعُ رُءُوسَها لِشِدَّةِ بَرْدِهِ، وأنْشَدَ أبُو زَيْدٍ بَيْتَ الهُذَلِيِّ:(p-٣٢٥) ؎فَتًى ما ابْنُ الأعَزِّ إذا شَتَوْنا ∗∗∗ وحُبَّ الزّادُ في شَهْرَيْ قُماحِ () رَواهُ بِضَمِّ القافِ، وابْنُ السِّكِّيتِ بِكَسْرِها، وهُما لُغَتانِ. وسُمِّيا شَهْرَيْ قِماحٍ لِكَراهَةِ كُلِّ ذِي كَبِدٍ شُرْبَ الماءِ فِيهِ. وقالَ الحَسَنُ: القامِحُ: الطّافِحُ بِبَصَرِهِ إلى مَوْضِعِ قَدَمِهِ. وقالَ مُجاهِدٌ: الرّافِعُ الرَّأْسَ، الواضِحُ يَدَهُ عَلى فِيهِ. وقالَ الطَّبَرِيُّ: الضَّمِيرُ في فَهي عائِدٌ عَلى الأيْدِي، وإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَها ذِكْرٌ، لِوُضُوحِ مَكانِها مِنَ المَعْنى، وذَلِكَ أنَّ الغُلُّ إنَّما يَكُونُ في العُنُقِ مَعَ اليَدَيْنِ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ الغُلُّ جامِعَةً لِجَمْعِهِ اليَدَ والعُنُقَ. وأرى عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ - النّاسَ الأقْماحَ، فَجَعَلَ يَدَيْهِ تَحْتَ لِحْيَيْهِ وألْصَقَهُما ورَفَعَ رَأْسَهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَعَلَ الأقْماحَ نَتِيجَةَ قَوْلِهِ ﴿فَهي إلى الأذْقانِ﴾ . ولَوْ كانَ الضَّمِيرُ لِلْأيْدِي، لَمْ يَكُنْ مَعْنى التَّسَبُّبِ في الأقْماحِ ظاهِرًا عَلى أنَّ هَذا الإضْمارَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ التَّعَسُّفِ وتَرْكِ الظّاهِرِ الَّذِي يَدْعُوهُ المَعْنى إلى نَفْسِهِ إلى الباطِلِ الَّذِي يَجْفُو عَنْهُ تَرْكٌ لِلْحَقِّ الأبْلَجِ إلى الباطِلِ اللَّجْلَجِ. انْتَهى. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وعِكْرِمَةُ، والنَّخَعِيُّ، وابْنُ وثّابٍ، وطَلْحَةُ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ ( سَدًّا) بِفَتْحِ السِّينِ فِيهِما؛ والجُمْهُورُ: بِالضَّمِّ، وتَقَدَّمَ شَرْحُ السَّدِّ في الكَهْفِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿فَأغْشَيْناهُمْ﴾ بالغَيْنِ مَنقُوطَةً؛ وابْنُ عَبّاسٍ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وابْنُ يَعْمَرَ، وعِكْرِمَةُ، والنَّخَعِيُّ، وابْنُ سِيرِينَ، والحَسَنُ، وأبُو رَجاءٍ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، ويَزِيدُ البَرْبَرِيُّ، ويَزِيدُ بْنُ المُهَلَّبِ، وأبُو حَنِيفَةَ، وابْنُ مِقْسَمٍ: بِالعَيْنِ مِنَ العَشاءِ، وهو ضَعْفُ البَصَرِ، جَعَلْنا عَلَيْها غِشاوَةً. ﴿وسَواءٌ عَلَيْهِمْ﴾ الآيَةَ. تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِها تَفْسِيرًا وإعْرابًا في أوَّلِ البَقَرَةِ. ﴿إنَّما تُنْذِرُ﴾ تَقَدَّمَ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾، لَكِنَّهُ لَمّا كانَ مَحْتُومًا عَلَيْهِمْ أنْ لا يُؤْمِنُوا حَتّى قالَ ﴿وسَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾، لَمْ يُجْدِ الإنْذارُ لِانْتِفاءِ مَنفَعَتِهِ فَقالَ ﴿إنَّما تُنْذِرُ﴾ أيْ إنْذارًا يَنْفَعُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ، وهو القُرْآنُ. قالَ قَتادَةُ: أوِ الوَعْظُ. ﴿وخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ أيِ المُتَّصِفَ بِالرَّحْمَةِ، مَعَ أنَّ الرَّحْمَةَ قَدْ تَعُودُ إلى الرَّجاءِ، لَكِنَّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِرَحْمَتِهِ هو يَخْشاهُ خَوْفًا مِن أنْ يَسْلُبَهُ ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ بِالغَيْبِ، أيْ بِالخَلْوَةِ عِنْدَ مَغِيبِ الإنْسانِ عَنْ غُيُوبِ البَشَرِ. ولَمّا أحْدَثَ فِيهِ النِّذارَةَ، بَشَّرَهُ بِمَغْفِرَةٍ لِما سَلَفَ؛ ﴿وأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ عَلى ما أسْلَفَ مِنَ العَمَلِ الصّالِحِ، وهو الجَنَّةُ. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى الرِّسالَةَ، وهي أحَدُ الأُصُولِ الثَّلاثَةِ الَّتِي بِها يَصِيرُ المُكَلَّفُ مُؤْمِنًا، ذَكَرَ الحَشْرَ، وهو أحَدُ الأُصُولِ الثَّلاثَةِ. والثّالِثُ هو تَوْحِيدٌ، فَقالَ ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتى﴾ أيْ بَعْدِ مَماتِهِمْ. وأبْعَدَ الحَسَنُ والضَّحّاكُ في قَوْلِهِ: إحْياؤُهم: إخْراجُهم مِنَ الشِّرْكِ إلى الإيمانِ. ﴿ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا﴾، كِنايَةٌ عَنِ المُجازاةِ: أيْ ونُحْصِي، فَعَبَّرَ عَنْ إحاطَةِ عِلْمِهِ بِأعْمالِهِمْ بِالكِتابَةِ الَّتِي تُضْبَطُ بِها الأشْياءُ. وقَرَأ زِرٌّ ومَسْرُوقٌ: ويُكْتَبُ ما قَدَّمُوا وآثارُهم بِالياءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وما قَدَّمُوا مِنَ الأعْمالِ. وآثارُهم: خُطاهم إلى المَساجِدِ. وقالَ: السِّيَرُ الحَسَنَةُ والسَّيِّئَةُ. وقِيلَ: ما قَدَّمُوا مِنَ السَّيِّئاتِ وآثارِهِمْ مِنَ الأعْمالِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ما أسْلَفُوا مِنَ الأعْمالِ الصّالِحاتِ غَيْرَها، وما هَلَكُوا عَنْهُ مِن أثَرٍ حَسَنٍ، كَعِلْمٍ عَلَّمُوهُ، وكِتابٍ صَنَّفُوهُ، أوْ حَبِيسٍ أحَبَسُوهُ، أوْ بِناءٍ بَنَوْهُ مِن مَسْجِدٍ أوْ رِباطٍ أوْ قَنْطَرَةٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أوْ سَيِّئٍ كَوَظِيفَةٍ وظَّفَها بَعْضُ الظُّلّامِ عَلى المُسْلِمِينَ، وسِكَّةٍ أحْدَثَها فِيها تَحَيُّرُهم، وشَيْءٍ أحْدَثَ فِيهِ صَدٌّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مِن ألْحانٍ ومَلاهٍ، وكَذَلِكَ كُلُّ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ، أوْ سَيِّئَةٍ يُسْتَنُّ بِها، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأخَّرَ﴾ [القيامة: ١٣]، مِن آثارِهِ. انْتَهى. وقَرَأ الجُمْهُورُ (وكُلَّ شَيْءٍ) بِالنَّصْبِ عَلى الِاشْتِغالِ. وقَرَأ أبُو السَّمّالِ: بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ. والإمامُ المُبِينُ: اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، قالَهُ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ وابْنُ زَيْدٍ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: أرادَ صُحُفَ الأعْمالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب