الباحث القرآني
(p-٢٦٩)﴿لَقَدْ كانَ لِسَبَأٍ في مَساكِنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وشِمالٍ كُلُوا مِن رِزْقِ رَبِّكم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ﴾ ﴿فَأعْرَضُوا فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وبَدَّلْناهم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وأثْلٍ وشَيْءٍ مِن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ ﴿ذَلِكَ جَزَيْناهم بِما كَفَرُوا وهَلْ نُجازِي إلّا الكَفُورَ﴾ ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرًى ظاهِرَةً وقَدَّرْنا فِيها السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وأيّامًا آمِنِينَ﴾ ﴿فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أسْفارِنا وظَلَمُوا أنْفُسَهم فَجَعَلْناهم أحادِيثَ ومَزَّقْناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ إنَّ في ذَلِكَ لِآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ ﴿ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعُوهُ إلّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِن سُلْطانٍ إلّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هو مِنها في شَكٍّ ورَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءِ حَفِيظٌ﴾ . لَمّا ذَكَرَ تَعالى حالَ الشّاكِرِينَ لِنِعَمِهِ بِذِكْرِ داوُدَ وسُلَيْمانَ، بَيَّنَ حالَ الكافِرِينَ بِأنْعُمِهِ بِقِصَّةِ سَبَأٍ، مَوْعِظَةً لِقُرَيْشٍ وتَحْذِيرًا وتَنْبِيهًا عَلى ما جَرى لِمَن كَفَرَ أنْعُمَ اللَّهِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في سَبَأٍ في النَّمْلِ. ولَمّا مَلَكَتْ بِلْقِيسُ، اقْتَتَلَ قَوْمُها عَلى ماءِ وادِيهِمْ، فَتَرَكَتْ مُلْكَها وسَكَنَتْ قَصْرَها، وراوَدُوها عَلى أنْ تَرْجِعَ فَأبَتْ فَقالُوا: لَتَرْجِعِنَّ أوْ لَنَقْتُلَنَّكِ، فَقالَتْ لَهم: لا عُقُولَ لَكم ولا تُطِيعُونِي، فَقالُوا: نُطِيعُكِ، فَرَجَعَتْ إلى وادِيهِمْ، وكانُوا إذا مُطِرُوا أتاهُمُ السَّيْلُ مِن مَسِيرَةِ ثَلاثَةِ أيّامٍ، فَأمَرَتْ بِهِ فَسُدَّ ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ بِمَساءَةٍ بِالصَّخْرِ والقارِ، وحَبَسَتِ الماءَ مِن وراءِ السَّدِّ، وجَعَلَتْ لَهُ أبْوابًا بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، وبَنَتْ مِن دُونِهِ بِرْكَةً فِيها اثْنا عَشَرَ مَخْرَجًا عَلى عَدَدِ أنْهارِهِمْ، وكانَ الماءُ يَخْرُجُ لَهم بِالسَّوِيَّةِ إلى أنْ كانَ مِن شَأْنِها مَعَ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ما سَبَقَ ذِكْرُهُ في سُورَةِ النَّمْلِ. وقِيلَ: الَّذِي بَنى لَهُمُ السَّدَّ هو حِمْيَرُ أبُو القَبائِلِ اليَمَنِيَّةِ. وعَنِ الضَّحّاكِ: كانُوا في الفَتْرَةِ الَّتِي بَيْنَ عِيسى ومُحَمَّدٍ. قِيلَ: وكانَ لَهم رَئِيسٌ يُلَقَّبُ بِالحِمارِ، وكانَ في الفَتْرَةِ، فَماتَ ولَدُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ فَبَزَقَ وكَفَرَ، فَلِذا يُقالُ في المَثَلِ: أكْفَرُ مِن حِمارٍ، ويُقالُ: بِرْكَةُ جَوْفِ حِمارٍ، أيْ كَوادِي حِمارٍ، لَمّا حالَ بِهِمُ السَّيْلُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿فِي مَساكِنِهِمْ﴾ جَمْعًا والنَّخَعِيُّ، وحَمْزَةُ، وحَفْصٌ: مُفْرَدًا بِفَتْحِ الكافِ؛ والكِسائِيُّ: مُفْرَدًا بِكَسْرِها، وهي قِراءَةُ الأعْمَشِ وعَلْقَمَةَ. وقالَ أبُو الحَسَنِ: كَسْرُ الكافِ لُغَةٌ فاشِيَةٌ، وهي لُغَةُ النّاسِ اليَوْمَ، والفَتْحُ لُغَةُ الحِجازِ، وهي اليَوْمَ قَلِيلَةٌ. وقالَ الفَرّاءُ: هي لُغَةٌ يَمانِيَّةٌ فَصِيحَةٌ، فَمَن قَرَأ الجَمْعَ فَظاهِرٌ؛ لِأنَّ كُلَّ أحَدٍ لَهُ مَسْكَنٌ، ومَن أفْرَدَ يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ عَلى المَصْدَرِ، أيْ في سُكْناهم، حَتّى لا يَكُونَ مُفْرَدًا يُرادُ بِهِ الجَمْعُ؛ لِأنَّ سِيبَوَيْهِ يَرى ذَلِكَ ضَرُورَةً نَحْوَ: كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكم تَعْفُوا، يُرِيدُ بُطُونَكم. وقَوْلُهُ:
قَدْ عَضَّ أعْناقَهم جِلْدُ الجَوامِيسِ
أيْ جُلُودُ.
آيَةٌ: أيْ عَلامَةٌ دالَّةٌ عَلى اللَّهِ وعَلى قُدْرَتِهِ وإحْسانِهِ ووُجُوبِ شُكْرِهِ، أوْ جَعَلَ قِصَّتَهم لِأنْفُسِهِمْ آيَةً، إذْ أعْرَضَ أهْلُها عَنْ شُكْرِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَخَرَّبَهم وأبْدَلَهم عَنْها الخَمْطَ والأثْلَ ثَمَرَةً لَهم، و﴿جَنَّتانِ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هي جَنَّتانِ، قالَهُ الزَّجّاجُ، أوْ بَدَلٌ، قالَ مَعْناهُ الفَرّاءُ قالَ: رَفْعٌ لِأنَّهُ تَفْسِيرٌ لِآيَةٍ. وقالَ مَكِّيٌّ وغَيْرُهُ وضَعَّفَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، ولَمْ يَذْكُرْ جِهَةَ تَضْعِيفِهِ. (p-٢٧٠)وقالَ ﴿جَنَّتانِ﴾ ابْتِداءٌ، وخَبَرُهُ في قَوْلِهِ ﴿عَنْ يَمِينٍ وشِمالٍ﴾ انْتَهى. ولا يَظْهَرُ لِأنَّهُ نَكِرَةٌ لا مُسَوِّغَ لِلِابْتِداءِ بِها، إلّا إنِ اعْتَقَدَ أنَّ ثُمَّ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ، أيْ جَنَّتانِ لَهم، أوْ عَظِيمَتانِ لَهم ﴿عَنْ يَمِينٍ وشِمالٍ﴾، وعَلى تَقْدِيرِ ذَلِكَ يَبْقى الكَلامُ مُفْلَتًا مِمّا قَبْلَهُ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: جَنَّتَيْنِ بِالنَّصْبِ، عَلى أنَّ (آيَةٌ) اسْمُ كانَ وجَنَّتَيْنِ الخَبَرُ. قِيلَ: ووَجْهُ كَوْنِ الجَنَّتَيْنِ (آيَةٌ) نَباتُ الخَمْطِ والأثْلِ والسِّدْرِ مَكانَ الأشْجارِ المُثْمِرَةِ. قالَ قَتادَةُ: كانَتْ بَساتِينُهم ذاتَ أشْجارٍ وثِمارٍ تَسُرُّ النّاسَ بِظِلالِها، ولَمْ يُرِدْ جَنَّتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، بَلْ أرادَ مِنَ الجِهَتَيْنِ يُمْنَةً ويُسْرَةً. انْتَهى. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإنَّما أرادَ جَماعَةً مِنَ البَساتِينِ عَنْ يَمِينِ بَلْدَتِهِمْ، وأُخْرى عَنْ شِمالِها، وكُلُّ واحِدَةٍ مِنَ الجَماعَتَيْنِ في تَقارُبِها وتَضامِّها كَأنَّها جَنَّةٌ واحِدَةٌ، كَما يَكُونُ بِلادُ الرِّيفِ العامِرَةُ وبَساتِينُها، أوْ أرادَ: بُسْتانِيُّ كُلِّ رَجُلٍ مِنهم عَنْ يَمِينِ مَسْكَنِهِ وشِمالِهِ، كَما قالَ ﴿جَعَلْنا لِأحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِن أعْنابٍ﴾ [الكهف: ٣٢] . انْتَهى. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: لا يُوجَدُ فِيها بُرْغُوثٌ، ولا بَعُوضٌ، ولا عَقْرَبٌ، ولا تُقَمَّلُ ثِيابُهم، ولا تَعْيا دَوابُّهم؛ وكانَتِ المَرْأةُ تَمْشِي تَحْتَ الأشْجارِ، وعَلى رَأْسِها المِكْتَلُ، فَيَمْتَلِئُ ثِمارًا مِن غَيْرِ أنْ تَتَناوَلَ بِيَدِها شَيْئًا. ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وابْنِ عَبّاسٍ.
﴿كُلُوا مِن رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ قَوْلُ اللَّهِ لَهم عَلى ألْسِنَةِ الأنْبِياءِ المَبْعُوثِينَ إلَيْهِمْ، ورُوِيَ ذَلِكَ مَعَ الإيمانِ بِاللَّهِ، أوْ قَوْلُ لِسانِ الحالِ لَهم، كَما رَأوْا نِعَمًا كَثِيرَةً وأرْزاقًا مَبْسُوطَةً، وفِيهِ إشارَةٌ إلى تَكْمِيلِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ لَمْ يَمْنَعْهم مِن أكْلِ ثِمارِها خَوْفٌ ولا مَرَضٌ.
﴿واشْكُرُوا لَهُ﴾ عَلى ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْكم، ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾ أيْ كَرِيمَةُ التُّرْبَةِ، حَسَنَةُ الهَواءِ، رَغْدَةُ النِّعَمِ، سَلِيمَةٌ مِنَ الهَوامِّ والمَضارِّ ﴿ورَبٌّ غَفُورٌ﴾ لا عِقابَ عَلى التَّمَتُّعِ بِنِعَمِهِ في الدُّنْيا، ولا عَذابَ في الآخِرَةِ، فَهَذِهِ لَذَّةٌ كامِلَةٌ خالِيَةٌ عَنِ المَفاسِدِ العاجِلَةِ والمَآلِيَّةِ. وقَرَأ رُوَيْسٌ: بِنَصْبِ الأرْبَعَةِ. قالَ أحْمَدُ بْنُ يَحْيى: اسْكُنُوا بَلْدَةً طَيِّبَةً واعْبُدُوا رَبًّا غَفُورًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَنصُوبٌ عَلى المَدْحِ. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى ما كانَ مِن جانِبِهِ مِنَ الإحْسانِ إلَيْهِمْ، ذَكَرَ ما كانَ مِن جانِبِهِمْ في مُقابَلَتِهِ فَقالَ ﴿فَأعْرَضُوا﴾ أيْ عَمّا جاءَ بِهِ إلَيْهِمْ أنْبِياؤُهم، وكانُوا ثَلاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا، دَعُوهم إلى اللَّهِ تَعالى، وذَكَّرُوهم نِعَمَهُ، فَكَذَّبُوهم وقالُوا: ما نَعْرِفُ لِلَّهِ نِعْمَةً، فَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الِانْتِقامِ مِنهم. كَما قالَ ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أعْرَضَ عَنْها إنّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة: ٢٢] فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجُرَذَ فَأْرًا أعْمى تَوالَدَ فِيهِ، ويُسَمّى الخُلْدُ، وخَرَقَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وأرْسَلَ سَيْلًا في ذَلِكَ الوادِي، فَحَمَلَ ذَلِكَ السَّدَّ، فَرُوِيَ أنَّهُ كانَ مِنَ العِظَمِ، وكَثُرَ بِهِ الماءُ بِحَيْثُ مَلَأ ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ، وحَمَلَ الجَنّاتِ وكَثِيرًا مِنَ النّاسِ مِمَّنْ لَمْ يُمْكِنُهُ الفِرارُ. ورُوِيَ أنَّهُ لَمّا خَرَقَ السَّدَّ كانَ ذَلِكَ سَبَبَ يَبْسِ الجَنّاتِ، فَهَلَكَتْ بِهَذا الوَجْهِ. وقالَ المُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ، وأبُو مَيْسَرَةَ: العَرِمُ في لُغَةِ اليَمَنِ جَمْعُ عَرِمَةٍ وهي: كُلُّ ما بُنِيَ أوْ سُنِمَ لِيُمْسِكَ الماءَ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: العَرِمُ: المُسَنّاةُ، بِلِسانِ الحَبَشَةِ. وقالَ الأخْفَشُ: هو عَرَبِيٌّ، ويُقالُ لِذَلِكَ البِناءِ بِلُغَةِ الحِجازِ المُسَنّاةُ، كَأنَّها الجُسُورُ والسِّدادُ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ الأعْشى:
؎وفِي ذاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ مَآرِبُ عَفى عَلَيْها العَرِمْ
؎رُخامٌ بَنَتْهُ لَهم حِمْيَرُ ∗∗∗ إذا جاشَ دِفاعُهُ لَمْ يَرِمْ
؎فَأرْوى الزُّرُوعَ وأشْجارَها ∗∗∗ عَلى سَعَةٍ ماؤُهُ إذْ قُسِمْ
؎فَصارُوا أيادِيَ لا يَقْدِرُو ∗∗∗ نَ مِنهُ عَلى شِرْبِ طِفْلٍ فَطِمْ
وقالَ آخَرُ:
؎ومِن سَبَأٍ لِلْحاضِرِينَ مَآرِبُ ∗∗∗ إذا بَنَوْا مِن دُونِهِ سَيْلَ العَرِمِ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ: العِرَمُ: اسْمٌ، وإنَّ ذَلِكَ الماءَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كانَ السَّدُّ بُنِيَ بِهِ. انْتَهى. ويُمْكِنُ (p-٢٧١)أنْ يُسَمّى الوادِي بِذَلِكَ البِناءِ لِمُجاوَرَتِهِ لَهُ، فَصارَ عَلَمًا عَلَيْهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: العَرِمُ: الشَّدِيدُ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلسَّيْلِ أُضِيفَ فِيهِ المَوْصُوفُ إلى صِفَتِهِ، والتَّقْدِيرُ: السَّيْلُ العَرِمُ، أوْ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أيْ سَيْلُ المَطَرِ الشَّدِيدِ الَّذِي كانَ عَنْهُ السَّيْلُ، أوْ سَيْلُ الجُرَذِ العَرِمِ، فالعَرِمُ صِفَةٌ لِلْجُرَذِ. وقِيلَ: العَرِمُ اسْمٌ لِلْجُرَذِ، وأُضِيفَ السَّيْلُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ كانَ السَّبَبَ في خَرابِ السَّدِّ الَّذِي حَمَلَهُ السَّيْلُ، والإضافَةُ تَكُونُ بِأدْنى مُلابَسَةٍ. وقَرَأ عُرْوَةُ بْنُ الوَرْدِ فِيما حَكى ابْنُ خالَوَيْهِ: العَرْمُ، بِإسْكانِ الرّاءِ تَخْفِيفُ العَرِمِ، كَقَوْلِهِمْ: في الكَبِدِ الكَبْدُ.
ولَمّا غَرِقَ مَن غَرِقَ، ونَجا مَن نَجا، تَفَرَّقُوا وتَحَرَّفُوا حَتّى ضَرَبَتِ العَرَبُ بِهِمُ المَثَلَ فَقالُوا: تَفَرَّقُوا أيْدِي سَبَأٍ وأيادِي سَبَأٍ، قِيلَ: الأوْسُ والخَزْرَجُ مِنهم. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: كانَ سَيْلُ ذَلِكَ الوادِي يَصِلُ إلى مَكَّةَ ويَنْتَفِعُ بِهِ، وكانَ سَيْلُ العَرِمِ في مِلْكِ ذِي الأذْعارِ بْنِ حَسّانَ، في الفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسى ونَبِيِّنا. انْتَهى.
ودَخَلَتِ الباءُ في ﴿بِجَنَّتَيْهِمْ﴾ عَلى الزّائِلِ، وانْتُصِبَ ما كانَ بَدَلًا، وهو قَوْلُهُ ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ عَلى المَعْهُودِ في لِسانِ العَرَبِ، وإنْ كانَ كَثِيرًا لِمَن يَنْتَمِي لِلْعِلْمِ يَفْهَمُ العَكْسَ حَتّى قالَ بَعْضُهم: ولَوْ أبْدَلَ ضادًا بِظاءٍ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وهو خَطَأٌ في لِسانِ العَرَبِ، ولَوْ أبْدَلَ ظاءً بِضادٍ، وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى ذَلِكَ في البَقَرَةِ في قَوْلِهِ ﴿ومَن يَتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالإيمانِ﴾ [البقرة: ١٠٨] . وسَمّى هَذا المُعَوَّضَ جَنَّتَيْنِ عَلى سَبِيلِ المُقابَلَةِ؛ لِأنَّ ما كانَ فِيهِ خَمْطٌ وأثْلٌ وسِدْرٌ لا يُسَمّى جَنَّةً؛ لِأنَّها أشْجارٌ لا يَكادُ يَنْتَفِعُ بِها. وجاءَتْ تَثْنِيَةُ ذاتٍ عَلى الأصَحِّ في رَدِّ عَيْنِها في التَّثْنِيَةِ فَقالَ ﴿ذَواتَيْ أُكُلٍ﴾، كَما جاءَ ﴿ذَواتا أفْنانٍ﴾ [الرحمن: ٤٨] . ويَجُوزُ أنْ لا تَرُدَّ فَتَقُولَ: ذاتا كَذا عَلى لَفْظِ ذاتٍ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلافِ في ضَمِّ كافِ أُكُلٍ وسُكُونِها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (أُكُلٍ) مُنَوَّنًا، والأُكُلُ: الثَّمَرُ المَأْكُولُ، فَخَرَّجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلى أنَّهُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ أُكُلِ خَمْطٍ قالَ أوْ وُصِفَ الأُكُلُ بِالخَمْطِ كَأنَّهُ قِيلَ ذَواتِي أُكُلٍ شَبَعٍ. انْتَهى. والوَصْفُ بِالأسْماءِ لا يَطَّرِدُ، وإنْ كانَ قَدْ جاءَ مِنهُ شَيْءٌ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِقاعٍ عَرْفَجٍ كُلِّهِ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: البَدَلُ في هَذا لا يَحْسُنُ؛ لِأنَّ الخَمْطَ لَيْسَ بِالأكْلِ نَفْسِهِ. انْتَهى. وهو جائِزٌ عَلى ما قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ؛ لِأنَّ البَدَلَ حَقِيقَةٌ هو ذَلِكَ المَحْذُوفُ، فَلَمّا حُذِفَ أُعْرِبَ ما قامَ مَقامَهُ بِإعْرابِهِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: والصِّفَةُ أيْضًا كَذَلِكَ، يُرِيدُ لا بِجَنَّتَيْنِ؛ لِأنَّ الخَمْطَ اسْمٌ لا صِفَةٌ، وأحْسَنُ ما فِيهِ عَطْفُ البَيانِ، كَأنَّهُ بَيَّنَ أنَّ الأُكُلَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ ومِنها. انْتَهى. وهَذا لا يَجُوزُ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ، إذْ شَرْطُ عَطْفِ البَيانِ أنْ يَكُونَ مَعْرِفَةً، وما قَبْلَهُ مَعْرِفَةٌ، ولا يُجِيزُ ذَلِكَ في النَّكِرَةِ مِنَ النَّكِرَةِ إلّا الكُوفِيُّونَ، فَأبَوْا عَلى الأخْذِ بِقَوْلِهِمْ في هَذِهِ المَسْألَةِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: أُكُلِ خَمْطٍ بِالإضافَةِ: أيْ ثَمَرِ خَمْطٍ. وقُرِئَ: وأثْلًا وشَيْئًا بِالنَّصْبِ، حَكاهُ الفَضْلُ بْنُ إبْراهِيمَ، عَطْفًا عَلى جَنَّتَيْنِ. وقَلِيلٍ صِفَةٌ لِسِدْرٍ، وقَلَّلَهُ لِأنَّهُ كانَ أحْسَنَ أشْجارِهِ وأكْرَمَ، قالَهُ الحَسَنُ، وذَلِكَ إشارَةٌ إلى ما أجْراهُ عَلَيْهِمْ مِن تَخْرِيبِ بِلادِهِمْ، وإغْراقِ أكْثَرِهِمْ، وتَمْزِيقِهِمْ في البِلادِ، وإبْدالِهِمْ بِالأشْجارِ الكَثِيرَةِ الفَواكِهِ الطَّيِّبَةِ المُسْتَلَذَّةِ، الخَمْطِ والأثْلِ والسِّدْرِ. ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ ذَلِكَ، وهو كُفْرُهم بِاللَّهِ وإنْكارُ نِعَمِهِ.
﴿وهَلْ نُجازِي﴾ بِذَلِكَ العِقابِ ﴿إلّا الكَفُورَ﴾ أيِ المَبالِغَ في الكُفْرِ، يُجازى بِمِثْلِ فِعْلِهِ قَدْرًا بِقَدْرٍ، وأمّا المُؤْمِنُ فَجَزاؤُهُ بِتَفْضِيلٍ وتَضْعِيفٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الزّايِ، الكَفُورُ رَفْعًا؛ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: بِالنُّونِ وكَسْرِ الزّايِ، الكَفُورَ نَصْبًا. وقَرَأ مُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ: يُجازى مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، الكَفُورُ رَفْعًا، وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ الجَزاءُ في الخَيْرِ، والمُجازاةُ في الشَّرِّ، لَكِنْ في تَقْيِيدِهِمْ قَدْ يَقَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مَوْقِعَ الآخَرِ.
﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرًى ظاهِرَةً﴾ جاءَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿وبَدَّلْناهُمْ﴾، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِن جَنَّتَيْهِمْ، وذَكَرَ تَبْدِيلَها بِالخَمْطِ والأثْلِ والسِّدْرِ، ذَكَرَ ما كانَ أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ اتِّصالِ قُراهم، وذَكَرَ تَبْدِيلَها بِالمَفاوِزِ والبَرارِي. وقَوْلُهُ ﴿وجَعَلْنا﴾، وصَفَ تَعالى حالَهم قَبْلَ مَجِيءِ السَّيْلِ، وهو أنَّهُ (p-٢٧٢)مَعَ ما كانَ مِنهم مِنَ الجَنَّتَيْنِ والنِّعْمَةِ الخاصَّةِ بِهِمْ، كانَ قَدْ أصْلَحَ لَهُمُ البِلادَ المُتَّصِلَةَ بِهِمْ وعَمَّرَها وجَعَلَهُمِ أرْبابَها، وقَدَّرَ السَّيْرَ بِأنْ قَرَّبَ القُرى بَعْضَها مِن بَعْضٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: حَتّى كانَ المُسافِرُ مِن مَأْرِبَ إلى الشّامِ يَبِيتُ في قَرْيَةٍ ويَقِيلُ في أُخْرى، ولا يَحْتاجُ إلى حَمْلِ زادٍ. والقُرى: المُدُنُ، ويُقالُ لِلْجَمْعِ الصَّغِيرِ أيْضًا قَرْيَةٌ. والقُرى الَّتِي بُورِكَ فِيها بِلادُ الشّامِ، بِإجْماعٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ. والقُرى الظّاهِرَةُ هي الَّتِي بَيْنَ الشّامِ ومَأْرِبَ، وهي الصِّغارُ الَّتِي هي البَوادِي. انْتَهى. وما ذَكَرَهُ مِن أنَّ القُرى الَّتِي بُورِكَ فِيها هي قُرى الشّامِ بِإجْماعٍ لَيْسَ كَما ذَكَرَ، قالَ مُجاهِدٌ: هي السَّراوى. وقالَ وهْبٌ: قُرى صَنْعاءَ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: قُرى مَأْرِبَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قُرى بَيْتِ المَقْدِسِ. وبَرَكَتُها: كَثْرَةُ أشْجارِها أوْ ثِمارِها. ووَصَفَ قُرًى (بِظاهِرَةً)، قالَ قَتادَةُ: مُتَّصِلَةٌ عَلى الطَّرِيقِ، يَغْدُونَ فَيَقِيلُونَ في قَرْيَةٍ، ويَرُوحُونَ فَيَبِيتُونَ في قَرْيَةٍ. قِيلَ: كانَ كُلُّ مِيلٍ قَرْيَةً بِسُوقٍ، وهو سَبَبُ أمْنِ الطَّرِيقِ. وقالَ المُبَرِّدُ: (ظاهِرَةً): مُرْتَفِعَةً، أيْ في الآكامِ والظِّرابِ، وهو أشْرَفُ القُرى. وقِيلَ: (ظاهِرَةً)، إذا خَرَجْتَ مِن هَذِهِ ظَهَرَتْ لَكَ الأُخْرى. وقِيلَ: (ظاهِرَةً): مَعْرُوفَةً، يُقالُ هَذا أمْرٌ ظاهِرٌ: أيْ مَعْرُوفٌ، وقِيلَ: (ظاهِرَةً): عامِرَةً. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والَّذِي يَظْهَرُ لِي أنَّ مَعْنى (ظاهِرَةً) خارِجَةً عَنِ المُدَّةِ، فَهي عِبارَةٌ عَنِ القُرى الصِّغارِ الَّتِي هي في ظَواهِرِ المُدُنِ، كَأنَّهُ فَصَلَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَيْنَ القُرى الصِّغارِ وبَيْنَ القُرى المُطْلَقَةِ الَّتِي هي المُدُنُ. وظَواهِرُ المُدُنِ: ما خَرَجَ عَنْها في الفَيافِي والفُحُوصِ، ومِنهُ قَوْلُهم: نَزَلْنا بِظاهِرِ فَلاةٍ أيْ خارِجًا عَنْها، وقَوْلُهُ ﴿ظاهِرَةً﴾ تَظْهَرُ، تُسَمِّيهِ النّاسُ إيّاها بِالبادِيَةِ والضّاحِيَةِ، ومِن هَذا قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎فَلَوْ شَهَدَتْنِي مِن قُرَيْشٍ عِصابَةٌ ∗∗∗ قُرَيْشُ البِطاحُ لا قُرَيْشُ الظَّواهِرُ
يَعْنِي: الخارِجِينَ مِن بَطْحاءِ مَكَّةَ. وفي الحَدِيثِ: «وجاءَ أهْلُ الضَّواحِي يَسْكُنُونَ الغُرَفَ» .
﴿وقَدَّرْنا فِيها السَّيْرَ﴾ قَدْ ذُكِرَ أنَّ الغادِيَ يَقِيلُ في قَرْيَةٍ، والرّائِحَ في أُخْرى، إلى أنْ يَصِلَ إلى مَقْصُودِهِ آمِنًا مِن عَدُوٍ وجُوعٍ وعَطَشٍ وآفاتِ المُسافِرِ. قالَ الضَّحّاكُ: مَقادِيرُ المَراحِلِ كانَتِ القُرى عَلى مَقادِيرِها. وقالَ الكَلْبِيُّ: مَقادِيرُ المَقِيلِ والمَبِيتِ، وقالَ القُتَبِيُّ: بَيْنَ كُلِّ قَرْيَةٍ وقَرْيَةٍ مِقْدارٌ واحِدٌ مَعْلُومٌ، وقِيلَ: بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ نِصْفُ يَوْمٍ، وهَذِهِ أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ ﴿سِيرُوا﴾، أمْرٌ حَقِيقَةً عَلى لِسانِ أنْبِيائِهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولا قَوْلَ ثَمَّ، ولَكِنَّهم لَمّا مُكِّنُوا مِنَ السَّيْرِ، وسُوِّيَتْ لَهم أسْبابُهُ، فَكَأنَّهم أُمِرُوا بِذَلِكَ وأُذِنَ لَهم فِيهِ. انْتَهى. ودُخُولُ الفاءِ في قَوْلِهِ فَكَأنَّهم لا يَجُوزُ، والصَّوابُ كَأنَّهم لِأنَّهُ خَبَرُ لَكِنَّهم. وقالَ قَتادَةُ: كانُوا يَسِيرُونَ مَسِيرَةَ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ في أمانٍ، ولَوْ وجَدَ الرَّجُلُ قاتِلَ ابْنِهِ لَمْ يُهِجْهُ، وكانَ المُسافِرُ لا يَأْخُذُ زادًا ولا سِقاءً مِمّا بَسَطَ اللَّهُ لَهم مِنَ النِّعَمِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ﴿سِيرُوا فِيها﴾، إنْ شِئْتُمْ بِاللَّيْلِ، وإنْ شِئْتُمْ بِالنَّهارِ، فَإنَّ الأمْنَ فِيها لا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأوْقاتِ؛ أوْ سِيرُوا فِيها آمِنِينَ ولا تَخافُونَ، وإنْ تَطاوَلَتْ مُدَّةُ أسْفارِكم فِيها وامْتَدَّتْ أيّامًا ولَيالِيَ؛ أوْ سِيرُوا فِيها لَيالِيَكم وأيّامَكم مُدَّةَ أعْمارِكم، فَإنَّكم في كُلِّ حِينٍ وزَمانٍ لا تُلْقُونَ فِيها إلّا آمَنِينَ. انْتَهى. وقَدَّمَ اللَّيالِيَ؛ لِأنَّها مَظِنَّةُ الخَوْفِ لِمَن قالَ: ومَنَّ عَلَيْهِمْ بِالأمْنِ، حَتّى يُساوِيَ اللَّيْلُ النَّهارَ في ذَلِكَ.
ولَمّا طالَتْ بِهِمْ مُدَّةُ النِّعْمَةِ بَطَرُوا ومَلُّوا العافِيَةَ، وطَلَبُوا اسْتِبْدالَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ، كَما فَعَلَتْ بَنُو إسْرائِيلَ، وقالُوا: لَوْ كانَ جَنْيُ ثِمارِنا أبْعَدَ لَكانَ أشْهى وأغْلى قِيمَةً، فَتَمَنَّوْا أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ بَيْنَهم وبَيْنَ الشّامِ مَفاوِزَ لِيُرَكِّبُوا الرَّواحِلَ فِيها ويَتَزَوَّدُوا الأزْوادَ فَقالُوا ﴿رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أسْفارِنا﴾ . وقَرَأ جُمْهُورُ السَّبْعَةِ: رَبَّنا بِالنَّصْبِ عَلى النِّداءِ، باعِدْ: طَلَبٌ؛ وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وهِشامٌ: كَذَلِكَ، إلّا أنَّهم شَدَّدُوا العَيْنَ؛ وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الحَنَفِيَّةِ، وعَمْرُو بْنُ فائِدٍ: رَبُّنا رَفْعًا، بَعَدَ فِعْلًا ماضِيًا مُشَدَّدَ العَيْنِ؛ وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا، وابْنُ الحَنَفِيَّةِ أيْضًا؛ وأبُو رَجاءٍ، والحَسَنُ، ويَعْقُوبُ، وأبُو حاتِمٍ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، (p-٢٧٣)وابْنُ يَعْمَرَ أيْضًا؛ وأبُو صالِحٍ، وابْنُ أبِي لَيْلى، والكَلْبِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وسَلّامٌ، وأبُو حَيْوَةَ: كَذَلِكَ، إلّا أنَّهُ بِألِفٍ بَيْنِ الباءِ والعَيْنِ؛ وسَعِيدُ بْنُ أبِي الحَسَنِ أخِي الحُسَيْنِ، وابْنُ الحَنَفِيَّةِ أيْضًا، وسُفْيانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: رَبَّنا بِالنَّصْبِ، (بَعُدَ) بِضَمِّ العَيْنِ فِعْلًا ماضِيًا (بَيْنَ) بِالنَّصْبِ، إلّا سَعِيدًا مِنهم، فَضَمَّ نُونَ (بَيْنَ) جَعَلَهُ فاعِلًا، ومَن نَصَبَ، فالفاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى السَّيْرِ، أيْ أبْعِدِ السَّيْرَ بَيْنَ أسْفارِنا، فَمَن نَصَبَ رَبَّنا جَعَلَهُ نِداءً، فَإنْ جاءَ بَعْدَهُ طَلَبٌ كانَ ذَلِكَ أشَرًا مِنهم وبَطَرًا وإنْ جاءَ بَعْدَ فِعْلًا ماضِيًا كانَ ذَلِكَ شَكْوى مِمّا أحَلَّ بِهِمْ مِن بُعْدِ الأسْفارِ الَّتِي طَلَبُوها أوَّلًا، ومَن رَفَعَ (رَبَّنا) فَلا يَكُونُ الفِعْلُ إلّا ماضِيًا، وهي جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ فِيها شَكْوى بَعْضِهِمْ إلى بَعْضٍ مِمّا حَلَّ بِهِمْ مِن بُعْدِ الأسْفارِ. ومَن قَرَأ باعِدْ، أوْ باعِّدْ بِالألِفِ والتَّشْدِيدِ، فَبَيْنَ مَفْعُولٌ بِهِ لِأنَّهُما فِعْلانِ مُتَعَدِّيانِ، ولَيْسَ (بَيْنَ) ظَرْفًا. ألا تَرى إلى قِراءَةِ مَن رَفَعَهُ كَيْفَ جَعَلَهُ اسْمًا ؟ فَكَذَلِكَ إذا نُصِبَ وقُرِئَ (بُعِدَ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ ابْنُ يَعْمَرَ: بَيْنَ سَفَرِنا مُفْرَدًا؛ والجُمْهُورُ: بِالجَمْعِ.
﴿وظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى (فَقالُوا) . وقالَ الكَلْبِيُّ: هو حالٌ، أيْ وقَدْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ.
﴿فَجَعَلْناهم أحادِيثَ﴾ أيْ عِظاةً وعِبَرًا يُتَحَدَّثُ بِهِمْ ويُتَمَثَّلُ. وقِيلَ: لَمْ يَبْقَ مِنهم إلّا الحَدِيثُ، ولَوْ بَقِيَ مِنهم طائِفَةٌ لَمْ يَكُونُوا أحادِيثَ.
﴿ومَزَّقْناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ أيْ تَفْرِيقًا، اتَّخَذَهُ النّاسُ مَثَلًا مَضْرُوبًا، فَقالَ كُثَيِّرٌ:
؎أيادِي سَبا يا عَزَّ ما كُنْتُ بَعْدَكم ∗∗∗ فَلَمْ يَحْلُ لِلْعَيْنَيْنِ بَعْدَكِ مَنظَرُ
وقالَ قَتادَةُ: فَرَّقْناهم بِالتَّباعُدِ. وقالَ ابْنُ سَلّامٍ: جَعَلْناهم تُرابًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: غَسّانُ بِالشّامِ، وأنْمارٌ بِيَثْرِبَ، وجُذامٌ بِتِهامَةَ، والأزْدُ بِعُمانَ؛ وفي التَّحْرِيرِ وقَعَ مِنهم قُضاعَةُ بِمَكَّةَ، وأسَدٌ بِالبَحْرَيْنِ، وخُزاعَةُ بِتِهامَةَ. وفي الحَدِيثِ أنَّ سَبَأ أبُو عَشَرَةِ قَبائِلَ، فَلَمّا جاءَ السَّيْلُ عَلى مَأْرِبٍ، وهو اسْمُ بَلَدِهِمْ، تَيامَنَ مِنهم سِتَّةُ قَبائِلَ، أيْ تَبَدَّدَتْ في بِلادِ اليَمَنِ: كِنْدَةُ والأزْدُ والسِّفْرُ ومُذْحِجُ وأنْمارُ، الَّتِي مِنها بَجِيلَةُ وخَثْعَمٌ، وطائِفَةٌ قِيلَ لَها حُجَيْرٌ بَقِيَ عَلَيْها اسْمُ الأبِ الأوَّلِ؛ وتَشاءَمَتْ أرْبَعَةٌ: لَخْمٌ وجُذامٌ وغَسّانُ وخُزاعَةُ، ومِن هَذِهِ المُتَشائِمَةِ أوْلادُ قُتَيْلَةَ، وهُمُ الأوْسُ والخَزْرَجُ، ومِنها عامِلَةٌ وغَيْرُ ذَلِكَ.
﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ﴾ أيْ في قَصَصِ هَؤُلاءِ لَآيَةً: أيْ عَلامَةً.
﴿لِكُلِّ صَبّارٍ﴾، عَنِ المَعاصِي وعَلى الطّاعاتِ.
﴿شَكُورٍ﴾، لِلنِّعَمِ. والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في (عَلَيْهِمْ) عائِدٌ عَلى مَن قَبْلَهُ مِن أهْلِ سَبَأٍ، وقِيلَ: هو لِبَنِي آدَمَ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والكُوفِيُّونَ ﴿صَدَّقَ﴾ بِتَشْدِيدِ الدّالِ، وانْتَصَبَ ﴿ظَنَّهُ﴾ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِصَدَّقَ، والمَعْنى: وجَدَ ظَنَّهُ صادِقًا، أيْ ظَنَّ شَيْئًا فَوَقَعَ ما ظَنَّ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ: بِالتَّخْفِيفِ، فانْتَصَبَ ظَنَّهُ عَلى المَصْدَرِ، أيْ يَظُنُّ ظَنًّا، أوْ عَلى إسْقاطِ الحَرْفِ، أيْ في ظَنِّهِ، أوْ عَلى المَفْعُولِ بِهِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ: أخْطَأْتُ ظَنِّي، وأصَبْتُ ظَنِّي، (وظَنَّهُ) هَذا كانَ حِينَ قالَ (أُضِلَّنَّهم ولَأُغْوِيَنَّهم)، وهَذا مِمّا قالَهُ ظَنًّا مِنهُ، فَصَدَقَ هَذا الظَّنُّ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والزُّهْرِيُّ، وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وأبُو الجَهْجاهِ الأعْرابِيُّ مِن فُصَحاءِ العَرَبِ، وبِلالُ بْنُ أبِي بَرْزَةَ: بِنَصْبِ (إبْلِيسَ) ورَفْعِ (ظَنَّهُ) . أسْنَدَ الفِعْلَ إلى ظَنِّهِ؛ لِأنَّهُ ظَنٌّ فَصارَ ظَنُّهُ في النّاسِ صادِقًا، كَأنَّهُ صَدَقَهُ ظَنَّهُ ولَمْ يُكَذِّبْهُ. وقَرَأ عَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبِي عُمَرَ: وإبْلِيسُ ظَنُّهُ، بِرَفْعِهِما، فَظَنُّهُ بَدَلٌ مِن (إبْلِيسُ) بَدَلُ اشْتِمالٍ.
﴿فاتَّبَعُوهُ﴾ أيْ في الكُفْرِ.
﴿إلّا فَرِيقًا﴾ هُمُ المُؤْمِنُونَ، ومِن لِبَيانِ الجِنْسِ، ولا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ لِاقْتِضاءِ ذَلِكَ، أنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ اتَّبَعُوا إبْلِيسَ. وفي قَوْلِهِ ﴿إلّا فَرِيقًا﴾، تَقْلِيلٌ؛ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ بِالإضافَةِ إلى الكُفّارِ قَلِيلٌ، كَما قالَ: لَأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلّا قَلِيلًا ﴿وما كانَ لَهُ﴾ أيْ لِإبْلِيسَ، ﴿عَلَيْهِمْ مِن سُلْطانٍ﴾ أيْ مِن تَسَلُّطٍ واسْتِيلاءٍ بِالوَسْوَسَةِ والِاسْتِواءِ، ولا حُجَّةٍ إلّا الحِكْمَةُ بَيْنَهُ وبَيْنَ تَمَيُّزِ المُؤْمِنِ بِالآخِرَةِ مِنَ الشّاكِّ فِيها. وعَلَّلَ التَّسَلُّطَ بِالعِلْمِ، والمُرادُ ما تَعَلَّقَ بِهِ العِلْمُ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ ﴿إلّا لِنَعْلَمَ﴾ مَوْجُودًا؛ لِأنَّ العِلْمَ مُتَقَدِّمٌ أوَّلًا. انْتَهى. وقالَ مَعْناهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، قالَ: لِنَعْلَمَ حادِثًا (p-٢٧٤)كَما عَلِمْناهُ قَبْلَ حُدُوثِهِ. وقالَ قَتادَةُ: لِيَعْلَمَ اللَّهُ بِهِ المُؤْمِنَ مِنَ الكافِرِ عامًّا ظاهِرًا يَسْتَحِقُّ بِهِ العِقابَ والثَّوابَ؛ وقِيلَ: لِيَعْلَمَ أوْلِياؤُنا وحِزْبُنا. وقالَ الحَسَنُ: واللَّهِ ما كانَ لَهُ سَوْطٌ ولا سَيْفٌ، ولَكِنَّهُ اسْتَمالَهم فَمالُوا بِتَزْيِينِهِ. انْتَهى. كَما قالَ تَعالى عَنْهُ ﴿وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إبراهيم: ٢٢] . وقَرَأ الزُّهْرِيُّ: إلّا لِيُعْلَمَ، بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ اللّامِ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: إلّا لِيُعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالياءِ.
﴿ورَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾، إمّا لِلْمُبالَغَةِ عَدَلَ إلَيْها عَنْ حافِظٍ، وإمّا بِمَعْنى مُحافِظٍ، كَجَلِيسٍ وخَلِيلٍ. والحِفْظُ يَتَضَمَّنُ العِلْمَ والقُدْرَةَ؛ لِأنَّ مَن جَهِلَ الشَّيْءَ وعَجَزَ لا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإࣲ فِی مَسۡكَنِهِمۡ ءَایَةࣱۖ جَنَّتَانِ عَن یَمِینࣲ وَشِمَالࣲۖ كُلُوا۟ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُۥۚ بَلۡدَةࣱ طَیِّبَةࣱ وَرَبٌّ غَفُورࣱ","فَأَعۡرَضُوا۟ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ سَیۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَـٰهُم بِجَنَّتَیۡهِمۡ جَنَّتَیۡنِ ذَوَاتَیۡ أُكُلٍ خَمۡطࣲ وَأَثۡلࣲ وَشَیۡءࣲ مِّن سِدۡرࣲ قَلِیلࣲ","ذَ ٰلِكَ جَزَیۡنَـٰهُم بِمَا كَفَرُوا۟ۖ وَهَلۡ نُجَـٰزِیۤ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ","وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ","فَقَالُوا۟ رَبَّنَا بَـٰعِدۡ بَیۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَ وَمَزَّقۡنَـٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ","وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَیۡهِمۡ إِبۡلِیسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِیقࣰا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَیۡهِم مِّن سُلۡطَـٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یُؤۡمِنُ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِی شَكࣲّۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ حَفِیظࣱ"],"ayah":"لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإࣲ فِی مَسۡكَنِهِمۡ ءَایَةࣱۖ جَنَّتَانِ عَن یَمِینࣲ وَشِمَالࣲۖ كُلُوا۟ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُۥۚ بَلۡدَةࣱ طَیِّبَةࣱ وَرَبٌّ غَفُورࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق