الباحث القرآني
﴿وأقِمْنَ الصَّلاةَ﴾ أمَرَهُنَّ أمْرًا خاصًّا بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ، إذْ هُما عَمُودُ الطّاعَةِ البَدَنِيَّةِ والمالِيَّةِ، ثُمَّ جاءَ بِهِما في عُمُومِ الأمْرِ بِالطّاعَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ نَهْيَهُنَّ وأمْرَهُنَّ ووَعْظَهُنَّ إنَّما هو لِإذْهابِ المَأْثَمِ عَنْهُنَّ وتَصَوُّنِهُنَّ بِالتَّقْوى. واسْتَعارَ الرِّجْسَ لِلذُّنُوبِ، والطُّهْرَ لِلتَّقْوى؛ لِأنَّ عِرْضَ المُقْتَرِفِ لِلْمَعاصِي يَتَدَنَّسُ بِها ويَتَلَوَّثُ، كَما يَتَلَوَّثُ بَدَنُهُ بِالأرْجاسِ. وأمّا الطّاعاتُ، فالعِرْضُ مَعَها نَقِيٌّ مَصُونٌ كالثَّوْبِ الطّاهِرِ، وفي هَذِهِ الِاسْتِعارَةِ تَنْفِيرٌ عَمّا نَهى اللَّهُ عَنْهُ، وتَرْغِيبٌ فِيما أمَرَ بِهِ. والرِّجْسُ يَقَعُ عَلى الإثْمِ، وعَلى العَذابِ، وعَلى النَّجاسَةِ، وعَلى النَّقائِصِ، فَأذْهَبَ اللَّهُ جَمِيعَ ذَلِكَ عَنْ أهْلِ البَيْتِ. وقالَ الحَسَنُ: الرِّجْسُ هُنا: الشِّرْكُ. وقالَ السُّدِّيُّ: الإثْمُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الشَّيْطانُ. وقالَ الزَّجّاجُ: الفِسْقُ؛ وقِيلَ: المَعاصِي كُلُّها، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. وقِيلَ: الشَّكُّ؛ وقِيلَ: البُخْلُ والطَّمَعُ؛ وقِيلَ: الأهْواءُ والبِدَعُ. وانْتَصَبَ أهْلٌ عَلى النِّداءِ، أوْ عَلى المَدْحِ، أوْ عَلى الِاخْتِصاصِ، وهو قَلِيلٌ في المُخاطَبِ، ومِنهُ.
؎بِكَ اللَّهَ نَرْجُو الفَضْلَ
وأكْثَرُ ما يَكُونُ في المُتَكَلِّمِ، وقَوْلُهُ:
؎نَحْنُ بَناتُ طارِقْ ∗∗∗ نَمْشِي عَلى النَّمارِقْ
ولَمّا كانَ أهْلُ البَيْتِ يَشْمَلُهُنَّ وآباءَهُنَّ، غَلَبَ المُذَكَّرُ عَلى المُؤَنَّثِ في الخِطابِ في: ﴿عَنْكُمُ﴾ ﴿ويُطَهِّرَكُمْ﴾ . وقَوْلُ عِكْرِمَةَ، ومُقاتِلٌ، وابْنُ السّائِبِ: أنَّ أهْلَ البَيْتِ في هَذِهِ الآيَةِ مُخْتَصٌّ بِزَوْجاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، إذْ لَوْ كانَ كَما قالُوا، لَكانَ التَّرْكِيبُ: عَنْكُنَّ ويُطَهِّرُكُنَّ، وإنْ كانَ هَذا القَوْلُ مَرْوِيًّا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، فَلَعَلَّهُ لا يَصِحُّ عَنْهُ. وقالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: هو خاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ وعَلِيٍّ وفاطِمَةَ والحَسَن والحُسَيْنِ. ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أنَسٍ وعائِشَةَ وأُمِّ سَلَمَةَ. وقالَ الضَّحّاكُ: هم أهْلُهُ وأزْواجُهُ. وقالَ زَيْدُ بْنُ أرْقَمَ، والثَّعْلَبِيُّ: (p-٢٣٢)بَنُو هاشِمٍ الَّذِينَ يُحْرَمُونَ الصَّدَقَةَ آلُ عَبّاسٍ، وآلُ عَلِيٍّ، وآلُ عَقِيلٍ، وآلُ جَعْفَرٍ، ويَظْهَرُ أنَّهم زَوْجاتُهُ وأهْلُهُ، فَلا تَخْرُجُ الزَّوْجاتُ عَنْ أهْلِ البَيْتِ، بَلْ يَظْهَرُ أنَّهُنَّ أحَقُّ بِهَذا الِاسْمِ لِمُلازَمَتِهِنَّ بَيْتَهُ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والَّذِي يَظْهَرُ أنَّ زَوْجاتِهِ لا يَخْرُجْنَ عَنْ ذَلِكَ البَتَّةَ، فَأهْلُ البَيْتِ: زَوْجاتُهُ وبِنْتُهُ وبَنُوها وزَوْجُها. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وفي هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ نِساءَ النَّبِيِّ ﷺ مِن أهْلِ بَيْتِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ لَهُنَّ أنَّ بُيُوتَهُنَّ مَهابِطُ الوَحْيِ، وأمَرَهُنَّ أنْ لا يَنْسَيْنَ ما يُتْلى فِيها مِنَ الكِتابِ الجامِعِ بَيْنَ أمْرَيْنِ: وهو آياتٌ بَيِّناتٌ تَدُلُّ عَلى صِدْقِ النُّبُوَّةِ؛ لِأنَّهُ مُعْجِزٌ بِنَظْمِهِ، وهو حِكْمَةٌ وعُلُومٌ وشَرائِعُ.
﴿إنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ حِينَ عَلِمَ ما يَنْفَعُكم ويُصْلِحُكم في دِينِكم فَأنْزَلَهُ عَلَيْكم، أوْ عَلِمَ مَن يَصْلُحُ لِنُبُوَّتِهِ ومَن يَصْلُحُ لِأنْ تَكُونُوا أهْلَ بَيْتِهِ، أوْ حَيْثُ جُعِلَ الكَلامُ جامِعًا بَيْنَ الغَرَضَيْنِ. انْتَهى. واتِّصالُ ﴿واذْكُرْنَ﴾ بِما قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُنَّ مِنَ البَيْتِ، ومَن لَمْ يُدْخِلْهُنَّ قالَ: هي ابْتِداءُ مُخاطَبَةٍ.
﴿واذْكُرْنَ﴾ إمّا بِمَعْنى احْفَظْنَ وتَذَكَّرْنَهُ، وإمّا اذْكُرْنَهُ لِغَيْرِكُنَّ وارْوِينَهُ حَتّى يُنْقَلَ. و﴿مِن آياتِ اللَّهِ﴾ هو القُرْآنُ ﴿والحِكْمَةِ﴾ هي ما كانَ مِن حَدِيثِهِ وسُنَّتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، غَيْرَ القُرْآنِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ وصْفًا لِلْآياتِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿لَطِيفًا﴾ تَلْيِينٌ، وفي ﴿خَبِيرًا﴾ تَحْذِيرٌ ما. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: ما تُتْلى بِتاءِ التَّأْنِيثِ، والجُمْهُورُ: بِالياءِ.
ورُوِيَ أنَّ نِساءَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، قُلْنَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرَ اللَّهُ الرِّجالَ في القُرْآنِ ولَمْ يَذْكُرْنا؛ وقِيلَ: السّائِلَةُ أُمُّ سَلَمَةَ. وقِيلَ: لَمّا نَزَلَ في نِسائِهِ ما نَزَلَ، قالَ نِساءُ المُسْلِمِينَ: فَما نَزَلَ فِينا شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ﴾ الآيَةَ، وهَذِهِ الأوْصافُ العَشَرَةُ تَقَدَّمَ شَرْحُها، فَبَدَأ أوَّلًا بِالِانْقِيادِ الظّاهِرِ، ثُمَّ بِالتَّصْدِيقِ، ثُمَّ بِالأوْصافِ الَّتِي بَعْدَهُما تَنْدَرِجُ في الإسْلامِ وهو الِانْقِيادُ، وفي الإيمانِ وهو التَّصْدِيقُ، ثُمَّ خَتَمَها بِخُلَّةِ المُراقَبَةِ وهي ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا. ولَمْ يَذْكُرْ لِهَذِهِ الأوْصافِ مُتَعَلِّقًا إلّا في قَوْلِهِ: (والحافِظِينَ فُرُوجَهم والذّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا) نَصَّ عَلى مُتَعَلِّقِ الحِفْظِ لِكَوْنِهِ مَنزِلَةَ العُقَلاءِ ومَرْكَبَ الشَّهْوَةِ الغالِبَةِ، وعَلى مُتَعَلِّقِ الذِّكْرِ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ، وهو لَفْظُ اللَّهِ، إذْ هو العَلَمُ المُحْتَوِي عَلى جَمِيعِ أوْصافِهِ، لِيَتَذَكَّرَ المُسْلِمُ مَن تَذَكَّرَهُ، وهو اللَّهُ تَعالى، وحُذِفَ مِنَ الحافِظاتِ والذّاكِراتِ المَفْعُولُ لِدَلالَةِ ما تَقَدَّمَ، والتَّقْدِيرُ: والحافِظاتِها والذّاكِراتِهِ.
﴿أعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾ غَلَّبَ الذُّكُورَ، فَجَمَعَ الإناثَ مَعَهم وأدْرَجَهم في الضَّمِيرِ، ولَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ لَهم ولَهُنَّ.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["وَقَرۡنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِینَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا","وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا","إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِینَ وَٱلۡمُسۡلِمَـٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰبِرَ ٰتِ وَٱلۡخَـٰشِعِینَ وَٱلۡخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِینَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَـٰتِ وَٱلصَّـٰۤىِٕمِینَ وَٱلصَّـٰۤىِٕمَـٰتِ وَٱلۡحَـٰفِظِینَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَـٰفِظَـٰتِ وَٱلذَّ ٰكِرِینَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا وَٱلذَّ ٰكِرَ ٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمࣰا"],"ayah":"وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق