الباحث القرآني

﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أجَلٍ مُسَمًّى وأنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطِلُ وأنَّ اللَّهَ هو العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ الفُلْكَ تَجْرِي في البَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكم مِن آياتِهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ ﴿وإذا غَشِيَهم مَوْجٌ كالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ فَمِنهم مُقْتَصِدٌ وما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلّا كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ﴾ ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم واخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ ولَدِهِ ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئًا إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما في الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ . (p-١٩٣)﴿يُولِجُ اللَّيْلَ﴾ الجُمْلَتَيْنِ شَرَحْتُ في آلِ عِمْرانَ وهُنا. ﴿إلى أجَلٍ﴾ ويَدُلُّ عَلى الِانْتِهاءِ، أيْ: يَبْلُغُهُ ويَنْتَهِي إلَيْهِ. وفي الزُّمَرِ: ﴿لِأجَلٍ﴾ [الزمر: ٥] ويَدُلُّ عَلى الِاخْتِصاصِ بِجَعْلِ الجَرْيِ مُخْتَصًّا بِإدْراكِ أجَلٍ مُسَمًّى، وجَرْيُ الشَّمْسِ مُخْتَصٌّ بِآخِرِ السَّنَةِ، وجَرْيُ القَمَرِ بِآخِرِ الشَّهْرِ؛ فَكِلا المَعْنَيَيْنِ مُتَناسِبٌ لِجَرْيِهِما، فَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِهِما. وقَرَأ عَيّاشٌ، عَنْ أبِي عَمْرٍو: ”بِما يَعْمَلُونَ“، بِياءِ الغَيْبَةِ. ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ﴾ الآيَةَ، تَقَدَّمَ شَرْحُها في الحَجِّ وهُنا. ﴿وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطِلُ﴾ وفي الحَجِّ ﴿مِن دُونِهِ هو الباطِلُ﴾ [الحج: ٦٢] بِزِيادَةِ ”هو“ . ولَمّا ذَكَرَ تَعالى تَسْخِيرَ النَّيِّرَيْنِ وامْتِنانَهُ بِذَلِكَ عَلَيْنا، ذَكَرَ أيْضًا مَن سَخَّرَ الفُلْكَ مِنَ العالَمِ الأرْضِيِّ بِجامِعِ ما اشْتَرَكا فِيهِ مِنَ الجَرَيانِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿بِنِعْمَةِ اللَّهِ﴾ عَلى الإفْرادِ اللَّفْظِيِّ، وقَرَأ الأعْرَجُ، والأعْمَشُ، وابْنُ يَعْمُرَ: ”بِنِعْماتِ اللَّهِ“، بِكَسْرِ النُّونِ وسُكُونِ العَيْنِ جَمْعًا بِالألِفِ والتّاءِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: بِفَتْحِ النُّونِ وكَسْرِ العَيْنِ بِالألِفِ والتّاءِ والباءِ، وتَحْتَمِلُ السَّبَبِيَّةَ أيْ: تَجْرِي بِسَبَبِ الرِّيحِ وتَسْخِيرِ اللَّهِ، وتَحْتَمِلُ الحالِيَّةَ، أيْ: مَصْحُوبَةً بِنِعْمَةِ اللَّهِ، وهي ما تَحْمِلُهُ السُّفُنُ مِنَ الطَّعامِ والأرْزاقِ والتِّجاراتِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الباءُ لِلْإلْصاقِ. انْتَهى. وقَرَأ مُوسى بْنُ الزُّبَيْرِ: ”الفُلُكَ“ بِضَمِّ اللّامِ. و﴿صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ بِنْيَتا مُبالَغَةٍ، وفَعّالٌ أبْلَغُ لِزِيادَةِ حُرُوفِهِ. ولَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ جَرْيِ الفُلْكِ في البَحْرِ، وكانَ في ذَلِكَ ما لا يَخْفى عَلى راكِبِهِ مِنَ الخَوْفِ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ النِّعْمَةِ، ناسَبَ الخَتْمَ بِالصَّبْرِ عَلى ما يُحْذَرُ، وبِالشُّكْرِ عَلى ما أنْعَمَ بِهِ تَعالى، وشَبَّهَ المَوْجَ في ارْتِفاعِهِ واسْوِدادِهِ واضْطِرابِهِ بِالظُّلَلِ، وهو السَّحابُ. وقِيلَ: كالظُّلَلِ: كالجِبالِ، أُطْلِقَ عَلى الجَبَلِ ظُلَّةٌ. وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ الحَنَفِيَّةِ: كالظِّلالِ، وهُما جَمْعُ ظُلَّةٍ، نَحْوُ: قُلَّةٍ وقُلَلٍ وقِلالٍ. وقَوْلُهُ: ﴿وإذا غَشِيَهُمْ﴾ فِيهِ التِفاتٌ خَرَجَ مِن ضَمِيرِ الخِطابِ في ﴿لِيُرِيَكُمْ﴾ إلى ضَمِيرِ الغَيْبَةِ في ﴿غَشِيَهُمْ﴾ . و﴿مَوْجٌ﴾ اسْمُ جِنْسٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِتاءِ التَّأْنِيثِ، فَهو يَدُلُّ عَلى الجَمْعِ، ولِذَلِكَ شَبَّهَهُ بِالجَمْعِ. ﴿فَمِنهم مُقْتَصِدٌ﴾ قالَ الحَسَنُ: أيْ: مُؤْمِنٌ يَعْرِفُ حَقَّ اللَّهِ في هَذِهِ النِّعَمِ. وقالَ مُجاهِدٌ: مُقْتَصِدٌ عَلى كُفْرِهِ: أيْ: يُسْلِمُ لِلَّهِ ويَفْهَمُ أنَّ نَحْوَ هَذا مِنَ القُدْرَةِ، وإنْ ضَلَّ في الأصْنامِ مِن جِهَةِ أنَّهُ يُعَظِّمُها. قِيلَ: أوْ مُقْتَصِدٌ في الإخْلاصِ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ في البَحْرِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي أنَّ ذَلِكَ الإخْلاصَ الحادِثَ عِنْدَ الخَوْفِ لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ قَطُّ. انْتَهى. وكَثُرَ اسْتِعْمالُ الزَّمَخْشَرِيِّ ”قَطُّ“ ظَرْفًا، والعامِلُ فِيهِ غَيْرُ ماضٍ، وهو مُخالِفٌ لِكَلامِ العَرَبِ في ذَلِكَ. فَقِيلَ حُذِفَ مُقابِلُ ”فَمِنهم مُؤْمِنٌ مُقْتَصِدٌ“ تَقْدِيرُهُ: ”ومِنهم جاحِدٌ“ ودَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وما يَجْحَدُ بِآياتِنا﴾ . وعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ (مُقْتَصِدٌ) مَعْناهُ: مُؤْمِنٌ مُقْتَصِدٌ في أقْوالِهِ وأفْعالِهِ بَيْنَ الخَوْفِ والرَّجاءِ، مُوَفٍّ بِما عاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ في البَحْرِ، وخَتَمَ هُنا بِبِنْيَتَيْ مُبالَغَةٍ، وهُما: ﴿خَتّارٍ﴾ و﴿كَفُورٍ﴾ . فالصَّبّارُ الشَّكُورُ مُعْتَرِفٌ بِآياتِ اللَّهِ، والخَتّارُ الكَفُورُ يَجْحَدُ بِها. وتَوازَنَتْ هَذِهِ الكَلِماتُ لَفْظًا ومَعْنًى. أمّا لَفْظًا فَظاهِرٌ، وأمّا مَعْنًى فالخَتّارُ هو الغَدّارُ، والغَدْرُ لا يَكُونُ إلّا مِن قِلَّةِ الصَّبْرِ؛ لِأنَّ الصَّبّارَ يُفَوِّضُ أمْرَهُ إلى اللَّهِ، وأمّا الغَدّارُ فَيَعْهَدُ ويَغْدِرُ، فَلا يَصْبِرُ عَلى العَهْدِ: وأمّا الكَفُورُ فَمُقابَلَتُهُ (p-١٩٤)مَعْنًى لِلشَّكُورِ واضِحَةٌ. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى الدَّلائِلَ عَلى الوَحْدانِيَّةِ والحَشْرِ مِن أوَّلِ السُّورَةِ، أمَرَ بِالتَّقْوى عَلى سَبِيلِ المَوْعِظَةِ والتَّذْكِيرِ بِهَذا اليَوْمِ العَظِيمِ. ﴿لا يَجْزِي﴾: لا يَقْضِي، ومِنهُ قِيلَ لِلْمُتَقاضِي: المُتَجازِي، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في ذَلِكَ في أوائِلِ البَقَرَةِ. ولَمّا كانَ الوالِدُ أكْثَرَ شَفَقَةً عَلى الوَلَدِ مِنَ الوَلَدِ عَلى أبِيهِ، بَدَأ بِهِ أوَّلًا، وأتى في الإسْنادِ إلى الوالِدِ بِالفِعْلِ المُقْتَضِي لِلتَّجَدُّدِ؛ لِأنَّ شَفَقَتَهُ مُتَجَدِّدَةٌ عَلى الوَلَدِ في كُلِّ حالٍ، وأتى في الإسْنادِ إلى الوَلَدِ بِاسْمِ الفاعِلِ؛ لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى الثُّبُوتِ، والثُّبُوتُ يَصْدُقُ بِالمَرَّةِ الواحِدَةِ. والجُمْلَةُ مِن ﴿لا يَجْزِي﴾ صِفَةٌ لِيَوْمٍ، والضَّمِيرُ مَحْذُوفٌ، أيْ: مِنهُ، فَإمّا أنْ يُحْذَفَ بِرُمَّتِهِ، وإمّا عَلى التَّدْرِيجِ حُذِفَ الخَبَرُ، فَتَعَدّى الفِعْلُ إلى الضَّمِيرِ وهو مَنصُوبٌ فَحُذِفَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لا يَجْزِي﴾ مُضارِعَ جَزى؛ وعِكْرِمَةُ: بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الزّايِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ؛ وأبُو السِّماكِ، وعامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وأبُو السَّوّارِ: ”لا يُجْزِئُ“، بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الزّايِ مَهْمُوزًا، ومَعْناهُ: لا يُغْنِي؛ يُقالُ: أجْزَأْتُ عَنْكَ جَزاءَ فُلانٍ: أيْ: أغْنَيْتُ. ويَجُوزُ في ﴿ولا مَوْلُودٌ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى والِدٍ، والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ﴿هُوَ جازٍ﴾ صِفَةُ (مَوْلُودٌ) . والثّانِي: أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، و(هو) مُبْتَدَأً ثانٍ، و(جازٍ) خَبَرَهُ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ لِلْأوَّلِ، وجازَ الِابْتِداءُ بِهِ، وهو نَكِرَةٌ لِوُجُودِ مُسَوِّغِ ذَلِكَ، وهو النَّفْيُ. وذُهِلَ المَهْدَوِيُّ فَقالَ: لا يَكُونُ ﴿مَوْلُودٌ﴾ مُبْتَدَأً؛ لِأنَّهُ نَكِرَةٌ وما بَعْدَهُ صِفَةٌ، فَيَبْقى بِلا خَبَرٍ و﴿شَيْئًا﴾ مَنصُوبٌ بِـ: (جازٍ)، وهو مِن بابِ الأعْمالِ؛ لِأنَّهُ يَطْلُبُهُ ﴿لا يَجْزِي﴾ ويَطْلُبُهُ ﴿جازٍ﴾ فَجَعَلْناهُ مِن أعْمالِ الثّانِي؛ لِأنَّهُ المُخْتارُ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، ويَعْقُوبُ: ”تَغُرَّنْكم“، بِالنُّونِ الخَفِيفَةِ. وقَرَأ سِماكُ بْنُ حَرْبٍ، وأبُو حَيْوَةَ: ”الغُرُورُ“ بِالضَّمِّ، وهو مَصْدَرٌ؛ والجُمْهُورُ: بِالفَتْحِ، وفَسَّرَهُ ابْنُ مُجاهِدٍ والضَّحّاكُ بِالشَّيْطانِ، ويُمْكِنُ حَمْلُ قِراءَةِ الضَّمِّ عَلَيْهِ، جُعِلَ الشَّيْطانُ نَفْسَ الغُرُورِ مُبالَغَةً. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ: ﴿ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئًا﴾ هو وارِدٌ عَلى طَرِيقٍ مِنَ التَّوْكِيدِ، لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ما هو مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. قُلْتُ: الأمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ الجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ آكَدُ مِنَ الفِعْلِيَّةِ، وقَدِ انْضَمَّ إلى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (هو)، وقَوْلُهُ: (مَوْلُودٌ)، والسَّبَبُ في مَجِيئِهِ هَذا السَّنَنَ أنَّ الخِطابَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وغالِبُهم قُبِضَ آباؤُهم عَلى الكُفْرِ وعَلى الدِّينِ الجاهِلِيِّ، فَأُرِيدَ حَسْمُ أطْماعِهِمْ وأطْماعِ النّاسِ أنْ يَنْفَعُوا آباءَهم في الآخِرَةِ، وأنْ يَشْفَعُوا لَهم، وأنْ يُغْنُوا عَنْهم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، فَلِذَلِكَ جِيءَ بِهِ عَلى الطَّرِيقِ الأوْكَدِ. ومَعْنى التَّوْكِيدِ في لَفْظِ المَوْلُودِ: أنَّ الواحِدَ مِنهم لَوْ شَفَعَ لِلْوالِدِ الأدْنى الَّذِي وُلِدَ مِنهُ، لَمْ تُقْبَلْ شَفاعَتُهُ فَضْلًا أنْ يَشْفَعَ لِمَن فَوْقَهُ مِن أجْدادِهِ؛ لِأنَّ الوَلَدَ يَقَعُ عَلى الوَلَدِ، ووَلَدِ الوَلَدِ بِخِلافِ المَوْلُودِ، فَإنَّهُ لِمَن وُلِدَ مِنكَ. ﴿إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ﴾: «يُرْوى أنَّ الحارِثَ بْنَ عُمارَةَ المُحارِبِيَّ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أخْبِرْنِي عَنِ السّاعَةِ مَتى قِيامُها ؟ وإنِّي لَقَدْ ألْقَيْتُ حُباتِي في الأرْضِ، وقَدْ أبْطَأتْ عَنِّي السَّماءُ، مَتى تُمْطِرُ ؟ وأخْبِرْنِي عَنِ امْرَأتِي، فَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلى ما في بَطْنِها، أذَكَرٌ أمْ أُنْثى ؟ وعَلِمْتُ ما عَمِلْتُ أمْسِ، فَما أعْمَلُ غَدًا ؟ وهَذا مَوْلِدِي قَدْ عَرَفْتُهُ، فَأيْنَ أمُوتُ ؟ فَنَزَلَتْ». وفي الحَدِيثِ: «خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلّا اللَّهُ»، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ. و(عِلْمُ): مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلى السّاعَةِ، والمَعْنى: عِلْمُ يَقِينٍ، وفِيها: ﴿ويُنَزِّلُ الغَيْثَ﴾ في آياتِهِ مِن غَيْرِ تَقْدِيمٍ ولا تَأْخِيرٍ. ﴿ما في الأرْحامِ﴾ مِن ذَكَرٍ أمْ أُنْثى، تامٍّ أوْ ناقِصٍ، ﴿وما تَدْرِي نَفْسٌ﴾، بَرَّةٌ أوْ فاجِرَةٌ. ﴿ماذا تَكْسِبُ غَدًا﴾ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، ورُبَّما عَزَمَتْ عَلى أحَدِهِما فَعَمِلَتْ ضِدَّهُ. ﴿بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ﴾: ورُبَّما أقامَتْ بِمَكانٍ ناوِيَةً أنْ لا تُفارِقَهُ إلى أنْ تُدْفَنَ بِهِ، ثُمَّ تُدْفَنَ في مَكانٍ لَمْ يَخْطُرْ لَها بِبالٍ قَطُّ. وأسْنَدَ العِلْمَ إلى اللَّهِ، والدِّرايَةَ لِلنَّفْسِ، لِما في الدِّرايَةِ مِن مَعْنى الخَتْلِ والحِيلَةِ؛ ولِذا وُصِفَ اللَّهُ بِالعالِمِ، ولا يُوصَفُ بِالدّارِي. وأمّا قَوْلُهُ: لاهُمَّ لا أدْرِي وأنْتِ الدّارِي، فَقَوْلُ عَرَبِيٍّ جِلْفٍ جاهِلِيٍّ جاهِلٍ بِما يُطْلَقُ عَلى اللَّهِ مِنَ الصِّفاتِ، وما يَجُوزُ مِنها وما يَمْتَنِعُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿بِأيِّ أرْضٍ﴾ . وقَرَأ مُوسى الأسْوارِيُّ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: ”بِأيَّةِ أرْضٍ“، بِتاءِ التَّأْنِيثِ لِإضافَتِها إلى المَوْتِ، وهي لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِيهِما (p-١٩٥)كَما أنَّ ”كُلًّا“ إذا أُضِيفَتْ إلى مُؤَنَّثٍ قَدْ تُؤَنَّثُ، تَقُولُ: كُلُّهُنَّ فَعَلْنَ ذَلِكَ، وتَدْرِي مُعَلَّقَةٌ في المَوْضِعَيْنِ. فالجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ماذا تَكْسِبُ﴾ في مَوْضِعِ مَفْعُولِ (تَدْرِي)، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ماذا كُلُّها مَوْصُولًا مَنصُوبًا بِـ: (تَدْرِي)، كَأنَّهُ قالَ: وما تَدْرِي نَفْسٌ الشَّيْءَ الَّتِي تَكْسِبُ غَدًا. و(بِأيِّ) مُتَعَلِّقٌ بِـ: (تَمُوتُ)، والباءُ ظَرْفِيَّةٌ، أيْ: في أيِّ أرْضٍ ؟ فالجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ: (تَدْرِي) . ووَقَعَ الإخْبارُ بِأنَّ اللَّهَ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ هَذِهِ الخَمْسَ؛ لِأنَّها جَوابٌ لِسائِلٍ سَألَ، وهو يَسْتَأْثِرُ بِعِلْمِ أشْياءَ لا يُحْصِيها إلّا هو، وهَذِهِ الخَمْسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب