الباحث القرآني

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم ثُمَّ رَزَقَكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكم هَلْ مِن شُرَكائِكم مَن يَفْعَلُ مِن ذَلِكم مِن شَيْءٍ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهم بَعْضَ الَّذِينَ عَمِلُوا لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ ﴿قُلْ سِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كانَ أكْثَرُهم مُشْرِكِينَ﴾ ﴿فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّمِ مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ومَن عَمِلَ صالِحًا فَلِأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِن فَضْلِهِ إنَّهُ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ﴾ . كَرَّرَ تَعالى خِطابَ الكُفّارِ في أمْرِ أوْثانِهِمْ، فَذَكَرَ أفْعالَهُ الَّتِي لا يُمْكِنُ أنْ يُدْعى لَهُ فِيها شَرِيكٌ، وهي الخَلْقُ والرِّزْقُ والإماتَةُ والإحْياءُ، ثُمَّ اسْتَفْهَمَ عَلى جِهَةِ التَّقْرِيرِ لَهم والتَّوْبِيخِ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ مَقالَتِهِمْ. و﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (الَّذِي خَلَقَكم) صِفَةً لِلْمُبْتَدَأِ، والخَبَرُ: (هَلْ مِن شُرَكائِكم)؛ وقَوْلُهُ: (مِن ذَلِكم) هو الَّذِي رَبَطَ الجُمْلَةَ بِالمُبْتَدَأِ لِأنَّ مَعْناهُ: مِن أفْعالِهِ. انْتَهى. والَّذِي ذَكَرَهُ النَّحْوِيُّونَ أنَّ اسْمَ الإشارَةِ يَكُونُ رابِطًا إذا كانَ أُشِيرَ بِهِ إلى المُبْتَدَأِ. وأمّا (ذَلِكم) هُنا فَلَيْسَ إشارَةً إلى المُبْتَدَأِ، لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِما أجازَهُ الفَرّاءُ مِنَ الرَّبْطِ بِالمَعْنى، وخالَفَهُ النّاسُ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٣٤] قالَ: التَّقْدِيرُ: يَتَرَبَّصْنَ أزْواجَهم، فَقَدَّرَ الضَّمِيرَ بِمُضافٍ إلى ضَمِيرِ الَّذِينَ، فَحَصَلَ بِهِ الرَّبْطُ، كَذَلِكَ قَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (مِن ذَلِكم) مِن أفْعالِهِ المُضافِ إلى الضَّمِيرِ العائِدِ عَلى المُبْتَدَأِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أيْضًا: هَلْ مِن شُرَكائِكُمُ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهم أنْدادًا لَهُ مِنَ الأصْنامِ وغَيْرِها مَن يَفْعَلُ شَيْئًا قَطُّ مِن تِلْكَ الأفْعالِ، حَتّى يَصِحَّ ما ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ ؟ فاسْتَعْمَلَ قَطُّ في غَيْرِ مَوْضِعِها؛ لِأنَّها ظَرْفٌ لِلْماضِي، وهُنا جَعَلَها مَعْمُولَةً لِـ: (يَفْعَلُ) . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أيْضًا: ومِنَ الأُولى والثّانِيَةِ، كُلُّ واحِدَةٍ مُسْتَقْبِلَةٍ تَأْكِيدٌ لِتَعْجِيزِ شُرَكائِهِمْ وتَجْهِيلِ عَبَدَتِهِمْ؛ فَـ: ”مِنِ“ الأُولى لِلتَّبْعِيضِ، والجارُّ والمَجْرُورُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ؛ و(مَن يَفْعَلُ) هو المُبْتَدَأُ، و”مِنَ“ الثّانِيَةِ في مَوْضِعِ الحالِ مِن (شَيْءٍ)؛ لِأنَّهُ نَعْتٌ نَكِرَةٌ تَقَدَّمَ عَلَيْها فانْتَصَبَ عَلى الحالِ؛ و”مِنِ“ الثّالِثَةُ زائِدَةٌ لِانْسِحابِ (p-١٧٦)الِاسْتِفْهامِ الَّذِي مَعْناهُ النَّفْيُ عَلى الكَلامِ، التَّقْدِيرُ: مَن يَفْعَلُ شَيْئًا مِن ذَلِكم، أيْ: مِن تِلْكَ الأفْعالِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (يُشْرِكُونَ) بِياءِ الغَيْبَةِ؛ والأعْمَشُ، وابْنُ وثّابٍ: بِتاءِ الخِطابِ، والظّاهِرُ مُرادُ ظاهِرِ البَرِّ والبَحْرِ. وقالَ الحَسَنُ: وظُهُورُ الفَسادِ فِيهِما بِارْتِفاعِ البَرَكاتِ، ونُزُولِ رَزايا، وحُدُوثِ فِتَنٍ، وتَقَلُّبِ عَدُوٍّ كافِرٍ، وهَذِهِ الثَّلاثَةُ تُوجَدُ في البَرِّ والبَحْرِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿الفَسادُ في البَرِّ﴾ القُطّاعُ فَتَسُدُّهُ. وقالَ مُجاهِدٌ: (في البِرِّ) بِقَتْلِ أحَدِ بَنِي آدَمَ لِأخِيهِ، وفي البَحْرِ: بِأخْذِ السُّفُنِ غَصْبًا، وعَنْهُ أيْضًا: البَرُّ: البِلادُ البَعِيدَةُ مِنَ البَحْرِ، والبَحْرُ: السَّواحِلُ والجُزُرُ الَّتِي عَلى ضَفَّةِ البَحْرِ والأنْهارِ. وقالَ قَتادَةُ: البَرُّ: الفَيافِي ومَواضِعُ القَبائِلِ وأهْلُ الصَّحارِي والعُمُورِ، والبَحْرُ: المُدُنُ، جَمْعُ بَحْرَةٍ، ومِنهُ: ولَقَدْ أجْمَعَ أهْلُ هَذِهِ البُحَيْرَةِ لِيُتَوِّجُوهُ، يَعْنِي قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، ويُؤَيِّدُ هَذا قِراءَةُ عِكْرِمَةَ. ”والبُحُورِ“ بِالجَمْعِ، ورُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وكانَ قَدْ ظَهَرَ الفَسادُ بَرًّا وبَحْرًا وقْتَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانَ الظُّلْمُ عَمَّ الأرْضَ، فَأظْهَرَ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ، وأزالَ الفَسادَ، وأخْمَدَهُ. وقالَ النَّحّاسُ: فِيهِ قَوْلانِ، أحَدُهُما: ظَهَرَ الجَدْبُ في البَرِّ في البَوادِي وقَرَأها ”والبَحْرِ“، أيْ: في مُدُنِ البَحْرِ، مِثْلُ: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] أيْ: ظَهَرَ قِلَّةُ العُشْبِ، وغَلا السِّعْرُ. والثّانِي: ظَهَرَتِ المَعاصِي مِن قَطْعِ السَّبِيلِ والظُّلْمِ، فَهَذا هو الفَسادُ عَلى الحَقِيقَةِ، والأوَّلُ مَجازٌ، وقِيلَ: إذا قَلَّ المَطَرُ قَلَّ الغَوْصُ، وأُحْنِقَ الصَّيّادُ وعَمِيَتْ دَوابُّ البَحْرِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إذا مَطَرَتْ تَفَتَّحَتِ الأصْدافُ في البَحْرِ، فَما وقَعَ فِيها مِنَ السَّماءِ فَهو لُؤْلُؤٌ. ﴿بِما كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ﴾ أيْ: بِسَبَبِ مَعاصِيهِمْ وذُنُوبِهِمْ. ﴿لِيُذِيقَهُمْ﴾ أيْ: أنَّهُ تَعالى أفْسَدَ أسْبابَ دُنْياهم ومَحَقَهم، لِيُذِيقَهم وبالَ بَعْضِ أعْمالِهِمْ في الدُّنْيا، قَبْلَ أنْ يُعاقِبَهم بِها جَمِيعًا في الآخِرَةِ. ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ عَمّا هم فِيهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (بِما كَسَبَتْ) جَزاءَ ما كَسَبَتْ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ الباءُ بِـ: (ظَهَرَ)، أيْ: بِكَسْبِهِمُ المَعاصِيَ في البَرِّ والبَحْرِ، وهو نَفْسُ الفَسادِ الظّاهِرِ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ، والأعْرَجُ، وأبُو حَيْوَةَ، وسَلامٌ، وسَهْلٌ، ورَوْحٌ، وابْنُ حَسّانَ، وقُنْبُلٌ مِن طَرِيقِ ابْنِ مُجاهِدٍ، وابْنِ الصَّباحِ، وأبُو الفَضْلِ الواسِطِيُّ عَنْهُ، ومَحْبُوبٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو: لِنُذِيقَهم، بِالنُّونِ؛ والجُمْهُورُ: بِالياءِ، ثُمَّ أمَرَهم بِالمَسِيرِ في الأرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ أهْلَكَ الأُمَمَ بِسَبَبِ مَعاصِيهِمْ وإشْراكِهِمْ، وذَلِكَ تَنْبِيهٌ لِقُرَيْشٍ وأمْرٌ لَهم بِالِاعْتِبارِ بِمَن سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ، قَوْمُ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ وغَيْرُهم. ﴿كانَ أكْثَرُهم مُشْرِكِينَ﴾ أهْلَكَهم كُلَّهم بِسَبَبِ الشِّرْكِ، وقَوْمًا بِسَبَبِ المَعاصِي؛ لِأنَّهُ تَعالى يُهْلِكُ بِالمَعاصِي، كَما يُهْلِكُ بِالشِّرْكِ، كَأصْحابِ السَّبْتِ. أوْ أهْلَكَهم كُلَّهم، المُشْرِكَ والمُؤْمِنَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكم خاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] وأهْلَكَهم كُلَّهم، وهم كُفّارٌ، فَأكْثَرُهم مُشْرِكُونَ، وبَعْضُهم مُعَطِّلٌ. وحِينَ ذَكَرَ امْتِنانَهُ قالَ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ فَذَكَرَ الوُجُودَ ثُمَّ البَقاءَ بِسَبَبِ الرِّزْقِ. وحِينَ ذَكَرَ خِذْلانَهم بِالطُّغْيانِ، بِسَبَبِ البَقاءِ بِإظْهارِ الفَسادِ، ثُمَّ بِسَبَبِ الوُجُودِ بِالإهْلاكِ. ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ يَوْمُ القِيامَةِ، وفِيهِ تَحْذِيرٌ يَعُمُّ النّاسَ ﴿لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ المَرَدُّ: مَصْدَرُ رَدَّ، و(مِنَ اللَّهِ): يَحْتَمِلُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ: ”يَأْتِي“، أيْ: مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ مِنَ اللَّهِ يَوْمٌ لا يَرُدُّهُ أحَدٌ حَتّى لا يَأْتِيَ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها﴾ [الأنبياء: ٤٠] ويَحْتَمِلُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ (مَرَدَّ)، أيْ: لا يَرُدُّهُ هو بَعْدَ أنْ يَجِيءَ بِهِ، ولا رَدَّ لَهُ مِن جِهَتِهِ. (يَوْمَئِذٍ) أيْ: يَوْمَ إذْ يَأْتِي ذَلِكَ اليَوْمُ. (يَصَّدَّعُونَ) يَتَفَرَّقُونَ، فَرِيقٌ في الجَنَّةِ، وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ. يُقالُ: تَصَدَّعَ القَوْمُ إذا تَفَرَّقُوا، ومِنهُ الصُّداعُ؛ لِأنَّهُ يُفَرِّقُ شَعْبَ الرَّأْسِ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎وكُنّا كَنَدْمانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً مِنَ الدَّهْرِ حَتّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعا ثُمَّ ذَكَرَ حالَتَيِ المُتَفَرِّقِينَ: ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ أيْ: جَزاءُ كُفْرِهِ، وعَبَّرَ عَنْ حالَةِ الكافِرِ بِـ: عَلَيْهِ، وهي تَدُلُّ (p-١٧٧)عَلى الفِعْلِ والمَشَقَّةِ، وعَنْ حالِ المُؤْمِنِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلِأنْفُسِهِمْ﴾ بِاللّامِ الَّتِي هي لامُ المِلْكِ. و﴿يَمْهَدُونَ﴾ يُوَطِّئُونَ، وهي اسْتِعارَةٌ مِنَ الفَرْشِ، وعِبارَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ يَفْعَلُونَ في الدُّنْيا ما يَلْقُونَ بِهِ ما تَقَرُّ بِهِ أعْيُنُهم وتُسَرُّ بِهِ أنْفُسُهم في الجَنَّةِ. وقالَ مُجاهِدٌ: هو التَّمْهِيدُ لِلْقَبْرِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ في المَوْضِعَيْنِ لِدَلالَةٍ عَلى أنَّ ضَرَرَ الكُفْرِ لا يَعُودُ إلّا عَلى الكافِرِ لا يَتَعَدّاهُ، ومَنفَعَةُ الأيْمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ تَرْجِعُ إلى المُؤْمِنِ لا تَتَجاوَزُهُ. انْتَهى. وهو عَلى طَرِيقَتِهِ في دَعْواهُ أنَّ تَقْدِيمَ المَفْعُولِ وما جَرى مَجْراهُ يَدُلُّ عَلى الِاخْتِصاصِ، وأمّا عَلى مَذْهَبِنا فَيَدُلُّ عَلى الِاهْتِمامِ، وأمّا ما يَدَّعِيهِ مِنَ الِاخْتِصاصِ فَمَفْهُومٌ مِن آيٍ كَثِيرَةٍ في القُرْآنِ مِنها: ﴿ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلّا عَلَيْها ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٦٤] . واللّامُ في (لِيَجْزِيَ) قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مُتَعَلِّقٌ بِـ: (يَمْهَدُونَ)، تَعْلِيلٌ لَهُ وتَكْرِيرُ (الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ) وتَرْكُ الضَّمِيرِ إلى الصَّرِيحِ لِتَقْدِيرِهِ أنَّهُ لا يُفْلِحُ عِنْدَهُ إلّا المُؤْمِنُ الصّالِحُ. وقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ﴾ تَقْرِيرٌ بَعْدَ تَقْرِيرٍ عَلى الطَّرْدِ والعَكْسِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (لِيَجْزِيَ) مُتَعَلِّقٌ بِـ: (يَصَّدَّعُونَ)، ويَجُوزَ أنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ذَلِكَ لِيَجْزِيَ، وتَكُونُ الإشارَةُ إلى ما تَقَرَّرَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: (مَن كَفَرَ) (ومَن عَمِلَ صالِحًا) . انْتَهى. ويَكُونُ قَسِيمُ (الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ) عَلى هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُما ابْنُ عَطِيَّةَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: كَأنَّهُ قالَ: والكافِرُونَ بَعْدُ لَهُ، ودَلَّ عَلى حَذْفِ هَذا القَسِيمِ قَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ﴾ . ومَعْنى نَفْيِ الحُبِّ هُنا: أنَّهُ لا تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ أماراتُ رَحْمَتِهِ، ولا يَرْضى الكُفْرَ لَهم دِينًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (مِن فَضْلِهِ) بِما تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ تَوْفِيَةِ الواجِبِ مِنَ الثَّوابِ، وهَذا يُشْبِهُ الكِنايَةَ؛ لِأنَّ الفَضْلَ تَبَعٌ لِلثَّوابِ، فَلا يَكُونُ إلّا بَعْدَ حُصُولِ ما هو تَبَعٌ لَهُ، أوْ أرادَ مِن عَطائِهِ، وهو ثَوابُهُ؛ لِأنَّ الفُضُولَ والفَواضِلَ هي الأعْطِيَةُ عِنْدَ العَرَبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب