الباحث القرآني
﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَن آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجًا وأنْتُمْ شُهَداءُ وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ لَمّا أنْكَرَ عَلَيْهِمْ كُفْرَهم في أنْفُسِهِمْ وضَلالَهم، ولَمْ يَكْتَفُوا حَتّى سَعَوْا في إضْلالِ مَن آمَنَ، أنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَعالى ذَلِكَ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الضَّلالِ والإضْلالِ: مَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَها. و”صَدَّ“: لازِمٌ ومُتَعَدٍّ. يُقالُ: صَدَّ عَنْ كَذا، وصَدَّ غَيْرَهُ عَنْ كَذا. وقِراءَةُ الجُمْهُورِ: يَصُدُّونَ ثُلاثِيًّا، وهو مُتَعَدٍّ، ومَفْعُولُهُ ”مَن آمَنَ“ . وقَرَأ الحَسَنُ: تَصُدُّونَ مِن أصَدَّ، عَدّى صَدَّ اللّازِمَ بِالهَمْزِ، وهُما لُغَتانِ.
وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
؎أُناسٌ أصَدُّوا النّاسَ بِالسَّيْفِ عَنْهُمُ
ومَعْنى صَدَّ هُنا: صَرَفَ. وسَبِيلُ اللَّهِ: هو دِينُ اللَّهِ، وطَرِيقُ شَرْعِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّها تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ. ومِنَ التَّأْنِيثِ قَوْلُهُ:
؎فَلا تَبْعُدْ فَكُلُّ فَتى أُناسٍ ∗∗∗ سَيُصْبِحُ سالِكًا تِلْكَ السَّبِيلًا
قالَ الرّاغِبُ: وقَدْ جاءَ ﴿ياأهْلَ الكِتابِ﴾ [آل عمران: ٩٨] دُونَ ”قُلْ“، وجاءَ هُنا ”قُلْ“، فَبِدُونِ ”قُلْ“ هو اسْتِدْعاءٌ مِنهُ تَعالى لَهم إلى الحَقِّ، فَجَعَلَ خِطابَهم مِنهُ اسْتِلانَةً لِلْقَوْمِ؛ لِيَكُونُوا أقْرَبَ إلى الِانْقِيادِ. ولَمّا قَصَدَ الغَضَّ مِنهم ذَكَرَ ”قُلْ“ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهم غَيْرُ مُسْتَأْهِلِينَ أنْ يُخاطِبَهم بِنَفْسِهِ، وإنْ كانَ كِلا الخِطابَيْنِ وصَلَ عَلى لِسانِ النَّبِيِّ ﷺ . وأطْلَقَ ”أهْلَ الكِتابِ“ عَلى المَدْحِ تارَةً، وعَلى الذَّمِّ أُخْرى. وأهْلُ القُرْآنِ والسُّنَّةِ لا يَنْطَلِقُ إلّا عَلى المَدْحِ؛ لِأنَّ الكِتابَ قَدْ يُرادُ بِهِ ما افْتَعَلُوهُ دُونَ ما أنْزَلَ اللَّهُ، نَحْوَ: ﴿يَكْتُبُونَ الكِتابَ بِأيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٧٩] وقَدْ يُرادُ بِهِ ما أنْزَلَ اللَّهُ. وأيْضًا فَقَدْ يَصِحُّ أنْ يُقالَ عَلى سَبِيلِ الذَّمِّ والتَّهَكُّمِ، كَما لَوْ قِيلَ: يا أهْلَ الكِتابِ، لِمَن لا يَعْمَلُ بِمُقْتَضاهُ. انْتَهى ما لُخِّصَ مِن كَلامِهِ. والهاءُ في ”يَبْغُونَها“ عائِدَةٌ عَلى السَّبِيلِ. قالَ الزَّجّاجُ والطَّبَرِيُّ: يَطْلُبُونَ لَها اعْوِجاجًا. تَقُولُ العَرَبُ: ابْغِنِي كَذا - بِوَصْلِ الألِفِ - أيِ اطْلُبْهُ. أيْ وأبْغِنِي - بِقَطْعِ الألِفِ - أعِنِّي عَلى طَلَبِهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَبْغُونَها عِوَجًا وهو مُحالٌ ؟ (قُلْتُ) فِيهِ مَعْنَيانِ، أحَدُهُما: أنَّكم تَلْبِسُونَ عَلى النّاسِ حَتّى تُوهِمُوهم أنَّ فِيها عِوَجًا بِقَوْلِكم: إنَّ شَرِيعَةَ مُوسى لا تُنْسَخُ، وبِتَغْيِيرِكم صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ وجْهِها، ونَحْوِ ذَلِكَ. والثّانِي: أنَّكم تُتْعِبُونَ أنْفُسَكم في إخْفاءِ الحَقِّ وابْتِغاءِ ما لا يَتَأتّى لَكم مِن وُجُودِ العِوَجِ فِيما هو أقْوَمُ مِن كُلِّ مُسْتَقِيمٍ. انْتَهى. وقِيلَ: يَبْغُونَ هُنا مِنَ البَغْيِ، وهو التَّعَدِّي. أيْ يَتَعَدَّوْنَ عَلَيْها، أوْ فِيها. ويَكُونُ عِوَجًا عَلى هَذا التَّأْوِيلِ نَصْبُهُ عَلى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في ”تَبْغُونَ“، أيْ عِوَجًا مِنكم وعَدَمَ اسْتِقامَةٍ. انْتَهى. وعَلى التَّأْوِيلِ الأوَّلِ يَكُونُ عِوَجًا مَفْعُولًا بِهِ، والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ”﴿تَبْغُونَها عِوَجًا﴾“ تَحْتَمِلُ الِاسْتِئْنافَ، وتَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في تَصُدُّونَ أوْ مِن سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأنَّ فِيها ضَمِيرَيْنِ يَرْجِعانِ إلَيْهِما.
وأنْتُمْ شُهَداءُ، أيْ بِالعَقْلِ نَحْوَ: ”﴿أوْ ألْقى السَّمْعَ وهو شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧]“ أيْ عارِفٌ بِعَقْلِهِ، وتارَةً بِالفِعْلِ نَحْوَ: ”﴿قالَ فاشْهَدُوا وأنا مَعَكم مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١]“، وتارَةً بِإقامَةِ ذَلِكَ، أيْ شَهِدْتُمْ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ بَعْثِهِ عَلى ما في التَّوْراةِ مِن صِفَتِهِ وصِدْقِهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأنْتُمْ شُهَداءُ أنَّها سَبِيلُ اللَّهِ الَّتِي لا يَصُدُّ عَنْها إلّا ضالٌّ مُضِلٌّ. أوْ وأنْتُمْ شُهَداءُ بَيْنَ أهْلِ دِينِكم، عُدُولٌ يَثِقُونَ بِأقْوالِكم، ويَسْتَشْهِدُونَ في عِظامِ أُمُورِهِمْ، وهُمُ الأحْبارُ. انْتَهى. قِيلَ: وفي قَوْلِهِ: وأنْتُمْ شُهَداءُ دَلالَةٌ عَلى أنَّ شَهادَةَ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ جائِزَةٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى سَمّاهم شُهَداءَ، ولا يَصْدُقُ هَذا الِاسْمُ إلّا عَلى مَن يَكُونُ لَهُ شَهادَةٌ. وشَهادَتُهم عَلى المُسْلِمِينَ لا تَجُوزُ بِإجْماعٍ، فَتَعَيَّنَ وصْفُهم بِأنْ تَجُوزَ شَهادَةُ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ وجَماعَةٍ. والأكْثَرُونَ عَلى أنَّ شَهادَتَهم لا تُقْبَلُ بِحالٍ، وأنَّهم لَيْسُوا مِن أهْلِ الشَّهادَةِ.
﴿وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ وعِيدٌ شَدِيدٌ لَهم، وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الجُمْلَةِ فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ.
{"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجࣰا وَأَنتُمۡ شُهَدَاۤءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق