الباحث القرآني
﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ أيْ عَلاماتٌ واضِحاتٌ مِنها: مَقامُ إبْراهِيمَ، والحَجَرُ الَّذِي قامَ عَلَيْهِ، والحَجَرُ الأسْوَدُ، وهو: مِن حِجارَةِ الكَعْبَةِ، وهو يَمِينُ اللَّهِ في الأرْضِ يَشْهَدُ لِمَن مَسَّهُ - والحَطِيمُ، وزَمْزَمُ، وأمْنُ الخائِفِ، وهَيْبَتُهُ وتَعْظِيمُهُ في قُلُوبِ النّاسِ، وأمْرُ الفِيلِ، ورَمْيُ طَيْرِ اللَّهِ عَنْهُ بِحِجارَةِ السِّجِّيلِ، وكَفُّ الجَبابِرَةِ عَنْهُ عَلى وجْهِ الدَّهْرِ، وإذْعانُ نُفُوسِ العَرَبِ لِتَوْقِيرِ هَذِهِ البُقْعَةِ دُونَ ناهٍ ولا زاجِرٍ، وجِبايَةُ الأرْزاقِ إلَيْهِ - وهو بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعِ - وحِمايَتُهُ مِنَ السُّيُولِ. ودَلالَةُ عُمُومِ المَطَرِ إيّاهُ مِن جَمِيعِ جَوانِبِهِ عَلى خِصْبِ آفاقِ الأرْضِ، فَإنْ كانَ المَطَرُ مِن جانِبٍ أخْصَبَ الأُفُقُ الَّذِي يَلِيهِ. وذَكَرَ مَكِّيٌّ وغَيْرُهُ أنَّ مِن آياتِهِ كَوْنَ الطَّيْرِ لا يَعْلُو عَلَيْهِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا ضَعِيفٌ، والطَّيْرُ يُعايَنُ بِعُلُوِّهِ، وقَدْ عَلَتْهُ العُقابُ الَّتِي أخَذَتِ الحَيَّةَ المُشْرِفَةَ عَلى جِدارِهِ، وتِلْكَ كانَتْ مِن آياتِهِ، انْتَهى. وأيُّ عَبْدٍ عَلا عَلَيْهِ عَتَقَ. وتَعْجِيلُ العُقُوبَةِ لِمَن عَتا فِيهِ، وإجابَةُ دُعاءِ مَن دَعا تَحْتَ المِيزابِ، ومُضاعَفَةُ أجْرِ المُصَلِّي، وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وقَوْلُهُ: ”﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ﴾“، الضَّمِيرُ في ”فِيهِ“ عائِدٌ عَلى البَيْتِ، فَيَنْبَغِي أنْ لا يُذْكَرَ مِنَ الآياتِ إلّا ما كانَ في البَيْتِ. لَكِنَّهم تَوَسَّعُوا في الظَّرْفِيَّةِ، إذْ لا يُمْكِنُ حَمْلُها عَلى الحَقِيقَةِ؛ لِأنَّهُ كانَ يَلْزَمُ أنَّ الآياتِ تَكُونُ داخِلَ الجُدْرانِ. ووَجْهُ التَّوَسُّعِ أنَّ البَيْتَ وُضِعَ بِحَرَمِهِ وجَمِيعِ فَضائِلِهِ، فَهي فِيهِ عَلى سَبِيلِ المَجازِ؛ ولِذَلِكَ عَدَّ المُفَسِّرُونَ آياتٍ في الحَرَمِ وأشْياءَ مِمّا التُزِمَتْ في شَرِيعَتِنا مِن تَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِهِ، ومَنعِ الِاصْطِيادِ فِيهِ. والَّذِي تَعَرَّضَتْ لَهُ الآيَةُ هو مَقامُ إبْراهِيمَ؛ لِأنَّهُ آيَةٌ باقِيَةٌ عَلى مَرِّ الأعْصارِ. وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا قامَ إبْراهِيمُ عَلى حَجَرِ المَقامِ وقْتَ رَفْعِهِ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ طالَ لَهُ البِناءُ، فَكُلَّما عَلا الجِدارُ ارْتَفَعَ الحَجَرُ بِهِ في الهَواءِ، فَما زالَ يَبْنِي وهو قائِمٌ عَلَيْهِ وإسْماعِيلُ يُناوِلُهُ الحِجارَةَ والطِّينَ حَتّى كَمُلَ الجِدارُ. ثُمَّ أرادَ اللَّهُ إبْقاءَ ذَلِكَ آيَةً لِلْعالَمِينَ، لَيَّنَ الحَجَرَ فَغَرِقَتْ فِيهِ قَدَما إبْراهِيمَ كَأنَّها في طِينٍ، فَذَلِكَ (p-٨)الأثَرُ باقٍ إلى اليَوْمِ. وقَدْ نَقَلَتْ كافَّةُ العَرَبِ ذَلِكَ في الجاهِلِيَّةِ عَلى مُرُورِ الأعْصارِ. وقالَ في ذَلِكَ أبُو طالِبٍ:
؎ومَوْطِئِ إبْراهِيمَ في الصَّخْرِ رَطْبَةٍ عَلى قَدَمَيْهِ حافِيًا غَيْرَ ناعِلِ
فَما حُفِظَ أنَّ أحَدًا مِنَ النّاسِ نازَعَ في هَذا القَوْلِ. وقِيلَ: سَبَبُ أثَرِ قَدَمَيْهِ في هَذا الحَجَرِ أنَّهُ وافى مَكَّةَ زائِرًا مِنَ الشّامِ، فَقالَتْ لَهُ زَوْجَةُ إسْماعِيلَ: انْزِلْ حَتّى أغْسِلَ رَأْسَكَ، فَأبى أنْ يَنْزِلَ، فَجاءَتْ بِهَذا الحَجَرِ مِن جِهَةِ شِقِّهِ الأيْمَنِ، فَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ حَتّى غَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ، ثُمَّ حَوَّلَتْهُ إلى شِقِّهِ الأيْسَرِ حَتّى غَسَلَتِ الشِّقَّ الآخَرَ، فَبَقِيَ أثَرُ قَدَمَيْهِ فِيهِ. وارْتِفاعُ ”آياتٌ“ عَلى الفاعِلِيَّةِ بِالمَجْرُورِ قَبْلَهُ، فَيَكُونُ المَجْرُورُ في مَوْضِعِ الحالِ، والعامِلُ فِيها مَحْذُوفٌ، وذَلِكَ المَحْذُوفُ هو الحالُ حَقِيقَةً. ونِسْبَةُ الحالِيَّةِ إلى الظَّرْفِ والمَجْرُورِ مَجازٌ كَنِسْبَةِ الخَبَرِ إلَيْها إذا قُلْتَ: زَيْدٌ في الدّارِ أوْ عِنْدَكَ؛ ولِذَلِكَ قالَ بَعْضُ أصْحابِنا: وما يُعْزى لِلظَّرْفِ مِن خَبَرِيَّةٍ وعَمَلٍ، فالأصَحُّ كَوْنُهُ لِعامِلِهِ، وكَوْنُ ”فِيهِ“ في مَوْضِعِ حالٍ مُقَدَّرَةٍ، سَواءٌ كانَ العامِلُ فِيها هو العامِلُ في ”﴿بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦]“، أمْ كانَ العامِلُ فِيها هو ”وُضِعَ“ عَلى ما أعْرَبُوهُ، أوْ عَلى ما أعْرَبْناهُ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً، أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى أنَّ فِيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ.
﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾ مَقامٌ: مَفْعَلٌ مِنَ القِيامِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ عَلى الجَمْعِ. وقَرَأ أُبَيٌّ وعَمْرُو بْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وأبُو جَعْفَرٍ في رِوايَةِ قُتَيْبَةَ ”آيَةٌ بَيِّنَةٌ“ عَلى التَّوْحِيدِ. فَعَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ أعْرَبُوا مَقامَ إبْراهِيمَ بَدَلًا، وهو بَدَلُ كُلٍّ مِن كُلٍّ، مِن قَوْلِهِ: آياتٌ، وأعْرَبُوهُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هُنَّ مَقامُ إبْراهِيمَ. وعَلى ما أعْرَبُوهُ فَكَيْفَ يُبْدَلُ المُفْرَدُ مِنَ الجَمْعِ، أوْ يُخْبَرُ بِهِ عَنِ الجَمْعِ ؟ وأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يُجْعَلَ وحْدَهُ بِمَنزِلَةِ آياتٍ كَثِيرَةٍ؛ لِظُهُورِ شَأْنِهِ وقُوَّةِ دَلالَتِهِ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ ونُبُوَّةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِن تَأْثِيرِ قَدَمِهِ في حَجَرٍ صَلْدٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ إبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا﴾ [النحل: ١٢٠] والثّانِي: اشْتِمالُهُ عَلى آياتٍ؛ لِأنَّ أثَرَ القَدَمِ في الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ آيَةٌ، وغَوْصَهُ فِيها إلى الكَعْبَيْنِ آيَةٌ، وإلانَةَ بَعْضِ الصَّخْرَةِ دُونَ بَعْضٍ آيَةٌ، وإبْقاءَهُ دُونَ سائِرِ آياتِ الأنْبِياءِ آيَةٌ لِإبْراهِيمَ خاصَّةً، وحِفْظَهُ مَعَ كَثْرَةِ أعْدائِهِ مِنَ المُشْرِكِينَ وأهْلِ الكِتابِ والمَلاحِدَةِ أُلُوفَ سِنِينٍ آيَةٌ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُرادَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إبْراهِيمَ وأمْنُ مَن دَخَلَهُ؛ لِأنَّ الآيَتَيْنِ نَوْعٌ مِنَ الجَمْعِ كالثَّلاثَةِ والأرْبَعَةِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والمُتَرَجِّحُ عِنْدِي أنَّ المَقامَ وأمْنَ الدّاخِلِ جُعِلا مِثالًا مِمّا في حَرَمِ اللَّهِ مِنَ الآياتِ، وخُصّا بِالذِّكْرِ لِعِظَمِهِما، وأنَّهُما تَقُومُ بِهِما الحُجَّةُ عَلى الكُفّارِ؛ إذْ هم مُدْرِكُونَ لِهاتَيْنِ الآيَتَيْنِ بِحَواسِّهِمْ. فَظاهِرُ كَلامِهِ وكَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ قَبْلَهُ أنَّ مَقامَ إبْراهِيمَ وأمْنَ الدّاخِلِ تَفْسِيرٌ لِلْآياتِ، وهي جِمْعٌ، ولَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ أمْنُ الدّاخِلِ في الآيَةِ تَفْسِيرًا صِناعِيًّا، إنَّما جاءَ ”﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾“ جُمْلَةً مِن شَرْطٍ وجَزاءٍ، أوْ مُبْتَدَأٍ أوْ خَبَرٍ، لا عَلى سَبِيلِ أنْ يَكُونَ اسْمًا مُفْرَدًا يُعْطَفُ عَلى قَوْلِهِ: مَقامُ إبْراهِيمَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَفْسِيرًا صِناعِيًّا. بَلْ لَمْ يَأْتِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ سِوى مُفْرَدٍ وهو ”﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾“، فَقالَ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ أجَزْتَ أنْ يَكُونَ ﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾ والأمْنُ عَطْفَ بَيانٍ، وقَوْلُهُ: ومَن دَخَلَهُ (p-٩)كانَ آمِنًا جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً، إمّا ابْتِدائِيَّةٌ وإمّا شَرْطِيَّةٌ ؟ قُلْتُ: أجَزْتُ ذَلِكَ مِن حَيْثُ المَعْنى؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ”﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾“ دَلَّ عَلى أمْنِ داخِلِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ، مَقامُ إبْراهِيمَ، وأمْنُ داخِلِهِ. ألا تَرى أنَّكَ لَوْ قُلْتَ: فِيهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ، مَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا - صَحَّ؛ لِأنَّهُ في مَعْنى: فِيهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ، أمْنُ مَن دَخَلَهُ. انْتَهى سُؤالُهُ وجَوابُهُ، ولَيْسَ بِواضِحٍ؛ لِأنَّ تَقْدِيرَهُ وأمْنُ الدّاخِلِ، هو مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلى مَقامِ إبْراهِيمَ، وفَسَّرَ بِهِما الآياتِ. والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ”﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾“ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، فَتَدافَعا، إلّا إنِ اعْتَقَدَ أنَّ ذَلِكَ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما بَعْدَهُ، فَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ. فَلا يُجْعَلُ قَوْلُهُ: ”﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾“ في مَعْنى: وأمْنِ داخِلِهِ، إلّا مِن حَيْثُ تَفْسِيرِ المَعْنى لا تَفْسِيرِ الإعْرابِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُذْكَرَ هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ ويُطْوى ذِكْرُ غَيْرِهِما دَلالَةً عَلى تَكاثُرِ الآياتِ، كَأنَّهُ قِيلَ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إبْراهِيمَ وأمْنُ مَن دَخَلَهُ، وكَثِيرٌ سِواهُما. ونَحْوُهُ في طَيِّ الذِّكْرِ قَوْلُ جَرِيرٍ:
؎كانَتْ حَنِيفَةُ أثْلاثًا فَثُلُثُهُمُ ∗∗∗ مِنَ العَبِيدِ وثُلُثٌ مِن مَوالِيها
ومِنهُ قَوْلُهُ ﷺ: «حُبِّبَ إلَيَّ مِن دُنْياكم ثَلاثٌ: الطِّيبُ، والنِّساءُ، وقُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةُ» انْتَهى كَلامُهُ. وفِيهِ حَذْفُ مَعْطُوفَيْنِ، ولَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ في إعْرابِ ”﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾“ إلّا أنَّهُ عَطْفُ بَيانٍ لِقَوْلِهِ: ”﴿آياتٌ بَيِّناتٌ﴾“ . ورُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأنَّ ”آياتٌ“ نَكِرَةٌ، و”﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾“ مَعْرِفَةٌ، ولا يَجُوزُ التَّخالُفُ في عَطْفِ البَيانِ. وقَوْلُهُ مُخالِفٌ لِإجْماعِ الكُوفِيِّينَ والبَصْرِيِّينَ، فَلا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. وحُكْمُ عَطْفِ البَيانِ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ حُكْمُ النَّعْتِ، فَتَتْبَعُ النَّكِرَةُ النَّكِرَةَ والمَعْرِفَةُ المَعْرِفَةَ، وقَدْ تَبِعَهم في ذَلِكَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ. وأمّا عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فَلا يَجُوزُ إلّا أنْ يَكُونا مَعْرِفَتَيْنِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونا نَكِرَتَيْنِ. وما أعْرَبَهُ الكُوفِيُّونَ ومَن وافَقَهم: عَطْفُ بَيانٍ وهو نَكِرَةٌ عَلى النَّكِرَةِ قَبْلَهُ، أعْرَبَهُ البَصْرِيُّونَ بَدَلًا، ولَمْ يَقُمْ لَهم دَلِيلٌ عَلى تَعْيِينِ عَطْفِ البَيانِ في النَّكِرَةِ، فَيَنْبَغِي أنْ لا يَجُوزَ. والأوْلى والأصْوَبُ في إعْرابِ مَقامِ إبْراهِيمَ أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أحَدُها، أيْ أحَدُ تِلْكَ الآياتِ البَيِّناتِ مَقامُ إبْراهِيمَ. أوْ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ تَقْدِيرُهُ مِنها، أيْ مِنَ الآياتِ البَيِّناتِ مَقامُ إبْراهِيمَ. ويَكُونُ ذِكْرُ المَقامِ لِعِظَمِهِ ولِشُهْرَتِهِ عِنْدَهم، ولِكَوْنِهِ مُشاهَدًا لَهم لَمْ يَتَغَيَّرْ، ولِإذْكارِهِ إيّاهم دِينَ أبِيهِمْ إبْراهِيمَ. وأمّا عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ: آيَةٌ بَيِّنَةٌ بِالتَّوْحِيدِ، فَإعْرابُهُ بَدَلٌ، وهو بَدَلُ مَعْرِفَةٍ مِن نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ﴾ [الشورى: ٥٢] ويَكُونُ اللَّهُ تَعالى قَدْ أخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ العَظِيمَةِ وحْدَها وهي مَقامُ إبْراهِيمَ؛ لِما ذَكَرْناهُ، وإنْ كانَ في البَيْتِ آياتٌ كَثِيرَةٌ. واخْتَلَفُوا في تَفْسِيرِ مَقامِ إبْراهِيمَ. فَقالَ الجُمْهُورُ: هو الحَجَرُ المَعْرُوفُ. وقالَ قَوْمٌ: البَيْتُ كُلُّهُ مَقامُ إبْراهِيمَ؛ لِأنَّهُ بَناهُ، وقامَ في جَمِيعِ أقْطارِهِ. وقالَ قَوْمٌ: مَكَّةُ كُلُّها مَقامُ إبْراهِيمَ. وقالَ قَوْمٌ: الحَرَمُ كُلُّهُ. والحَرَمُ مِمّا يَلِي المَدِينَةَ نَحْوًا مِن أرْبَعَةِ أمْيالٍ إلى مُنْتَهى التَّنْعِيمِ، ومِمّا يَلِي العِراقَ نَحْوًا مِن ثَمانِيَةِ أمْيالٍ يُقالُ لَهُ المَقْطَعُ، ومِمّا يَلِي عَرَفَةَ تِسْعَةُ أمْيالٍ إلى مُنْتَهى الحُدَيْبِيَةِ.
﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ الضَّمِيرُ في ”ومَن دَخَلَهُ“ عائِدٌ عَلى البَيْتِ؛ إذْ هو المُحَدَّثُ عَنْهُ، والمُقَيَّدُ بِتِلْكَ القُيُودِ مِنَ البَرَكَةِ والهُدى والآياتِ البَيِّناتِ مِن مَقامِ إبْراهِيمَ وغَيْرِهِ. ولا يُمْكِنُ أنْ يَعُودَ عَلى مَقامِ إبْراهِيمَ إذا فَسَّرْناهُ بِالحَجَرِ. وظاهِرُ الآيَةِ وسِياقُ الكَلامِ أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ هي مُفَسِّرَةٌ لِبَعْضِ آياتِ البَيْتِ، ومُذَكِّرَةٌ لِلْعَرَبِ بِما كانُوا عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ مِنِ احْتِرامِ هَذا البَيْتِ، وأمْنِ مَن دَخَلَهُ مِن ذَوِي الجَرائِمِ. وكانَتِ العَرَبُ يُغِيرُ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ ويُتَخَطَّفُ النّاسُ بِالقَتْلِ، وأخْذِ الأمْوالِ، وأنْواعِ الظُّلْمِ، إلّا في الحَرَمِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧] وذَلِكَ بِدَعْوَةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا﴾ [البقرة: ١٢٦] فَأمّا في الإسْلامِ فَمَن أصابَ حَدًّا فَإنَّ (p-١٠)الحَرَمَ لا يُعِيذُهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، وغَيْرُهُ. فَمَن زَنى، أوْ سَرَقَ، أوْ قَتَلَ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ واسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِمَّنْ قالَ هَذا القَوْلَ أنْ يَخْرُجَ مَن وجَبَ عَلَيْهِ القَتْلُ إلى الحِلِّ فَيُقْتَلَ فِيهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَن أحْدَثَ حَدَثًا واسْتَجارَ بِالبَيْتِ فَهو آمِنٌ. والأمْرُ في الإسْلامِ عَلى ما كانَ في الجاهِلِيَّةِ، فَلا يَعْرِضُ أحَدٌ لِقاتِلِ ولِيِّهِ. إلّا أنَّهُ يَجِبُ عَلى المُسْلِمِينَ أنْ لا يُبايِعُوهُ، ولا يُكَلِّمُوهُ، ولا يُئْوُوهُ حَتّى يَتَبَرَّمَ فَيَخْرُجَ مِنَ الحَرَمِ، فَيُقامُ عَلَيْهِ الحَدُّ. وقالَ بِمِثْلِ هَذا عَطاءٌ أيْضًا، والشَّعْبِيُّ، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وغَيْرُهم، إلّا أنَّ أكْثَرَهم، قالُوا: هَذا فِيمَن يُقْتَلُ خارِجَ الحَرَمِ ثُمَّ يَعُوذُ بِالحَرَمِ، أمّا مَن قُتِلَ فِيهِ فَيُقامُ عَلَيْهِ الحَدُّ فِيهِ. واخْتَلَفَ فُقَهاءُ الأمْصارِ: إذا جَنى في غَيْرِ الحَرَمِ ثُمَّ التَجَأ إلَيْهِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ، وأبُو يُوسُفَ، ومُحَمَّدٌ، وزُفَرُ، والحَسَنُ بْنُ زِيادٍ، وأحْمَدٌ في رِوايَةِ حَنْبَلٍ عَنْهُ: إنْ كانَتِ الجِنايَةُ في النَّفْسِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنهُ ولا يُخالَطْ، أوْ فِيما دُونَ النَّفْسِ اقْتُصَّ مِنهُ في الحَرَمِ. وقالَ مالِكٌ في رِوايَةٍ: لا يُقْتَصُّ مِنهُ فِيهِ، لا بِقَتْلٍ ولا فِيما دُونَ النَّفْسِ، ولا يُخالَطُ. قالُوا: وانْعَقَدَ الإجْماعُ عَلى أنَّ مَن جَنى فِيهِ لا يُؤَمَّنُ؛ لِأنَّهُ هَتَكَ حُرْمَةَ الحَرَمِ ورَدَّ الأمانَ. فَبَقِيَ حُكْمُ الآيَةِ فِيمَن جَنى خارِجًا مِنهُ ثُمَّ التَجَأ إلَيْهِ. وقالُوا: هَذا خَبَرٌ مَعْناهُ الأمْرُ. أيْ ومَن دَخَلَهُ فَأمِّنُوهُ. وهو عامٌّ فِيمَن جَنى فِيهِ أوْ في غَيْرِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ، لَكِنْ صَدَّ الإجْماعَ عَنِ العَمَلِ بِهِ فِيمَن جَنى فِيهِ وبَقِيَ حُكْمُ الآيَةِ مُخْتَصًّا بِمَن جَنى خارِجًا مِنهُ ثُمَّ دَخَلَهُ. وقالَ يَحْيَـى بْنُ جَعْدَةَ في آخَرِينَ: آمِنًا مِنَ النّارِ، ولا بُدَّ مِن قَيْدٍ في ”﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾“، أيْ ومَن دَخَلَهُ حاجًّا، أوْ مَن دَخَلَهُ مُخْلِصًا في دُخُولِهِ. وقِيلَ المَعْنى: ومَن دَخَلَهُ عامَ عُمْرَةِ القَضاءِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٧] وقالَ جَعْفَرٌ الصّادِقُ: مَن دَخَلَهُ ورَقى عَلى الصَّفا أمِنَ أمْنَ الأنْبِياءِ. وظاهِرُ الآيَةِ ما بَدَأْنا بِهِ أوَّلًا، وكُلُّ هَذِهِ الأقْوالِ سِواهُ مُتَكَلَّفاتٌ، ويَنْبُو اللَّفْظُ عَنْها، ويُخالِفُ بَعْضُها ظَواهِرَ الآياتِ وقَواعِدَ الشَّرِيعَةِ ﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا﴾ رَوى عِكْرِمَةُ: «أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ: ”﴿ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا﴾ [آل عمران: ٨٥]“ قالَتِ اليَهُودُ: نَحْنُ عَلى الإسْلامِ فَنَزَلَتْ: ”﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾“ الآيَةَ، قِيلَ لَهُ: حُجَّهم يا مُحَمَّدُ إنْ كانُوا عَلى مِلَّةِ إبْراهِيمَ الَّتِي هي الإسْلامُ، فَلْيَحُجُّوا إنْ كانُوا مُسْلِمِينَ. فَقالَتِ اليَهُودُ: لا نَحُجُّهُ أبَدًا» . ودَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى تَأْكِيدِ فَرْضِ الحَجِّ، إذْ جاءَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ”ولِلَّهِ“، فَيُشْعِرُ بِأنَّ ذَلِكَ لَهُ تَعالى، وجاءَ بِـ ”عَلى“ الدّالَّةِ عَلى الِاسْتِعْلاءِ، وجاءَ مُتَعَلِّقًا بِالنّاسِ بِلَفْظِ العُمُومِ، وإنْ كانَ المُرادُ مِنهُ الخُصُوصَ لِيَكُونَ مَن وجَبَ عَلَيْهِ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وفي هَذا الكَلامِ أنْواعٌ مِنَ التَّأْكِيدِ والتَّشْدِيدِ. فَمِنها قَوْلُهُ: ﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾ يَعْنِي أنَّهُ حَقٌّ واجِبٌ لِلَّهِ في رِقابِ النّاسِ، لا يَنْفَكُّونَ عَنْ أدائِهِ والخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ. ومِنها أنَّهُ ذَكَرَ ”النّاسَ“ ثُمَّ أبْدَلَ مِنهُ ”﴿مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا﴾“، وفِيهِ ضَرْبانِ مِنَ التَّأْكِيدِ، أحَدُهُما: أنَّ الإبْدالَ تَنْبِيهٌ لِلْمُرادِ وتَكْرِيرٌ لَهُ. والثّانِي: أنَّ الإيضاحَ بَعْدَ الإبْهامِ والتَّفْصِيلَ بَعْدَ الإجْمالِ إيرادٌ لَهُ في صُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. انْتَهى كَلامُهُ، وهو حَسَنٌ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ ”حِجٌّ“، بِكَسْرِ الحاءِ، والباقُونَ بِفَتْحِها، وهُما لُغَتانِ: الكَسْرُ لُغَةُ نَجْدٍ، والفَتْحُ لُغَةُ أهْلِ العالِيَةِ. وجَعَلَ سِيبَوَيْهِ الحِجَّ بِالكَسْرِ مَصْدَرًا نَحْوَ: ذَكَرَ ذِكْرًا. وجَعَلَهُ الزَّجّاجُ اسْمَ العَمَلِ. ولَمْ يَخْتَلِفُوا في الفَتْحِ أنَّهُ مَصْدَرٌ، وحَجٌّ مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ في المَجْرُورِ الَّذِي هو ”ولِلَّهِ“، وعَلى النّاسِ مُتَعَلِّقٌ بِالعامِلِ في الجارِّ والمَجْرُورِ الَّذِي هو خَبَرٌ. وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ عَلى النّاسِ حالًا، وأنْ يَكُونَ خَبَرَ الحَجِّ. ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”ولِلَّهِ“ حالًا؛ لِما يَلْزَمُ في ذَلِكَ مِن تَقَدُّمِها عَلى العامِلِ المَعْنَوِيِّ. و”حَجُّ“ مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلى المَفْعُولِ الَّذِي هو البَيْتُ، والألِفُ واللّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ، إذْ قَدْ تَقَدَّمَ ”﴿إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦]“ هَذا الأصْلُ ثُمَّ صارَ عَلَمًا بِالغَلَبَةِ. فَمَتى ذُكِرَ البَيْتُ لا يَتَبادَرُ إلى الذِّهْنِ إلّا أنَّهُ الكَعْبَةُ، (p-١١)وكَأنَّهُ صارَ كالنَّجْمِ لِلثُّرَيّا وقالَ الشّاعِرُ:
؎لَعَمْرِي لَأنْتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أهْلَهُ ∗∗∗ وأقْعُدُ في أفَنائِهِ بِالأصائِلِ
ولَمْ يُشْتَرَطْ في هَذِهِ الآيَةِ في وُجُوبِهِ إلّا الِاسْتِطاعَةُ. وذَكَرُوا أنَّ شُرُوطَهُ: العَقْلُ، والبُلُوغُ، والحُرِّيَّةُ، والإسْلامُ، والِاسْتِطاعَةُ. وظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ﴾ وُجُوبُهُ عَلى العَبْدِ، وهو مُخاطَبٌ بِهِ، وقالَ بِذَلِكَ داوُدُ. وقالَ الجُمْهُورُ: لَيْسَ مُخاطَبًا بِهِ؛ لِأنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٌ، إذِ السَّيِّدُ يَمْنَعُهُ عَنْ هَذِهِ العِبادَةِ لِحُقُوقِهِ. قالُوا: وكَذَلِكَ الصَّغِيرُ. فَلَوْ حَجَّ العَبْدُ في حالِ رِقِّهِ، والصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ، ثُمَّ عَتَقَ وبَلَغَ فَعَلَيْهِما حَجَّةُ الإسْلامِ. وظاهِرُهُ الِاكْتِفاءُ بِحَجَّةٍ واحِدَةٍ، وعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْماعُ الجُمْهُورِ خِلافًا لِبَعْضِ أهْلِ الظّاهِرِ إذْ قالَ: يَجِبُ في كُلِّ خَمْسَةِ أعْوامٍ مَرَّةً، والحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَرُدُّ عَلَيْهِ. والظّاهِرُ أنَّ شَرْطَهُ القُدْرَةُ عَلى الوُصُولِ إلَيْهِ بِأيِّ طَرِيقٍ قَدَرَ عَلَيْهِ مِن مَشْيٍ، وتَكَفُّفٍ، ورُكُوبِ بَحْرٍ، وإيجارِ نَفْسِهِ لِلْخِدْمَةِ. الرِّجالُ والنِّساءُ في ذَلِكَ سَواءٌ، والمَشْرُوطُ مُطْلَقُ الِاسْتِطاعَةِ. ولَيْسَتْ في الآيَةِ مِنَ المُجْمَلاتِ فَتَحْتاجُ إلى تَفْسِيرٍ. ولَمْ تَتَعَرَّضِ الآيَةُ لِوُجُوبِ الحَجِّ عَلى الفَوْرِ، ولا عَلى التَّراخِي، بَلِ الظّاهِرُ أنَّهُ يَجِبُ في وقْتِ حُصُولِ الِاسْتِطاعَةِ. والقَوْلانِ عَنِ الحَنَفِيَّةِ والمالِكِيَّةِ. وقالَ أبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ: ويَدُلُّ عَلى التَّراخِي إجْماعُ العُلَماءِ عَلى تَرْكِ تَفْسِيقِ القادِرِ عَلى الحَجِّ إذا أخَّرَهُ العامَ الواجِبَ عَلَيْهِ في وقْتِهِ، بِخِلافِ مَن فَوَّتَ صَلاةً حَتّى خَرَجَ وقْتُها فَقَضاها. وأجْمَعُوا عَلى أنَّهُ لا يُقالُ لِمَن حَجَّ بَعْدَ أعْوامٍ مِن وقْتِ اسْتِطاعَتِهِ أنْتَ قاضٍ. وكُلُّ مَن قالَ بِالتَّراخِي لا يَجِدُ في ذَلِكَ حَدًّا إلّا ما رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أنَّهُ إذا زادَ عَلى السِّتِّينَ وهو قادِرٌ وتَرَكَ، فَسَقَ. ورُوِيَ قَرِيبٌ مِن هَذا عَنِ ابْنِ القاسِمِ.
وفِي إعْرابِ ”مَن“ خِلافٌ، ذَهَبَ الأكْثَرُونَ إلى أنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ، فَتَكُونُ ”مَن“ مَوْصُولَةً في مَوْضِعِ جَرٍّ، وبَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ لا بُدَّ فِيهِ مِنَ الضَّمِيرِ، فَهو مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا مِنهم. وقالَ الكِسائِيُّ وغَيْرُهُ: ”مِن“ شَرْطِيَّةٌ، فَتَكُونُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ. ويَلْزَمُ حَذْفُ الضَّمِيرِ الرّابِطِ لِهَذِهِ الجُمْلَةِ بِما قَبْلَها وحَذْفُ جَوابِ الشَّرْطِ؛ إذِ التَّقْدِيرُ: مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا مِنهم فَعَلَيْهِ الحَجُّ، أوْ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ. والوَجْهُ الأوَّلُ أوْلى؛ لِقِلَّةِ الحَذْفِ فِيهِ وكَثْرَتِهِ في هَذا. ويُناسِبُ الشَّرْطَ مَجِيءُ الشَّرْطِ بَعْدَهُ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن كَفَرَ﴾ وقِيلَ: ”مَن“ مَوْصُولَةٌ في مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هم مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا. وقالَ بَعْضُ البَصْرِيِّينَ: ”مَن“ مَوْصُولَةٌ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ فاعِلٌ بِالمَصْدَرِ الَّذِي هو حَجٌّ، فَيَكُونُ المَصْدَرُ قَدْ أُضِيفَ إلى المَفْعُولِ ورُفِعَ بِهِ الفاعِلُ نَحْوَ: عَجِبْتُ مِن شُرْبِ العَسَلِ زَيْدٌ، وهَذا القَوْلُ ضَعِيفٌ مِن حَيْثُ اللَّفْظِ والمَعْنى. أمّا مِن حَيْثُ اللَّفْظِ فَإنَّ إضافَةَ المَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ ورَفْعَ الفاعِلِ بِهِ قَلِيلٌ في الكَلامِ، ولا يَكادُ يُحْفَظُ في كَلامِ العَرَبِ إلّا في الشِّعْرِ، حَتّى زَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ لا يَجُوزُ إلّا في الشِّعْرِ. وأمّا مِن حَيْثُ المَعْنى فَإنَّهُ لا يَصِحُّ؛ لِأنَّهُ يَكُونُ المَعْنى: إنَّ اللَّهَ أوْجَبَ عَلى النّاسِ مُسْتَطِيعِهِمْ وغَيْرِ مُسْتَطِيعِهِمْ أنْ يَحُجَّ البَيْتَ المُسْتَطِيعُ. ومُتَعَلِّقُ الوُجُوبِ إنَّما هو المُسْتَطِيعُ لا النّاسُ عَلى العُمُومِ، والضَّمِيرُ في ”إلَيْهِ“ يَعُودُ عَلى البَيْتِ، وقِيلَ: عَلى الحَجِّ. و”إلَيْهِ“ مُتَعَلِّقٌ بِـ ”اسْتَطاعَ“، و”سَبِيلًا“ مَفْعُولٌ بِقَوْلِهِ: ”اسْتَطاعَ“؛ لِأنَّهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ. قالَ تَعالى: ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٩٧] وكُلُّ مُوصِلٍ إلى شَيْءٍ، فَهو سَبِيلٌ إلَيْهِ.
وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى وُجُوبِ الحَجِّ عَلى مَنِ اسْتَطاعَ إلى البَيْتِ سَبِيلًا، ولَيْسَتِ الِاسْتِطاعَةُ مِن بابِ المُجْمَلاتِ كَما قَدَّمْنا. وقالَ عُمَرُ، وابْنُهُ، وابْنُ عَبّاسٍ، وعَطاءٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ: هي حالُ الَّذِي يَجِدُ زادًا وراحِلَةً، وعَلى هَذا أكْثَرُ العُلَماءِ. وقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ والضَّحّاكُ: إذا كانَ مُسْتَطِيعًا غَيْرَ شاقٍّ عَلى نَفْسِهِ وجَبَ عَلَيْهِ. قالَ الضَّحّاكُ: إذا قَدَرَ أنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ فَهو مُسْتَطِيعٌ، وقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ فَقالَ: إنْ كانَ لِبَعْضِهِمْ مِيراثٌ بِمَكَّةَ، أكانَ يَتْرُكُهُ ؟ بَلْ كانَ يَنْطَلِقُ إلَيْهِ ولَوْ حَبْوًا فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الحَجُّ. (p-١٢)وقالَ الحَسَنُ: مَن وجَدَ شَيْئًا يُبْلِغُهُ فَقَدْ وجَبَ عَلَيْهِ. وقالَ عِكْرِمَةُ: اسْتِطاعَةُ السَّبِيلِ: الصِّحَّةُ. ومَذْهَبُ مالِكٍ أنَّ الرَّجُلَ إذا وثِقَ بِقُوَّتِهِ لَزِمَهُ، وعَنْهُ ذَلِكَ عَلى قَدْرِ الطّاقَةِ. وقَدْ يَجِدُ الزّادَ والرّاحِلَةَ مَن لا يَقْدِرُ عَلى السَّفَرِ، وقَدْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مَن لا راحِلَةَ ولا زادَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَن مَلَكَ ثَلاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهو السَّبِيلُ إلَيْهِ. وقالَ الشّافِعِيُّ: الِاسْتِطاعَةُ عَلى وجْهَيْنِ بِنَفْسِهِ أوَّلًا: فَمَن مَنَعَهُ مَرَضٌ أوْ عُذْرٌ ولَهُ مالٌ فَعَلَيْهِ أنْ يَجْعَلَ مَن يَحُجُّ عَنْهُ وهو مُسْتَطِيعٌ لِذَلِكَ. واخْتَلَفَ قَوْلُ مالِكٍ فِيمَن سَألَ ذاهِبًا وآيِبًا مِمَّنْ لَيْسَتْ عادَتُهُ ذَلِكَ في إقامَتِهِ. فَرَوى عَنْهُ ابْنُ وهْبٍ: لا بَأْسَ بِذَلِكَ. ورَوى عَنْهُ ابْنُ القاسِمِ: لا أرى ذَلِكَ، ولا يَخْرُجُ إلى الحَجِّ والغَزْوِ سائِلًا. وكَرِهَ مالِكٌ أنْ تَحُجَّ النِّساءُ في البَحْرِ. واخْتُلِفَ عَنْهُ في حَجِّ النِّساءِ ماشِياتٍ إذا قَدِرْنَ عَلى ذَلِكَ. ولا حَجَّ عَلى المَرْأةِ إلّا إذا كانَ مَعَها ذُو مَحْرَمٍ، واخْتُلِفَ إذا عَدِمَتْهُ، فَقالَ الحَسَنُ، والنَّخَعِيُّ، وأبُو حَنِيفَةَ، وأصْحابُهُ، وأحْمَدُ، وإسْحاقُ: المَحْرَمُ مِنَ السَّبِيلِ ولا حَجَّ عَلَيْها إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. قالَ أبُو حَنِيفَةَ: إذا كانَ بَيْنَها وبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أيّامٍ فَصاعِدًا، وإذا وجَدَتْ مَحْرَمًا فَهَلْ لِزَوْجِها أنْ يَمْنَعَها في الفَرْضِ ؟ قالَ الشّافِعِيُّ: لَهُ أنْ يَمْنَعَها، وعَنْ مالِكٍ رِوايَتانِ: المَنعُ، وعَدَمُهُ. والمَحْرَمُ مَن لا يَجُوزُ لَهُ نِكاحُها عَلى التَّأْبِيدِ بِقَرابَةٍ، أوْ رَضاعٍ، أوْ صِهْرٍ، والحُرُّ والعَبْدُ والمُسْلِمُ والذِّمِّيُّ في ذَلِكَ سَواءٌ، إلّا أنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا يَعْتَقِدُ إباحَةَ نِكاحِها أوْ مُسْلِمًا غَيْرَ مَأْمُونٍ، فَلا تَخْرُجُ ولا تُسافِرُ مَعَهُ. وقالَ مالِكٌ: تَخْرُجُ مَعَ جَماعَةِ نِساءٍ. وقالَ الشّافِعِيُّ: مَعَ حُرَّةٍ ثِقَةٍ مُسْلِمَةٍ. وقالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَعَ رَجُلٍ ثِقَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ. وقالَ الأوْزاعِيُّ: مَعَ قَوْمٍ عُدُولٍ، وتَتَّخِذُ سُلَّمًا تَصْعَدُ عَلَيْهِ وتَنْزِلُ، ولا يَقْرَبُها رَجُلٌ.
واخْتَلَفُوا في وُجُوبِ الحَجِّ مَعَ وُجُودِ المُكُوسِ والغَرامَةِ. فَقالَ سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ: إذا كانَ المُكْسُ ولَوْ دِرْهَمًا سَقَطَ فَرْضُ الحَجِّ عَنِ النّاسِ. وقالَ عَبْدُ الوَهّابِ: إذا كانَتِ الغَرامَةُ كَثِيرَةً مُجْحِفَةً سَقَطَ الفَرْضُ. فَظاهِرُ كَلامِهِ هَذا أنَّها إذا كانَتْ كَثِيرَةً غَيْرَ مُجْحِفَةٍ بِهِ لِسِعَةِ مالِهِ فَلا يَسْقُطُ، وعَلى هَذا جَماعَةُ أهْلِ العِلْمِ، وعَلَيْهِ مَضَتِ الأعْصارُ. وأجْمَعُوا عَلى أنَّ المَرِيضَ والمَعْضُوبَ لا يَلْزَمُهُما المَسِيرُ إلى الحَجِّ. فَقالَ مالِكٌ: يَسْقُطُ عَنِ المَعْضُوبِ فَرْضُ الحَجِّ، ولا يُحَجُّ عَنْهُ في حالِ حَياتِهِ. فَإنْ وصّى أنْ يُحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حُجَّ مِنَ الثُّلُثِ، وكانَ تَطَوُّعًا. وقالَ الثَّوْرِيُّ، وأبُو حَنِيفَةَ، وأصْحابُهُ، وابْنُ المُبارَكِ، وأحْمَدُ، وإسْحاقُ: إذا كانَ قادِرًا عَلى مالٍ يَسْتَأْجِرُ بِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وإذا بَذَلَ أحَدٌ لَهُ الطّاعَةَ والنِّيابَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِبَذْلِ الطّاعَةِ عِنْدَ الشّافِعِيِّ وأحْمَدَ وإسْحاقَ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لا يَلْزَمُهُ الحَجُّ بِبَذْلِ الطّاعَةِ، ولَوْ بَذَلَ لَهُ مالًا فالصَّحِيحُ أنَّهُ لا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. ومَسائِلُ فُرُوعِ الِاسْتِطاعَةِ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ في كُتُبِ الفِقْهِ.
* * *
﴿ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ بِوُجُوبِ الحَجِّ، فَمَن زَعَمَ أنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ فَقَدْ كَفَرَ. وقالَ مِثْلَهُ: الضَّحّاكُ، وعَطاءٌ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وعِمْرانُ القَطّانُ. وقالَ ابْنُ عُمَرَ وغَيْرُهُ: ومَن كَفَرَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: ومَن كَفَرَ بِهَذِهِ الآياتِ الَّتِي في البَيْتِ. وقالَ السُّدِّيُّ وجَماعَةٌ: ومَن كَفَرَ بِأنْ وجَدَ ما يَحُجُّ بِهِ فَلَمْ يَحُجَّ، فَهَذا كُفْرُ مَعْصِيَةٍ، بِخِلافِ القَوْلِ الأوَّلِ فَإنَّهُ كُفْرُ جُحُودٍ. ويَصِيرُ عَلى قَوْلِ السُّدِّيِّ؛ لِقَوْلِهِ: «مَن تَرَكَ الصَّلاةَ فَقَدْ كَفَرَ»، «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكم رِقابَ بَعْضٍ» . عَلى أحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومِنها - يَعْنِي مِن أنْواعِ التَّأْكِيدِ والتَّشْدِيدِ - قَوْلُهُ: ومَن كَفَرَ، مَكانَ ومَن لَمْ يَحُجَّ، تَغْلِيظًا عَلى تارِكِ الحَجِّ؛ ولِذَلِكَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن ماتَ ولَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنْ شاءَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرانِيًّا» ونَحْوُهُ مِنَ التَّغْلِيظِ: مَن تَرَكَ الصَّلاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ. انْتَهى كَلامُهُ، وهو مِن مَعْنى كَلامِ السُّدِّيِّ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: ومَن كَفَرَ بِكَوْنِ البَيْتِ قِبْلَةَ الحَقِّ، فَعَلى هَذا يَكُونُ راجِعًا إلى اليَهُودِ الَّذِينَ قالُوا حِينَ حُوِّلَتِ القِبْلَةُ: ﴿ما ولّاهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها﴾ [البقرة: ١٤٢] وكَفَرُوا بِها وقالُوا: لا نَحُجُّ إلَيْها أبَدًا. و”مَن“ شَرْطِيَّةٌ، (p-١٣)وجَوابُ الشَّرْطِ الجُمْلَةُ المُصَدَّرَةُ بِالفاءِ، والرّابِطُ لَها بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ هو العُمُومُ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿عَنِ العالَمِينَ﴾ إذْ مَن كَفَرَ فَهو مُنْدَرِجٌ تَحْتَ هَذا العُمُومِ. وفي هَذا اللَّفْظِ وعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَن كَفَرَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والقَصْدُ بِالكَلامِ: فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهم، ولَكِنْ عَمَّ اللَّفْظُ لِيَبْرَعَ المَعْنى ويَتَنَبَّهَ الفِكْرُ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ وسُلْطانِهِ واسْتِغْنائِهِ عَنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، حَتّى لَيْسَ بِهِ افْتِقارٌ إلى شَيْءٍ، لا رَبَّ سِواهُ. انْتَهى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومِنها - يَعْنِي مِن أنْواعِ التَّأْكِيدِ - ذِكْرُ الِاسْتِغْناءِ عَنْهُ، وذَلِكَ مِمّا يَدُلُّ عَلى المَقْتِ والسُّخْطِ والخِذْلانِ. ومِنها قَوْلُهُ: عَنِ العالَمِينَ، ولَمْ يَقُلْ عَنْهُ، وما فِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى الِاسْتِغْناءِ عَنْهُ بِبُرْهانٍ؛ لِأنَّهُ إذا اسْتَغْنى عَنِ العالَمِينَ تَناوَلَهُ الِاسْتِغْناءُ عَنْهُ لا مَحالَةَ، ولِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى الِاسْتِغْناءِ الكامِلِ، فَكانَ أدَلَّ عَلى عِظَمِ السُّخْطِ الَّذِي وقَعَ عِبارَةً عَنْهُ. وقِيلَ: في الكَلامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ حَجِّ العالَمِينَ.
{"ayah":"فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق