الباحث القرآني

﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ﴾ أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ أنْ يَصْدَعَ بِخِلافِهِمْ، أيِ الأمْرُ الصِّدْقُ هو ما أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ لا ما افْتَرَوْهُ مِنَ الكَذِبِ. ونَبَّهَ بِذَلِكَ عَلى أنَّ ما أخْبَرَ بِهِ مِن قَوْلِهِ: ﴿كُلُّ الطَّعامِ﴾ [آل عمران: ٩٣] وسائِرُ ما تَقَدَّمَ صِدْقٌ، وأنَّهُ مِلَّةُ (p-٥)إبْراهِيمَ. والأحْسَنُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ”﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ﴾“ أيْ في جَمِيعِ ما أخْبَرَ بِهِ في كُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ. وقِيلَ: في أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ هو عَلى مِلَّةِ إبْراهِيمَ، وإبْراهِيمُ كانَ مُسْلِمًا. وقِيلَ في قَوْلِهِ: ”﴿كُلُّ الطَّعامِ﴾ [آل عمران: ٩٣]“ الآيَةَ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. وقِيلَ: في أنَّهُ ما كانَ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا. قالَهُ مُقاتِلٌ، وأبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ أمَرَهم بِاتِّباعِ مِلَّةِ إبْراهِيمَ، فَقالَ: ﴿فاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ وهي مِلَّةُ الإسْلامِ الَّتِي عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ والمُؤْمِنُونَ مَعَهُ، فَيَخْلُصُونَ مِن مِلَّةِ اليَهُودِيَّةِ. وعَرَّضَ بِقَوْلِهِ: وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ: إلى أنَّهم مُشْرِكُونَ في اتِّخاذِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِ هَذِهِ الجُمْلَةِ في سُورَةِ البَقَرَةِ تَفْسِيرًا وإعْرابًا، فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ. وقَرَأ أبانُ بْنُ ثَعْلَبٍ ”﴿قُلْ صَدَقَ﴾“: بِإدْغامِ اللّامِ في الصّادِ، و”﴿قُلْ سِيرُوا﴾ [الأنعام: ١١]“ بِإدْغامِ اللّامِ في السِّينِ. وأدْغَمَ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وهِشامٌ ”﴿بَلْ سَوَّلَتْ﴾ [يوسف: ١٨]“ . قالَ ابْنُ جِنِّي: عِلَّةُ ذَلِكَ فُشُوُ هَذَيْنِ الحَرْفَيْنِ في الفَمِ وانْتِشارُ الصَّوْتِ المُثْبَتِ عَنْهُما، فَقارَبَتا بِذَلِكَ مَخْرَجَ اللّامِ، فَجازَ إدْغامُها فِيهِما، انْتَهى. وهو راجِعٌ لِمَعْنى كَلامِ سِيبَوَيْهِ، قالَ سِيبَوَيْهِ: والإدْغامُ يَعْنِي إدْغامَ اللّامِ مَعَ الطّاءِ والصّادِ وأخَواتِهِما، جائِزٌ، ولَيْسَ كَكَثْرَتِهِ مَعَ الرّاءِ؛ لِأنَّ هَذِهِ الحُرُوفَ تَراخَيْنَ عَنْها، وهي مِنَ الثَّنايا. قالَ: وجَوازُ الإدْغامِ لِأنَّ آخِرَ مَخْرَجِ اللّامِ قَرِيبٌ مِن مَخْرَجِها. انْتَهى كَلامُهُ ﴿إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ تَفاخَرَ المُسْلِمُونَ واليَهُودُ، فَقالَتِ اليَهُودُ: بَيْتُ المَقْدِسِ أفْضَلُ وأعْظَمُ مِنَ الكَعْبَةِ؛ لِأنَّها مُهاجَرُ الأنْبِياءِ، وفي الأرْضِ المُقَدَّسَةِ. وقالَ المُسْلِمُونَ: بَلِ الكَعْبَةُ أفْضَلُ، فَنَزَلَتْ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ، وهو أنَّهُ لَمّا أمَرَ تَعالى بِاتِّباعِ مِلَّةِ إبْراهِيمَ - وكانَ حَجُّ البَيْتِ مِن أعْظَمِ شَعائِرِ مِلَّةِ إبْراهِيمَ ومِن خُصُوصِيّاتِ دِينِهِ - أخَذَ في ذِكْرِ البَيْتِ وفَضائِلِهِ لِيَبْنِيَ عَلى ذَلِكَ ذِكْرَ الحَجِّ ووُجُوبِهِ. وأيْضًا فَإنَّ اليَهُودَ حِينَ حُوِّلَتِ القِبْلَةُ إلى الكَعْبَةِ طَعَنُوا في نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالُوا: بَيْتُ المَقْدِسِ أفْضَلُ وأحَقُّ بِالِاسْتِقْبالِ؛ لِأنَّهُ وُضِعَ قَبْلَ الكَعْبَةِ، وهو أرْضُ المَحْشَرِ، وقِبْلَةُ جَمِيعِ الأنْبِياءِ، فَأكْذَبَهُمُ اللَّهُ في ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ”﴿إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾“ كَما أكْذَبَهم في دَعْواهم قَبْلُ إنَّما حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ما كانَ مُحَرَّمًا عَلى يَعْقُوبَ مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ، وأيْضًا فَإنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى زَعَمَتْ أنَّها عَلى مِلَّةِ إبْراهِيمَ، ومِن شَعائِرِ مِلَّتِهِ حَجُّ الكَعْبَةِ، وهم لا يَحُجُّونَها، فَأكْذَبَهُمُ اللَّهُ في دَعْواهم تِلْكَ، والأوَّلُ هو الفَرْدُ السّابِقُ غَيْرَهُ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى لَفْظِ ”أوَّلَ“ في قَوْلِهِ: ”﴿ولا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١]“ ووُضِعَ جُمْلَةً في مَوْضِعِ الصِّفَةِ. واخْتُلِفَ في مَعْنى كَوْنِهِ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ. فَقِيلَ: هو أوَّلُ بَيْتٍ ظَهَرَ عَلى وجْهِ الماءِ حِينَ خُلِقَتِ السَّماواتُ والأرْضُ، خَلَقُهُ قَبْلَ الأرْضِ بِألْفَيْ عامٍ، وكانَ زُبْدَةً بَيْضاءَ عَلى الماءِ، فَدُحِيَتِ الأرْضُ تَحْتَهُ. وقِيلَ: هو أوَّلُ بَيْتٍ بَناهُ آدَمُ في الأرْضِ. وقِيلَ: لَمّا أُهْبِطَ آدَمُ قالَتْ لَهُ المَلائِكَةُ: طُفْ حَوْلَ هَذا البَيْتِ، فَلَقَدْ طُفْنا قَبْلَكَ بِألْفَيْ عامٍ، وكانَ في مَوْضِعِهِ قَبْلَ آدَمَ بَيْتٌ يُقالُ لَهُ: الضُّراحُ، فَرُفِعَ في الطُّوفانِ إلى السَّماءِ الرّابِعَةِ يَطُوفُ بِهِ مَلائِكَةُ السَّماواتِ. وذَكَرَ الشَّرِيفُ أبُو البَرَكاتِ أسْعَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ أبِي الغَنائِمِ الحُسَيْنِيُّ الجُوانِيُّ النَّسّابَةُ: أنْ شِيثَ بْنَ آدَمَ هو الَّذِي بَنى الكَعْبَةَ بِالطِّينِ والحِجارَةِ عَلى مَوْضِعِ الخَيْمَةِ الَّتِي كانَ اللَّهُ وضَعَها لِآدَمَ مِنَ الجَنَّةِ، فَعَلى هَذِهِ الأقاوِيلِ يَكُونُ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ عَلى ظاهِرِهِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ أوَّلُ بَيْتٍ حُجَّ بَعْدَ الطُّوفانِ، فَتَكُونُ الأوَّلِيَّةُ بِاعْتِبارِ هَذا الوَصْفِ مِنَ الحَجِّ، إذْ كانَ قَبْلَهُ بُيُوتٌ، ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أنَّهُ سَألَهُ رَجُلٌ: أهُوَ أوَّلُ بَيْتٍ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ: لا، قَدْ كانَ قَبْلَهُ بُيُوتٌ، ولَكِنَّهُ أوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ مُبارَكًا، فِيهِ الهُدى والرَّحْمَةُ والبَرَكَةُ، فَأخَذَ الأوَّلِيَّةَ بِقَيْدِ هَذِهِ الحالِ. وقِيلَ: أوَّلُ مَن بَناهُ إبْراهِيمُ ثُمَّ قَوْمٌ مِنَ العَرَبِ مِن جُرْهُمٍ، ثُمَّ هُدِمَ فَبَنَتْهُ العَمالِقَةُ، ثُمَّ هُدِمَ (p-٦)فَبَنَتْهُ قُرَيْشٌ. وقالَ أبُو ذَرٍّ: «قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ، أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أوَّلَ ؟ قالَ: ”المَسْجِدُ الحَرامُ“ قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ ؟ قالَ: ”المَسْجِدُ الأقْصى“ قُلْتُ: كَمْ كانَ بَيْنَهُما ؟ قالَ: ”أرْبَعُونَ سَنَةً“» وظاهِرُ هَذا الحَدِيثِ أنَّهُ مِن وضْعِ إبْراهِيمَ، وهو مُعارِضٌ لِما ذُكِرَ في الأقْوالِ السّابِقَةِ، إلّا إنْ حُمِلَ الوَضْعُ عَلى التَّجْدِيدِ، فَيُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَهُما. وظاهِرُ حَدِيثِ أبِي ذَرٍّ يُضَعِّفُ قَوْلَ الزَّجّاجِ: إنَّ بَيْتَ المَقْدِسِ هو مِن بِناءِ سُلَيْمانَ بْنِ داوُدَ - عَلَيْهِما السَّلامُ - بَلْ يَظْهَرُ مِنهُ أنَّهُ مِن وضْعِ إبْراهِيمَ، فَكَما وضَعَ الكَعْبَةَ وضَعَ بَيْتَ المَقْدِسِ. وقَدْ بَيَّنَ ﷺ أنَّ بَيْنَ الوَضْعَيْنِ أرْبَعِينَ سَنَةً ”وأيْنَ زَمانُ إبْراهِيمَ مِن زَمانِ سُلَيْمانَ ! ومَعْنى وُضِعَ لِلنّاسِ: أيْ مُتَعَبَّدًا يَسْتَوِي في التَّعَبُّدِ فِيهِ النّاسُ، إذْ غَيْرُهُ مِنَ البُيُوتِ يُخْتَصُّ بِأصْحابِها، والمُشْتَرَكُ فِيهِ النّاسُ هو مَحَلُّ طاعَتِهِمْ وعِبادَتِهِمْ وقِبْلَتِهِمْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ“ وُضِعَ ”مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ وابْنُ السَّمَيْقَعِ“ وضَعَ ”مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، فاحْتَمَلَ أنْ يَعُودَ عَلى اللَّهِ، واحْتَمَلَ أنْ يَعُودَ عَلى إبْراهِيمَ، وهو أقْرَبُ في الذِّكْرِ وألْيَقُ وأوْفَقُ لِحَدِيثِ أبِي ذَرٍّ. ولِلنّاسِ: مُتَعَلِّقٌ بِوَضَعَ، واللّامُ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ، ولِلَّذِي بِبَكَّةَ: خَبَرُ إنَّ. والمَعْنى: لِلْبَيْتِ الَّذِي بِبَكَّةَ. وأُكِّدَتِ النِّسْبَةُ بِتَأْكِيدَيْنِ: إنَّ واللّامِ. وأخْبَرَ هُنا عَنِ النَّكِرَةِ وهو“ ﴿أوَّلَ بَيْتٍ﴾ ”لِتَخَصُّصِها بِالإضافَةِ وبِالصِّفَةِ الَّتِي هي وضْعٌ، إمّا لَها وإمّا لِما أُضِيفَتْ إلَيْهِ، إذْ تَخْصِيصُهُ تَخْصِيصٌ لَها بِالمَعْرِفَةِ وهو لِلَّذِي بِبَكَّةَ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ الإخْبارُ عَنْ أوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ، ويُحَسِّنُ الإخْبارَ عَنِ النَّكِرَةِ بِالمَعْرِفَةِ دُخُولُ“ إنَّ ”. ومِن أمْثِلَةِ سِيبَوَيْهِ: أنَّ قَرِيبًا مِنكَ زَيْدٌ. تُخَصَّصُ“ قَرِيبٌ ”بِلَفْظِ مِنكَ، فَحَسُنَ الإخْبارُ عَنْهُ. وقَدْ جاءَ بِغَيْرِ تَخْصِيصٍ، وهو جائِزٌ في الِاخْتِيارِ قالَ: ؎وإنَّ حَرامًا أنْ أسُبَّ مُجاشِعًا بِآبائِيَ الشُّمِّ الكِرامِ الخَضارِمِ والباءُ في بِبَكَّةَ ظَرْفِيَّةٌ كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ بِالبَصْرَةِ. ويَضْعُفُ أنْ يَكُونَ بَكَّةُ هي المَسْجِدُ؛ لِأنَّهُ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ الشَّيْءُ ظَرْفًا لِنَفْسِهِ، وهو لا يَصِحُّ. ﴿مُبارَكًا وهُدًى لِلْعالَمِينَ﴾ أمّا بَرَكَتُهُ فَلِما يَحْصُلُ فِيهِ مِنَ الثَّوابِ وتَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ لِمَن حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ وطافَ بِهِ وعَكَفَ عِنْدَهُ. وقالَ القَفّالُ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ بَرَكَتُهُ ما ذُكِرَ في قَوْلِهِ:“ ﴿يُجْبى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] ”. وقِيلَ: بَرَكَتُهُ دَوامُ العِبادَةِ فِيهِ ولُزُومُها؛ لِأنَّ البَرَكَةَ لَها مَعْنَيانِ: أحَدُهُما النُّمُوُّ، والآخَرُ: الثُّبُوتُ، ومِنهُ البَرَكَةُ لِثُبُوتِ الماءِ فِيها. والبَرْكُ: الصَّدْرُ؛ لِثُبُوتِ الحِفْظِ فِيهِ، والبَراكاءُ الثُّبُوتُ في القِتالِ، وتَبارَكَ اللَّهُ ثَبَتَ ولَمْ يَزَلْ. وقِيلَ: بَرَكَتُهُ تَضْعِيفُ الثَّوابِ فِيهِ. رَوى ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «“ مَن طافَ بِالبَيْتِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمًا ولَمْ يَضَعْ أُخْرى إلّا كَتَبَ اللَّهُ بِها لَهُ حَسَنَةً ورَفَعَ لَهُ بِها دَرَجَةً ”» . وقالَ الفَرّاءُ: سُمِّيَ مُبارَكًا لِأنَّهُ مَغْفِرَةٌ لِلذُّنُوبِ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: بَرَكَتُهُ تَطْهِيرُهُ مِنَ الذُّنُوبِ. وقِيلَ: بَرَكَتُهُ أنَّ مَن دَخَلَهُ أمِنَ حَتّى الوَحْشَ، فَيَجْتَمِعُ فِيهِ الظَّبْيُ والكَلْبُ. وأمّا كَوْنُهُ هُدًى؛ فَلِأنَّهُ لَمّا كانَ مُقَوِّمًا مُصْلِحًا كانَ فِيهِ إرْشادٌ. وبُولِغَ بِكَوْنِهِ هُدًى، أوْ هو عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ: وذا هُدًى. قِيلَ: ومَعْنى هُدًى أيْ قِبْلَةً. وقِيلَ: رَحْمَةٌ. وقِيلَ: صَلاحٌ. وقِيلَ: بَيانٌ ودَلالَةٌ عَلى اللَّهِ بِما فِيهِ مِنَ الآياتِ الَّتِي لا يَقْدِرُ عَلَيْها غَيْرُهُ تَعالى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُحْتَمَلُ هُنا هُدًى أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الدُّعاءِ، أيْ مِن حَيْثُ دَعا العالَمُونَ إلَيْهِ، وانْتِصابُ مُبارَكًا عَلى الحالِ. وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي اسْتَكَنَّ في“ وُضِعَ ”، والعامِلُ فِيها“ وُضِعَ ”أيْ أنَّ أوَّلَ بَيْتٍ مُبارَكًا، أيْ في هَذِهِ الحالِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ. وهَذا التَّقْدِيرُ لَيْسَ بِجائِزٍ؛ لِأنَّكَ فَصَلْتَ بَيْنَ العامِلِ في الحالِ وبَيْنَ الحالِ بِأجْنَبِيٍّ وهو الخَبَرُ؛ لِأنَّهُ مَعْمُولٌ لِأنَّ، خَبَرٌ لَها، فَإنْ أضْمَرْتَ“ وُضِعَ " بَعْدَ الخَبَرِ أمْكَنَ أنْ يَعْمَلَ في الحالِ، وكانَ تَقْدِيرُهُ: لَلَّذِي بِبَكَّةَ وُضِعَ مُبارَكًا. وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ تَفْسِيرُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ السّابِقِ ذِكْرُهُ عِنْدَ ذِكْرِ كَوْنِ هَذا البَيْتِ أوَّلًا، إذْ كانَ قَدْ لاحَظَ في هَذا البَيْتِ كَوْنَهُ وُضِعَ أوَّلًا بِقَيْدِ هَذِهِ الحالِ. (p-٧)وجَوَّزُوا أيْضًا أنْ يَكُونَ العامِلُ في الحالِ العامِلُ في بِبَكَّةَ، أيِ اسْتَقَرَّ بِبَكَّةَ في حالِ بَرَكَتِهِ. وهو وجْهٌ ظاهِرُ الجَوازِ، ولَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَهُ. وأمّا هُدًى فَظاهِرُهُ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى مُبارَكًا، والمَعْطُوفُ عَلى الحالِ حالٌ. وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ وهو هُدًى، ولا حاجَةَ إلى تَكَلُّفِ هَذا الإضْمارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب