الباحث القرآني

﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ وما تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ ﴿كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرائِيلَ إلّا ما حَرَّمَ إسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فاتْلُوها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] ﴿فَمَنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ الكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [آل عمران: ٩٤] ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٩٥] ﴿إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وهُدًى لِلْعالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦] ﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إبْراهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧] ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ واللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ٩٨] ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَن آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجًا وأنْتُمْ شُهَداءُ وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ٩٩] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يَرُدُّوكم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٠٠] ﴿وكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكم آياتُ اللَّهِ وفِيكم رَسُولُهُ ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٠١] . النَّيْلُ: لُحُوقُ الشَّيْءِ وإدْراكُهُ، الفِعْلُ مِنهُ: نالَ يَنالُ. قِيلَ: والنَّيْلُ العَطِيَّةُ. الوَضْعُ: الإلْقاءُ. وضَعَ الشَّيْءَ ألْقاهُ، ووَضَعَتْ ما في بَطْنِها ألْقَتْهُ، والفِعْلُ: وضَعَ يَضَعُ وضْعًا وضِعَةً، والمَوْضِعُ: مَحَلُّ إلْقاءِ الشَّيْءِ. وفُلانٌ يَضَعُ الحَدِيثَ أيْ: يُلْقِيهِ مِن قِبَلِ نَفْسِهِ مِن غَيْرِ نَقْلٍ، يَخْتَلِقُهُ. بَكَّةُ: مُرادِفٌ لِمَكَّةَ قالَهُ مُجاهِدٌ، والزَّجّاجُ. والعَرَبُ تُعاقِبُ بَيْنَ الباءِ والمِيمِ قالُوا: لازِمٌ وراتِمٌ والنُّمَيْطُ، وبِالباءِ فِيها. وقِيلَ: اسْمٌ لِبَطْنِ مَكَّةَ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. وقِيلَ: اسْمٌ لِمَكانِ البَيْتِ، قالَهُ النَّخَعِيُّ. وقِيلَ: اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ خاصَّةً، قالَهُ ابْنُ شِهابٍ. قِيلَ: ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ البَكَّ هو دَفْعُ النّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وازْدِحامُهم، وهَذا إنَّما يَحْصُلُ في المَسْجِدِ عِنْدَ الطَّوافِ لا في سائِرِ المَواضِعِ، وسَيَأْتِي الكَلامُ عَلى لَفْظِ مَكَّةَ إنْ شاءَ اللَّهُ. البَرَكَةُ: الزِّيادَةُ، والفِعْلُ مِنهُ: بارَكَ، وهو مُتَعَدٍّ، ومِنهُ ﴿أنْ بُورِكَ مَن في النّارِ﴾ [النمل: ٨] ويُضَمَّنُ مَعْنى ما تَعَدّى بِـ ”عَلى“، لِقَوْلِهِ: «وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ»، وتَبارَكَ: لازِمٌ. العِوَجُ: المَيْلُ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: في الدِّينِ والكَلامِ والعَمَلِ، وبِالفَتْحِ في الحائِطِ والجِذْعِ. وقالَ الزَّجّاجُ بِمَعْناهُ. قالَ: فِيما لا نَرى لَهُ شَخْصًا، وبِالفَتْحِ فِيما لَهُ شَخْصٌ. قالَ ابْنُ فارِسٍ: بِالفَتْحِ في كُلِّ مُنْتَصِبٍ كالحائِطِ. والعِوَجُ: ما كانَ في بِساطٍ، أوْ دِينٍ، أوْ أرْضٍ، أوْ مَعاشٍ. العَصْمُ: المَنعُ، واعْتَصَمَ واسْتَعْصَمَ: امْتَنَعَ، واعْتَصَمْتُ فُلانًا هَيَّأْتُ لَهُ ما يَعْتَصِمُ بِهِ، وكُلُّ مُتَمَسِّكٍ بِشَيْءٍ مُعْتَصِمٌ، وكُلُّ مانِعِ شَيْءٍ عاصِمٌ، ويَرْجِعُ لِهَذا المَعْنى الأعْصَمُ، والمِعْصَمُ، والعِصامُ. ويُسَمّى الخُبْزُ عاصِمًا لِأنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الجُوعِ. ﴿لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ﴾ مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها، هو أنَّهُ لَمّا أخْبَرَ عَمَّنْ ماتَ كافِرًا أنَّهُ لا يَقْبَلُ ما أنْفَقَ في الدُّنْيا، أوْ ما أحْضَرَهُ لِتَخْلِيصَ نَفْسِهِ في الآخِرَةِ عَلى الِاخْتِلافِ الَّذِي سَبَقَ، حَضَّ المُؤْمِنَ عَلى الصَّدَقَةِ، وبَيَّنَ أنَّهُ لَنْ يُدْرِكَ البِرَّ حَتّى يُنْفِقَ مِمّا يُحِبُّ. والبِرُّ هُنا، قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ، وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: البِرُّ الجَنَّةُ. وقالَ الحَسَنُ، والضَّحّاكُ: الصَّدَقَةُ المَفْرُوضَةُ. وقالَ أبُو رَوْقٍ: الخَيْرُ كُلُّهُ. وقِيلَ: الصِّدْقُ. وقِيلَ: أشْرَفُ الدِّينِ، قالَهُ عَطاءٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الطّاعَةُ. وقالَ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ: التَّقْوى. وقالَ الزَّجّاجُ: كُلُّ ما تُقُرِّبَ بِهِ إلى اللَّهِ مِن عَمَلٍ خَيْرٍ. وقالَ مَعْناهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. قالَ أبُو مُسْلِمٍ: ولَهُ مَواضِعُ، فَيُقالُ: الصِّدْقُ البِرُّ، ومِنهُ: صَدَقْتَ وبَرَرْتَ، وكِرامٌ بَرَرَةٌ، والإحْسانُ: ومِنهُ بَرَرْتُ والِدَيَّ، واللُّطْفُ والتَّعاهُدُ ومِنهُ: يَبِرُّ أصْحابَهُ إذا كانَ يَزُورُهم ويَتَعاهَدُهم، والهِبَةُ والصَّدَقَةُ: بَرَّهُ بِكَذا إذا وهَبَهُ لَهُ. وقالَ: ويُحْتَمَلُ لَنْ تَنالُوا بِرَّ اللَّهِ بِكم أيْ: رَحْمَتَهُ ولُطْفَهُ انْتَهى. وهو قَوْلُ أبِي بَكْرٍ (p-٥٢٤)الوَرّاقِ، قالَ: مَعْنى الآيَةِ لَنْ تَنالُوا بِرِّي بِكم إلّا بِبِرِّكم بِإخْوانِكم، والإنْفاقِ عَلَيْهِمْ مِن أمْوالِكم وجاهِكم. ورَوى نَحْوَهُ عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: لَنْ تَنالُوا دَرَجَةَ الكَمالِ مِن فِعْلِ البِرِّ حَتّى تَكُونُوا أبْرارًا إلّا بِالإنْفاقِ المُضافِ إلى سائِرِ أعْمالِكم، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ البِرِّ في قَوْلِهِ: ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ﴾ [البقرة: ٤٤] ولَكِنْ فَعَلْنا ما قالَ النّاسُ في خُصُوصِيَّةِ هَذا المَوْضِعِ. و”مَن“ في: مِمّا تُحِبُّونَ لِلتَّبْعِيضِ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: حَتّى تُنْفِقُوا بَعْضَ ما تُحِبُّونَ. و”ما“ مَوْصُولَةٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ. والظّاهِرُ أنَّ المَحَبَّةَ هُنا هو مَيْلُ النَّفْسِ وتَعَلُّقُها التَّعَلُّقَ التّامَّ بِالمُنْفِقِ، فَيَكُونُ إخْراجُهُ عَلى النَّفْسِ أشَقَّ وأصْعَبَ مِن إخْراجِ ما لا تَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْسُ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ، ولِذَلِكَ فَسَّرَهُ الحَسَنُ، والضَّحّاكُ بِأنَّهُ مَحْبُوبُ المالِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ﴾ [الإنسان: ٨] لِذَلِكَ ما رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ أنَّهم لِهَذِهِ الآيَةِ تَصَدَّقُوا بِأحَبِّ شَيْءٍ إلَيْهِمْ، فَتَصَدَّقَ أبُو طَلْحَةَ بِبَيْرَحاءَ، وتَصَدَّقَ زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ بِفَرَسٍ لَهُ كانَ يُحِبُّها، وابْنُ عُمَرَ بِالسُّكَّرِ واللَّوْزِ؛ لِأنَّهُ كانَ يُحِبُّهُ، وأبُو ذَرٍّ بِفَحْلِ خَيْرِ إبِلِهِ وبِبُرْنُسٍ عَلى مَقْرُورٍ، وتَلا الآيَةَ، والرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ بِالسُّكَّرِ لِحُبِّهِ لَهُ، وأعْتَقَ عُمَرُ جارِيَةً أعْجَبَتْهُ، وابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ جارِيَةً كانَتْ أعْجَبَ شَيْءٍ إلَيْهِ. وقِيلَ: مَعْنى مِمّا تُحِبُّونَ، نَفائِسُ المالِ، وطِيِّبُهُ لا رَدِيئُهُ وخَبِيثُهُ. وقِيلَ: ما يَكُونُ مُحْتاجًا إلَيْهِ. وقِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ المُسْلِمُ مِن مالِهِ يَطْلُبُ بِهِ وجْهَ اللَّهِ. ولَفْظَةُ ”تُحِبُّونَ“ تَنْبُوُ عَنْ هَذِهِ الأقْوالِ، والَّذِي يَظْهَرُ أنَّ الإنْفاقَ هو في النَّدْبِ؛ لِأنَّ المُزَكِّيَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يُخْرِجَ أشْرَفَ أمْوالِهِ ولا أحَبَّها إلَيْهِ، وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنسُوخَةٌ؛ لِأنَّ التَّرْغِيبَ في النَّدْبِ لِوَجْهِ اللَّهِ لا يُنافِي الزَّكاةَ. قالَ بَعْضُهم: وتَدُلُّ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ الكَلامَ يَصِيرُ شِعْرًا بِأشْياءَ مِنها: قَصْدُ المُتَكَلِّمِ إلى أنْ يَكُونَ شِعْرًا؛ لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ عَلى وزْنِ بَيْتِ الرَّمَلِ، يُسَمّى المُجَزَّ والمُسَبَّعَ، وهو: ؎يا خَلِيلِيَّ ارْبَعا واسْتَخْبِرا لِـ مَنزِلِ الدّارِسِ عَنْ حَيِّ حَلال ؎رَسْمًا بِعُسْفانْ ولا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ في القُرْآنِ شِعْرًا. ﴿وما تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب