الباحث القرآني
﴿ما كانَ إبْراهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا ولَكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ أعْلَمَ تَعالى بَراءَةَ إبْراهِيمَ مِن هَذِهِ الأدْيانِ، وبَدَأ بِانْتِفاءِ اليَهُودِيَّةِ؛ لِأنَّ شَرِيعَةَ اليَهُودِ أقْدَمُ مِن شَرِيعَةِ النَّصارى، وكَرَّرَ لا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ عَنْ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الدِّينَيْنِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ ما كانَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ﴿ولَكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ ووَقَعَتْ ”لَكِنْ“ هُنا أحْسَنَ مَوْقِعِها، إذْ هي واقِعَةٌ بَيْنَ (p-٤٨٧)النَّقِيضَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلى اعْتِقادِ الحَقِّ والباطِلِ. ولَمّا كانَ الكَلامُ مَعَ اليَهُودِ والنَّصارى، كانَ الِاسْتِدْراكُ بَعْدَ ذِكْرِ الِانْتِفاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِما، ثُمَّ نَفى عَلى سَبِيلِ التَّكْمِيلِ؛ لِلتَّبَرِّي مِن سائِرِ الأدْيانِ كَوْنَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ، وهم: عَبَدَةُ الأصْنامِ، كالعَرَبِ الَّذِينَ كانُوا يَدَّعُونَ أنَّهم عَلى دِينِ إبْراهِيمَ، وكالمَجُوسِ عَبَدَةِ النّارِ، وكالصّابِئَةِ عَبَدَةِ الكَواكِبِ، ولَمْ يَنُصَّ عَلى تَفْصِيلِهِمْ، لِأنَّ الإشْراكَ يَجْمَعُهم.
وقِيلَ: أرادَ بِالمُشْرِكِينَ اليَهُودَ والنَّصارى؛ لِإشْراكِهِمْ بِهِ عُزَيْرًا و المَسِيحَ، فَتَكُونُ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَوْكِيدًا لِما قَبْلَها مِن قَوْلِهِ ﴿ما كانَ إبْراهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا﴾ وجاءَ: مِنَ المُشْرِكِينَ، ولَمْ يَجِئْ: وما كانَ مُشْرِكًا، فَيُناسِبَ النَّفْيَ قَبْلَهُ، لِأنَّها رَأْسُ آيَةٍ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: نَفى عَنْهُ اليَهُودِيَّةَ والنَّصْرانِيَّةَ والإشْراكَ الَّذِي هو عِبادَةُ الأوْثانِ؛ ودَخَلَ في ذَلِكَ الإشْراكُ الَّذِي تَتَضَمَّنُهُ اليَهُودِيَّةُ والنَّصْرانِيَّةُ، وجاءَ تَرْتِيبُ النَّفْيِ عَلى غايَةِ الفَصاحَةِ، نَفى نَفْسَ المِلَلِ، وقَرَّرَ الحالَ الحَسَنَةَ، ثُمَّ نَفى نَفْيًا بَيَّنَ بِهِ أنَّ تِلْكَ المِلَلَ فِيها هَذا الفَسادُ الَّذِي هو الشِّرْكُ، وهَذا كَما تَقُولُ: ما أخَذْتُ لَكَ مالًا، بَلْ حَفِظْتُهُ. وما كُنْتُ سارِقًا، فَنَفَيْتَ أقْبَحَ ما يَكُونُ في الأخْذِ انْتَهى كَلامُهُ.
وتَلَخَّصَ بِما تَقَدَّمَ أنَّ قَوْلَهُ.
﴿وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُهُما: أنَّ المُشْرِكِينَ عَبَدَةُ الأصْنامِ والنّارِ والكَواكِبِ. والثّانِي: أنَّهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى. والثّالِثُ: عَبَدَةُ الأوْثانِ واليَهُودُ والنَّصارى.
وقالَ عَبْدُ الجَبّارِ: مَعْنى ﴿ما كانَ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا﴾ لَمْ يَكُنْ عَلى الدِّينِ الَّذِي يَدِينُ بِهِ هَؤُلاءِ المُحاجُّونَ، ولَكِنْ كانَ عَلى جِهَةِ الدِّينِ الَّذِي يَدِينُ بِهِ المُسْلِمُونَ. ولَيْسَ المُرادُ أنَّ شَرِيعَةَ مُوسى وعِيسى لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً. وقالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى: لا يُوصَفُ إبْراهِيمُ بِأنَّهُ كانَ يَهُودِيًّا، ولا نَصْرانِيًّا؛ لِأنَّهُما صِفَتا ذَمٍّ لِاخْتِصاصِهِما بِفِرْقَتَيْنِ ضالَّتَيْنِ، وهُما طَرِيقانِ مُحَرَّفانِ عَنْ دِينِ مُوسى وعِيسى، وكَوْنُهُ مُسْلِمًا لا يُوجِبُ أنْ يَكُونَ عَلى شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بَلْ كانَ عَلى جِهَةِ الإسْلامِ.
والحَنِيفُ: اسْمٌ لِمَن يَسْتَقْبِلُ في صَلاتِهِ الكَعْبَةَ، ويَحُجُّ إلَيْها، ويُضَحِّي، ويَخْتَتِنُ. ثُمَّ سُمِّيَ مَن كانَ عَلى دِينِ إبْراهِيمَ حَنِيفًا انْتَهى.
وفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: أنَّهُ خَرَجَ إلى الشّامِ يَسْألُ عَنِ الدِّينِ، وأنَّهُ لَقِيَ عالِمًا مِنَ اليَهُودِ، ثُمَّ عالِمًا مِنَ النَّصارى، فَقالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: لَنْ تَكُونَ عَلى دِينِنا حَتّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِن غَضَبِ اللَّهِ. وقالَ لَهُ النَّصْرانِيُّ: لَنْ تَكُونَ عَلى دِينِنا حَتّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ. فَقالَ زَيْدٌ: ما أفِرُّ إلّا مِن غَضَبِ اللَّهِ، ومِن لَعْنَتِهِ. فَهَلْ تَدُلّانِي عَلى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذا ؟ قالا: ما نَعْلَمَهُ إلّا أنْ تَكُونَ حَنِيفًا. قالَ: وما الحَنِيفُ ؟ قالَ: دِينُ إبْراهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا، وكانَ لا يَعْبُدُ إلّا اللَّهَ وحْدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ رافِعًا يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، وقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُكَ أنِّي عَلى دِينِ إبْراهِيمَ.
وقالَ الرّازِيُّ ما مُلَخَّصُهُ: إنَّ النَّفْيَ إنْ كانَ في الأُصُولِ، فَتَكُونُ في المُوافَقَةِ لِيَهُودِ زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ونَصاراهُ؛ لِأنَّهم غَيَّرُوا فَقالُوا: المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وعُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. لا في الأُصُولِ الَّتِي كانَ عَلَيْها اليَهُودُ والنَّصارى، الَّذِينَ كانُوا عَلى ما جاءَ بِهِ مُوسى وعِيسى، وجَمِيعُ الأنْبِياءِ مُتَوافِقُونَ في الأُصُولِ، وإنْ كانَ في الفُرُوعِ فَلِأنَّ اللَّهَ نَسَخَ شَرِيعَةَ إبْراهِيمَ بِشَرِيعَةِ مُوسى وعِيسى، وأمّا مُوافَقَتُهُ لِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَإنْ كانَ في الأُصُولِ فَظاهِرٌ، وإنْ كانَ في الفُرُوعِ فَتَكُونُ المُوافَقَةُ في الأكْثَرِ، وإنْ خالَفَ في الأقَلِّ فَلَمْ يَقْدَحْ في المُوافَقَةِ.
{"ayah":"مَا كَانَ إِبۡرَ ٰهِیمُ یَهُودِیࣰّا وَلَا نَصۡرَانِیࣰّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِیفࣰا مُّسۡلِمࣰا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق