الباحث القرآني
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أعْمالُهم في الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ . تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الجُمْلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿ومَن يَرْتَدِدْ مِنكم عَنْ دِينِهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو السَّمّالِ: حَبَطَتْ، بِفَتْحِ الباءِ وهي لُغَةٌ.
﴿وما لَهم مِن ناصِرِينَ﴾ مَجِيءُ الجَمْعِ هُنا أحْسَنُ مِن مَجِيءِ الإفْرادِ؛ لِأنَّهُ (p-٤١٥)رَأْسُ آيَةٍ، ولِأنَّهُ بِإزاءِ مَن لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّفَعاءِ الَّذِينَ هُمُ المَلائِكَةُ والأنْبِياءُ وصالِحُو المُؤْمِنِينَ، أيْ: لَيْسَ لَهم كَأمْثالِ هَؤُلاءِ، والمَعْنى: بِانْتِفاءِ النّاصِرِينَ انْتِفاءَ ما يَتَرَتَّبُ عَلى النَّصْرِ مِنَ المَنافِعِ والفَوائِدِ، وإذا انْتَفَتْ مِن جَمْعٍ فانْتِفاؤُها مِن واحِدٍ أوْلى؛ وإذا كانَ جَمْعٌ لا يَنْصُرُ فَأحْرى أنْ لا يَنْصُرَ واحِدٌ، ولَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَعْصِيَتِهِمْ بِثَلاثَةِ أوْصافٍ ناسَبَ أنْ يَكُونَ جَزاؤُهم بِثَلاثَةٍ، لِيُقابِلَ كُلَّ وصْفٍ بِمُناسَبَةٍ، ولَمّا كانَ الكُفْرُ بِآياتِ اللَّهِ أعْظَمَ؛ كانَ التَّبْشِيرُ بِالعَذابِ الألِيمِ أعْظَمَ، وقابَلَ قَتْلَ الأنْبِياءِ بِحُبُوطِ العَمَلِ في الدُّنْيا والأخَرَةِ، فَفي الدُّنْيا بِالقَتْلِ والسَّبْيِ وأخْذِ المالِ والِاسْتِرْقاقِ، وفي الآخِرَةِ بِالعِقابِ الدّائِمِ، وقابَلَ قَتْلَ الآمِرِينَ بِالقِسْطِ، بِانْتِفاءِ النّاصِرِينَ عَنْهم إذا حَلَّ بِهِمُ العَذابُ، كَما لَمْ يَكُنْ لِلْآمِرِينَ بِالقِسْطِ مَن يَنْصُرُهم حِينَ حَلَّ بِهِمْ قَتْلُ المُعْتَدِينَ، كَذَلِكَ المُعْتَدُونَ لا ناصِرَ لَهم إذا حَلَّ بِهِمُ العَذابُ. وفي قَوْلِهِ: أُولَئِكَ، إشارَةٌ إلى مَن تَقَدَّمَ مَوْصُوفًا بِتِلْكَ الأوْصافِ الذَّمِيمَةِ، وأُخْبِرَ عَنْهُ بِالَّذِينَ، إذْ هو أبْلَغُ مِنَ الخَبَرِ بِالفِعْلِ، ولِأنَّ فِيهِ نَوْعَ انْحِصارٍ، ولِأنَّ جَعْلَ الفِعْلِ صِلَةً يَدُلُّ عَلى كَوْنِها مَعْلُومَةً لِلسّامِعِ، مَعْهُودَةً عِنْدَهُ، فَإذا أخْبَرْتَ بِالمَوْصُولِ عَنِ اسْمٍ اسْتَفادَ المُخاطَبُ أنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ المَعْهُودَ المَعْلُومَ عِنْدَهُ المَعْهُودَ هو مَنسُوبٌ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالمَوْصُولِ، بِخِلافِ الإخْبارِ بِالفِعْلِ، فَإنَّكَ تُخْبِرُ المُخاطَبَ بِصُدُودِهِ عَنْ مَن أخْبَرْتَ بِهِ عَنْهُ، ولا يَكُونُ ذَلِكَ الفِعْلُ مَعْلُومًا عِنْدَهُ، فَإنْ كانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ جَعَلْتَهُ صِلَةً، وأخْبَرْتَ بِالمَوْصُولِ عَنِ الِاسْمِ. قِيلَ: وجَمَعَتْ هَذِهِ الآياتُ ضُرُوبًا مِنَ الفَصاحَةِ والبَلاغَةِ. أحَدُهُما: التَّقْدِيمُ والتَّأْخِيرُ في: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ التَّقْدِيرُ: شَهِدَ اللَّهُ أنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ، أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هو، ولِذَلِكَ قَرَأ ”إنَّهُ“ بِالكَسْرِ: وأنَّ الدِّينَ، بِالفَتْحِ.
وأطْلَقَ اسْمَ السَّبَبِ عَلى المُسَبَّبِ في قَوْلِهِ ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ﴾ [آل عمران: ١٩] عَبَّرَ بِالعِلْمِ عَنِ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، أوِ النَّبِيِّ ﷺ عَلى الخِلافِ الَّذِي سَبَقَ. وإسْنادُ الفِعْلِ إلى غَيْرِ فاعِلِهِ في: ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ وأصْحابُ النّارِ. والإيماءُ في قَوْلِهِ: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩] فِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ النَّفْيَ دائِرٌ شائِعٌ فِيهِمْ، وكُلُّ فِرْقَةٍ مِنهم تُجاذِبُ طَرْفًا مِنهُ. والتَّعْبِيرُ بِبَعْضٍ عَنْ كُلٍّ في: ﴿أسْلَمْتُ وجْهِيَ﴾ [آل عمران: ٢٠] . والِاسْتِفْهامُ الَّذِي يُرادُ بِهِ التَّقْرِيرُ أوِ التَّوْبِيخُ والتَّقْرِيعُ في قَوْلِهِ ﴿أأسْلَمْتُمْ﴾ [آل عمران: ٢٠] . والطِّباقُ المُقَدَّرُ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّما عَلَيْكَ البَلاغُ﴾ [آل عمران: ٢٠] ووَجْهُهُ: أنَّ الإسْلامَ: الِانْقِيادُ إلى الإسْلامِ، والإقْبالُ عَلَيْهِ، والتَّوَلِّي ضِدُّ الإقْبالِ. والتَّقْدِيرُ: وإنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ ضَلُّوا، والضَّلالَةُ ضِدُّ الهِدايَةِ. والحَشْوُ الحَسَنُ في قَوْلِهِ ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: ٢١] فَإنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ قَطُّ نَبِيٌّ بِحَقٍّ؛ وإنَّما أتى بِهَذِهِ الحَشْوَةِ لِيَتَأكَّدَ قُبْحُ قَتْلِ الأنْبِياءِ، ويَعْظُمَ أمْرُهُ في قَلْبِ العازِمِ عَلَيْهِ. والتَّكْرارُ في ﴿ويَقْتُلُونَ الَّذِينَ﴾ [آل عمران: ٢١] تَأْكِيدًا لِقُبْحِ ذَلِكَ الفِعْلِ. والزِّيادَةُ في (فَبَشِّرْهم) زادَ الفاءَ؛ إيذانًا بِأنَّ المَوْصُولَ ضُمِّنَ مَعْنى الشَّرْطِ. والحَذْفُ في مَواضِعَ قَدْ تَكَلَّمْنا عَلَيْها فِيما سَبَقَ.
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق