الباحث القرآني
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وقَتْلَهُمُ الأنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ونَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ﴾ [آل عمران: ١٨١] ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكم وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [آل عمران: ١٨٢] ﴿الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ عَهِدَ إلَيْنا ألّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ قُلْ قَدْ جاءَكم رُسُلٌ مِن قَبْلِي بِالبَيِّناتِ وبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهم إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٨٣] ﴿فَإنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ جاءُوا بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ والكِتابِ المُنِيرِ﴾ [آل عمران: ١٨٤] ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ وإنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكم يَوْمَ القِيامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وما الحَياةُ الدُّنْيا إلّا مَتاعُ الغُرُورِ﴾ .
الزُّبُرُ: جَمْعُ زَبُورٍ، وهو الكِتابُ. يُقالُ: زَبَرْتُ أيْ كَتَبْتُ، فَهو بِمَعْنى مَفْعُولٍ أيْ: مَزْبُورٍ، كالرُّكُوبِ بِمَعْنى المَرْكُوبِ. وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
؎لِمَن طَلَلٌ أبْصَرْتُهُ فَشَجانِي كَخَطِّ زَبُورٍ في عَسِيبِ يَمانِ
ويُقالُ: زَبَرْتُهُ قَرَأْتُهُ، وزَبَرْتُهُ حَسَّنْتُهُ، وتَزَبَّرْتُهُ زَجَرْتُهُ. وقِيلَ: اشْتِقاقُ الزَّبُورِ مِنَ الزُّبْرَةِ، وهي القِطْعَةُ مِنَ الحَدِيدِ الَّتِي تُرِكَتْ بِحالِها.
الزَّحْزَحَةُ: التَّنْحِيَةُ والإبْعادُ، تَكْرِيرُ الزَّحِّ وهو الجَذْبُ بِعَجَلَةٍ، ويُقالُ: مَكانٌ زَحْزَحٌ أيْ بَعِيدٌ.
الفَوْزُ: النَّجاةُ مِمّا يُحْذَرُ والظَّفَرُ بِما يُؤَمَّلُ، وسُمِّيَتِ الأرْضُ القَفْرُ البَعِيدَةُ (p-١٣٠)المَخُوفُ مِنَ الهَلاكِ فِيها مَفازَةٌ عَلى سَبِيلِ التَّفاؤُلِ، لِأنَّ مَن قَطَعَها فازَ. وقِيلَ: لِأنَّها مَظِنَّةُ تَفْوِيزٍ ومَظِنَّةُ هَلاكٍ. تَقُولُ العَرَبُ: فَوَّزَ الرَّجُلُ: ماتَ.
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أغْنِياءُ﴾ [آل عمران: ١٨١]: نَزَلَتْ في فِنْحاصِ بْنِ عازُوراءَ، حاوَرَهُ أبُو بَكْرٍ في الإسْلامِ وأنْ يُقْرِضَ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، فَقالَ هَذِهِ المَقالَةُ، فَضَرَبَهُ أبُو بَكْرٍ ومَنَعَهُ مِن قِبَلِهِ العَهْدَ، فَشَكاهُ إلى الرَّسُولِ وأنْكَرَ ما قالَ، فَنَزَلَتْ تَكْذِيبًا لِفِنْحاصٍ، وتَصْدِيقًا لِلصَّدِيقِ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةُ، والسُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ، وابْنُ إسْحاقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، وساقُوا القِصَّةَ مُطَوَّلَةً. وقالَ قَتادَةُ: نَزَلَتْ في حُيَـيِّ بْنِ أخْطَبَ، وقالَ هو أيْضًا والحَسَنُ ومَعْمَرٌ وغَيْرُهم: في اليَهُودِ. وذَكَرَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ في إلْياسِ بْنِ عُمَرَ. ولَمّا نَزَلَ ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] قالَ أوْ قالُوا: إنَّما يَسْتَقْرِضُ الفَقِيرُ الغَنِيَّ، والظّاهِرُ أنَّ قائِلَ ذَلِكَ جَمْعٌ، فَيُمْكِنُ أنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِن فِنْحاصٍ أوْ حَيِـيٍّ أوَّلًا، ثُمَّ تَقاوَلَها اليَهُودُ، أوْ صَدَرَ ذَلِكَ مِن واحِدٍ فَقَطْ، ونُسِبَ لِلْجَماعَةِ عَلى عادَةِ كَلامِ العَرَبِ في نِسْبَتِها إلى القَبِيلَةِ فِعْلِ الواحِدِ مِنها.
ومَعْنى لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ: أنَّهُ لَمْ يُخْفَ عَلَيْهِ تَعالى مَقالَتُهم، ومَقالَتُهم هَذِهِ إمّا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ بِما نَزَلَ مِن طَلَبِ الإقْراضِ، وإمّا عَلى سَبِيلِ الجَدَلِ والإلْزامِ؛ لِأنَّ مَن طَلَبَ الإقْراضَ كانَ فَقِيرًا، وإمّا عَلى الِاعْتِقادِ. ولا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ مِن عُقُولِهِمْ؛ إذْ قَدْ حَكى اللَّهُ عَنْهم ﴿وقالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: ٦٤] وأيًّا ما كانَ مِن هَذِهِ الأسْبابِ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى تَمَرُّدِهِمْ في الكُفْرِ والمُبالَغَةِ فِيهِ، حَيْثُ نَسَبُوا المُوجِدَ الأشْياءَ مِنَ العَدَمِ الصِّرْفَ إلى الوُجُودِ الغَنِيَّ بِذاتِهِ عَمّا أوْجَدَهُ - الوَصْفَ الدّالَّ عَلى الِافْتِقارِ لِبَعْضِ ما أوْجَدَهُ، ونَسَبُوا العَكْسِ إلى أنْفُسِهِمْ، وجاءَتِ الجُمْلَةُ مُؤَكَّدَةً بِاللّامِ مُؤْذِنَةً بِعِلْمِهِ بِمَقالَتِهِمْ ومُؤَكِّدَةً لَهُ، وحَيْثُ نَسَبُوا إلى اللَّهِ ما نَسَبُوا، أكَّدُوا الجُمْلَةَ بِـ ”أنَّ“ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ. وحَيْثُ نَسَبُوا إلى أنْفُسِهِمْ ما نَسَبُوا لَمْ يُؤَكِّدُوا، بَلْ أخْرَجُوا الجُمْلَةَ مَخْرَجَ ما لا يَحْتاجُ إلى تَأْكِيدٍ، كَأنَّ الغِنى وصْفٌ لَهم لا يُمْكِنُ فِيهِ نِزاعٌ، فَيَحْتاجُ إلى أنْ يُؤَكَّدَ.
﴿سَنَكْتُبُ ما قالُوا وقَتْلَهُمُ الأنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ونَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ﴾ [آل عمران: ١٨١]: الظّاهِرُ إجْراءُ الكِتابَةِ عَلى أنَّها حَقِيقَةٌ، قالَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ. وأنَّها تُكْتَبُ الأعْمالُ في صُحُفٍ، وأنَّ تِلْكَ الصُّحُفَ هي الَّتِي تُوزَنُ، ويُحْدِثُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى فِيها الخِفَّةَ والثِّقَلَ بِحَسَبِ ما كُتِبَ فِيها مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ. وقِيلَ: سَنَكْتُبُ ما قالُوا في القُرْآنِ حَتّى يَعْلَمَ القَوْمُ شِدَّةَ تَعَنُّتِهِمْ وحَسَدِهِمْ في الطَّعْنِ عَلَيْهِ ﷺ . وذَهَبَ قَوْمٌ: إلى أنَّ الكِتابَةَ مَجازٌ، ومَعْناها الإحْصاءُ لِلشَّيْءِ وضَبْطِهِ وعَدَمِ إهْمالِهِ وكَيْنُونَتِهِ في عِلْمِ اللَّهِ شَيْئًا مَحْفُوظًا لا يُنْسى، كَما يُثْبِتُ المَكْتُوبَ. وذَهَبَ إلى أنَّ مَعْنى سَنَكْتُبُ: سَنُوجِبُ عَلَيْهِمْ في الآخِرَةِ جَزاءَ ما قالُوهُ في الدُّنْيا كَقَوْلِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ﴾ [البقرة: ١٨٣] وجاءَ سَنَكْتُبُ بِلَفْظِ المُسْتَقْبَلِ دُونَ لَفْظِ الماضِي؛ لِأنَّهُ تَضَمَّنَ المُجازاةَ عَلى ما قالُوهُ. وفِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ ما لا يَخْفى. ونُسِبَ إلَيْهِمْ قَتْلُهُمُ الأنْبِياءَ وإنْ كانَ مِن فِعْلِ آبائِهِمْ؛ لَمّا كانُوا راضِينَ بِهِ. وقَدْ سَمُّوا أيْضًا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهَمُّوا بِقَتْلِهِ، ودَلَّ هَذا القَوْلُ وهَذا الفِعْلُ عَلى جَمِيعِ الأقْوالِ والأفْعالِ القَبِيحَةِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنهم. إذِ القَوْلُ في هَذِهِ الآيَةِ أشْنَعُ الأقْوالِ في اللَّهِ تَعالى، والقَتْلُ أشْنَعُ الأفْعالِ الَّتِي فَعَلُوها مَعَ أنْبِياءِ اللَّهِ تَعالى، وتَشْرِيكُ القَتْلِ مَعَ هَذا القَوْلِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُما يُسَبِّبانِ في اسْتِحْقاقِ العِقابِ. ولَمّا كانَ الصّادِرُ مِنهم قَوْلًا وفِعْلًا، ناسَبَ أنْ يَكُونَ الجَزاءُ قَوْلًا وفِعْلًا، فَتَضَمَّنَ القَوْلَ والفِعْلَ قَوْلُهُ تَعالى: ”﴿ونَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ﴾ [آل عمران: ١٨١]“ . وفي الجَمْعِ بَيْنَ القَوْلِ والفِعْلِ أعْظَمُ انْتِقامٍ، ويُقالُ لِلْمُنْتَقَمِ مِنهُ: أحِسَّ وذُقْ.
وقالَ أبُو سُفْيانَ لِحَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمّا طَعَنَهُ وحْشِيٌّ: ذُقْ عُقُقُ، واسْتُعِيرَ لِمُباشَرَةِ العَذابِ الذَّوْقُ؛ لِأنَّ الذَّوْقَ مِن أبْلَغِ أنْواعِ المُباشَرَةِ، وحاسَّتُها مُتَمَيِّزَةٌ جِدًّا. والحَرِيقُ: المُحْرِقُ، فَعِيلٌ بِمَعْنى مُفْعِلٌ، كَألِيمٍ بِمَعْنى مُؤْلِمٍ. وقِيلَ: الحَرِيقُ طَبَقَةٌ مِن طِباقِ جَهَنَّمَ. وقِيلَ: الحَرِيقُ (p-١٣١)المُلْتَهِبُ مِنَ النّارِ، والنّارُ تَشْمَلُ المُلْتَهِبَةَ وغَيْرَ المُلْتَهِبَةِ، والمُلْتَهِبَةُ أشَدُّها. والظّاهِرُ أنَّ هَذا القَوْلَ يَكُونُ عِنْدَ دُخُولِهِمْ جَهَنَّمَ. وقِيلَ: قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الحِسابِ، أوْ عِنْدَ المَوْتِ. وأنَّ وما بَعْدَها مَحْكِيٌّ بِقالُوا. وأجازَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ مَحْكِيًّا بِالمَصْدَرِ، فَيَكُونُ مِن بابِ الإعْمالِ. قالَ: وإعْمالُ الأوَّلِ أصْلٌ ضَعِيفٌ، ويَزْدادُ ضَعْفًا لِأنَّ الثّانِي فِعْلٌ والأوَّلُ مَصْدَرٌ، وإعْمالُ الفِعْلِ أقْوى. والظّاهِرُ أنَّ ”ما“ فِيما قالُوا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنى الَّذِي، وأُجِيزَ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: سَنَكْتُبُ وقَتْلَهم بِالنَّصْبِ. ونَقُولُ: بِنُونِ المُتَكَلِّمِ المُعَظَّمِ. أوْ تَكُونُ لِلْمَلائِكَةِ. وقَرَأ الحَسَنُ والأعْرَجُ ”سَيَكْتُبُ“ بِالياءِ عَلى الغَيْبَةِ. وقَرَأ حَمْزَةُ: ”سَيَكْتُبُ“ بِالياءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، ”وقَتْلُهم“ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى ”ما“، إذْ هي مَرْفُوعَةٌ بِسَيَكْتُبُ، ويَقُولُ بِالياءِ عَلى الغَيْبَةِ. وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: سَنَكْتُبُ ما يَقُولُونَ. وحَكى الدّانِيُّ عَنْهُ: ”﴿سَتَكْتُبُ ما قالُوا﴾ [آل عمران: ١٨١]“ بِتاءٍ مَضْمُومَةٍ عَلى مَعْنى مَقالَتِهِمْ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ويُقالُ ذُوقُوا. ونَقَلُوا عَنْ أبِي مُعاذٍ النَّحْوِيِّ أنَّ في حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُونَ ونَقُولُ لَهم ذُوقُوا.
﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٢]: الإشارَةُ إلى ما تَقَدَّمَ مِن عِقابِهِمْ، ونُسِبَ ما قَدَّمُوهُ مِنَ المَعاصِي القَوْلِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ والِاعْتِقادِيَّةِ إلى الأيْدِي عَلى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ؛ لِأنَّ الأيْدِيَ تُزاوِلُ أكْثَرَ الأعْمالِ، فَكانَ كُلُّ عَمَلٍ واقِعٌ بِها. وهَذِهِ الجُمْلَةُ داخِلَةٌ في المَقُولِ، ونَجَوا بِذَلِكَ، وذَكَرَ لَهُمُ السَّبَبَ الَّذِي أوْجَبَ لَهُمُ العِقابَ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِمُعاصِرِي الرَّسُولِ ﷺ يَوْمَ نُزُولِ الآيَةِ، فَلا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَعْمُولِ قَوْلِهِ: ”ونَقُولُ“ .
﴿وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [آل عمران: ١٨٢]: هَذا مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ”﴿بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٢]“، أيْ ذَلِكَ العِقابُ حاصِلٌ بِسَبَبِ مَعاصِيكم، وعَدْلِ اللَّهِ تَعالى فِيكم. وجاءَ لَفْظُ ”ظَلّامٍ“ المَوْضُوعُ لِلتَّكْثِيرِ، وهَذا تَكْثِيرٌ بِسَبَبِ المُتَعَلِّقِ. وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ ”فِعالًا“ قَدْ يَجِيءُ لا يُرادُ بِهِ الكَثْرَةُ، كَقَوْلِ طَرَفَةَ:
؎ولَسْتُ بِحَلّالِ التِّلاعِ مَخافَةً ∗∗∗ ولَكِنْ مَتى يَسْتَرْفِدُ القَوْمُ أرْفِدُ
لا يُرِيدُ أنَّهُ قَدْ يَحِلُّ التِّلاعَ قَلِيلًا؛ لِأنَّ عَجُزَ البَيْتِ يَدْفَعُهُ، فَدَلَّ عَلى نَفْيِ البُخْلِ في كُلِّ حالٍ، وتَمامُ المَدْحِ لا يَحْصُلُ بِإرادَةِ الكَثْرَةِ، وقِيلَ: إذا نَفى الظُّلْمَ الكَثِيرَ اتَّبَعَ القَلِيلَ ضَرُورَةً؛ لِأنَّ الَّذِي يَظْلِمُ إنَّما يَظْلِمُ لِانْتِفاعِهِ بِالظُّلْمِ، فَإذا تَرَكَ الكَثِيرَ مَعَ زِيادَةِ نَفْعِهِ في حَقِّ مَن يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّفْعُ والضَّرَرُ كانَ لِلظُّلْمِ القَلِيلِ المَنفَعَةِ أتْرَكُ.
وقالَ القاضِي: العَذابُ الَّذِي تَوَعَّدَ أنْ يَفْعَلَهُ بِهِمْ: لَوْ كانَ ظالِمًا لَكانَ عَظِيمًا، فَنَفاهُ عَلى حَدِّ عِظَمِهِ لَوْ كانَ ثابِتًا. والعَبِيدُ جَمْعُ عَبْدٍ، كالكَلِيبِ. وقَدْ جاءَ اسْمُ الجَمْعِ عَلى هَذا الوَزْنِ نَحْوِ الضَّيْفَنِ وغَيْرِهِ مِن جَمْعِ التَّكْسِيرِ، جَوازَ الإخْبارِ عَنْهُ إخْبارُ الواحِدِ كَأسْماءِ الجُمُوعِ، وناسَبَ لَفْظُ هَذا الجَمْعِ دُونَ لَفْظِ العِبادِ؛ لِمُناسَبَةِ الفَواصِلِ الَّتِي قَبْلَهُ مِمّا جاءَتْ عَلى هَذا الوَزْنِ، كَما ناسَبَ ذَلِكَ في سُورَةِ فُصِّلَتْ، وكَما ناسَبَ لَفْظُ العِبادِ في سُورَةِ غافِرٍ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وجُمِعَ عَبْدًا في هَذِهِ الآيَةِ عَلى عَبِيدٍ؛ لِأنَّهُ مَكانُ تَشْقِيقٍ وتَنْجِيَةٍ مِن ظُلْمٍ. انْتَهى كَلامُهُ. ولا تَظْهَرُ لِي هَذِهِ العِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَها في هَذا الجَمْعِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): فَلِمَ عَطَفَ قَوْلَهُ: ”﴿وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [آل عمران: ١٨٢]“، (عَلى ما ﴿قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٢]) وكَيْفَ جَعَلَ كَوْنَهُ غَيْرَ ظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ شَرِيكًا لِاجْتِراحِهِمُ السَّيِّئاتِ في اسْتِحْقاقِهِمُ العَذابَ ؟ (قُلْتُ): مَعْنى كَوْنِهِ غَيْرَ ظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ أنَّهُ عادِلٌ عَلَيْهِمْ، ومِنَ العَدْلِ أنْ يُعاقِبَ المُسِيءَ مِنهم ويُثِيبَ المُحْسِنَ. انْتَهى، وفِيهِ رائِحَةُ الِاعْتِزالِ.
﴿الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ عَهِدَ إلَيْنا ألّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ﴾ [آل عمران: ١٨٣] قالَ الكَعْبِيُّ: نَزَلَتْ في كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ، ومالِكِ بْنِ الصَّيْفِ، ووَهْبِ بنِ يَهُوذا، وزَيْدِ بْنِ مانُوهٍ، وفِنْحاصِ بْنِ عازُوراءَ، وحُيَـيِّ بْنِ أخْطَبَ، أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: تَزْعُمُ أنَّ اللَّهَ بَعَثَكَ (p-١٣٢)إلَيْنا رَسُولًا، وأنْزَلَ عَلَيْكَ كِتابًا، وأنَّ اللَّهَ قَدْ عَهِدَ إلَيْنا في التَّوْراةِ أنْ لا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ يَزْعُمُ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ حَتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ، فَإنْ جِئْتَنا بِهِ صَدَّقْناكَ. وظاهِرُ هَذا القَوْلِ أنَّهُ عَهِدَ إلَيْهِمْ في التَّوْراةِ، فَقِيلَ: كانَ هَذا في التَّوْراةِ، ولَكِنْ كانَ تَمامُ الكَلامِ حَتّى يَأْتِيَكُمُ المَسِيحُ ومُحَمَّدٌ، فَإذا أتَياكم فَآمِنُوا بِهِما مِن غَيْرِ قُرْبانٍ. وقِيلَ: كانَ أمْرُ القَرابِينِ ثابِتًا، إلى أنْ نُسِخَتْ عَلى لِسانِ المَسِيحِ. وقِيلَ: ذِكْرُهم هَذا العَهْدِ هو مِن كَذِبِهِمْ عَلى اللَّهِ تَعالى، وافْتِرائِهِمْ عَلَيْهِ وعَلى أنْبِيائِهِ.
ومَعْنى عَهِدَ: وصّى، والعَهْدُ أخَصُّ مِنَ الأمْرِ؛ لِأنَّهُ في كُلِّ ما يَتَطاوَلُ أمْرُهُ ويَبْقى في غابِرِ الزَّمانِ، وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. وتَعَدّى نُؤْمِنُ بِاللّامِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَما آمَنَ لِمُوسى﴾ [يونس: ٨٣] يُؤْمِنُ لِلَّهِ. والقُرْبانُ: ما يُتَقَرَّبُ بِهِ مِن شاةٍ أوْ بَقَرَةٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وهو في الأصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ المَفْعُولُ بِهِ كالرَّهْنِ، وكانَ حُكْمُهُ قَدِيمًا في الأنْبِياءِ. ألا تَرى إلى قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ، وكانَ أكْلُ النّارِ ذَلِكَ القُرْبانِ دَلِيلًا عَلى قَبُولِ العَمَلِ مِن صَدَقَةٍ أوْ عَمَلٍ، أوْ صِدْقِ مَقالَةٍ. وإذا لَمْ تَنْزِلِ النّارُ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ، وكانَتِ النّارُ أيْضًا تَنْزِلُ لِلْغَنائِمِ فَتَحْرِقُها. وإسْنادُ الأكْلِ إلى النّارِ مَجازٌ واسْتِعارَةٌ عَنْ إذْهابِ الشَّيْءِ وإفْنائِهِ، إذْ حَقِيقَةُ الأكْلِ إنَّما تُوجَدُ في الحَيَوانِ المُتَغَذِّي، والقُرْبانُ وأكْلُ النّارِ مُعْجِزٌ لِلنَّبِيِّ يُوجِبُ الإيمانَ بِهِ، فَهو وسائِرُ المُعْجِزاتِ سَواءٌ. ولِلَّهِ أنْ يُعَيِّنَ مِنَ الآياتِ ما شاءَ لِأنْبِيائِهِ، وهَذا نَظِيرُ ما يَقْتَرِحُونَهُ مِنَ الآياتِ عَلى سَبِيلِ التَّبْكِيتِ والتَّعْجِيزِ. وقَدْ أخْبَرَ تَعالى أنَّهُ لَوْ نَزَلَ ما اقْتَرَحُوهُ لَما آمَنُوا.
والَّذِينَ قالُوا: صِفَةٌ لِلَّذِينِ قالُوا. وقالَ الزَّجّاجُ: الَّذِينَ صِفَةٌ لِلْعَبِيدِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا مُفْسِدٌ لِلْمَعْنى والوَصْفِ. انْتَهى، وهو كَما قالَ. وجَوَّزُوا قَطْعَهُ لِلرَّفْعِ والنَّصْبِ، وإتْباعَهُ بَدَلًا. وفي ”أنْ لا نُؤْمِنَ“ تَقْدِيرُ حَرْفِ جَرٍّ، فَحُذِفَ وبَقِيَ عَلى الخِلافِ فِيهِ: أهْوَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ أوْ جَرٍّ ؟ وأنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ عَلى تَضْمِينِ ”عَهِدَ“ مَعْنى ”الزَمْ“، فَكَأنَّهُ ألْزَمَنا أنْ لا نُؤْمِنَ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ ”بِقُرُبانٍ“ بِضَمِّ الرّاءِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إتْباعًا لِضَمَّةِ القافِ، ولَيْسَ بِلُغَةٍ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ في الكَلامِ فُعُلانِ بِضَمِّ الفاءِ والعَيْنِ. وحَكى سِيبَوَيْهِ السُّلُطانُ بِضَمِّ اللّامِ، وقالَ: إنَّ ذَلِكَ عَلى الإتْباعِ. انْتَهى. ولَمْ يَقُلْ سِيبَوَيْهِ: إنَّ ذَلِكَ عَلى الإتْباعِ، بَلْ قالَ: ولا نَعْلَمُ في الكَلامِ فُعْلانِ ولا فُعُلانِ، ولا شَيْئًا مِن هَذا النَّحْوِ لَمْ يَذْكُرْهُ. ولَكِنَّهُ جاءَ فُعُلانِ وهو قَلِيلٌ، قالُوا: السُّلْطانُ وهو اسْمٌ. انْتَهى. وقالَ الشّارِحُ صاحِبُ هَذِهِ اللُّغَةِ لا يُسَكَّنُ ولا يُتْبَعُ، وكَذا ذَكَرَ التَّصْرِيفِيُّونَ أنَّهُ بِناءُ مُسْتَقْبَلٍ. قالُوا فِيما لَحِقَهُ زِيادَتانِ بَعْدَ اللّامِ وعَلى فُعْلانِ ولَمْ يَجِئْ إلّا اسْمًا: وهو قَلِيلٌ نَحْوَ سُلْطانٍ.
﴿قُلْ قَدْ جاءَكم رُسُلٌ مِن قَبْلِي بِالبَيِّناتِ وبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهم إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٨٣] رَدَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ وأكْذَبَهم في اقْتِراحِهِمْ، وألْزَمَهم أنَّهم قَدْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالَّذِي قالُوهُ مِنَ الإتْيانِ بِالقُرْبانِ الَّذِي تَأْكُلُهُ النّارُ وبِالآياتِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِمْ، بَلْ قَتَلُوهم. ولَمْ يَكْتَفُوا بِتَكْذِيبِهِمْ حَتّى أوْقَعُوا بِهِمْ شَرَّ فِعْلٍ، وهو إتْلافُ النَّفْسِ بِالقَتْلِ. فالمَعْنى أنَّ هَذا مِنكم مَعْشَرَ اليَهُودِ تَعَلُّلٌ وتَعَنُّتٌ، ولَوْ جاءَهم بِالقُرْبانِ لَتَعَلَّلُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَقْتَرِحُونَهُ. والِاقْتِراحُ لا غايَةَ لَهُ، ولا يُجابُ طالِبُهُ إلّا إذا أرادَ اللَّهُ هَلاكَهُ، كَقِصَّةِ قَوْمِ صالِحٍ وغَيْرِهِ. وكَذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ في اقْتِراحِ قُرَيْشٍ فَأبى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وقالَ: بَلْ أدْعُوهم وأُعالِجُهم. ومَعْنى: ”﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٨٣]“ في دَعْواكم أنَّ الإيمانَ يُلْزِمُ بِإتْيانِ البَيِّناتِ والقُرْبانِ، أوْ صادِقِينَ في أنَّ اللَّهَ عَهِدَ إلَيْكم.
﴿فَإنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ جاءُوا بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ والكِتابِ المُنِيرِ﴾ [آل عمران: ١٨٤]: الخِطابُ لِلرَّسُولِ ﷺ وذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّسْلِيَةِ لَمّا ظَهَرَ كَذِبُهم عَلى اللَّهِ بِذِكْرِ العَهْدِ الَّذِي افْتَرَوْهُ، وكانَ في ضِمْنِهِ تَكْذِيبُهُ إذْ عَلَّقُوا الإيمانَ بِهِ عَلى شَيْءٍ مُقْتَرَحٍ مِنهم عَلى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ، ولَمْ يُجِبْهُمُ اللَّهُ لِذَلِكَ، فَسَلّى الرَّسُولَ ﷺ بِأنَّ هَذا دَأْبُهم، (p-١٣٣)وسَبَقَ مِنهم تَكْذِيبُهم لِرُسُلٍ جاءُوا بِما يُوجِبُ الإيمانَ مِن ظُهُورِ المُعْجِزاتِ الواضِحَةِ الدَّلالَةِ عَلى صِدْقِهِمْ، وبِالكُتُبِ السَّماوِيَّةِ الإلَهِيَّةِ النَّيِّرَةِ المُزِيلَةِ لِظُلَمِ الشُّبَهِ.
والزُّبُرُ: جَمْعُ زَبُورٍ، وهو الكِتابُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ قِيلَ: لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ، إذْ يُقالُ: زَبَرَهُ كَتَبَهُ. أوْ لِكَوْنِهِ زاجِرًا مِن زَبَرَهُ زَجَرَهُ، وبِهِ سُمِّي كِتابُ داوُدَ زَبُورًا لِكَثْرَةِ ما فِيهِ مِنَ الزَّواجِرِ والمَواعِظِ، أوْ لِأحْكامِهِ. والزُّبُرُ: الأحْكامُ. وقالَ الزَّجّاجُ: الزَّبُورُ كُلُّ كِتابٍ فِيهِ حِكْمَةٌ. قِيلَ: والكِتابُ هو الزُّبُرُ. وجَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ، أوْ لِاخْتِلافِ مَعْنَيَيْهِما، مَعَ أنَّ المُرادَ واحِدٌ، ولَكِنِ اخْتَلَفَ مَعْنَياهُما مِن حَيْثُ الصِّفَةِ. وقِيلَ: الكِتابُ هُنا جِنْسٌ لِلتَّوْراةِ والإنْجِيلِ وغَيْرِهِما، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِقَوْلِهِ: والزُّبُرُ الزَّواجِرُ مِن غَيْرِ أنْ يُرادَ بِهِ الكُتُبُ. أيْ: جاءُوا بِالمُعْجِزاتِ الواضِحَةِ والتَّخْوِيفاتِ والكُتُبِ النَّيِّرَةِ.
وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ، التَّقْدِيرُ: وإنْ يُكَذِّبُوكَ فَتَسَلَّ بِهِ. ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ ”﴿فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ﴾ [آل عمران: ١٨٤]“ الجَوابَ؛ لِمُضِيِّهِ؛ إذْ جَوابُ الشَّرْطِ مُسْتَقْبَلٌ لا مَحالَةَ لِتَرَتُّبِهُ عَلى المُسْتَقْبَلِ، وما يُوجَدُ في كَلامِ المُعْرِبِينَ أنَّ مِثْلَ هَذا مِنَ الماضِي هو جَوابُ الشَّرْطِ، فَهو عَلى سَبِيلِ التَّسامُحِ لا الحَقِيقَةِ. وبَنى الفِعْلَ لِلْمَفْعُولِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ في تَكْذِيبِ الرُّسُلِ عَلى تَكْذِيبِ اليَهُودِ وحْدَهم لِأنْبِيائِهِمْ، بَلْ نَبَّهَ عَلى أنَّ مِن عادَةِ اليَهُودِ وغَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ تَكْذِيبُ الأنْبِياءِ، فَكانَ المَعْنى: فَقَدْ كَذَّبَتْ أُمَمٌ مِنَ اليَهُودِ وغَيْرِهِمُ الرُّسُلَ. قِيلَ: ونَكَّرَ رُسُلٌ لِكَثْرَتِهِمْ وشِياعِهِمْ. ومِن قَبْلِكَ: مُتَعَلِّقٌ بِكُذِّبَ، والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: جاءُوا في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِرُسُلٍ. انْتَهى. والباءُ في ”بِالبَيِّناتِ“ تَحْتَمِلُ الحالَ والتَّعْدِيَةَ، أيْ: جاءُوا أُمَمَهم مَصْحُوبَيْنَ بِالبَيِّناتِ، أوْ جاءُوا البَيِّناتَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: والزُّبُرُ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: ”وبِالزُّبُرِ“، وكَذا هي في مَصاحِفِ أهْلِ الشَّأْمِ. وقَرَأ هِشامٌ بِخِلافٍ عَنْهُ وبِالكِتابِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: والكِتابُ. وإعادَةُ حَرْفِ الجَرِّ في العَطْفِ هو عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وكانَ ذِكْرُ الكِتابِ مُفْرَدًا وإنْ كانَ مَجْمُوعًا مِن حَيْثُ المَعْنى؛ لِتَناسُبِ الفَواصِلِ، ولَمْ يُلْحَظْ فِيهِ أنْ يُجْمَعَ كالمَعْطُوفِ عَلَيْهِما لِذَلِكَ.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ﴾: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ وما بَعْدَها الوَعْظَ والتَّسْلِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنِ الدُّنْيا وأهْلِها، والوَعْدَ بِالنَّجاةِ في الآخِرَةِ بِذَكَرِ المَوْتِ والفِكْرَةِ فِيهِ تُهَوِّنُ ما يَصْدُرُ مِنَ الكُفّارِ مِن تَكْذِيبٍ وغَيْرِهِ. ولَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ المُكَذِّبِينَ الكاذِبِينَ عَلى اللَّهِ مِنَ اليَهُودِ والمُنافِقِينَ وذِكْرُهُمُ المُؤْمِنِينَ، نُبِّهُوا كُلُّهم عَلى أنَّهم مَيِّتُونَ ومَآلُهم إلى الآخِرَةِ، فَفِيها يَظْهَرُ النّاجِي والهالِكُ، وأنَّ ما تَعَلَّقُوا بِهِ في الدُّنْيا مِن مالٍ وأهْلٍ وعَشِيرَةٍ إنَّما هو عَلى سَبِيلِ التَّمَتُّعِ المَغْرُورِ بِهِ، كُلُّها تَضْمَحِلُّ وتَزُولُ ولا يَبْقى إلّا ما عَمِلَهُ الإنْسانُ، وهو يُوَفّاهُ في الآخِرَةِ، يُوَفّى عَلى طاعَتِهِ ومَعْصِيَتِهِ.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرّازِيُّ: في هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ النَّفْسَ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ البَدَنِ، وعَلى أنَّ النَّفْسَ. غَيْرُ البَدَنِ. انْتَهى. وهَذِهِ مُكابَرَةٌ في الدَّلالَةِ، فَإنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ النَّفْسَ تَمُوتُ. قالَ أيْضًا: لَفْظُ النَّفْسِ مُخْتَصٌّ بِالأجْسامِ. انْتَهى. وقَرَأ اليَزِيدِيُّ: ”ذائِقَةٌ“ بِالتَّنْوِينِ، ”المَوْتَ“ بِالنَّصْبِ، وذَلِكَ فِيما نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. ونَقَلَها ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أبِي حَيْوَةَ، ونَقَلَها غَيْرُهُما عَنِ الأعْمَشِ، ويَحْيَـى، وابْنِ أبِي إسْحاقَ. وقَرَأ الأعْمَشُ فِيما نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ ”ذائِقَةُ“ بِغَيْرِ تَنْوِينِ ”المَوْتَ“ بِالنَّصْبِ ومِثْلُهُ:(p-١٣٤)
؎فَألْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ∗∗∗ ولا ذاكِرَ اللَّهَ إلّا قَلِيلًا
حَذَفَ التَّنْوِينَ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، كَقِراءَةِ مَن قَرَأ ﴿قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢] بِحَذْفِ التَّنْوِينِ مِن أحَدٍ ﴿وإنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكم يَوْمَ القِيامَةِ﴾ لَفْظُ التَّوْفِيَةِ يَدُلُّ عَلى التَّكْمِيلِ يَوْمَ القِيامَةِ، فَما قَبْلَهُ مِن كَوْنِ القَبْرِ رَوْضَةً مِن رِياضِ الجَنَّةِ، أوْ حُفْرَةً مِن حُفَرِ النّارِ، هو بَعْضُ الأُجُورِ. وما لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ أوِ النّارَ فَهو غَيْرُ مُوَفًّى. والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ أنَّ الأُجُورَ هي ما يَتَرَتَّبُ عَلى الطّاعَةِ والمَعْصِيَةِ، وإنْ كانَ الغالِبُ في الِاسْتِعْمالِ أنَّ الأجْرَ هو ما يَتَرَتَّبُ عَلى عَمَلِ الطّاعَةِ؛ ولِهَذا قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وخَصَّ تَعالى ذِكْرَ الأُجُورِ لِشَرَفِها، وإشارَةٍ إلى مَغْفِرَتِهِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وأُمَّتِهِ. ولا مَحالَةَ أنَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَقَعُ فِيهِ الأُجُورُ وتَوْفِيَةُ العُقُوباتِ. انْتَهى.
﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فازَ﴾: عَلَّقَ الفَوْزَ - وهو نَيْلُ الحَظِّ مِنَ الخَيْرِ والنَّجاةِ مِنَ الشَّرِّ - عَلى التَّنْحِيَةِ مِنَ النّارِ ودُخُولِ الجَنَّةِ؛ لِأنَّ مَن لَمْ يَنْجُ عَنِ النّارِ بَلْ أُدْخِلَها - وإنْ كانَ سَيَدْخُلُ الجَنَّةَ - لَمْ يَفُزْ كَمَن يَدْخُلُها مِن أهْلِ الكَبائِرِ. ومَن نُحِّيَ عَنْها ولَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ كَأصْحابِ الأعْرافِ، لَمْ يَفُزْ أيْضًا. ورُوِيَ في الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «مَن سَرَّهُ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النّارِ وأنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وهو يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويَأْتِي إلى النّاسِ ما يُحِبُّ أنْ يُؤْتى إلَيْهِ» . قِيلَ: فازَ مَعْناهُ نَجا. وقِيلَ: سَبَقَ. وقِيلَ: غَنِمَ.
﴿وما الحَياةُ الدُّنْيا إلّا مَتاعُ الغُرُورِ﴾: المَتاعُ: ما يُسْتَمْتَعُ بِهِ مِن آلاتٍ وأمْوالٍ وغَيْرِ ذَلِكَ. وفَسَّرَهُ عِكْرِمَةُ: بِالفَأْسِ، والقَصْعَةِ، والقِدْرِ. وفَسَّرَهُ الحَسَنُ فَقالَ: هو كَخُضْرَةِ النَّباتِ، ولَعِبِ البَناتِ، لا حاصِلَ لَهُ، يَلْمَعُ لَمْعَ السَّرابِ، ويَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ، وهَذا مِن عِكْرِمَةَ والحَسَنِ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شَبَّهَ الدُّنْيا بِالمَتاعِ الَّذِي يُدَلَّسُ بِهِ عَلى المُسْتامِ ويَغُرُّ حَتّى يَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَسادُهُ ورَداءَتُهُ، والشَّيْطانُ هو المُدَلِّسُ الغَرُورُ. انْتَهى. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنَّما هَذا لِمَن آثَرَها عَلى الآخِرَةِ، فَأمّا مَن طَلَبَ الآخِرَةَ بِها فَإنَّها مَتاعٌ بَلاغٍ. وقالَ عِكْرِمَةُ أيْضًا: مَتاعُ الغُرُورِ القَوارِيرُ الَّتِي لا بُدَّ لَها مِنَ الِانْكِسارِ والفَسادِ، فَكَذَلِكَ أمْرُ الدُّنْيا كُلُّهُ. وهَذا تَشْبِيهٌ مِن عِكْرِمَةَ. والغُرُورُ: الخُدَعُ والتَّرْجِئَةُ بِالباطِلِ. وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سابِطٍ: مَتاعُ الغُرُورِ كَزادِ الرّاعِي، يُزَوِّدُ الكَفَّ مِنَ التَّمْرِ والشَّيْءَ مِنَ الدَّقِيقِ يَشْرَبُ عَلَيْهِ اللَّبَنَ، يَعْنِي: أنَّ مَتاعَ الدُّنْيا قَلِيلٌ لا يَكْفِي مَن تَمَتَّعَ بِهِ ولا يُبَلِّغُهُ سَفَرَهُ. ومِن كَلامِ العَرَبِ: عِشْ ولا تَغْتَرَّ. أيْ: لا تَجْتَزِئْ بِما لا يَكْفِيكَ. وقالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الغُرُورُ ما رَأيْتَ لَهُ ظاهِرًا حَسَنًا، ولَهُ باطِنٌ مَكْرُوهٌ أوْ مَجْهُولٌ، والشَّيْطانُ غَرُورٌ؛ لِأنَّهُ يَحْمِلُ عَلى مَخَبَّآتِ النّاسِ، ووَراءَ ذَلِكَ ما يَسُوءُ. قالَ: ومِن هَذا بَيْعُ الغَرُورِ، وهو ما كانَ لَهُ ظاهِرُ بَيْعٍ وباطِنٌ مَجْهُولٌ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ الأصْبَهانِيُّ: وما الحَياةُ الدُّنْيا بِحَذْفِ المُضافِ تَقْدِيرُهُ: وما نَفْعُ الحَياةِ الدُّنْيا إلّا نَفْعُ الغُرُورِ. أيْ: نَفْعٌ يُغْفِلُ عَنِ النَّفْعِ الحَقِيقِيِّ لِدَوامِهِ، وهو النَّفْعُ في الحَياةِ الأُخْرَوِيَّةِ. وإضافَةُ المَتاعِ إلى الغُرُورِ إنْ جُعِلَ الغُرُورُ جَمْعًا فَهو كَقَوْلِكَ: نَفْعُ الغافِلِينَ. وإنْ جُعِلَ مَصْدَرًا فَهو كَقَوْلِكَ: نَفْعُ إغْفالٍ، أيْ إهْمالٍ، فَيُورِثُ الغَفْلَةَ عَنِ التَّأهُّبِ لِلْآخِرَةِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: ”الغَرُورُ“ بِفَتْحِ الغَيْنِ، وفُسِّرَ بِالشَّيْطانِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ فَعُولًا بِمَعْنى مَفْعُولٍ، أيْ: مَتاعُ المَغْرُورِ، أيْ المَخْدُوعِ.
وتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ التَّجْنِيسَ المُغايِرَ في قَوْلِهِ: ”الَّذِينَ قالُوا“، والمُماثِلَ في: ”قالُوا“، ”وسَنَكْتُبُ ما قالُوا“، وفي: ”﴿كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ﴾ [آل عمران: ١٨٤]“ . والطِّباقُ في: فَقِيرُ وأغْنِياءُ، وفي: المَوْتُ والحَياةُ، وفي: ”﴿زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّةَ﴾“ . والِالتِفاتُ في: سَنَكْتُبُ ونَقُولُ، وفي: ”أُجُورَكم“، إذْ تَقَدَّمَهُ ”كُلُّ نَفْسٍ“ . والتَّكْرارُ في: لَفْظِ الجَلالَةِ، وفي البَيِّناتِ. والِاسْتِعارَةُ في: سَنَكْتُبُ عَلى قَوْلِ مَن لَمْ يَجْعَلِ الكِتابَةَ حَقِيقَةً، وفي: قَدَّمَتْ أيْدِيكم، وفي: تَأْكُلُهُ النّارُ، وفي: ذُوقُوا (p-١٣٥)وذائِقَةٌ، والمَذْهَبُ الكَلامِيُّ في ”﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٣]“ . والِاخْتِصاصُ في: أيْدِيكم. والإشارَةُ في: ذَلِكَ، والشَّرْطُ المُتَجَوَّزُ فِيهِ. والزِّيادَةُ لِلتَّوْكِيدِ في: وبِالزُّبُرِ وبِالكِتابِ في قِراءَةِ مَن قَرَأ كَذَلِكَ. والحَذْفُ في مَواضِعَ.
{"ayah":"كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلۡغُرُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق