الباحث القرآني

﴿فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهم سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾: أيْ فَرَجَعُوا مِن بَدْرٍ مَصْحُوبِينَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وهي: السَّلامَةُ وحَذَرُ العَدُوِّ إيّاهم، وفَضْلٌ: وهو الرِّبْحُ في التِّجارَةِ. كَقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] هَذا الَّذِي اخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ هَذا الِانْقِلابِ، ولَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والجُمْهُورُ عَلى أنَّ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ، يُرِيدُ: في السَّلامَةِ والظُّهُورِ، وفي اتِّباعِ العَدُوِّ، وحِمايَةِ الحَوْزَةِ، وبِفَضْلٍ في الأجْرِ الَّذِي حازُوهُ، والفَخْرِ الَّذِي تَخَلَّلُوهُ، وأنَّها في غَزْوَةِ أُحُدٍ في الخَرْجَةِ إلى حَمْراءِ الأسَدِ. وشَذَّ مُجاهِدٌ وقالَ: في خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ إلى بَدْرٍ الصُّغْرى، وذَكَرَ قِصَّةَ نُعَيْمٍ وأبِي سُفْيانَ. قالَ: والصَّوابُ ما قالَهُ الجُمْهُورُ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في غَزْوَةِ حَمْراءِ الأسَدِ. انْتَهى كَلامُهُ. والكَلامُ في هَذِهِ الآيَةِ مَبْنِيٌّ عَلى الخِلافِ في قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [آل عمران: ١٧٢] وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عِنْدَ ذِكْرِ تَفْسِيرِها. وفَرَّقَ بَعْضُهم بَيْنَ الِانْقِلابِ والرُّجُوعِ، بِأنَّ الِانْقِلابَ صَيْرُورَةُ الشَّيْءِ إلى خِلافِ ما كانَ عَلَيْهِ. قالَ: ويُوَضِّحُ هَذا أنَّكَ تَقُولُ: انْقَلَبَتِ الخَمْرُ خَلًّا، ولا تَقُولُ: رَجَعَتِ الخَمْرُ خَلًّا. انْتَهى كَلامُهُ، وفي ذَلِكَ نَظَرٌ. وقِيلَ: النِّعْمَةُ الأجْرُ. قالَهُ مُجاهِدٌ. وقِيلَ: العافِيَةُ والنَّصْرُ. قالَهُ الزَّجّاجُ. قِيلَ: والفَضْلُ رِبْحُ التِّجارَةِ. قالَهُ مُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ، والزُّهْرِيُّ. وتَقَدَّمَ حِكايَةُ هَذا القَوْلِ عَنْ مُجاهِدٍ. وقِيلَ: أصابُوا سَرِيَّةً بِالصَّفْراءِ فَرُزِقُوا مِنها. قالَهُ مُقاتِلٌ. وقِيلَ: الثَّوابُ. ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ”﴿لَمْ يَمْسَسْهم سُوءٌ﴾“ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ سالِمِينَ. و”بِنِعْمَةٍ“ حالٌ أيْضًا؛ لِأنَّ الباءَ فِيهِ باءُ المُصاحَبَةِ، أيِ انْقَلَبُوا مُتَنَعِّمِينَ سالِمِينَ. والجُمْلَةُ الحالِيَّةُ المَنفِيَّةُ بِلَمِ المُشْتَمِلَةِ عَلى ضَمِيرِ ذِي الحالِ، يَجُوزُ دُخُولُ الواوِ عَلَيْها، وعَدَمُ دُخُولِها. فَمِنَ الأوَّلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣]، وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎لا تَأْخُذَنِّي بِأقْوالِ الوُشاةِ ولَمْ أُذْنِبْ وإنْ كَثُرَتْ فِيَّ الأقاوِيلُ ومِنَ الثّانِي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] وقَوْلُ قَيْسِ بْنِ الأسْلَتِ: ؎وأضْرِبُ القَوْنَسَ يَوْمَ الوَغى ∗∗∗ بِالسَّيْفِ لَمْ يَقْصُرْ بِهِ باعِي ووَهِمَ الأُسْتاذُ أبُو الحَسَنِ بْنُ خَرُوفٍ في ذَلِكَ فَزَعَمَ أنَّها إذا كانَتِ الجُمْلَةُ ماضِيَةً مَعْنًى لا لَفْظًا احْتاجَتْ إلى الواوِ كانَ فِيها ضَمِيرًا، ولَمْ يَكُنْ فِيها. والمُسْتَعْمَلُ في لِسانِ العَرَبِ ما ذَكَرْناهُ. واتِّباعُهم رِضْوانَ اللَّهِ هو بِخُرُوجِهِمْ إلى العَدُوِّ، وجَراءَتِهِمْ، وطَواعِيَّتِهِمْ لِلرَّسُولِ ﷺ . وخَتَمَها بِقَوْلِهِ: ”﴿واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾“، مُناسِبٌ لِقَوْلِهِ: ﴿بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ﴾ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالتَّيْسِيرِ والتَّوْفِيقِ في ما فَعَلُوهُ، وفي ذَلِكَ تَحْسِيرٌ لِمَن تَخَلَّفَ عَنِ الخُرُوجِ حَيْثُ حَرَمُوا أنْفُسَهم ما فازَ بِهِ هَؤُلاءِ مِنَ الثَّوابِ في الآخِرَةِ والثَّناءِ الجَمِيلِ في الدُّنْيا. ورُوِيَ أنَّهم قالُوا: هَلْ يَكُونُ هَذا غَزْوًا ؟ فَأعْطاهُمُ اللَّهُ تَعالى ثَوابَ الغَزْوِ، ورَضِيَ عَنْهم. وهَذِهِ عاقِبَةُ تَفْوِيضِ أمْرِهِمْ إلَيْهِ تَعالى، جازاهم بِنِعْمَتِهِ، وفَضْلِهِ، وسَلامَتِهِمْ واتِّباعِهِمْ رِضاهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب