الباحث القرآني
﴿أفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَن باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ومَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ المَصِيرُ﴾: هَذا الِاسْتِفْهامُ مَعْناهُ النَّفْيُ، أيْ لَيْسَ مَنِ اتَّبَعَ رِضا اللَّهِ فامْتَثَلَ أوامِرَهُ واجْتَنَبَ مَناهِيهِ كَمَن عَصاهُ فَباءَ بِسَخَطِهِ، وهَذا مِنَ الِاسْتِعارَةِ البَدِيعِيَّةِ، جَعَلَ ما شَرَعَهُ اللَّهُ كالدَّلِيلِ الَّذِي يَتْبَعُهُ مَن يَهْتَدِي بِهِ، وجَعَلَ العاصِيَ كالشَّخْصِ الَّذِي أُمِرَ بِأنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا عَنِ اتِّباعِهِ ورَجَعَ مَصْحُوبًا بِما (p-١٠٢)يُخالِفُ الِاتِّباعَ. وفي الآيَةِ مِن حَيْثُ المَعْنى حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: أفَمَنِ اتَّبَعَ ما يَئُولُ بِهِ إلى رِضا اللَّهِ عَنْهُ، فَباءَ بِرِضاهُ كَمَن لَمْ يَتَّبِعْ ذَلِكَ فَباءَ بِسَخَطِهِ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والضَّحّاكُ والجُمْهُورُ: أفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ فَلَمْ يَغُلَّ كَمَن باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ حِينَ غَلَّ. وقالَ الزَّجّاجُ: أفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ بِاتِّباعِ الرَّسُولِ يَوْمَ أُحُدٍ، كَمَن باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ بِتَخَلُّفِهِ وهم جَماعَةٌ مِنَ المُنافِقِينَ. وقالَ الزَّجّاجُ أيْضًا: رِضْوانُ اللَّهِ الجِهادُ، والسُّخْطُ الفِرارُ. وقِيلَ: رِضا اللَّهِ طاعَتُهُ، وسُخْطُهُ عِقابُهُ. وقِيلَ: سُخْطُهُ مَعْصِيَتُهُ، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ. ويَعْسُرُ ما يَزْعُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن تَقْدِيرِ مَعْطُوفٍ بَيْنَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ وبَيْنَ حَرْفِ العَطْفِ في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ، وتَقْدِيرُهُ مُتَكَلَّفٌ جِدًّا فِيهِ، رَجَحَ إذْ ذاكَ مَذْهَبُ الجُمْهُورِ مِن أنَّ الفاءَ مَحَلُّها قَبْلَ الهَمْزَةِ، لَكِنْ قُدِّمَتِ الهَمْزَةُ؛ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَهُ صَدْرُ الكَلامِ. وتَقَدَّمَ اخْتِلافُ القُرّاءِ في ”رِضْوانَ“ في أوائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ، والظّاهِرُ اسْتِئْنافٌ.
﴿ومَأْواهُ جَهَنَّمُ﴾: أخْبَرَ أنَّ مَن باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ فَمَكانُهُ الَّذِي يَأْوِي إلَيْهِ هو جَهَنَّمُ، وأفْهَمَ هَذا أنَّ مُقابِلَهُ وهو مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ مَأْواهُ الجَنَّةُ. ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ في صِلَةِ ”مَن“ فَوَصَلَها بِقَوْلِهِ: ”باءَ“ . وبِهَذِهِ الجُمْلَةِ كانَ المَعْنى: كَمَن باءَ بِسَخَطِ اللَّهِ وآلَ إلى النّارِ. وبِئْسَ المَصِيرُ: أيْ جَهَنَّمَ.
﴿هم دَرَجاتٌ﴾: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ: لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِنَ الجَنَّةِ والنّارِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ كَقَوْلِهِ: هم طَبَقاتٌ. وقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ: أيْ ذَوُو دَرَجاتٍ، فَإنَّ بَعْضَ المُؤْمِنِينَ أفْضَلُ مِن بَعْضٍ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى الغالِّ وتارِكِ الغُلُولِ، والدَّرَجَةُ: الرُّتْبَةُ. وقالَ الرّازِيُّ: تَقْدِيرُهُ: لَهم دَرَجاتٌ. قالَ بَعْضُ المُصَنِّفِينَ رادًّا عَلَيْهِ: اتَّبَعَ الرّازِيُّ في ذَلِكَ أكْثَرَ المُفَسِّرِينَ بِجَهْلِهِ وجَهْلِهِمْ بِلِسانِ العَرَبِ؛ لِأنَّ حَذْفَ لامِ الجَرِّ هُنا لا مَساغَ لَهُ؛ لِأنَّهُ إنَّما تُحْذَفُ لامُ الجَرِّ في مَواضِعِ الضَّرُورَةِ، أوْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ، وهَذا لَيْسَ مِن تِلْكَ المَواضِعِ. عَلى أنَّ المَعْنى دُونَ حَذْفِها حَسَنٌ مُتَمَكِّنٌ جِدًّا؛ لِأنَّهُ لَمّا قالَ: أفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَن باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ، وكَأنَّهُ مُنْتَظِرٌ لِلْجَوابِ، قِيلَ لَهُ في الجَوابِ: لا، لَيْسُوا سَواءً، بَلْ هم دَرَجاتٌ (عِنْدَ اللَّهِ) عَلى حَسَبِ أعْمالِهِمْ. وهَذا مَعْنًى صَحِيحٌ لا يُحْتاجُ مَعَهُ إلى تَقْدِيرِ حَذْفِ اللّامِ لَوْ كانَ سائِغًا، كَيْفَ وهو غَيْرُ سائِغٍ. انْتَهى كَلامُ المُصَنِّفِ. ويَحْمِلُ تَفْسِيرُ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنِ أنَّ المَعْنى: لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِنَ الجَنَّةِ والنّارِ، عَلى تَفْسِيرِ المَعْنى لا تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الإعْرابِيِّ. والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِمْ: هم دَرَجاتٌ، أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ عَلى الجَمِيعِ، فَهم مُتَفاوِتُونَ في الثَّوابِ والعِقابِ، وقَدْ جاءَ التَّفاوُتُ في العَذابِ كَما جاءَ التَّفاوُتُ في الثَّوابِ. ومَعْنى عِنْدَ اللَّهِ عَلى هَذا القَوْلِ: في حُكْمِ اللَّهِ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلى أهْلِ الرِّضْوانِ، فَيَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ مَعْناها التَّشْرِيفُ والمَكانَةُ لا المَكانُ. كَقَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٥] والدَّرَجاتُ إذْ ذاكَ مَخْصُوصَةٌ بِالجَنَّةِ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ ابْنِ جُبَيْرٍ وأبِي صالِحٍ ومُقاتِلٍ، وظاهِرُ ما قالَهُ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ. والدَّرَجاتُ المَنازِلُ بَعْضُها أعْلى مِن بَعْضٍ مِنَ المَسافَةِ أوْ في التَّكْرِمَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ”دَرَجاتٌ“، فَهي مُطابِقَةٌ لِلَفْظِ ”هم“ . وقَرَأ النَّخَعِيُّ دَرَجَةً بِالإفْرادِ.
﴿واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾: أيْ عالِمٌ بِأعْمالِهِمْ ودَرَجاتِها، فَمُجازِيهِمْ عَلى حَسَبِها. وتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ الطِّباقَ في: يَنْصُرُكم ويَخْذُلُكم، وفي رِضْوانِ اللَّهِ وبِسَخَطٍ. والتَّكْرارُ في: يَنْصُرُكم ويَنْصُرُكم، وفي الجَلالَةِ في مَواضِعَ. والتَّجْنِيسُ المُماثِلُ: في يَغُلُّ وما غَلَّ. والِاسْتِفْهامُ الَّذِي مَعْناهُ في: ”﴿أفَمَنِ اتَّبَعَ﴾“ الآيَةَ. والِاخْتِصاصُ في: فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ، وفي: وما كانَ لِنَبِيٍّ، وفي: بِما يَعْمَلُونَ، خُصَّ العَمَلُ دُونَ القَوْلِ؛ لِأنَّ العَمَلَ جُلُّ ما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الجَزاءُ. والحَذْفُ في عِدَّةِ مَواضِعَ.
{"ayahs_start":162,"ayahs":["أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَ ٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَاۤءَ بِسَخَطࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ","هُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"هُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق