الباحث القرآني
﴿إذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلى أحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكم في أُخْراكم فَأثابَكم غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكم ولا ما أصابَكم واللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ ﴿ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكم مِن بَعْدِ الغَمِّ أمَنَةً نُعاسًا يَغْشى طائِفَةً مِنكم وطائِفَةٌ قَدْ أهَمَّتْهم أنْفُسُهم يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ في أنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا ها هُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ في بُيُوتِكم لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إلى مَضاجِعِهِمْ ولِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدُورِكم ولِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكم واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكم يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ولَقَدْ عَفا اللَّهُ عَنْهم إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٥٥] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كالَّذِينَ كَفَرُوا وقالُوا لِإخْوانِهِمْ إذا ضَرَبُوا في الأرْضِ أوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً في قُلُوبِهِمْ واللَّهُ يُحْيِي ويُمِيتُ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٥٦] ﴿ولَئِنْ قُتِلْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ أوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٧] ﴿ولَئِنْ مُتُّمْ أوْ قُتِلْتُمْ لَإلى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٨] ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهم ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فاعْفُ عَنْهم واسْتَغْفِرْ لَهم وشاوِرْهم في الأمْرِ فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] ﴿إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكم وإنْ يَخْذُلْكم فَمَن ذا الَّذِي يَنْصُرُكم مِن بَعْدِهِ وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٠] ﴿وما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَغُلَّ ومَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦١] ﴿أفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَن باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ومَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ [آل عمران: ١٦٢] ﴿هم دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٣] .
(p-٨١)الإصْعادُ: ابْتِداءُ السَّفَرِ، والمَخْرَجُ. والصُّعُودُ: مَصْدَرُ صَعِدَ، رَقى مِن سُفْلٍ إلى عُلُوٍّ، قالَهُ الفَرّاءُ، وأبُو حاتِمٍ، والزَّجّاجُ. وقالَ القُتَبِيُّ: أصْعَدَ: أبْعَدَ في الذَّهابِ، فَكَأنَّهُ إبْعادٌ كَإبْعادِ الِارْتِفاعِ. قالَ:
؎ألا أيُّهَذا السّائِلِي أيْنَ صَعِدْتَ فَإنَّ لَها في أرْضِ يَثْرِبَ مَوْعِدا
وأنْشَدَ أبُو عُبَيْدَةَ:
؎قَدْ كُنْتَ تُبْكِينِي عَلى الإصْعادِ ∗∗∗ فاليَوْمَ سَرَحْتُ وصاحَ الحادِي
وقالَ المُفَضَّلُ: صَعِدَ، وأصْعَدَ، وصَعَدَ بِمَعْنًى واحِدٍ. والصَّعِيدُ: وجْهُ الأرْضِ. وصَعَدَةٌ: اسْمٌ مِن أسْماءِ الأرْضِ. وأصْعَدَ: مَعْناهُ دَخَلَ في الصَّعِيدِ.
فاتَ الشَّيْءُ: أعْجَزَ إدْراكُهُ، وهو مُتَعَدٍّ، ومَصْدَرُهُ: فَوْتٌ، وهو قِياسُ فِعْلِ المُتَعَدِّي.
النُّعاسُ: النَّوْمُ الخَفِيفُ. يُقالُ: نَعِسَ يَنْعَسُ نُعاسًا فَهو ناعِسٌ، ولا يُقالُ: نَعْسانُ. وقالَ الفَرّاءُ: قَدْ سَمِعْتُها، ولَكِنِّي لا أشْتَهِيها.
المَضْجَعُ: المَكانُ الَّذِي يُتَّكَأُ فِيهِ لِلنَّوْمِ، ومِنهُ: ﴿واهْجُرُوهُنَّ في المَضاجِعِ﴾ [النساء: ٣٤] والمَضاجِعُ: المَصارِعُ، وهي أماكِنُ القَتْلِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِضَجْعَةِ المَقْتُولِ فِيها.
الغَزْوُ: القَصْدُ وكَذَلِكَ المَغْزى، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلى قَصْدٍ مَخْصُوصٍ وهو الإيقاعُ بِالعَدُوِّ. وتَقُولُ: غَزا بَنِي فُلانٍ، أوْقَعَ بِهِمُ القَتْلَ والنَّهْبَ وما أشْبَهَ ذَلِكَ. وغُزًّى: جَمْعُ غازٍ، كَعافٍ وعَفا. وقالُوا: غُزّاءٌ بِالمَدِّ. وكِلاهُما لا يَنْقاسُ. أجْرى جَمْعَ فاعِلِ الصِّفَةِ مِنَ المُعْتَلِّ اللّامِ مَجْرى صَحِيحِها، كَرُكَّعٍ وصُوّامٍ. والقِياسُ: فُعَلَةٌ كَقاضٍ وقُضاةٍ. ويُقالُ: أغْزَتِ النّاقَةُ: عَسُرَ لَقاحُها. وأتانٌ مُغْزِيَةٌ: تَأخَّرَ نِتاجُها ثُمَّ تُنْتِجُ.
يُقالُ: لِأنَّ الشَّيْءَ يَلِينُ، فَهو لَيِّنٌ. والمَصْدَرُ: لِينٌ ولَيانٌ بِفَتْحِ اللّامِ، وأصْلُهُ في الجِرْمِ، وهو نُعُومَتُهُ وانْتِفاءُ خُشُونَتِهِ، ولا يُدْرَكُ إلّا بِاللَّمْسِ. ثُمَّ تَوَسَّعُوا ونَقَلُوهُ إلى المَعانِي.
الفَظاظَةُ: الجَفْوَةُ في المُعاشَرَةِ قَوْلًا وفِعْلًا. قالَ الشّاعِرُ في ابْنَةٍ لَهُ:
؎أخْشى فَظاظَةَ عَمٍّ أوْ جَفاءَ أخٍ ∗∗∗ وكُنْتُ أخْشى عَلَيْها مِن أذى الكَلِمِ
الغِلَظُ: أصْلُهُ في الجِرْمِ، وهو تَكَثُّرُ أجْزائِهِ. ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ في قِلَّةِ الِانْفِعالِ والإشْفاقِ والرَّحْمَةِ، كَما قالَ:
؎يَبْكِي عَلَيْنا ولا نَبْكِي عَلى أحَدٍ ∗∗∗ لَنَحْنُ أغْلَظُ أكْبادًا مِنَ الإبِلِ
الِانْفِضاضُ: التَّفَرُّقُ. وفَضَضْتُ الشَّيْءَ كَسَرْتُهُ، وهو تَفْرِقَةُ أجْزائِهِ.
الخَذْلُ والخِذْلانُ: هو التَّرْكُ في مَوْضِعٍ يُحْتاجُ فِيهِ إلى التّارِكِ. وأصْلُهُ: مِن خَذْلِ الظَّبْيِ؛ ولِهَذا قِيلَ لَها: خاذِلٌ إذا تَرَكَتْها أُمُّها. وهَذا عَلى النَّسَبِ، أيْ ذاتُ خَذْلٍ؛ لِأنَّ المَتْرُوكَةَ هي الخاذِلُ بِمَعْنى مَخْذُولَةٍ، ويُقالُ: خاذِلَةٌ. قالَ الشّاعِرُ:
؎بِجِيدِ مُغْزِلَةٍ أدْماءَ خاذِلَةٍ ∗∗∗ مِنَ الظِّباءِ تُراعِي شادِنًا خَرِقا
ويُقالُ أيْضًا لَها: خَذُولٌ فَعُولٌ، بِمَعْنى مَفْعُولٍ. قالَ:
؎خَذُولٌ تُراعِي رَبْرَبًا بِخَمِيلَةٍ ∗∗∗ تَناوَلُ أطْرافَ البَرِيدِ وتَرْتَدِي
الغُلُولُ: أخْذُ المالِ مِنَ الغَنِيمَةِ في خَفاءٍ. والفِعْلُ مِنهُ غَلَّ يَغُلُّ بِضَمِّ الغَيْنِ. والغِلُّ: الضَّغَنُ، والفِعْلُ مِنهُ غَلَّ يَغِلُّ بِكَسْرِ الغَيْنِ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: تَقُولُ العَرَبُ: أغَلَّ الرَّجُلُ إغْلالًا، خانَ في الأمانَةِ. قالَ النَّمِرُ:
؎جَزى اللَّهُ عَنِّي جَمْرَةَ بْنَ نَوْفَلٍ ∗∗∗ جَزاءَ مُغِلٍّ بِالأمانَةِ كاذِبِ
وقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: الغُلُولُ مَأْخُوذٌ مِنَ الغَلَلِ وهو الماءُ الجارِي في أُصُولِ الشَّجَرِ والرُّوحِ. ويُقالُ أيْضًا في الغُلُولِ: أغَلَّ إغْلالًا وأغَلَّ الحارِزُ، سَرَقَ شَيْئًا مِنَ اللَّحْمِ مَعَ الجِلْدِ. ويُقالُ: أغَلَّهُ، وجَدَهُ غالًّا، كَقَوْلِكَ: أبْخَلْتُهُ، وجَدْتَهُ بَخِيلًا. السُّخْطُ مَصْدَرُ سَخِطَ، جاءَ عَلى القِياسِ. ويُقالُ فِيهِ: السُّخْطُ بِضَمِّ السِّينِ وسُكُونِ الخاءِ. ويُقالُ: ماتَ فُلانٌ في سُخْطَةِ المَلِكِ، أيْ في سُخْطِهِ. والسُّخْطُ الكَراهَةُ المُفْرِطَةُ، ويُقابِلُهُ الرِّضا.
﴿إذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلى أحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكم في أُخْراكُمْ﴾ هَذِهِ الجُمَلُ الَّتِي تَضَمَّنَتِ (p-٨٢)التَّوْبِيخَ والعَتَبَ الشَّدِيدَ. إذْ هو تِذْكارٌ بِفِرارِ مَن فَرَّ وبالَغَ في الهَرَبِ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوهُ إلَيْهِ. فَمِن شِدَّةِ الفِرارِ واشْتِغالِهِ بِنَفْسِهِ وهو يَرُومُ نَجاتَها لَمْ يُصْغِ إلى دُعاءِ الرَّسُولِ، وهَذا مِن أعْظَمِ العَتَبِ، حَيْثُ فَرَّ والحالَةُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَدْعُوهُ إلَيْهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: تُصْعِدُونَ مُضارِعُ أصْعَدَ، والهَمْزَةُ في أصْعَدَ لِلدُّخُولِ. أيْ: دَخَلْتُمْ في الصَّعِيدِ، ذَهَبْتُمْ فِيهِ. كَما تَقُولُ: أصْبَحَ زَيْدٌ، أيْ دَخَلَ في الصَّباحِ. فالمَعْنى: إذْ تَذْهَبُونَ في الأرْضِ. وتُبَيِّنُ ذَلِكَ قِراءَةُ أُبَيٍّ: ”إذْ تُصْعِدُونَ في الوادِي“ . وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ واليَزِيدِيُّ: تُصْعِدُونَ مِن صَعِدَ في الجَبَلِ، إذا ارْتَقى إلَيْهِ. وقَرَأ أبُو حَيْرَةَ: ”تَصَعَّدُونَ“ مِن تَصَعَّدَ في السُّلَّمِ، وأصْلُهُ: تَتَصَعَّدُونْ، فَحُذِفَتْ إحْدى التّاءَيْنِ عَلى الخِلافِ في ذَلِكَ، أيْ تاءُ المُضارَعَةِ ؟ أمْ تاءُ تَفْعَلُ ؟ والجَمْعُ بَيْنَهُما أنَّهم أوَّلًا أصْعَدُوا في الوادِي لَمّا أرْهَقَهُمُ العَدْوُ، وصَعِدُوا في الجَبَلِ. وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وابْنُ كَثِيرٍ في رِوايَةِ شِبْلٍ: يَصْعَدُونَ ولا يَلْوُونَ بِالياءِ عَلى الخُرُوجِ مِنَ الخِطابِ إلى الغائِبِ. والعامِلُ في ”إذْ“: اذْكُرْ مَحْذُوفَةٌ، أوْ عَصَيْتُمْ، أوْ تَنازَعْتُمْ، أوْ فَشِلْتُمْ، أوْ عَفا عَنْكم، أوْ لِيَبْتَلِيَكم، أوْ صَرَفَكم، وهَذانِ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وما قَبْلَهُ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ. والثَّلاثَةُ قَبْلَهُ بَعِيدَةٌ لِطُولِ الفَصْلِ. والأوَّلُ جَيِّدٌ؛ لِأنَّ ما قَبْلَ ”إذْ“ جُمَلٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْها، فَلَيْسَ لَها تَعَلُّقٌ إعْرابِيٌّ بِما بَعْدَها، إنَّما تَتَعَلَّقُ بِهِ مِن حَيْثُ إنَّ السِّياقَ كُلَّهَ في قِصَّةٍ واحِدَةٍ. وتَعَلُّقُهُ بِصَرَفَكم جَيِّدٌ مِن حَيْثُ المَعْنى، وبِعَفا عَنْكم جَيِّدٌ مِن حَيْثُ القُرْبِ.
ومَعْنى ”﴿ولا تَلْوُونَ عَلى أحَدٍ﴾“: أيْ لا تَرْجِعُونَ لِأحَدٍ مِن شِدَّةِ الفِرارِ، لَوى بِكَذا: ذَهَبَ بِهِ، ولَوى عَلَيْهِ: كَرَّ عَلَيْهِ وعَطَفَ. وهَذا أشَدُّ في المُبالَغَةِ مِن قَوْلِهِ:
؎أخُو الجَهْدِ لا يَلْوِي عَلى مَن تَعَذَّرا
لِأنَّهُ في الآيَةِ نَفْيٌ عامٌّ، وفي هَذا نَفْيٌ خاصٌّ، وهو عَلى مَن تَعَذَّرا، وقالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةَ:
وهَلْ يَرُدُّ المُنْهَزِمَ شَيْءٌ
وقُرِئَ ”تَلْئُونَ“ بِإبْدالِ الواوِ هَمْزَةَ وذَلِكَ لِكَراهَةِ اجْتِماعِ الواوَيْنِ، وقِياسُ هَذِهِ الواوِ المَضْمُومَةِ أنْ لا تُبْدَلَ هَمْزَةً؛ لِأنَّ الضَّمَّةَ فِيها عارِضَةٌ، ومَتى وقَعَتِ الواوُ غَيْرَ أوَّلٍ وهي مَضْمُومَةٌ فَلا يَجُوزُ الإبْدالُ مِنها هَمْزَةً إلّا بِشَرْطَيْنِ أحَدُهُما: أنْ تَكُونَ الضَّمَّةُ لازِمَةً، الثّانِي: أنْ لا تَكُونَ يُمْكِنُ تَخْفِيفُها بِالإسْكانِ. مِثالُ ذَلِكَ: فَوُوجٌ وفَوُولٌ. وغَوُورٌ. فَهُنا يَجُوزُ فَئُوجٌ وقَئُولٌ وغَئُورٌ بِالهَمْزِ. ومِثْلُ كَوْنِها عارِضَةٌ: هَذا دُلُوكٌ. ومِثْلُ إمْكانِ تَخْفِيفِها بِالإسْكانِ: هَذا سُورٌ، ونُورٌ، جَمْعُ سُوارٍ ونُوارِ. فَإنَّكَ تَقُولُ فِيهِما: سُورٌ ونُورٌ. ونَبَّهَ بَعْضُ أصْحابِنا عَلى شَرْطٍ آخَرَ وهو لا بُدَّ مِنهُ، وهو: أنْ لا يَكُونَ مُدْغَمًا فِيها نَحْوَ: تَعُوذُ، فَلا يَجُوزُ فِيهِ تَعُؤْذُ بِإبْدالِ الواوِ المَضْمُومَةِ هَمْزَةً. وزادَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ شَرْطًا آخَرَ وهو: أنْ لا تَكُونَ الواوُ زائِدَةٌ نَحْوَ: التَّرَهْوُكُ، وهَذا الشَّرْطُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وقَرَأ الحَسَنُ: تَلُونَ، وخَرَّجُوها عَلى قِراءَةِ مَن هَمَزِ الواوِ، ونَقَلَ الحَرَكَةَ إلى اللّامِ، وحَذْفِ الهَمْزَةِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وحُذِفَتْ إحْدى الواوَيْنِ السّاكِنَتَيْنَ، وكانَ قَدْ قالَ في هَذِهِ القِراءَةِ: هي قِراءَةٌ مُتَرَكِّبَةٌ عَلى قِراءَةِ مَن هَمَزَ الواوَ المَضْمُومَةِ، ثُمَّ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الهَمْزَةِ إلى اللّامِ. انْتَهى. وهَذا كَلامٌ عَجِيبٌ تَخَيَّلَ هَذا الرَّجُلُ أنَّهُ قَدْ نُقِلَتِ الحَرَكَةُ إلى اللّامِ فاجْتَمَعَ واوانِ ساكِنانِ، إحْداهُما: الواوُ الَّتِي هي عَيْنُ الكَلِمَةِ، والأُخْرى: واوُ الضَّمِيرِ، فَحُذِفَتْ إحْدى الواوَيْنِ (p-٨٣)لِأنَّهُما ساكِنَتانِ، وهَذا قَوْلُ مَن لَمْ يُمْعِنْ في صِناعَةِ النَّحْوِ؛ لِأنَّها إذا كانَتْ مُتَرَكِّبَةً عَلى لُغَةِ مَن هَمَزَ الواوَ ثُمَّ نَقَلَ حَرَكَتَها إلى اللّامِ، فَإنَّ الهَمْزَةَ إذْ ذاكَ تُحْذَفُ، ولا يَلْتَقِي واوانِ ساكِنانِ. ولَوْ قالَ: اسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلى الواوِ؛ لِأنَّ الضَّمَّةَ كَأنَّها واوٌ، فَصارَ ذَلِكَ كَأنَّهُ جَمَعَ ثَلاثَ واواتٍ، فَتَنْقَلِبُ الضَّمَّةُ إلى اللّامِ، فالتَقى ساكِنانِ، فَحُذِفَتِ الأُولى مِنهُما، ولَمْ يُبْهِمْ في قَوْلِهِ إحْدى الواوَيْنِ لَأمْكَنَ ذَلِكَ في تَوْجِيهِ هَذِهِ القِراءَةِ الشّاذَّةِ، أمّا أنْ يَبْنِيَ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ عَلى لُغَةِ مَن هَمَزَ عَلى زَعْمِهِ، فَلا يُتَصَوَّرُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُضارِعَ ولِيَ وعُدِّيَ بِعَلى، عَلى تَضْمِينِ مَعْنى العَطْفِ. أيْ: لا تَعْطِفُونَ عَلى أحَدٍ. وقَرَأ الأعْمَشُ وأبُو بَكْرٍ في رِوايَةٍ عَنْ عاصِمٍ: ”تُلْوُونَ“ مِن ألْوى، وهي لُغَةٌ في لَوى. وظاهِرُ قَوْلِهِ: ”عَلى أحَدٍ“ العُمُومُ.
وقِيلَ: المُرادُ النَّبِيُّ ﷺ وعَبَّرَ بِـ ”أحَدٍ“ عَنْهُ تَعْظِيمًا لَهُ وصَوْنًا لِاسْمِهِ أنْ يُذْكَرَ عِنْدَ ذَهابِهِمْ عَنْهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والكَلْبِيُّ.
وقَرَأ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ ”عَلى أُحُدٍ“ بِضَمِّ الهَمْزَةِ والحاءِ، وهو الجَبَلُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والقِراءَةُ الشَّهِيرَةُ أقْوى؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ عَلى الجَبَلِ إلّا بَعْدَ ما فَرَّ النّاسُ عَنْهُ، وهَذِهِ الحالُ مِن إصْعادِهِمْ إنَّما كانَتْ وهو يَدْعُوهم. انْتَهى. وقالَ غَيْرُهُ: الخِطابُ فِيهِ لِمَن أمْعَنَ في الهَرَبِ ولَمْ يَصْعَدِ الجَبَلَ عَلى مَن صَعِدَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ أرادَ بِقَوْلِهِ: ولا تَلْوُونَ عَلى أُحُدٍ، أيْ مَن كانَ عَلى جَبَلِ أُحُدٍ، وهو النَّبِيُّ ﷺ ومَن مَعَهُ الَّذِينَ صَعِدُوا. وتَلْوُونَ هو مِن لَيِّ العُنُقِ؛ لِأنَّ مَن عَرَجَ عَلى الشَّيْءِ يَلْوِي عُنُقَهُ، أوْ عِنانَ دابَّتِهِ. والألِفُ واللّامُ في الرَّسُولِ لِلْعَهْدِ. ودُعاءُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رُوِيَ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: «إلَيَّ عِبادَ اللَّهِ» والنّاسُ يَفِرُّونَ عَنْهُ. ورُوِيَ: «أيْ عِبادَ اللَّهِ ارْجِعُوا» . قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وفي رِوايَةٍ: «ارْجِعُوا إلَيَّ فَإنِّي رَسُولُ اللَّهِ، مَن يَكِرُّ لَهُ الجَنَّةُ» وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ والرَّبِيعِ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وكانَ دُعاؤُهُ تَغْيِيرٌ لِلْمُنْكَرِ، ومُحالٌ أنْ يَرى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُنْكَرَ وهو الِانْهِزامُ ثُمَّ لا يَنْهى عَنْهُ.
ومَعْنى في أُخْراكم: أيْ في ساقَتِكم وجَماعَتِكُمُ الأُخْرى، وهي المُتَأخِّرَةُ. يُقالُ: جِئْتُ في آخِرِ النّاسِ وأُخْراهم، كَما تَقُولُ: في أوَّلِهِمْ وأُولاهم بِتَأْوِيلِ مُقَدِّمَتِهِمْ وجَماعَتِهِمُ الأُولى. وفي قَوْلِهِ: ”في أُخْراكم“ دَلالَةٌ عَظِيمَةٌ عَلى شَجاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإنَّ الوُقُوفَ عَلى أعْقابِ الشُّجْعانِ وهم فُرّارٌ والثَّباتُ فِيهِ إنَّما هو لِلْأبْطالِ الأنْجادِ، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أشْجَعَ النّاسِ. قالَ سَلَمَةُ: كُنّا إذا احْمَرَّ البَأْسُ اتَّقَيْناهُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
﴿فَأثابَكم غَمًّا بِغَمٍّ﴾: الفاعِلُ بِأثابَكم هو اللَّهُ تَعالى. وقالَ الفَرّاءُ: الإثابَةُ هُنا بِمَعْنى المُغالَبَةِ. انْتَهى. وسُمِّيَ الغَمُّ ثَوابًا عَلى مَعْنى أنَّهُ قائِمٌ في هَذِهِ النّازِلَةِ مَقامَ الثَّوابِ الَّذِي كانَ يَحْصُلُ لَوْلا الفِرارُ. فَهو نَظِيرُ قَوْلِهِ:
؎تَحِيَّــةٌ بَيْنَهُــمْ ضَــرْبٌ وجِيــعٌ
وقَوْلُهُ:
؎أخافَ زِيادًا أنْ يَكُونَ عَطاؤُهُ ∗∗∗ أداهِمَ سُودًا أوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرا
جَعَلَ القُيُودَ والسِّياطَ عَطاءً، ومُحَدْرَجَةٌ بِمَعْنى مُدَحْرَجَةٍ. والباءُ في ”بِغَمٍّ“ إمّا أنْ تَكُونَ لِلْمُصاحَبَةِ، أوْ لِلسَّبَبِ. فَإنْ كانَتْ لِلْمُصاحَبَةِ وهي الَّتِي عَبَّرَ بَعْضُهم عَنْها بِمَعْنى: مَعَ، والمَعْنى: غَمًّا مُصاحِبًا لِغَمٍّ - فَيَكُونُ الغَمّانِ إذْ ذاكَ لَهم، فالأوَّلُ هو ما أصابَهم مِنَ الهَزِيمَةِ والقَتْلِ، والثّانِي: إشْرافُ خالِدٍ بِخَيْلِ المُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُقاتِلٌ. وقِيلَ: الغَمُّ الأوَّلُ سَبَبُهُ فِرارُهُمُ الأوَّلُ، والثّانِي سَبَبُهُ فِرارُهم حِينَ سَمِعُوا أنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. قالَهُ مُجاهِدٌ. وقِيلَ: الأوَّلُ ما فاتَهم مِنَ الغَنِيمَةِ وأصابَهم مِنَ الجِراحِ والقَتْلِ. والثّانِي حِينَ سَمِعُوا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قُتِلَ، قالَهُ قَتادَةُ والرَّبِيعُ. وقِيلَ عَكْسُ هَذا التَّرْتِيبِ، وعَزاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ إلى قَتادَةَ ومُجاهِدٍ. وقِيلَ: الأوَّلُ ما فاتَهم مِنَ الغَنِيمَةِ والفَتْحِ. والثّانِي: إشْرافُ أبِي سُفْيانَ عَلَيْهِمْ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وقِيلَ: الأوَّلُ هو قَتْلُهم وجِراحُهم وكُلُّ ما جَرى في ذَلِكَ المَأْزِقِ. والثّانِي: إشْرافُ أبِي سُفْيانَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ ومَن كانَ مَعَهُ، قالَهُ السُّدِّيُّ ومُجاهِدٌ أيْضًا وغَيْرُهُما. وعَبَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ (p-٨٤)هَذا المَعْنى وهو اجْتِماعُ الغَمَّيْنِ لَهم بِقَوْلِهِ: غَمًّا بَعْدَ غَمٍّ، وغَمًّا مُتَّصِلًا بِغَمٍّ، مِنَ الِاغْتِمامِ بِما أُرْجِفَ بِهِ مِن قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والجُرْحِ، والقَتْلِ، وظَفَرِ المُشْرِكِينَ، وفَوْتِ الغَنِيمَةِ، والنَّصْرِ. انْتَهى كَلامُهُ. وقَوْلُهُ: غَمًّا بَعْدَ غَمٍّ تَفْسِيرٌ لِلْمَعْنى، لا تَفْسِيرُ إعْرابٍ؛ لِأنَّ الباءَ لا تَكُونُ بِمَعْنى بَعْدَ، وإنْ كانَ بَعْضُهم قَدْ ذَهَبَ إلى ذَلِكَ؛ ولِذَلِكَ قالَ بَعْضُهم: إنَّ المَعْنى غَمًّا عَلى غَمٍّ، فَيَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ عَلى تَفْسِيرِ المَعْنى، وإنْ كانَ بَعْضُهم قَدْ ذَهَبَ إلى ذَلِكَ. وإنْ كانَتِ الباءُ لِلسَّبَبِ وهي الَّتِي عَبَّرَ بَعْضُهم عَنْها أنَّها بِمَعْنى الجَزاءِ، فَيَكُونُ الغَمُّ الأوَّلُ لِلصَّحابَةِ. والثّانِي قالَ الحَسَنُ وغَيْرُهُ: مُتَعَلِّقُهُ المُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ. والمَعْنى: أثابَكم غَمًّا بِالغَمِّ الَّذِي أُوقِعَ عَلى أيْدِيكم بِالكُفّارِ يَوْمَ بَدْرٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فالباءُ عَلى هَذا باءُ مُعادِلَةٍ، كَما قالَ أبُو سُفْيانَ يَوْمَ بَدْرٍ: والحَرْبُ سِجالٌ. وقالَ قَوْمٌ مِنهُمُ الزَّجّاجُ، وتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: مُتَعَلِّقُهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، والمَعْنى: جازاكم غَمًّا بِسَبَبِ الغَمِّ الَّذِي أدْخَلْتُمُوهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وسائِرِ المُؤْمِنِينَ بِفَشَلِكم وتَنازُعِكم وعِصْيانِكم. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ في: فَأثابَكم لِلرَّسُولِ، أيْ فَآساكم في الِاغْتِمامِ، وكَما غَمَّكم ما نَزَلْ بِهِ مِن كَسْرِ الرَّباعِيَةِ والشَّجَّةِ وغَيْرِهِما غَمَّهُ ما نَزَلْ بِكم، فَأثابَكم عَمّا اغْتَمَّهُ لِأجْلِكم بِسَبَبِ غَمٍّ اغْتَمَمْتُمُوهُ لِأجْلِهِ، ولَمْ يَثُرْ بِكم عَلى عِصْيانِكم ومُخالَفَتِكم، وإنَّما فَعَلَ ذَلِكَ لِيُسْلِيَكم ويُنَفِّسَ عَنْكم؛ كَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكم مِن نَصْرِ اللَّهِ، ولا عَلى ما أصابَكم مِن غَلَبَةِ العَدُوِّ. انْتَهى كَلامُهُ. وهو خِلافُ الظّاهِرِ؛ لِأنَّ المُسْنَدَ إلَيْهِ الأفْعالُ السّابِقَةُ هو اللَّهُ تَعالى، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وعْدَهُ﴾ [آل عمران: ١٥٢] وقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ صَرَفَكم عَنْهم لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] ﴿ولَقَدْ عَفا عَنْكم واللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٥٢] فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ”فَأثابَكم“ مُسْنَدًا إلى اللَّهِ تَعالى. وذِكْرُ الرَّسُولِ إنَّما جاءَ في جُمْلَةٍ حالِيَّةٍ نَعى عَلَيْهِمْ فِرارَهم مَعَ كَوْنِ مَنِ اهْتَدَوْا عَلى يَدِهِ يَدْعُوهم، فَلَمْ يَجِئْ مَقْصُودًا لِأنْ يُحَدَّثَ عَنْهُ، إنَّما الجُمْلَةُ الَّتِي ذُكِرَ فِيها في تَقْدِيرِ المُفْرَدِ؛ إذْ هي حالٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ”فَأثابَكم“ عَطْفٌ عَلى ”صَرَفَكم“ . انْتَهى، وفِيهِ بُعْدٌ؛ لِطُولِ الفَصْلِ بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ”﴿تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ﴾“؛ لِأنَّهُ مُضارِعٌ في مَعْنى الماضِي؛ لِأنَّ ”إذْ“ تَصْرِفُ المُضارِعَ إلى الماضِي، إذْ هي ظَرْفٌ لِما مَضى. والمَعْنى: إذْ صَعِدْتُمْ وما لَوَيْتُمْ عَلى أحَدٍ فَأثابَكم.
﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكم ولا ما أصابَكُمْ﴾: اللّامُ لامُ كَيْ، وتَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: فَأثابَكم. فَقِيلَ: ”لا“ زائِدَةٌ؛ لِأنَّهُ لا يَتَرَتَّبُ عَلى الِاغْتِمامِ انْتِفاءُ الحُزْنِ. فالمَعْنى: عَلى أنَّهُ غَمَّهم لِيُحْزِنَهم عُقُوبَةً لَهم عَلى تَرْكِهِمْ مُوافَقَتِهِمْ. قالَهُ (p-٨٥)أبُو البَقاءِ وغَيْرُهُ. وتَكُونُ كَهي في قَوْلِهِ: ﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ﴾ [الحديد: ٢٩] إذْ تَقْدِيرُهُ: لِأنْ يَعْلَمَ. ويَكُونُ أعْلَمَهم بِذَلِكَ تَبْكِيتًا لَهم، وزَجْرًا أنْ يَعُودُوا لِمِثْلِهِ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ ”لا“ ثابِتَةٌ عَلى مَعْناها مِنَ النَّفْيِ. واخْتَلَفُوا في تَعْلِيلِ الإثابَةِ بِانْتِفاءِ الحُزْنِ عَلى ما ذُكِرَ. فَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ”﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا﴾“ لِتَتَمَرَّنُوا عَلى تَجَرُّعِ الغُمُومِ، وتُضْرَوْا بِاحْتِمالِ الشَّدائِدِ، فَلا تَحْزَنُوا فِيما بَعْدُ عَلى فائِتٍ مِنَ المَنافِعِ، ولا عَلى مُصِيبٍ مِنَ المَضارِّ. انْتَهى. فَجَعَلَ العِلَّةَ في الحَقِيقَةِ ثُبُوتِيَّةً، وهي التَّمَرُّنُ عَلى تَجَرُّعِ الغُمُومِ والِاعْتِيادِ لِاحْتِمالِ الشَّدائِدِ، ورَتَّبَ عَلى ذَلِكَ انْتِفاءَ الحُزْنِ، وجَعَلَ ظَرْفَ الحُزْنِ هو مُسْتَقْبَلٌ لا تَعَلُّقَ بِهِ بِقِصَّةِ أُحُدٍ، بَلْ لِيَنْتَفِيَ الحُزْنُ عَنْكم بَعْدَ هَذِهِ القِصَّةِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: المَعْنى لِتَعْلَمُوا أنَّ ما وقَعَ بِكم إنَّما هو بِجِنايَتِكم، فَأنْتُمْ آذَيْتُمْ أنْفُسَكم. وعادَةُ البَشَرِ أنَّ جانِيَ الذَّنْبِ يَصْبِرُ لِلْعُقُوبَةِ، وأكْثَرُ قَلَقِ المُعاقَبِ وحُزْنِهِ إنَّما وقَعَ هو مَعَ ظَنِّهِ البَراءَةَ بِنَفْسِهِ. انْتَهى. وهَذا تَفْسِيرٌ مُخالِفٌ لِتَفْسِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ.
ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ قَوْلَهُ: ”﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا﴾“ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ عَفا عَنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢]، ويَكُونُ اللَّهُ أعْلَمَهم بِذَلِكَ تَسْلِيَةً لِمَصابِهِمْ وعِوَضًا لَهم عَنْ ما أصابَهم مِنَ الغَمِّ؛ لِأنَّ عَفْوَهُ يُذْهِبُ كُلَّ غَمٍّ. وفِيهِ بُعْدٌ لِطُولِ الفَصْلِ؛ ولِأنَّ ظاهِرَهُ تَعَلُّقُهُ بِمُجاوِرِهِ وهو فَأثابَكم.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: والَّذِي فاتَهم مِنَ الغَنِيمَةِ، والَّذِي أصابَهم مِنَ الفَشَلِ والهَزِيمَةِ، ومِمّا تَحْتَمِلُهُ الآيَةُ أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ إصْعادَهم وفِرارَهم مُجِدِّينَ في الهَرَبِ في حالِ دُعاءِ الرَّسُولِ ﷺ إلَيْهِ بِالرُّجُوعِ عَنِ الهَرَبِ والِانْحِيازِ إلى فِئَتِهِ، كانَ الجِدُّ في الهَرَبِ سَبَبًا لِاتِّصالِ الغُمُومِ بِهِمْ، وشُغْلُهم بِأنْفُسِهِمْ طَلَبًا لِلنَّجاةِ مِنَ المَوْتِ، فَصارَ ذَلِكَ أيْ: شُغْلُهم بِأنْفُسِهِمْ واغْتِمامُهُمُ المُتَّصِلُ بِهِمْ مِن جِهَةِ خَوْفِ القَتْلِ سَبَبًا لِانْتِفاءِ الحُزْنِ عَلى فائِتٍ مِنَ الغَنِيمَةِ ومُصابٍ مِنَ الجِراحِ والقَتْلِ لِإخْوانِهِمْ، كَأنَّهُ قِيلَ: صارُوا في حالَةٍ مِنِ اغْتِمامِهِمْ واهْتِمامِهِمْ بِنَجاةِ أنْفُسِهِمْ بِحَيْثُ لا يَخْطُرُ لَهم بِبالٍ حُزْنٌ عَلى شَيْءٍ فايِتٍ ولا مُصابٍ وإنْ جَلَّ، فَقَدْ شَغَلَهم بِأنْفُسِهِمْ لِيَنْتَفِيَ الحُزْنُ مِنهم.
﴿واللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَقْتَضِي تَهْدِيدًا، وخَصَّ العَمَلَ هُنا وإنْ كانَ تَعالى خَبِيرًا بِجَمِيعِ الأحْوالِ مِنَ الأعْمالِ والأقْوالِ والنِّيّاتِ - تَنْبِيهًا عَلى أعْمالِهِمْ مِن تَوْلِيَةِ الأدْبارِ والمُبالَغَةِ في الفِرارِ، وهي أعْمالٌ تُخْشى عاقِبَتُها وعِقابُها.
{"ayah":"۞ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ وَٱلرَّسُولُ یَدۡعُوكُمۡ فِیۤ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَـٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمࣲّ لِّكَیۡلَا تَحۡزَنُوا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَاۤ أَصَـٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق