الباحث القرآني
﴿وما كانَ قَوْلَهم إلّا أنْ قالُوا رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وإسْرافَنا في أمْرِنا وثَبِّتْ أقْدامَنا وانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾: لَمّا ذَكَرَ ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الجَلَدِ والصَّبْرِ وعَدَمِ الوَهْنِ والِاسْتِكانَةِ لِلْعَدُوِّ، وذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الأفْعالِ النَّفْسانِيَّةِ الَّتِي يَظْهَرُ أثَرُها عَلى الجَوارِحِ، ذَكَرَ ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الإنابَةِ والِاسْتِغْفارِ والِالتِجاءِ إلى اللَّهِ تَعالى بِالدُّعاءِ، وحَصَرَ قَوْلَهم في ذَلِكَ القَوْلِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهم مَلْجَأٌ ولا مَفْزَعٌ إلّا إلى اللَّهِ تَعالى، ولا قَوْلٌ إلّا هَذا القَوْلٌ، لا ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الِاضْطِرابِ واخْتِلافِ الأقْوالِ، فَمِن قائِلٍ: نَأْخُذُ أمانًا مِن أبِي سُفْيانَ، ومِن قائِلٍ: نَرْجِعُ إلى دِينِنا، ومِن قائِلٍ ما قالَ حِينَ فَرَّ. وهَؤُلاءِ قَدْ فُجِعُوا بِمَوْتِ نَبِيِّهِمْ أوْ رِبِّيِّيهِمْ، لَمْ يَهِنُوا، بَلْ صَبَرُوا وقالُوا هَذا القَوْلَ، وهم رِبِّيُّونَ أحْبارٌ؛ هَضْمًا لِأنْفُسِهِمْ، وإشْعارًا أنَّ ما نَزَلْ مِن بَلايا الدُّنْيا إنَّما هو بِذُنُوبٍ مِنَ البَشَرِ، كَما كانَ في قِصَّةِ أُحُدٍ بِعِصْيانِ مَن عَصى.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ”قَوْلَهم“ بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ كانَ و”أنْ قالُوا“ في مَوْضِعِ الِاسْمِ، جَعَلُوا ما كانَ أعْرَفَ الِاسْمَ؛ لِأنَّ إنْ وصِلَتَها تَتَنَزَّلُ مَنزِلَةَ الضَّمِيرِ. و”قَوْلَهم“: مُضافٌ لِلضَّمِيرِ، يَتَنَزَّلُ مَنزِلَةَ العِلْمِ. وقَرَأتْ طائِفَةٌ مِنهم حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ فِيما ذَكَرَهُ الَمَهَدَوِيُّ بِرَفْعِ ”قَوْلِهِمْ“، جَعَلُوهُ اسْمَ كانَ، والخَبَرَ ”أنْ قالُوا“، والوَجْهانِ فَصِيحانِ، وإنْ كانَ الأوَّلُ أكْثَرُ. وقَدْ قُرِئَ: ”﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ [الأنعام: ٢٣]“ بِالوَجْهَيْنِ في السَّبْعَةِ، وقَدَّمَ طَلَبَ الِاسْتِغْفارِ عَلى طَلَبِ تَثْبِيتِ الأقْدامِ والنُّصْرَةِ؛ لِيَكُونَ طَلَبُهم ذَلِكَ إلى اللَّهِ عَنْ زَكاةٍ وطَهارَةٍ، فَيَكُونُ طَلَبُهُمُ التَّثْبِيتَ بِتَقْدِيمِ الِاسْتِغْفارِ حَرِيًّا بِالإجابَةِ، وذُنُوبُنا وإسْرافُنا مُتَقارِبانِ مِن حَيْثُ المَعْنى، فَجاءَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ.
وقِيلَ: الذُّنُوبُ ما دُونُ الكَبائِرِ، والإسْرافُ الكَبائِرُ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الذُّنُوبُ هي الخَطايا، وإسْرافُنا أيْ تَفْرِيطُنا. وقالَ الضَّحّاكُ: الذُّنُوبُ عامٌّ، والإسْرافُ في الأمْرِ الكَبائِرُ خاصَّةً.
والأقْدامُ هُنا قِيلَ: حَقِيقَةٌ، دَعَوْا بِتَثْبِيتِ الأقْدامِ في مَواطِئِ الحَرْبِ ولِقاءِ العَدُوِّ كَيْ لا تَزُلْ. وقِيلَ: المَعْنى: شَجِّعْ قُلُوبَنا عَلى لِقاءِ العَدُوِّ. وقِيلَ: ثَبِّتْ قُلُوبَنا عَلى دِينِكَ. والأحْسَنُ حَمْلُهُ عَلى الحَقِيقَةِ؛ لِأنَّهُ مِن مَظانِّها. وثُبُوتُ القَدَمِ في الحَرْبِ لا يَكُونُ إلّا مِن ثُبُوتِ صاحِبِها في الدِّينِ. وكَثِيرًا ما جاءَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ دائِرَةً في الحَرْبِ ومَعَ النُّصْرَةِ كَقَوْلِهِ: ”﴿أفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا وثَبِّتْ أقْدامَنا وانْصُرْنا﴾ [البقرة: ٢٥٠]“ ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكم ويُثَبِّتْ أقْدامَكُمْ﴾ [محمد: ٧] وقِيلَ: اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا في المُخالَفَةِ، وإسْرافَنا في الهَزِيمَةِ، وثَبِّتْ أقْدامَنا بِالمُصابَرَةِ، وانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ بِالمُجاهَدَةِ.
قالَ ابْنُ فُورَكٍ: في هَذا الدُّعاءِ رَدٌّ عَلى القَدَرِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّهَ لا يَخْلُقُ أفْعالَ العَبْدِ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ لَمْ يَسُغْ أنْ يُدْعى فِيما لَمْ يَفْعَلْهُ، وفي هَذا دَلِيلٌ عَلى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعاءِ عِنْدَ لِقاءِ العَدُوِّ، وأنْ يَدْعُوَ بِهَذا الدُّعاءِ المُعَيَّنِ. وقَدْ جاءَ في القُرْآنِ أدْعِيَةٌ (p-٧٦)أعْقَبَ اللَّهُ بِالإجابَةِ فِيها.
{"ayah":"وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِیۤ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق