الباحث القرآني

﴿ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ يُطَهِّرَهم مِنَ الذُّنُوبِ، ويُخَلِّصَهم مِنَ العُيُوبِ، ويُصَفِّيهِمْ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ ومُقاتِلٌ وابْنُ قُتَيْبَةَ في آخَرِينَ: التَّمْحِيصُ: الِابْتِلاءُ والِاخْتِبارُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎رَأيْتُ فُضَيْلًا كانَ شَيْئًا مُلَفَّفًا فَكَشَفَهُ التَّمْحِيصُ حَتّى بَدا لِيا وقالَ الزَّجّاجُ: التَّنْقِيَةُ والتَّخْلِيصُ، وذَكَرَهُ عَنِ المُبَرِّدِ وعَنِ الخَلِيلِ. وقِيلَ: التَّطْهِيرُ. وقالَ الفَرّاءُ: هو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ ذُنُوبَ الَّذِينَ آمَنُوا. ﴿ويَمْحَقَ الكافِرِينَ﴾ أيْ يُهْلِكَهم شَيْئًا فَشَيْئًا. والمَعْنى: أنَّ الدَّوْلَةَ إنْ كانَتْ لِلْكافِرِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ كانَتْ سَبَبًا لِتَمْيِيزِ المُؤْمِنِ مِن غَيْرِهِ، (p-٦٤)وسَبَبًا لِاسْتِشْهادِ مَن قُتِلَ مِنهم، وسَبَبًا لِتَطْهِيرِ المُؤْمِنِ مِنَ الذَّنْبِ. فَقَدْ جَمَعَتْ فَوائِدَ كَثِيرَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وإنْ كانَ النَّصْرُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى الكافِرِينَ كانَ سَبَبًا لِمَحْقِهِمْ بِالكُلِّيَّةِ واسْتِئْصالِهِمْ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: يُنْقِصُهم ويُقَلِّلُهم، وقالَهُ الفَرّاءُ. وقالَ مُقاتِلٌ: يُذْهِبُ دَعْوَتَهم. وقِيلَ: يُحْبِطُ أعْمالَهم، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ، فَيَكُونُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ. والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالكافِرِينَ هُنا طائِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وهُمُ الَّذِينَ حارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِأنَّهُ تَعالى لَمْ يَمْحَقْ كُلَّ كافِرٍ، بَلْ كَثِيرٌ مِنهم باقٍ عَلى كُفْرِهِ. فَلَفْظَةُ الكافِرِينَ عامٌّ أُرِيدَ بِهِ الخُصُوصُ. قِيلَ: وقابَلَ تَمْحِيصَ المُؤْمِنِ بِمَحْقِ الكافِرِ؛ لِأنَّ التَّمْحِيصَ إهْلاكُ الذُّنُوبِ، والمَحْقُ إهْلاكُ النُّفُوسِ، وهي مُقابَلَةٌ لَطِيفَةٌ في المَعْنى. انْتَهى. وفي ذِكْرِ ما يَلْحَقُ المُؤْمِنَ عِنْدَ إدالَةِ الكُفّارِ تَسْلِيَةٌ لَهم وتَبْشِيرٌ بِهَذِهِ الفَوائِدِ الجَلِيلَةِ، وأنَّ تِلْكَ الإدالَةَ لَمْ تَكُنْ لِهَوانٍ بِهِمْ، ولا تَحُطُّ مِن أقْدارِهِمْ، بَلْ لِما ذَكَرَ تَعالى. وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ فُنُونًا مِنَ الفَصاحَةِ والبَدِيعِ والبَيانِ، مِن ذَلِكَ الِاعْتِراضُ في ”﴿واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]“، وفي ”﴿ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٣٥]“، وفي ”﴿واللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٧]“، وتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ في ”﴿إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٣]“، والتَّشْبِيهُ في ”﴿عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ﴾ [آل عمران: ١٣٣]“ . وقِيلَ: هَذِهِ اسْتِعارَةٌ وإضافَةُ الحُكْمِ إلى الأكْثَرِ في أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، وهي مُعَدَّةٌ لَهم ولِغَيْرِهِمْ مِنَ العُصاةِ. والطِّباقُ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ، وفي ”ولا تَهِنُوا“ و”الأعْلَوْنَ“؛ لِأنَّ الوَهَنَ والعُلُوَّ ضِدّانِ. وفي ”آمَنُوا“ و”الظّالِمِينَ“؛ لِأنَّ الظّالِمِينَ هُنا هُمُ الكافِرُونَ، وفي ”آمَنُوا“ و”يَمْحَقَ الكافِرِينَ“ . والعامُّ يُرادُ بِهِ الخاصُّ في: ”﴿والعافِينَ عَنِ النّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٤]“، يَعْنِي مَن ظَلَمَهم أوِ المَمالِيكَ. والتَّكْرارُ في: ”﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]“، ”﴿واتَّقُوا النّارَ﴾ [آل عمران: ١٣١]“، وفي: لَفْظِ الجَلالَةِ، وفي: ”﴿واللَّهُ يُحِبُّ﴾ [آل عمران: ١٣٤]“، و”﴿ذَكَرُوا اللَّهَ﴾ [آل عمران: ١٣٥]“، وفي: ”﴿ولِيَعْلَمَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠]“، ”﴿واللَّهُ لا يُحِبُّ﴾ [آل عمران: ٥٧]“، ”﴿ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ﴾“، وفي: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ، والَّذِينَ إذا فَعَلُوا. والِاخْتِصاصُ في: ”﴿يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]“، وفي: ”﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥]“، وفي: ”﴿عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧]“، وفي: ”مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ“، وفي: ”﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٥]“، وفي: ”﴿لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠]“، وفي: ”﴿ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾“، وفي: ”﴿ويَمْحَقَ الكافِرِينَ﴾“ . والِاسْتِعارَةُ في: ”فَسِيرُوا“، عَلى أنَّهُ مِن سَيْرِ الفِكْرِ لا القَدَمِ، وفي: ”﴿وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]“، إذا لَمْ تَكُنْ مِن عُلُوِّ المَكانِ، وفي: تِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها، وفي: ”ولِيُمَحِّصَ“، ”﴿ويَمْحَقَ﴾“، والإشارَةُ في هَذا بَيانٌ. وفي: ”﴿وتِلْكَ الأيّامُ﴾ [آل عمران: ١٤٠]“ . وإدْخالُ حَرْفِ الشَّرْطِ في الأمْرِ المُحَقَّقِ في: ”﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١]“، إذا عُلِّقَ عَلَيْهِ النَّهْيَ والحَذْفَ في عِدَّةِ مَواضِعَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب