﴿۞ وَسَارِعُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [آل عمران ١٣٣]
﴿وسارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكم وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ والكاظِمِينَ الغَيْظَ والعافِينَ عَنِ النّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] ﴿والَّذِينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا اللَّهُ ولَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وهم يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] ﴿أُولَئِكَ جَزاؤُهم مَغْفِرَةٌ مِن رَبِّهِمْ وجَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ونِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٦] ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكم سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأرْضِ فانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] ﴿هَذا بَيانٌ لِلنّاسِ وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨] ﴿ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنكم شُهَداءَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] ﴿ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١] الكَظْمُ: الإمْساكُ عَلى غَيْظٍ وغَمٍّ. والكَظِيمُ: المُمْتَلِئُ أسَفًا، وهو المَكْظُومُ. وقالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ:
فَحَضَضْتُ قَوْمِيَ واحْتَسَبْتُ قِتالَهم والقَوْمُ مِن خَوْفِ المَنايا كُظَّمُ
وكَظْمُ الغَيْظِ رَدَّهُ في الجَوْفِ إذا كانَ يَخْرُجُ مِن كَثْرَتِهِ، فَضَبْطُهُ ومَنعُهُ كَظْمٌ لَهُ. ويُقالُ: كَظَمَ القِرْبَةَ إذا شَدَّها وهي مَلْأى. والكِظامُ: السَّيْرُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ فَمُها. وكَظَمَ البَعِيرَ جَرَّتَهُ: رَدَّها في جَوْفِهِ، أوْ حَبَسَها قَبْلَ أنْ يُرْسِلَها إلى فِيهِ. ويُقالُ: كَظَمَ البَعِيرَ والنّاقَةَ، إذا لَمْ يَجْتَرّا، ومِنهُ قَوْلُ الرّاعِي:
فَأفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بِجِرَّةٍ ∗∗∗ مِن ذِي الأباطِحِ إذْ رَعَيْنَ حَقِيلا
الحَقِيلُ: مَوْضِعٌ، والحَقِيلُ أيْضًا نَبْتٌ. ويُقالُ: لا تَمْنَعُ الإبِلُ جَرَّتَها إلّا عِنْدَ الجَهْدِ والفَزَعِ، فَلا تَجْتَرُّ. ومِنهُ قَوْلُ أعْشى باهِلَةَ يَصِفُ نَحّارَ الإبِلِ:
قَدْ تَكْظِمُ البَزْلَ مِنهُ حِينَ تُبْصِرُهُ ∗∗∗ حَتّى تَقَطَّعَ في أجْوافِها الجُرُرُ
الإصْرارُ: اعْتِزامُ الدَّوامِ عَلى الأمْرِ. وتَرْكُ الإقْلاعِ عَنْهُ، مِن صَرَّ الدَّنانِيرَ رَبَطَ عَلَيْها. وقالَ أبُو السَّمّالِ:
عَلِــمَ اللَّهُ أنَّهَــا مِنِّــي صِــرًى
أيْ: عَزِيمَةٌ. وقالَ الحُطَيْئَةُ يَصِفُ الخَيْلَ:
عَوابِسَ بِالشُّعْثِ الكُماةِ إذا ابْتَغَوْا ∗∗∗ عَلالَيْها بِالمُحْضَراتِ أصَرَّتِ
أيْ ثَبَتَتْ عَلى عَدْوِها. وقالَ آخَرُ:
يُصِرُّ بِاللَّيْلِ ما تَخْفى شَواكِلُهُ ∗∗∗ يا ويْحَ كُلِّ مُصِرِّ القَلْبِ خَتّارِ
السُّنَّةُ: الطَّرِيقَةُ. وقالَ المُفَضَّلُ: الأُمَّةُ، وأنْشَدَ:
ما عايَنَ النّاسُ مِن فَضْلٍ كَفَضْلِكُمُ ∗∗∗ ولا رُأوا مِثْلَهُ في سالِفِ السُّنَنِ
وسُنَّةُ الإنْسانِ: الشَّيْءُ الَّذِي يَعْمَلُهُ ويُوالِيهِ، كَقَوْلِ خالِدٍ الهُذَلِيِّ لِأبِي ذُؤَيْبٍ:
فَلا تَجْزَعَنْ مِن سُنَّةٍ أنْتَ سِرْتَها ∗∗∗ فَأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَن يُسِيرُها
وقالَ سُلَيْمانُ بْنُ قُتَيْبَةَ:
وإنَّ الأُلى بِألْطَفِ مِن آلِ هاشِمٍ ∗∗∗ تَأسَّوْا فَسَنُّوا لِلْكِرامِ التَّأسِّيا
وقالَ لَبِيدٌ:
مِن أُمَّةٍ سَنَّتْ لَهم آباؤُهم ∗∗∗ ولِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وإمامُها
وقالَ الخَلِيلُ: سَنَّ الشَّيْءَ: صَوَّرَهُ. والمَسْنُونُ المُصَوَّرُ، وسَنَّ عَلَيْهِمْ شَرًّا: صَبَّهُ، والماءُ والدِّرْعُ صَبَّهُما. واشْتِقاقُ السُّنَّةِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن أحَدِ هَذَيْنِ المَعْنَيَيْنِ، أوْ مِن سَنَّ السِّنانَ والنَّصْلَ: حَدَّهُما عَلى المِسَنِّ، أوْ مِن سَنَّ الإبِلَ: إذا أحْسَنَ رَعْيَها. السَّيْرُ في الأرْضِ: الذِّهابُ.
وهَنَ الشَّيْءُ: ضَعُفَ، ووَهَنَهُ الشَّيْءُ: أضْعَفَهُ. يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ولازِمًا. وفي الحَدِيثِ:
«وهْنَتْهم حُمّى يَثْرِبَ» والوَهْنُ: الضَّعْفُ. وقالَ زُهَيْرٌ:
فَـأصْبَحَ الحَبْـلُ مِنهَـا واهِنًـا خَلِقَـا
القَرْحُ والقُرْحُ لُغَتانِ، كالضَّعْفِ والضُّعْفِ، والكَرْهِ والكُرْهِ، الفَتْحُ لُغَةُ الحِجازِ وهو الجُرْحُ. قالَ حُنْدُجٌ:
وبُدِّلْتُ قَرْحًا دامِيًا بَعْدَ صِحَّةٍ ∗∗∗ لَعَلَّ مَنايانا تَحَوَّلْنَ أبْؤُسًا
وقالَ الأخْفَشُ: هُما مَصْدَرانِ. ومَن قالَ: القَرْحُ بِالفَتْحِ الجُرْحُ، وبِالضَّمِّ المِدَّةُ، فَيَحْتاجُ في ذَلِكَ إلى صِحَّةِ نَقْلٍ عَنِ العَرَبِ. وأصْلُ الكَلِمَةِ الخُلُوصُ، ومِنهُ: ماءٌ قِراحٌ لا كُدُورَةَ فِيهِ، وأرْضٌ قِراحٌ خالِصَةُ الطِّينِ، وقَرِيحَةُ الرَّجُلِ خالِصَةُ طَبْعِهِ.
المُداوَلَةُ: المُعاوَدَةُ، وهي المُعاهَدَةُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. يُقالُ: داوَلْتُ بَيْنَهُمُ الشَّيْءَ فَتَداوَلُوهُ. قالَ:
يَرِدُ المِياهَ فَلا يَزالُ مُداوِلًا ∗∗∗ في النّاسِ بَيْنَ تَمَثُّلٍ وسَماعِ
وأدَلْتُهُ: جَعَلْتُ لَهُ دَوْلَةً وتَصْرِيفًا، والدُّولَةُ بِالضَّمِّ المَصْدَرُ، وبِالفَتْحِ الفَعْلَةُ الواحِدَةُ؛ فَلِذَلِكَ يُقالُ: في دَوْلَةِ فُلانٍ؛ لِأنَّها مَرَّةً في الدَّهْرِ. والدُّورُ والدَّوْلُ مُتَقارِبانِ، لَكِنَّ الدَّوْرَ أعَمُّ. فَإنَّ الدَّوْلَةَ لا تُقالُ إلّا في الحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ.
المَحْصُ كالفَحْصِ، لَكِنَّ الفَحْصَ يُقالُ في إبْرازِ الشَّيْءِ عَنْ خِلالِ أشْياءَ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ. والمَحْصُ عَنْ إبْرازِهِ عَنْ أشْياءَ مُتَّصِلَةٍ بِهِ. قالَ الخَلِيلُ: التَّمْحِيصُ التَّخْلِيصُ عَنِ العُيُوبِ، ويُقالُ: مَحَّصَ الحَبْلَ إذا زالَ عَنْهُ - بِكَثْرَةِ مَرِّهِ عَلى اليَدِ زَئْبَرَهُ وأمْلَسَ، هَكَذا ساقَ الزَّجّاجُ اللَّفْظَةَ الحَبْلَ. ورَواها النَّقّاشُ: مَحَّصَ الجَمَلَ إذا زالَ عَنْهُ وبَرَهُ وأمْلَسَ. وقالَ حَنِيفُ الحَناتِمِ: وقَدْ ورَدَ ماءً اسْمُهُ طُوَيْلِعٌ، إنَّكَ لَمَحْصُ الرِّشاءِ، بَعِيدُ المُسْتَقى، مُطِلٌّ عَلى الأعْداءِ. المَعْنى: أنَّهُ لِبُعْدِهِ يَمْلَسُ حَبْلُهُ بِمَرِّ الأيْدِي.
* * *﴿وسارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكم وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ قَرَأ ابْنُ عامِرٍ ونافِعٌ: ”سارِعُوا“ بِغَيْرِ واوٍ عَلى الِاسْتِئْنافِ، والباقُونَ بِالواوِ عَلى العَطْفِ. لَمّا أُمِرُوا بِتَقْوى النّارِ أُمِرُوا بِالمُبادَرَةِ إلى أسْبابِ المَغْفِرَةِ والجَنَّةِ. وأمالَ الدُّورِيُّ في قِراءَةِ الكِسائِيِّ ”
﴿وسارِعُوا﴾“ لِكَسْرَةِ الرّاءِ. وقَرَأ أُبَيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ: ”وسابِقُوا“ . والمُسارَعَةُ: مُفاعَلَةٌ. إذِ النّاسُ كُلُّ واحِدٍ مِنهم لَيَصِلُ قَبْلَ غَيْرِهِ، فَبَيْنَهم في ذَلِكَ مُفاعَلَةٌ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ:
﴿فاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] والمُسارَعَةُ إلى سَبَبِ المَغْفِرَةِ وهو الإخْلاصُ، قالَهُ عُثْمانُ. أوْ أداءُ الفَرائِضِ، قالَهُ عَلِيٌّ. أوِ الإسْلامُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. أوِ التَّكْبِيرَةُ الأُولى مِنَ الصَّلاةِ مَعَ الإمامِ، قالَهُ أنَسٌ ومَكْحُولٌ. أوِ الطّاعَةُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. أوِ التَّوْبَةُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. أوِ الهِجْرَةُ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ. أوِ الجِهادُ، قالَهُ الضَّحّاكُ. أوِ الصَّلَواتُ الخَمْسُ، قالَهُ يَمانٌ. أوِ الأعْمالُ الصّالِحَةُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. ويَنْبَغِي أنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الأقْوالُ عَلى التَّمْثِيلِ لا عَلى التَّعْيِينِ والحَصْرِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعْنى المُسارَعَةِ إلى المَغْفِرَةِ والجَنَّةِ الإقْبالُ عَلى ما يَسْتَحِقّانِ بِهِ. انْتَهى. وفي ذِكْرِ الِاسْتِحْقاقِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ، وتَقَدَّمِ ذِكْرُ المَغْفِرَةِ عَلى الجَنَّةِ؛ لِأنَّها السَّبَبُ المُوصِلُ إلى الجَنَّةِ، وحُذِفَ المُضافُ مِنَ السَّماواتِ، أيْ عَرْضُ السَّماواتِ، بَعْدَ حَذْفِ أداةِ التَّشْبِيهِ أيْ: كَعَرْضِ. وبَعْدَ هَذا التَّقْدِيرِ اخْتَلَفُوا، هَلْ هو تَشْبِيهٌ حَقِيقِيٌّ، أوْ ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ السِّعَةِ العَظِيمَةِ ؟ لَمّا كانَتِ الجَنَّةُ مِنَ الِاتِّساعِ والِانْفِساحِ في الغايَةِ القُصْوى؛ إذِ السَّماواتُ والأرْضُ أوْسَعُ ما عَلِمَهُ النّاسُ مِن مَخْلُوقاتِهِ وأبْسَطِهِ، وخَصَّ العَرْضَ؛ لِأنَّهُ في العادَةِ أدْنى مِنَ الطُّولِ لِلْمُبالَغَةِ، فَعَلى هَذا لا يُرادُ عَرْضٌ ولا طُولٌ حَقِيقَةً، قالَهُ الزَّجّاجُ. وتَقُولُ العَرَبُ: بِلادٌ عَرِيضَةٌ، أيْ واسِعَةٌ. وقالَ الشّاعِرُ:
كَأنَّ بِلادَ اللَّهِ وهْيَ عَرِيضَةٌ عَلى الخائِفِ المَطْلُوبِ كِفَّةُ حابِلِ
والقَوْلُ الأوَّلُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والجُمْهُورُ: تُقْرَنُ السَّماواتُ والأرْضُ بَعْضُها إلى بَعْضٍ كَما تُبْسَطُ الثِّيابُ، فَذَلِكَ عَرْضُ الجَنَّةِ، ولا يَعْلَمُ طُولَها إلّا اللَّهُ. انْتَهى ولا يُنْكَرُ هَذا؛ فَقَدْ ورَدَ في الحَدِيثِ في وصْفِ الجَنَّةِ وسِعَتِها ما يَشْهَدُ لِذَلِكَ. وأوْرَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ مِن ذَلِكَ أشْياءَ في كِتابِهِ. والجَنَّةُ عَلى هَذا القَوْلِ أكْبَرُ مِنَ السَّماواتِ، وهي مُمْتَدَّةٌ في الطُّولِ حَيْثُ شاءَ اللَّهُ. وخَصَّ العَرْضَ بِالذِّكْرِ لِدَلالَتِهِ عَلى الطُّولِ، والطُّولُ إذا ذُكِرَ لا يَدُلُّ عَلى سِعَةِ العَرْضِ، إذْ قَدْ يَكُونُ العَرْضُ يَسِيرًا كَعَرْضِ الخَيْطِ.
وقالَ قَوْمٌ: مَعْناهُ كَعَرْضِ السَّماواتِ والأرْضِ طِباقًا، لا بِأنْ تُقْرَنَ كَبَسْطِ الثِّيابِ. فالجَنَّةُ في السَّماءِ وعَرْضُها كَعَرْضِها، وعَرَضُ ما وازاها مِنَ الأرَضِينَ إلى السّابِعَةِ، وهَذِهِ دَلالَةٌ عَلى العِظَمِ. وأغْنى ذِكْرُ العَرْضِ عَنْ ذِكْرِ الطُّولِ. وقالَ ابْنُ فُورَكٍ: الجَنَّةُ في السَّماءِ، ويُزادُ فِيها يَوْمُ القِيامَةِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في الجَنَّةِ أخُلِقَتْ ؟ وهو ظاهِرُ القُرْآنِ، ونَصُّ الآثارِ الصَّحِيحَةِ النَّبَوِيَّةِ أمْ لَمْ تَخْلُقْ بَعْدُ ؟ وهو قَوْلُ المُعْتَزِلَةِ، ووافَقَهم مِن أهْلِ بِلادِنا القاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ. وأمّا قَوْلُ ابْنِ فُورَكٍ: إنَّهُ يُزادُ فِيها، فَيَحْتاجُ إلى صِحَّةِ نَقْلٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ . وقالَ الكَلْبِيُّ: الجِنانُ أرْبَعٌ: جَنَّةُ عَدْنٍ، وجَنَّةُ المَأْوى، وجَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، وجَنَّةُ النَّعِيمِ. كُلُّ جَنَّةٍ مِنها كَعَرْضِ السَّماءِ والأرْضِ، لَوْ وُصِلَ بَعْضُها بِبَعْضٍ ما عَلِمَ طُولَها إلّا اللَّهُ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: هو مِن عَرْضِ المَتاعِ عَلى البَيْعِ، لا العَرْضُ المُقابِلُ لِلطُّولِ. أيْ لَوْ عُورِضَتْ بِها لَساواها نَصِيبُ كُلِّ واحِدٍ مِنكم، وجاءَ إعْدادُها لِلْمُتَّقِينَ، فَخُصُّوا بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهم، وإعْلامًا بِأنَّهُمُ الأصْلُ في ذَلِكَ، وغَيْرُهم تَبَعٌ لَهم في إعْدادِها. وإنْ أُرِيدَ بِالمُتَّقِينَ مُتَّقُو الشِّرْكِ كانَ عامًّا في كُلِّ مُسْلِمٍ طائِعٍ أوْ عاصٍ.