الباحث القرآني
﴿واتَّقُوا النّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ لِما تَقَدَّمَ ”واتَّقُوا اللَّهَ“، والذَّواتُ لا تُتَّقى، فَإنَّما المُتَّقى مَحْذُوفٌ أوْضَحَهُ في هَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: واتَّقَوُا النّارَ. والألِفُ واللّامُ في النّارِ لِلْجِنْسِ، فَيَجُوزُ أنْ تَكُونَ النّارُ الَّتِي وعَدَ بِها آكِلَ الرِّبا أخَفَّ مِن نارِ الكافِرِ، أيْ أعَدَّ جِنْسَها لِلْكافِرِينَ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ، فَيَكُونُ آكِلُ الرِّبا قَدْ تُوُعِّدَ بِالنّارِ الَّتِي يُعَذَّبُ بِها الكافِرُ. وقِيلَ: تُوُعِّدُ أكَلَةُ الرِّبا بِنارِ الكَفَرَةِ، إذِ النّارُ سَبْعُ طَبَقاتٍ: العُلْيا مِنها وهي جَهَنَّمُ لِلْعُصاةِ، والخَمْسُ لِلْكُفّارِ، والدَّرْكُ (p-٥٥)الأسْفَلُ لِلْمُنافِقِينَ. فَأكَلَةُ الرِّبا يُعَذَّبُونَ بِنارِ الكُفّارِ، لا بِنارِ العُصاةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذا تَهْدِيدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ لِئَلّا يَسْتَحِلُّوا الرِّبا.
وقالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى واتَّقُوا أنْ تُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ فَتَكْفُرُوا. وقِيلَ: اتَّقُوا العَمَلَ الَّذِي يَنْزِعُ مِنكُمُ الإيمانَ وتَسْتَوْجِبُونَ بِهِ النّارَ. وكانَ أبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: هي أخْوَفُ آيَةٍ في القُرْآنِ، حَيْثُ أوْعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ بِالنّارِ المُعَدَّةِ لِلْكافِرِينَ إنْ لَمْ يَتَّقُوهُ بِاجْتِنابِ مَحارِمِهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقَدْ أمَدَّ ذَلِكَ بِما أتْبَعَهُ مِن تَعْلِيقِ رَجاءِ المُؤْمِنِ لِرَحْمَتِهِ بِتَوَفُّرِهِمْ عَلى طاعَتِهِ وطاعَةِ رَسُولِهِ، ومَن تَأمَّلَ هَذِهِ الآياتِ وأمْثالَها لَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالأطْماعِ الفارِغَةِ والتَّمَنِّي عَلى اللَّهِ تَعالى. وفي ذِكْرِهِ تَعالى ”لَعَلَّ“ و”عَسى“ في نَحْوِ هَذِهِ المَواضِعِ وإنْ قالَ النّاسُ ما قالُوا ما لا يَخْفى عَلى العارِفِ الفَطِنِ مِن دِقَّةِ مَسْلَكِ التَّقْوى، وصُعُوبَةِ إصابَةِ رِضا اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وعَزَّةِ التَّوَصُّلِ إلى رَحْمَتِهِ وثَوابِهِ. انْتَهى كَلامُهُ. وهو جارٍ عَلى مَذْهَبِهِ مِن تَقْنِيطِ العاصِي غَيْرِ التّائِبِ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ، ووُلُوعِهِ بِمَذْهَبِهِ يَجْعَلُهُ يُحَمِّلُ ألْفاظَ القُرْآنِ ما لا يَحْتَمِلُهُ، أوْ ما هو بَعِيدٌ عَنْها. وتَقَدَّمَ شَرْحُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ في أوائِلِ البَقَرَةِ.
﴿وأطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ قِيلَ: أطِيعُوا اللَّهَ في الفَرائِضِ، والرَّسُولَ في السُّنَنِ. وقِيلَ: في تَحْرِيمِ الرِّبا، والرَّسُولَ فِيما بَلَّغَكم مِنَ التَّحْرِيمِ. وقِيلَ: وأطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ فِيما يَأْمُرُكم بِهِ ويَنْهاكم عَنْهُ. فَإنَّ طاعَةَ الرَّسُولِ طاعَةُ اللَّهِ، قالَ تَعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠] وقالَ الَمَهَدَوِيُّ: ذِكْرُ الرَّسُولِ زِيادَةٌ في التَّبْيِينِ والتَّأْكِيدِ والتَّعْرِيفِ بِأنَّ طاعَتَهُ طاعَةُ اللَّهِ. وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: هَذِهِ الآيَةُ هي ابْتِداءُ المُعاتَبَةِ في أمْرِ أُحُدٍ، وانْهِزامِ مَن فَرَّ، وزَوالِ الرُّماةِ مِن مَرْكَزِهِمْ. وقِيلَ: صِيغَتُها الأمْرُ، ومَعْناها العَتْبُ عَلى المُؤْمِنِينَ فِيما جَرى مِنهم مِن أكْلِ الرِّبا، والمُخالَفَةِ يَوْمَ أُحُدٍ. والرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ إرادَةُ الخَيْرِ لِعَبِيدِهِ، أوْ ثَوابُهم عَلى أعْمالِهِمْ.
وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ ضُرُوبًا مِنَ الفَصاحَةِ والبَدِيعِ، مِن ذَلِكَ: العامُّ المُرادُ بِهِ الخاصُّ في ”﴿مِن أهْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٢١]“، قالَ الجُمْهُورُ: أرادَ بِهِ بَيْتَ عائِشَةَ. فالِاخْتِصاصُ في: ”﴿واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٢١]“، وفي: ”﴿فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢]“، وفي: ”﴿ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ [آل عمران: ١٢٩]“، وفي: ”﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ﴾ [آل عمران: ١٢٩]“ خَصَّ نَفْسَهُ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ”﴿ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٣٥]“، ”﴿نَبِّئْ عِبادِي أنِّي أنا الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الحجر: ٤٩]“، وفي ”﴿العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ١٢٦]“؛ لِأنَّ العِزَّ مِن ثَمَراتِ النَّصْرِ، والتَّدْبِيرَ الحَسَنَ مِن ثَمَراتِ الحِكْمَةِ.
والتَّشْبِيهُ: في ”﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا﴾ [آل عمران: ١٢٧]“، شَبَّهَ مَن قُتِلَ مِنهم وتَفَرَّقَ بِالشَّيْءِ المُقْتَطَعِ الَّذِي تَفَرَّقَتْ أجْزاؤُهُ وانْخَرَمَ نِظامُهُ، وفي: ”﴿ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٦]“ شَبَّهَ زَوالَ الخَوْفِ عَنِ القَلْبِ وسُكُونَهُ عَنْ غَلَيانِهِ بِاطْمِئْنانِ الرَّجُلِ السّاكِنِ الحَرَكَةِ. وفي: ”﴿فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٧]“ شَبَّهَ رُجُوعَهم بِلا ظَفَرٍ ولا غَنِيمَةٍ بِمَن أمَلَ خَيْرًا مِن رَجُلٍ فَأمَّهُ، فَأخْفَقَ أمَلَهُ وقَصْدَهُ. والطِّباقُ في ”نَصَرَكم“ و”أنْتُمْ أذِلَّةٌ“، النَّصْرُ إعْزازٌ وهو ضِدُّ الذُّلِّ. وفي: يَغْفِرُ ويُعَذِّبُ، الغُفْرانُ تَرْكُ المُؤاخَذَةِ، والتَّعْذِيبُ المُؤاخَذَةُ بِالذَّنْبِ. والتَّجَوُّزُ بِإطْلاقِ التَّثْنِيَةِ عَلى الجَمْعِ في: أنْ يَفْشَلا. وبِإقامَةِ اللّامِ مَقامَ ”إلى“ في ”﴿لَيْسَ لَكَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]“ أيْ إلَيْكَ، أوْ مَقامَ ”عَلى“ أيْ لَيْسَ عَلَيْكَ. والحَذْفُ والِاعْتِراضُ في مَواضِعَ اقْتَضَتْ ذَلِكَ، والتَّجْنِيسُ المُماثِلُ في: ”﴿أضْعافًا مُضاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠]“ . وتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِما يَئُولُ إلَيْهِ في: ”لا تَأْكُلُوا“ سَمّى الأخْذَ أكْلًا؛ لِأنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ.
{"ayahs_start":131,"ayahs":["وَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِیۤ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ","وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ"],"ayah":"وَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِیۤ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق