الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أضْعافًا مُضاعَفَةً﴾ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذا النَّهْيُ عَنْ أكْلِ الرِّبا اعْتَرَضَ أثْناءَ قِصَّةِ أُحُدٍ، ولا أحْفَظُ شَيْئًا في ذَلِكَ مَرْوِيًّا. انْتَهى. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها ومَجِيئُها بَيْنَ أثْناءِ القِصَّةِ: أنَّهُ لَمّا نَهى المُؤْمِنِينَ عَنِ اتِّخاذِ بِطانَةٍ مِن غَيْرِهِمْ، واسْتَطْرَدَ لِذِكْرِ قِصَّةِ أُحُدٍ، وكانَ الكُفّارُ أكْثَرَ مُعامَلاتِهِمْ بِالرِّبا مَعَ أمْثالِهِمْ ومَعَ المُؤْمِنِينَ، وهَذِهِ المُعامَلَةُ مُؤَدِّيَةٌ إلى مُخالَطَةِ الكُفّارِ - نُهُوا عَنْ هَذِهِ المُعامَلَةِ الَّتِي هي الرِّبا قَطْعًا؛ لِمُخالَطَةِ الكُفّارِ ومَوَدَّتِهِمْ، واتِّخاذِ أخِلّاءٍ مِنهم، لا سِيَّما والمُؤْمِنُونَ في أوَّلِ حالِ الإسْلامِ ذَوُو إعْسارٍ، والكُفّارُ مِنَ اليَهُودِ وغَيْرِهِمْ ذَوُو يَسارٍ. وكانَ أيْضًا أكْلُ الحَرامِ لَهُ مَدْخَلٌ عَظِيمٌ في عَدَمِ قَبُولِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ والأدْعِيَةِ، كَما جاءَ في الحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَسْتَجِيبُ لِمَن مَطْعَمُهُ حَرامٌ ومَشْرَبُهُ حَرامٌ إذا دَعا، وإنَّ آكِلَ الحَرامِ يَقُولُ إذا حَجَّ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لا لَبَّيْكَ ولا سَعْدَيْكَ، وحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ» فَناسَبَ ذِكْرَ هَذِهِ الآيَةِ هُنا. وقِيلَ: ناسَبَ اعْتِراضَ هَذِهِ الجُمْلَةِ هُنا أنَّهُ تَعالى وعَدَ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ والإمْدادِ مَقْرُونًا بِالصَّبْرِ والتَّقْوى، فَبَدَأ بِالأهَمِّ مِنها وهو: ما كانُوا يَتَعاطَوْنَهُ مِن أكْلِ الأمْوالِ بِالباطِلِ، وأمْرٍ بِالتَّقْوى، ثُمَّ بِالطّاعَةِ. وقِيلَ: لَمّا قالَ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ [آل عمران: ١٢٩] وبَيَّنَ أنَّ ما فِيهِما مِنَ المَوْجُوداتِ مِلْكٌ لَهُ، ولا يَجُوزُ أنْ يُتَصَرَّفَ في شَيْءٍ مِنها إلّا بِإذْنِهِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ، وآكِلُ الرِّبا مُتَصَرِّفٌ في مالِهِ بِغَيْرِ الوَجْهِ الَّذِي أمَرَ - نَبَّهَ تَعالى عَلى ذَلِكَ، ونَهى عَمّا كانُوا في الإسْلامِ مُسْتَمِرِّينَ عَلَيْهِ مِن حُكْمِ الجاهِلِيَّةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الرِّبا في سُورَةِ البَقَرَةِ. وانْتَصَبَ ”﴿أضْعافًا﴾“، نُهُوا عَنِ الحالَةِ الشَّنْعاءِ الَّتِي يُوقِعُونَ الرِّبا عَلَيْها، كانَ الطّالِبُ يَقُولُ: أتَقْضِي أمْ تَرْبِي، ورُبَّما اسْتَغْرَقَ بِالنَّزْرِ اليَسِيرِ مالَ المَدِينِ؛ لِأنَّهُ إذا لَمْ يَجِدْ وفاءً زادَ في الدَّيْنِ، وزادَ في الأصْلِ. وأشارَ بِقَوْلِهِ: ”﴿مُضاعَفَةً﴾“ إلى أنَّهم كانُوا يُكَرِّرُونَ التَّضْعِيفَ عامًا بَعْدَ عامٍ. والرِّبا مُحَرَّمٌ جَمِيعُ أنْواعِهِ، فَهَذِهِ الحالُ لا مَفْهُومَ لَها، ولَيْسَتْ قَيْدًا في النَّهْيِ، إذْ ما لا يَقَعُ أضْعافًا مُضاعَفَةً مُساوٍ في التَّحْرِيمِ لِما كانَ أضْعافًا مُضاعَفَةً. وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في نِسْبَةِ الأكْلِ إلى الرِّبا في البَقَرَةِ. وقِيلَ: المُضاعَفَةُ مُنْصَرِفَةٌ إلى الأمْوالِ. فَإنْ كانَ الرِّبا في السِّنِّ يَرْفَعُونَها ابْنَةَ مَخاضٍ بِابْنَةِ لَبُونٍ، ثُمَّ حِقَّةً، ثُمَّ جَذَعَةً، ثُمَّ رَباعٌ، هَكَذا إلى فَوْقُ. وإنْ كانَ في النُّقُودِ فَمِائَةٌ إلى قابِلٍ بِمِائَتَيْنِ، فَإنْ لَمْ يُوَفِّهِما فَأرْبَعُمِائَةٍ. والأضْعافُ: جَمْعُ ضِعْفٍ، وهو مِن جُمُوعِ القِلَّةِ؛ فَلِذَلِكَ أرْدَفَهُ بِالمُضاعَفَةِ. ﴿واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ لَمّا نَهاهم عَنْ أمْرٍ صَعْبٍ عَلَيْهِمْ فِراقُهُ وهو الرِّبا، أمَرَ بِتَقْوى اللَّهِ إذْ هي الحامِلَةُ عَلى مُخالَفَةِ ما تَعَوَّدَهُ المَرْءُ مِمّا نَهى الشَّرْعُ عَنْهُ. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ التَّقْوى سَبَبٌ لِرَجاءِ الفَلّاحِ وهو الفَوْزُ، وأمَرَ بِها مُطْلَقًا لا مُقَيَّدًا بِفِعْلِ الرِّبا؛ لِأنَّهُ لَمّا نَهى عَنِ الرِّبا كانَ المُؤْمِنُونَ أسْرَعَ شَيْءٍ لِطَواعِيَةِ اللَّهِ تَعالى، فَلَمْ يَأْتِ واتَّقُوا اللَّهَ في أكْلِ الرِّبا بَلْ أُمِرُوا بِالتَّقْوى، لا بِالنِّسْبَةِ إلى شَيْءٍ خاصٍّ مَنَعُوهُ مِن جِهَةِ الشَّرِيعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب