الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلَّةٌ﴾ لَمّا أمَرَهم بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ذَكَّرَهم بِما يُوجِبُ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، وهو ما سَنّى لَهم ويَسَّرَ مِنَ الفَتْحِ والنَّصْرِ يَوْمَ بَدْرٍ، وهم في حالِ قِلَّةٍ وذِلَّةٍ، إذْ كانَ ذَلِكَ النَّصْرُ ثَمَرَةَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ والثِّقَةِ بِهِ. والنَّصْرُ المُشارُ إلَيْهِ بِبَدْرٍ بِالمَلائِكَةِ، أوْ بِإلْقاءِ الرُّعْبِ، أوْ بِكَفِّ الحَصى الَّتِي رَمى بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أوْ بِإرادَةِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ: ﴿وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] أقْوالٌ.
والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: وأنْتُمْ أذِلَّةٌ حالٌ مِنَ المَفْعُولِ في نَصَرَكم، والمَعْنى: وأنْتُمْ أذِلَّةٌ في أعْيُنِ غَيْرِكم، إذْ كانُوا أعِزَّةً في أنْفُسِهِمْ، وكانُوا بِالنِّسْبَةِ إلى عَدُوِّهِمْ وجَمِيعِ الكُفّارِ في أقْطارِ الأرْضِ عِنْدَ المُتَأمِّلِ مَغْلُوبِينَ. وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ لَمْ تُعْبَدْ“ .
والأذِلَّةُ: جَمْعُ ذَلِيلٍ. وجَمْعُ الكَثْرَةِ ذِلّانٌ، فَجاءَ عَلى جَمْعِ القِلَّةِ لِيَدُلَّ أنَّهم كانُوا قَلِيلِينَ. والذِّلَّةُ الَّتِي ظَهَرَتْ لِغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ هي ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ وقِلَّةِ السِّلاحِ والمالِ والمَرْكُوبِ. خَرَجُوا عَلى النَّواضِحِ يَعْتَقِبُ النَّفَرُ عَلى البَعِيرِ الواحِدِ، وما كانَ مَعَهم مِنَ الخَيْلِ إلّا فَرَسٌ واحِدٌ، ومَعَ عَدُوِّهِمْ مِائَةُ فَرَسٍ. وكانَ عَدَدُ المُسْلِمِينَ ثَلاثَمِائَةِ رَجُلٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، سَبْعَةٌ وسَبْعُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ وصاحِبُ رايَتِهِمْ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، ومِائَتانِ وسِتَّةٌ وثَلاثُونَ مِنَ الأنْصارِ وصاحِبُ رايَتِهِمْ سَعْدُ بْنُ عِبادَةَ. وقِيلَ: ثَلاثُمِائَةٍ وسِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا. وقِيلَ: ثَلاثُمِائَةٍ وأرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. وفي رِوايَةٍ: ثَلاثُمِائَةٍ وبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. وكانَ عَدُوُّهم في حالِ كَثْرَةٍ زُهاءَ ألْفِ مُقاتِلٍ. وما أحْسَنَ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎وقائِلَةٍ ما بالُ أُسْرَةِ عادِيًا تَفانَتْ وفِيها قِلَّةٌ وخُمُولُ
؎تُعَيِّرُنا أنّا قَلِيلٌ عَدِيدُنا ∗∗∗ فَقُلْتُ لَها إنَّ الكِرامَ قَلِيلُ
؎وما ضَرَّنا أنّا قَلِيلٌ وجارُنا ∗∗∗ عَزِيزٌ وجارُ الأكْثَرِينَ ذَلِيلُ
(p-٤٨)والنَّصْرُ بِبَدْرٍ هو المَشْهُورُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ صَنادِيدُ قُرَيْشٍ، وعَلى يَوْمِ بَدْرٍ انْبَنى الإسْلامُ. وكانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ السّابِعَ عَشَرَ مِن رَمَضانَ لِثَمانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الهِجْرَةِ.
﴿فاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ أمَرَ بِالتَّقْوى مُطْلَقًا. وقِيلَ: في الثَّباتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَرَجِّيهِ الشُّكْرَ إمّا عَلى الإنْعامِ السّابِقِ بِالنَّصْرِ يَوْمَ بَدْرٍ، أوْ عَلى الإنْعامِ المَرْجُوِّ أنْ يَقَعَ. فَكَأنَّهُ قِيلَ: لَعَلَّكم يُنْعِمُ عَلَيْكم نِعْمَةً أُخْرى فَتَشْكُرُونَها، وضَعَ الشُّكْرَ مَوْضِعَ الإنْعامِ؛ لِأنَّهُ سَبَبٌ لَهُ.
﴿إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ألَنْ يَكْفِيَكم أنْ يَمُدَّكم رَبُّكم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينِ بَلى﴾ ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ اتِّصالُها بِما قَبْلَها، وأنَّها مِن قِصَّةِ بَدْرٍ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ، فَيَكُونُ ”إذْ“ مَعْمُولًا لِـ ”﴿نَصَرَكُمُ﴾“ . وقِيلَ: هَذا مِن تَمامِ قِصَّةِ أُحُدٍ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ مُعْتَرَضًا بَيْنَ الكَلامَيْنِ؛ لِما فِيهِ مِنَ التَّحْرِيضِ عَلى التَّوَكُّلِ والثَّباتِ لِلْقِتالِ. وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّ يَوْمَ بَدْرٍ كانَ المَدَدُ فِيهِ مِنَ المَلائِكَةِ بِألِفٍ، وهُنا بِثَلاثَةِ آلافٍ وخَمْسَةِ آلافٍ. والكُفّارُ يَوْمَ بَدْرٍ كانُوا ألْفًا، والمُسْلِمُونَ عَلى الثُّلُثِ. فَكانَ عَدَدُ الكُفّارِ ثَلاثَةَ آلافٍ، فَوُعِدُوا بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ. وقالَ: ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ، أيِ الإمْدادُ. ويَوْمَ بَدْرٍ ذَهَبَ المُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَصِحُّ أنْ يَقُولَهُ لَهم يَوْمَ أُحُدٍ، ولَمْ يَنْزِلْ فِيهِ المَلائِكَةُ ؟ (قُلْتُ) قالَهُ لَهم مَعَ اشْتِراطِ الصَّبْرِ والتَّقْوى عَلَيْهِمْ. فَلَمْ يَصْبِرُوا عَنِ الغَنائِمِ ولَمْ يَتَّقُوا، حَيْثُ خالَفُوا أمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْزِلِ المَلائِكَةُ، ولَوْ تَمُّوا عَلى ما شَرَطَ عَلَيْهِمْ لَنَزَلَتْ. وإنَّما قَدَّمَ الوَعْدَ بِنُزُولِ المَلائِكَةِ؛ لِتَقْوى قُلُوبُهم ويَعْزِمُوا عَلى الثَّباتِ، ويَثِقُوا بِنَصْرِ اللَّهِ. انْتَهى كَلامُهُ.
وقَوْلُهُ: لَمْ تَنْزِلْ فِيهِ المَلائِكَةُ، لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ قالَ مُجاهِدٌ: حَضَرَتْ فِيهِ المَلائِكَةُ ولَمْ تُقاتِلْ، فَعَلى قَوْلِ مُجاهِدٍ يَسْقُطُ السُّؤالُ. وقَوْلُهُ: قالَهُ لَهم مَعَ اشْتِراطِ الصَّبْرِ والتَّقْوى عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَصْبِرُوا عَنِ الغَنائِمِ، ولَمْ يَتَّقُوا. . . إلى آخِرِهِ، المَشْرُوطُ بِالصَّبْرِ والتَّقْوى هو (p-٤٩)الإمْدادُ بِخَمْسَةِ آلافٍ. أمّا الإمْدادُ الأوَّلُ وهو بِثَلاثَةِ آلافٍ فَلَيْسَ بِمَشْرُوطٍ، ولا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ إنْزالِ خَمْسَةِ آلافٍ لِفَواتِ شَرْطِهِ أنْ لا يُنْزِلَ ثَلاثَةَ آلافٍ، ولا شَيْءَ مِنها، وأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ إنْزالِ ثَلاثَةِ آلافٍ أنَّهُ وعْدٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَوَّأهم مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وأمَرَهم بِالسُّكُونِ والثَّباتِ فِيها، فَكانَ هَذا الوَعْدُ مَشْرُوطًا بِالثُّبُوتِ في تِلْكَ المَقاعِدِ. فَلَمّا أهْمَلُوا الشَّرْطَ لَمْ يَحْصُلِ المَشْرُوطُ. انْتَهى. ولا خَفاءَ بِضَعْفِ هَذا الجَوابِ. قالَ الضَّحّاكُ: كانَ هَذا الوَعْدُ والمَقالَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَفَرَّ النّاسُ ووَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَلَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ، وإنَّما مُدُّوا يَوْمَ بَدْرٍ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَمْ يَصْبِرُوا. وقالَ عِكْرِمَةُ: لَمْ يَصْبِرُوا ولَمْ يَتَّقُوا يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَمُدُّوا. ولَوْ مَدُّوا لَمْ يَنْهَزِمُوا. وكانَ الوَعْدُ بِالإمْدادِ يَوْمَ بَدْرٍ، ورَجَّحَ أنَّهُ قالَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَظاهَرُ اتِّصالِ الكَلامِ، ولِأنَّ قِلَّةَ العَدَدِ والعُدَدِ كانَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكانُوا إلى تَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ بِالوَعْدِ أحْوَجَ، ولِأنَّ الوَعْدَ بِثَلاثَةِ آلافٍ كانَ غَيْرَ مَشْرُوطٍ، فَوَجَبَ حُصُولُهُ. وإنَّما حَصَلَ يَوْمَ بَدْرٍ، والجَمْعُ بَيْنَ ألْفٍ وثَلاثَةِ آلافٍ كانَ غَيْرَ مَشْرُوطٍ، فَوَجَبَ حُصُولُهُ، وإنَّما حَصَلَ يَوْمَ بَدْرٍ أنَّهم مُدُّوا أوَّلًا بِألْفٍ، ثُمَّ زِيدَ فِيهِمْ ألْفانِ، وصارَتْ ثَلاثَةَ آلافٍ. أوْ مُدُّوا بِألْفٍ أوَّلًا، ثُمَّ بَلَغَهم إمْدادُ المُشْرِكِينَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، فَوَعَدَ بِالخَمْسَةِ عَلى تَقْدِيرِ إمْدادِ الكُفّارِ. فَلَمْ يَمُدَّ الكُفّارَ، فاسْتَغْنى عَنْ إمْدادِ المُسْلِمِينَ.
والظّاهِرُ في هَذِهِ الأعْدادِ إدْخالُ النّاقِصِ في الزّائِدِ، فَيَكُونُ وُعِدُوا بِألْفٍ، ثُمَّ ضُمَّ إلَيْهِ ألْفانِ، ثُمَّ ألْفانِ، فَصارَ خَمْسَةً. ومَن ضَمَّ النّاقِصَ إلى الزّائِدِ وجَعَلَ ذَلِكَ في قِصَّةِ أُحُدٍ فَيَكُونُونَ قَدْ وُعِدُوا بِثَمانِيَةِ آلافٍ. أوْ في قِصَّةِ بَدْرٍ فَيَكُونُونَ قَدْ وُعِدُوا بِتِسْعَةِ آلافٍ. ولَمْ تَتَعَرَّضِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ لِنُزُولِ المَلائِكَةِ، ولا لِقِتالِهِمُ المُشْرِكِينَ وقَتْلِهِمْ، بَلْ هو أمْرٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ في الآيَةِ. وقَدْ تَظاهَرَتِ الرِّواياتُ وتَظافَرَتْ عَلى أنَّ المَلائِكَةَ حَضَرَتْ بَدْرًا وقاتَلَتْ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ بِما يُوقَفُ عَلَيْهِ في كِتابِهِ. ولَمّا لَمْ تَتَعَرَّضُ لَهُ الآيَةُ لَمْ نُكَثِّرْ كِتابَنا بِنَقْلِهِ. وذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنَّ الشَّعْبِيَّ قالَ: لَمْ تُمَدَّ المُؤْمِنُونَ بِالمَلائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، وكانَتِ المَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْضُرُ حُرُوبَ النَّبِيِّ ﷺ مَدَدًا، وهي تَحْضُرُ حُرُوبَ المُسْلِمِينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. قالَ: وخالَفَ النّاسُ الشَّعْبِيَّ في هَذِهِ المَقالَةِ، وذَكَرَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرّازِيُّ ما نَصُّهُ: وأجْمَعَ أهْلُ التَّفْسِيرِ والسِّيَرِ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى أنْزَلَ المَلائِكَةَ يَوْمَ (p-٥٠)بَدْرٍ، وأنَّهم قاتَلُوا الكُفّارَ. ثُمَّ قالَ: وأمّا أبُو بَكْرٍ الأصَمُّ فَإنَّهُ أنْكَرَ ذَلِكَ أشَدَّ الإنْكارِ، وذَكَرَ عَنْهُ حُجَجًا، ثُمَّ قالَ: وكُلُّ هَذِهِ الشُّبَهِ تَلِيقُ بِمَن يُنْكِرُ القُرْآنَ والنُّبُوَّةَ؛ لِأنَّ القُرْآنَ والسُّنَّةَ ناطِقانِ بِذَلِكَ، يَعْنِي بِإنْزالِ المَلائِكَةِ. ثُمَّ قالَ: واخْتَلَفُوا في نُصْرَةِ المَلائِكَةِ. فَقِيلَ: بِالقِتالِ. وقِيلَ: بِتَقْوِيَةِ نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ وإلْقاءِ الرُّعْبِ في قُلُوبِ الكُفّارِ. والظّاهِرُ في المَدَدِ أنَّهم يُشْرِكُونَ الجَيْشَ في القِتالِ، وأنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ حُضُورِهِمْ كافِيًا. انْتَهى كَلامُهُ.
ودَخَلَتْ أداةُ الِاسْتِفْهامِ عَلى حَرْفِ النَّفْيِ عَلى سَبِيلِ الإنْكارِ؛ لِانْتِفاءِ الكِفايَةِ بِهَذا العَدَدِ مِنَ المَلائِكَةِ. وكانَ حَرْفُ النَّفْيِ ”لَنْ“ الَّذِي هو أبْلَغُ في الِاسْتِقْبالِ مِن ”لا“ إشْعارًا بِأنَّهم كانُوا لِقِلَّتِهِمْ وضَعْفِهِمْ وكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وشَوْكَتِهِمْ كالآيِسِينَ مِنَ النُّصْرَةِ.
وبَلى: إيجابٌ لِما بَعْدَ ”لَنْ“، يَعْنِي: بَلى يَكْفِيكُمُ الإمْدادُ بِهِمْ، فَأوْجَبَ الكِفايَةَ. وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: ألا يَكْفِيَكم. انْتَهى. ومُعْظَمُهُ مِن كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ألَنْ يَكْفِيَكم تَقْرِيرٌ عَلى اعْتِقادِهِمُ الكِفايَةَ في هَذا العَدَدِ مِنَ المَلائِكَةِ ؟ ومِن حَيْثُ كانَ الأمْرُ بَيِّنًا في نَفْسِهِ أنَّ المَلائِكَةَ كافِيَةٌ، بادَرَ المُتَكَلِّمُ إلى جَوابٍ لِيَبْنِيَ ما يَسْتَأْنِفُ مِن قَوْلِهِ عَلَيْهِ فَقالَ: بَلى، وهي جَوابُ المُقَرِّرِينَ. وهَذا يَحْسُنُ في الأُمُورِ البَيِّنَةِ الَّتِي لا مَحِيدَ في جَوابِها، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٩] . انْتَهى. وقالَ ١٠٣ أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أبِي الفَضْلِ المَرْسِيُّ: ألَنْ يَكْفِيَكم جَوابُ الصَّحابَةِ حِينَ قالُوا: هَلّا أعْلَمْتَنا بِالقِتالِ لِنَتَأهَّبَ. فَقالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: ”ألَنْ يَكْفِيَكم“ . قالَ ابْنُ عِيسى: والكِفايَةُ مِقْدارُ سَدِّ الخُلَّةِ، والإمْدادُ إعْطاءُ الشَّيْءِ حالًا بَعْدَ حالٍ. انْتَهى.
وقَرَأ الحَسَنُ: بِثَلاثَهْ آلافٍ يَقِفُ عَلى الهاءِ، وكَذَلِكَ بِخَمْسَةِ آلافٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ووَجْهُ هَذِهِ القِراءَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ المُضافَ والمُضافَ إلَيْهِ يَقْتَضِيانِ الِاتِّصالَ، إذْ هُما كالِاسْمِ الواحِدِ، وإنَّما الثّانِي كَمالُ الأوَّلِ، والهاءُ إنَّما هي أمارَةُ وقْفٍ، فَتَعَلَّقَ الوَقْفُ في مَوْضِعٍ إنَّما هو لِلِاتِّصالِ، لَكِنْ قَدْ جاءَ نَحْوُ هَذا لِلْعَرَبِ في مَواضِعَ. فَمِن ذَلِكَ ما حَكاهُ الفَرّاءُ أنَّهم يَقُولُونَ: أكَلْتُ لَحْمًا شاةً، يُرِيدُونَ لَحْمَ شاةٍ، فَمَطَلُوا الفُتْحَةَ حَتّى نَشَأتْ عَنْها ألِفٌ، كَما قالُوا في الوَقْفِ: قالا، يُرِيدُونَ قالَ، ثُمَّ مَطَلُوا الفُتْحَةَ في القَوافِي ونَحْوِها في مَواضِعِ الرَّوِيَّةِ والتَّثَبُّتِ. ومِن ذَلِكَ في الشِّعْرِ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎يَنْباعُ مِن ذِفْرى غَضُوبٍ جَسْرَةً ∗∗∗ زيّانَةٍ مِثْلِ العَتِيقِ المُكْرَمِ
يُرِيدُ يَنْبُعَ فَمَطَلَ. ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎أقُولُ إذْ خَرَّتْ عَلى الكَلْكالِ ∗∗∗ يا ناقَتا ما جُلْتِ مِن مَجالِ
يُرِيدُ الكَلْكَلَ، فَمَطَلَ. ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎فَأنْتَ مِنَ الغَوائِلِ حِينَ تُرْمى ∗∗∗ ومِن ذَمَّ الرِّجالَ بِمُنْتَزاحِ
يُرِيدُ بِمُنْتَزِحٍ. قالَ أبُو الفَتْحِ: فَإذا جازَ أنْ يَعْتَرِضَ هَذا التَّمادِيَ بَيْنَ أثْناءِ الكَلِمَةِ الواحِدَةِ، جازَ التَّمادِي والتَّأنِّي بَيْنَ المُضافِ والمُضافِ إلَيْهِ، إذْ هُما في الحَقِيقَةِ اثْنانِ. انْتَهى كَلامُهُ. وهو تَكْثِيرٌ وتَنْظِيرٌ بِغَيْرِ ما يُناسِبُ، والَّذِي يُناسِبُ تَوْجِيهَ هَذِهِ القِراءَةِ الشّاذَّةِ أنَّها مِن إجْراءِ الوَصْلِ مَجْرى الوَقْفِ، أبْدَلَها هاءً في الوَصْلِ، كَما أبْدَلُوا لَها هاءً في الوَقْفِ، ومَوْجُودٌ في كَلامِهِمْ إجْراءُ الوَصْلِ مَجْرى الوَقْفِ، وإجْراءُ الوَقْفِ مَجْرى الوَصْلِ. وأمّا قَوْلُهُ: لَكِنْ قَدْ جاءَ نَحْوُ هَذا لِلْعَرَبِ في مَواضِعَ، وجَمِيعُ ما ذُكِرَ إنَّما هو مِن بابِ إشْباعِ الحَرَكَةِ. وإشْباعُ الحَرَكَةِ لَيْسَ نَحْوَ إبْدالِ التّاءِ هاءً في الوَصْلِ، وإنَّما هو نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: ثَلاثَهَ ارْبَعَهْ، أبْدَلَ التّاءَ هاءً، ثُمَّ نَقَلَ حَرَكَةَ هَمْزَةِ أرْبَعَةٍ إلَيْها، وحَذَفَ الهَمْزَةَ، فَأجْرى الوَصْلَ مَجْرى الوَقْفِ في الإبْدالِ. ولِأجْلِ الوَصْلِ نُقِلَ؛ إذْ لا يَكُونُ هَذا النَّقْلُ إلّا في الوَصْلِ.
وقُرِئَ شاذًّا ”بِثَلاثَةْ آلافٍ“ بِتْكِسِينِ التّاءِ (p-٥١)فِي الوَصْلِ، أجْراهُ مَجْرى الوَقْفِ. واخْتَلَفُوا في هَذِهِ التّاءِ السّاكِنَةِ، أهِيَ بَدَلٌ مِنَ الهاءِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْها أمْ تاءُ التَّأْنِيثِ هي وهي الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْها بِالتّاءِ كَما هي ؟ وهي لُغَةٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ مُنْزَلِينَ بِالتَّخْفِيفِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وابْنُ عامِرٍ بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أيْضًا، والهَمْزَةُ والتَّضْعِيفُ لِلتَّعْدِيَةِ فَهُما سِيّانِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: ”مُنَزِّلِينَ“ بِتَشْدِيدِ الزّايِ وكَسْرِها مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. وبَعْضُ القُرّاءِ بِتَخْفِيفِها وكَسْرِها مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ أيْضًا، والمَعْنى: يُنْزِلُونَ النَّصْرَ.
{"ayahs_start":123,"ayahs":["وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ"],"ayah":"إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق