الباحث القرآني
﴿إذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنكم أنْ تَفْشَلا﴾ الطّائِفَتانِ: بَنُو سَلَمَةَ مِنَ الخَزْرَجِ، وبَنُو حارِثَةَ مِنَ الأوْسِ، وهُما الجَناحانِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وجابِرٌ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، ومُجاهِدٌ، والرَّبِيعُ، والسُّدِّيُّ، وجُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ. وقِيلَ: الطّائِفَتانِ هُما مِنَ الأنْصارِ والمُهاجِرِينَ.
رُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ في ألْفٍ وقِيلَ: في تِسْعِمِائَةٍ وخَمْسِينَ، والمُشْرِكُونَ في ثَلاثَةِ آلافٍ، ووَعَدَهُمُ الفَتْحَ إنْ صَبَرُوا» .، فانْخَذَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ النّاسِ. وسَبَبُ انْخِذالِهِ أنَّهُ أشارَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالمَدِينَةِ حِينَ شاوَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يُشاوِرْهُ قَبْلَها، فَأشارَ عَلَيْهِ بِالمُقامِ في المَدِينَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ وخَرَجَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ وقالَ: أطاعَهم، وعَصانِي، وقالَ: يا قَوْمُ، عَلامَ نَقْتُلُ أنْفُسَنا وأوْلادَنا، فَتَبِعَهم عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ الأنْصارِيُّ - وفي رِوايَةٍ: أبُو جابِرٍ السُّلَمِيُّ - فَقالَ: أُنْشِدُكُمُ اللَّهَ في نَبِيِّكم وأنْفُسِكم، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لاتَّبَعْناكم، فَهَمَّ الجَبانُ بِاتِّباعِ عَبْدِ اللَّهِ، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ، ومَضَوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أضْمَرُوا أنْ يَرْجِعُوا، فَعَزَمَ اللَّهُ لَهم عَلى الرُّشْدِ فَثَبَتُوا، وهَذا الهَمُّ غَيْرُ مُؤاخَذٍ بِهِ؛ إذْ لَيْسَ بِعَزِيمَةٍ، إنَّما هو تَرْجِيحٌ مِن غَيْرِ عَزْمٍ. ولا شَكَّ أنَّ النَّفْسَ عِنْدَما تُلاقِي الحُرُوبَ ومَن يُجالِدُها يُزِيدُ عَلَيْها مِثْلَيْنِ وأكْثَرَ - يَلْحَقُها بَعْضُ الضَّعْفِ عَنِ المُلاقاةِ، ثُمَّ يُوَطِّئُها صاحِبُها عَلى القِتالِ فَتَثْبُتُ وتَسْتَقِرُّ، ألا تَرى إلى قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎وقَوْلِي كُلَّما جَشَأْتُ وجاشَتْ مَكانَكِ تُحْمَدِي أوْ تَسْتَرِيحِي
وإذْ هَمَّتْ: بَدَلٌ مِن ”إذْ غَدَوْتَ“ . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ عَمِلَ فِيهِ مَعْنى ”﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٤]“ . انْتَهى. وهَذا غَيْرُ مُحَرَّرٍ؛ لِأنَّ العامِلَ لا يَكُونُ مُرَكَّبًا مِن وصْفَيْنِ، فَتَحْرِيرُهُ أنْ يَقُولَ: أوْ عَمِلَ فِيهِ مَعْنى سَمِيعٍ أوْ عَلِيمٍ، وتَكُونُ المَسْألَةُ مِن بابِ التَّنازُعِ. وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِـ ”﴿تُبَوِّئُ﴾ [آل عمران: ١٢١]“، ولَـ ”﴿غَدَوْتَ﴾ [آل عمران: ١٢١]“ . و”هَمَّ“ يَتَعَدّى بِالباءِ، فالتَّقْدِيرُ: بِأنْ تَفْشَلا والمَعْنى: أنْ تَفْشَلا عَنِ القِتالِ. وما أحْسَنَ قَوْلَ الشّاعِرِ في التَّحْرِيضِ عَلى القِتالِ والنَّهْيِ عَنِ الفَشَلِ:
؎قاتِلُوا القَوْمَ بِالخِداعِ ولا ∗∗∗ يَأْخُذْكم عَنْ قِتالِهِمْ فَشَلُ
؎القَوْمُ أمْثالُكم لَهم شَعْرٌ ∗∗∗ في الرَّأْسِ لا يَنْشُرُونَ إنْ قُتِلُوا
وأدْغَمَ السَّبْعَةُ تاءَ التَّأْنِيثِ في الطّاءِ، وعَنْ قالُونَ خِلافٌ ذَكَرْناهُ في ”عِقْدِ اللَّآلِي في القِراءاتِ السَّبْعِ (p-٤٧)العَوالِي“ مِن إنْشائِنا. والظّاهِرُ أنَّ هَذا الهَمَّ كانَ عِنْدَ تَبْوِئَةِ الرَّسُولِ ﷺ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وانْخِذالِ عَبْدِ اللَّهِ بِمَنِ انْخَذَلَ. وقِيلَ: حِينَ أشارُوا عَلَيْهِ بِالخُرُوجِ وخالَفُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ. وفي قَوْلِهِ: ”﴿طائِفَتانِ﴾“ إشارَةٌ لَطِيفَةٌ إلى الكِنايَةِ عَنْ مَن يَقَعُ مِنهُ ما لا يُناسِبُ والسِّتْرِ عَلَيْهِ؛ إذْ لَمْ يُعَيِّنِ الطّائِفَتَيْنِ بِأنْفُسِهِما، ولا صَرَّحَ بِمَن هَمّا مِنهُ مِنَ القَبائِلِ؛ سَتْرًا عَلَيْهِما.
﴿واللَّهُ ولِيُّهُما﴾ مَعْنى الوِلايَةِ هُنا التَّثْبِيتُ والنَّصْرُ، فَلا يَنْبَغِي لَهُما أنْ يَفْشَلا. وقِيلَ: جَعَلَها مِن أوْلِيائِهِ المُثابِرِينَ عَلى طاعَتِهِ. وفي البُخارِيِّ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأنْصارِيِّ قالَ: فِينا نَزَلَتْ ﴿إذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنكم أنْ تَفْشَلا واللَّهُ ولِيُّهُما﴾ قالَ: نَحْنُ الطّائِفَتانِ بَنُو حارِثَةَ، وبَنُو سَلَمَةَ. وما نُحِبُّ أنَّها لَمْ تَنْزِلْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿واللَّهُ ولِيُّهُما﴾، قالَ ذَلِكَ جابِرٌ لِفَرْطِ الِاسْتِبْشارِ بِما حَصَلَ لَهم مِنَ الشَّرَفِ بِثَناءِ اللَّهِ وإنْزالِهِ فِيهِمْ آيَةً ناطِقَةً بِصِحَّةِ الوِلايَةِ، وأنَّ تِلْكَ الهِمَّةَ المَصْفُوحَ عَنْها لِكَوْنِها لَيْسَتْ عَزْمًا كانَتْ سَبَبًا لِنُزُولِها. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: واللَّهُ ”ولِيُّهم“، أعادَ الضَّمِيرَ عَلى المَعْنى لا عَلى لَفْظِ التَّثْنِيَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا﴾ [الحج: ١٩] وهَذِهِ الجُمْلَةُ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، بَلْ جاءَتْ مُسْتَأْنِفَةً لِثَناءِ اللَّهِ عَلى هاتَيْنِ الطّائِفَتَيْنِ.
﴿وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ لَمّا ذَكَرَ تَعالى ما هَمَّتْ بِهِ الطّائِفَتانِ مِنَ الفَشَلِ، وأخْبَرَ تَعالى أنَّهُ ولِيُّهُما، ومَن كانَ اللَّهُ ولِيُّهُ فَلا يُفَوِّضْ أمْرَهُ إلّا إلَيْهِ. أمَرَهم بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وقَدَّمَ المَجْرُورَ لِلِاعْتِناءِ بِمَن يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، أوْ لِلِاخْتِصاصِ عَلى مَذْهَبِ مَن يَرى ذَلِكَ. ونَبَّهَ عَلى الوَصْفِ الَّذِي يَقْتَضِي ذَلِكَ وهو الإيمانُ؛ لِأنَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ خَيْرٌ أنْ لا يَكُونَ اتِّكالُهُ إلّا عَلَيْهِ؛ ولِذَلِكَ قالَ: ﴿وعَلى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣] وأتى بِهِ عامًّا لِتَنْدَرِجَ الطّائِفَتانِ الهامَّتانِ وغَيْرُهم في هَذا الأمْرِ، وأنَّ مُتَعَلِّقَهُ مَن قامَ بِهِ الإيمانُ. وفي هَذا الأمْرِ تَحْرِيضٌ عَلى التَّغْبِيطِ بِما فَعَلَتْهُ الطّائِفَتانِ مِنِ اتِّباعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمَسِيرِ مَعَهُ.
{"ayah":"إِذۡ هَمَّت طَّاۤىِٕفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِیُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق