الباحث القرآني

﴿ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ إلّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهم وقُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إلَيْنا وأُنْزِلَ إلَيْكم وإلَهُنا وإلَهُكم واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿وكَذَلِكَ أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ فالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ومِن هَؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلّا الكافِرُونَ﴾ ﴿وما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ﴾ ﴿بَلْ هو آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلّا الظّالِمُونَ﴾ ﴿وقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وبَيْنَكم شَهِيدًا يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ والَّذِينَ آمَنُوا بِالباطِلِ وكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ العَذابُ ولَيَأْتِيَنَّهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ ﴿يَوْمَ يَغْشاهُمُ العَذابُ مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ ويَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ . (p-١٥٥)و(أهْلَ الكِتابِ) اليَهُودَ والنَّصارى. ﴿إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ مِنَ المُلاطَفَةِ في الدُّعاءِ إلى اللَّهِ والتَّنْبِيهِ عَلى آياتِهِ. ﴿إلّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ مِمَّنْ لَمْ يُؤَدِّ جِزْيَةً ونَصَبَ الحَرْبَ، وصَرَّحَ بِأنَّ لِلَّهِ ولَدًا أوْ شَرِيكًا، أوْ يَدَهُ مَغْلُولَةٌ؛ فالآيَةُ مَنسُوخَةٌ في مُهادَنَةِ مَن لَمْ يُحارِبْ، قالَهُ مُجاهِدٌ ومُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ. (إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ) أيْ: بِالمُوافَقَةِ فِيما حَدَّثُوكم بِهِ مِن أخْبارِ أوائِلِهِمْ. ﴿إلّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ مَن بَقِيَ مِنهم عَلى كُفْرِهِ، وعْدٌ لِقُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، والآيَةُ عَلى هَذا مُحْكَمَةٌ. وقِيلَ: إلّا الَّذِينَ آذَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . وقالَ قَتادَةُ: الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] الآيَةَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (إلّا)، حَرْفُ اسْتِثْناءٍ؛ وابْنُ عَبّاسٍ: ”ألا“، حَرْفُ تَنْبِيهٍ واسْتِفْتاحٍ، وتَقْدِيرُهُ: ألا جادِلُوهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ. (وقُولُوا آمَنّا) هَذا مِنَ المُجادَلَةِ بِالأحْسَنِ. ﴿بِالَّذِي أُنْزِلَ إلَيْنا﴾ وهو القُرْآنُ ﴿وأُنْزِلَ إلَيْكُمْ﴾ وهو التَّوْراةُ والزَّبُورُ والإنْجِيلُ. «وفِي صَحِيحِ» البُخارِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: «كانَ أهْلُ الكِتابِ يَقْرَءُونَ التَّوْراةَ بِالعِبْرانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَها بِالعَرَبِيَّةِ لِأهْلِ الإسْلامِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتابِ ولا تُكَذِّبُوهم وقُولُوا آمَنّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنا وما أُنْزِلَ إلَيْكم“» . (وكَذَلِكَ) أيْ: مِثْلُ ذَلِكَ الإنْزالِ الَّذِي لِلْكُتُبِ السّابِقَةِ ﴿أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ﴾ أيِ: القُرْآنَ. ﴿فالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ هم: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ ومَن آمَنَ مَعَهُ. ﴿ومِن هَؤُلاءِ﴾ أيْ: مِن أهْلِ مَكَّةَ. وقِيلَ: ﴿فالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ أيِ: الَّذِينَ تَقَدَّمُوا عَهْدَ الرَّسُولِ ﷺ، يُؤْمِنُونَ بِهِ: أيْ: بِالقُرْآنِ، إذْ هو مَذْكُورٌ في كُتُبِهِمْ أنَّهُ يَنْزِلُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . ﴿ومِن هَؤُلاءِ﴾ أيْ: مِمَّنْ في عَهْدِهِ مِنهم. ﴿وما يَجْحَدُ بِآياتِنا﴾ مَعَ ظُهُورِها وزَوالِ الشُّبْهَةِ عَنْها ﴿إلّا الكافِرُونَ﴾ أيْ: مِن بَنِي إسْرائِيلَ وغَيْرِهِمْ. قالَ مُجاهِدٌ: كانَ أهْلُ الكِتابِ يَقْرَءُونَ في كُتُبِهِمْ أنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلامُ، لا يَخُطُّ ولا يَقْرَأُ كِتابًا، فَنَزَلَتْ: (وما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ) أيْ: مِن قَبْلِ نُزُولِهِ عَلَيْكَ (مِن كِتابٍ) أيْ: كِتابًا، و”مِن“ زائِدَةٌ لِأنَّها في مُتَعَلَّقِ النَّفْيِ (ولا تَخُطُّهُ) أيْ: لا تَقْرَأُ ولا تَكْتُبُ (بِيَمِينِكَ) وهي الجارِحَةُ الَّتِي يُكْتَبُ بِها، وذِكْرُها زِيادَةُ تَصْوِيرٍ لِما نُفِيَ عَنْهُ مِنَ الكِتابَةِ، لَمّا ذَكَرَ إنْزالَ الكِتابِ عَلَيْهِ، مُتَضَمَّنًا مِنَ البَلاغَةِ والفَصاحَةِ والإخْبارِ عَنِ الأُمَمِ السّابِقَةِ والأُمُورِ المَغِيبَةِ ما أعْجَزَ البَشَرَ أنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، أخَذَ يُحَقِّقُ، كَوْنُهُ نازِلًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، بِأنَّهُ ظَهَرَ عَنْ رَجُلٍ أُمِّيٍّ، لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ، ولا يُخالِطُ أهْلَ العِلْمِ. وظُهُورُ هَذا القُرْآنِ المُنَزَّلِ عَلَيْهِ أعْظَمُ دَلِيلٍ عَلى صِدْقِهِ، وأكْثَرُ المُسْلِمِينَ عَلى أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكْتُبْ قَطُّ، ولَمْ يَقْرَأْ بِالنَّظَرِ في كِتابٍ. ورُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أنَّهُ قالَ: ما ماتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَتّى كَتَبَ وأسْنَدَ النِّقاشَ. حَدِيثُ أبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ: أنَّهُ قَرَأ صَحِيفَةً لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وأخْبَرَ بِمَعْناها. وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ما ظاهِرُهُ: أنَّهُ كَتَبَ مُباشَرَةً، وقَدْ ذَهَبَ إلى ذَلِكَ جَماعَةٌ، مِنهم أبُو ذَرٍّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ الهَرَوِيُّ، والقاضِي أبُو الوَلِيدِ الباجِيُّ وغَيْرُهُما. واشْتَدَّ نَكِيرُ كَثِيرٍ مِن عُلَماءِ بِلادِنا عَلى أبِي الوَلِيدِ الباجِيِّ، حَتّى كانَ بَعْضُهم يَسُبُّهُ ويَطْعَنُ فِيهِ عَلى المِنبَرِ. وتَأوَّلَ أكْثَرُ العُلَماءِ ما ورَدَ مِن أنَّهُ كَتَبَ عَلى أنَّ مَعْناهُ: أمَرَ بِالكِتابَةِ، كَما تَقُولُ: كَتَبَ السُّلْطانُ لِفُلانٍ بِكَذا، أيْ: أمَرَ بِالكَتْبِ. ﴿إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ﴾ أيْ: لَوْ كانَ يَقْرَأُ كُتُبًا قَبْلَ نُزُولِ القُرْآنِ عَلَيْهِ، أوْ يَكْتُبُ، لَحَصَلَتِ الرِّيبَةُ لِلْمُبْطِلِينَ، إذا كانُوا يَقُولُونَ: حَصَلَ ذَلِكَ الَّذِي يَتْلُوهُ مِمّا قَرَأهُ، قِيلَ: وخَطَّهُ واسْتَحْفَظَهُ؛ فَكانَ يَكُونُ لَهم في ارْتِيابِهِمْ تَعَلُّقٌ بِبَعْضِ شُبْهَةٍ، وأمّا ارْتِيابُهم مَعَ وُضُوحِ هَذِهِ الحُجَّةِ فَظاهِرٌ فَسادُهُ. والمُبْطِلُونَ: أهْلُ الكِتابِ، قالَهُ قَتادَةُ؛ أوْ كُفّارُ قُرَيْشٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ. وسُمُّوا مُبْطِلِينَ؛ لِأنَّهم كَفَرُوا بِهِ، وهو أُمِّيٌّ بَعِيدٌ مِنَ الرِّيَبِ. ولَمّا لَمْ يَكُنْ قارِئًا ولا كاتِبًا، كانَ ارْتِيابُهم لا وجْهَ لَهُ. (بَلْ هو) أيِ: القُرْآنُ: ﴿آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ واضِحاتُ الإعْجازِ ﴿فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ أيْ: مُسْتَقِرَّةٌ، مُؤْمَنٌ بِها، مَحْفُوظَةٌ في صُدُورِهِمْ، يَتْلُوها أكْثَرُ الأُمَّةِ ظاهِرًا، بِخِلافِ غَيْرِهِ (p-١٥٦)مِنَ الكُتُبِ، فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ، ولا يُقْرَأُ إلّا مِنَ الصُّحُفِ. وجاءَ في صِفَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ: صُدُورُهم أناجِيلُهم. وكَوْنُهُ القُرْآنَ يُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: ”بَلْ هي آياتٌ“ . وقِيلَ: بَلْ هو، أيِ: النَّبِيُّ ﷺ وأُمُورُهُ، آياتٌ بَيِّناتٌ، قالَهُ قَتادَةُ. وقَرَأ: بَلْ هو آيَةٌ بَيِّنَةٌ عَلى التَّوْحِيدِ؛ وقِيلَ: بَلْ هو، أيْ: كَوْنُهُ لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ. ويُقالُ: جَحَدْتَهُ وجَحَدْتَ بِهِ، وكَفَرْتَهُ وكَفَرْتَ بِهِ، قِيلَ: والجُحُودُ الأوَّلُ مُعَلَّقٌ بِالوَحْدانِيَّةِ، والثّانِي: مُعَلَّقٌ بِالنُّبُوَّةِ، وخُتِمَتْ تِلْكَ بِالكافِرِ. ولِأنَّهُ قَسِيمُ المُؤْمِنِينَ في قَوْلِهِ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ ومِن هَؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ﴾ وهَذِهِ بِالظّالِمِينَ؛ لِأنَّهُ جَحَدَ بَعْدَ إقامَةِ الدَّلِيلِ عَلى كَوْنِ الرَّسُولِ ﷺ صَدَرَ مِنهُ القُرْآنُ مُنَزَّلٌ عَلَيْهِ، وهو أُمِّيٌّ لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ، فَهُمُ الظّالِمُونَ بَعْدَ ظُهُورِ المُعْجِزَةِ. ﴿وقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ﴾ أيْ: قُرَيْشٌ، وبَعْضُ اليَهُودِ كانُوا يُعَلِّمُونَ قُرَيْشًا مِثْلَ هَذا الِاقْتِراحِ يَقُولُونَ لَهُ: ألا يَأْتِيكم بِآيَةٍ مِثْلِ آياتِ مُوسى مِنَ العَصا وغَيْرِها ؟ وقَرَأ العَرَبِيّانِ، ونافِعٌ، وحَفْصٌ: (آياتٌ)، عَلى الجَمْعِ؛ وباقِي السَّبْعَةِ: عَلى التَّوْحِيدِ. ﴿قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ يُنْزِلُ أيَّتَها شاءَ، ولَوْ شاءَ أنْ يُنْزِلَ ما يَقْتَرِحُونَهُ لَفَعَلَ. ﴿وإنَّما أنا نَذِيرٌ﴾ بِما أُعْطِيتُ مِنَ الآياتِ. وذَكَرَ يَحْيى بْنُ جَعْدَةَ أنَّ ناسًا مِنَ المُسْلِمِينَ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، بِكُتُبٍ قَدْ كَتَبُوا فِيها بَعْضَ ما يَقُولُ اليَهُودُ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْها ألْقاها وقالَ: «كَفى بِها حَماقَةَ قَوْمٍ أوْ ضَلالَةَ قَوْمٍ أنْ يَرْغَبُوا عَمّا جاءَ بِهِ نَبِيُّهم إلى ما جاءَ بِهِ غَيْرُ نَبِيِّهِمْ»، فَنَزَلَتْ: (أوَلَمْ يَكْفِهِمْ) . والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهُ رَدٌّ عَلى الَّذِينَ قالُوا: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ [يونس: ٢٠] أيْ: أوَلَمْ يَكْفِهِمْ آيَةً مُغْنِيَةً عَنْ سائِرِ الآياتِ، إنْ كانُوا طالِبِينَ لِلْحَقِّ غَيْرَ مُتَعَنِّتِينَ، هَذا القُرْآنُ الَّذِي تَدُومُ تِلاوَتُهُ عَلَيْهِمْ في كُلِّ مَكانٍ وزَمانٍ ؟ فَلا تَزالُ مَعَهم آيَةٌ ثابِتَةٌ لا تَزُولُ ولا تَضْمَحِلُّ، كَما تَزُولُ كُلُّ آيَةٍ بَعْدَ وُجُودِها، ويَكُونُ في مَكانٍ دُونَ مَكانٍ. إنَّ في هَذِهِ الآيَةِ المَوْجُودَةِ في كُلِّ مَكانٍ وزَمانٍ لَرَحْمَةٌ لَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لا تُنْكَرُ وتُذْكَرُ. وقِيلَ: ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ﴾ يَعْنِي اليَهُودَ ( أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ بِتَحْقِيقِ ما في أيْدِيهِمْ مِن نَعْتِكَ ونَعْتِ دِينِكَ، ورُوِيَ أنَّ كَعْبَ بْنَ الأشْرَفِ وأصْحابَهُ قالُوا: يا مُحَمَّدُ، مَن يَشْهَدُ بِأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وبَيْنَكم شَهِيدًا﴾ أيْ: قَدْ بَلَّغْتُ وأنْذَرْتُ، وأنَّكم جَحَدْتُمْ وكَذَّبْتُمْ، وهو العالِمُ ﴿ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ فَيَعْلَمُ أمْرِي وأمْرَكم ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِالباطِلِ﴾ . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِغَيْرِ اللَّهِ. وقالَ مُقاتِلٌ: بِعِبادَةِ الشَّيْطانِ. وقِيلَ: بِالصَّنَمِ. (ويَسْتَعْجِلُونَكَ) أيْ: كُفّارُ قُرَيْشٍ في قَوْلِهِمْ: ﴿ائْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ [الأعراف: ٧٧] وقَوْلِ النَّضِرِ: ﴿فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً﴾ [الأنفال: ٣٢] وهو اسْتِعْجالٌ عَلى جِهَةِ التَّعْجِيزِ والتَّكْذِيبِ والِاسْتِهْزاءِ بِالعَذابِ الَّذِي كانَ يَتَوَعَّدُهم بِهِ الرَّسُولُ ﷺ . والأجَلُ المُسَمّى: ما سَمّاهُ اللَّهُ وأثْبَتَهُ في اللَّوْحِ لِعَذابِهِمْ، وأوْجَبَتِ الحِكْمَةُ تَأْخِيرَهُ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: يَوْمَ القِيامَةِ. وقالَ ابْنُ سَلامٍ: أجَلُ ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وقِيلَ: يَوْمَ بَدْرٍ. ﴿ولَيَأْتِيَنَّهم بَغْتَةً﴾ أيْ: فَجْأةً، وهو ما ظَهَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وفي السِّنِينَ السَّبْعِ. ثُمَّ كَرَّرَ فِعْلَهم وقَبَّحَهُ، وأخْبَرَ أنَّ وراءَهم جَهَنَّمَ، تُحِيطُ بِهِمْ. وانْتَصَبَ ﴿يَوْمَ يَغْشاهُمْ﴾ بِـ: ”مُحِيطَةٌ“ . وقَرَأ الكُوفِيُّونَ، ونافِعٌ: (ويَقُولُ) أيِ: اللَّهُ؛ وباقِي السَّبْعَةِ: بِالنُّونِ، نُونِ العَظَمَةِ، أوْ نُونِ جَماعَةِ المَلائِكَةِ؛ وأبُو البَرِّ هُثَيْمٌ: بِالتّاءِ، أيْ: جَهَنَّمُ؛ كَما نُسِبَ القَوْلُ إلَيْها في: ﴿وتَقُولُ هَلْ مِن مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠] . وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: ويُقالُ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب