الباحث القرآني
﴿فَلَمّا أتاها نُودِيَ مِن شاطِئِ الوادِي الأيْمَنِ في البُقْعَةِ المُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أنْ يامُوسى إنِّي أنا اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ ﴿وأنْ ألْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأنَّها جانٌّ ولّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ يامُوسى أقْبِلْ ولا تَخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ ﴿اسْلُكْ يَدَكَ في جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِن رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي قَتَلْتُ مِنهم نَفْسًا فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ ﴿وأخِي هارُونُ هو أفْصَحُ مِنِّي لِسانًا فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ﴾ ﴿قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا فَلا يَصِلُونَ إلَيْكُما بِآياتِنا أنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُما الغالِبُونَ﴾ .
”مِن“ في: مِن شاطِئِ لِابْتِداءِ الغايَةِ، و”مِنَ الشَّجَرَةِ“ كَذَلِكَ، إذْ هي بَدَلٌ مِنَ الأُولى، أيْ مِن قِبَلِ الشَّجَرَةِ. و”الأيْمَنِ“: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلشّاطِئِ ولِلْوادِي، عَلى مَعْنى اليُمْنِ والبَرَكَةِ، أوِ الأيْمَنِ: يُرِيدُ المُعادِلَ لِلْعُضْوِ الأيْسَرِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلى مُوسى، لا لِلشّاطِئِ، ولا لِلْوادِي، أيْ أيْمَنَ مُوسى في اسْتِقْبالِهِ حَتّى يَهْبِطَ الوادِيَ، أوْ بِعَكْسِ ذَلِكَ؛ وكُلُّ هَذِهِ الأقْوالِ في الأيْمَنِ مَقُولٌ. وقَرَأ الأشْهَبُ العُقَيْلِيُّ، ومَسْلَمَةُ: ”في البَقْعَةِ“، بِفَتْحِ الباءِ. قالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ: هَذِهِ بَقْعَةٌ طَيِّبَةٌ، بِفَتْحِ الباءِ، ووُصِفَتِ البُقْعَةُ بِالبَرَكَةِ، لِما خُصَّتْ بِهِ مِن آياتِ اللَّهِ وأنْوارِهِ وتَكْلِيمِهِ لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - أوْ لِما حَوَتْ مِنَ الأرْزاقِ والثِّمارِ الطَّيِّبَةِ. ويَتَعَلَّقُ في البُقْعَةِ بِـ ”نُودِيَ“، أوْ تَكُونُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ”شاطِئِ“ . والشَّجَرَةُ عُنّابٌ، أوْ عُلَّيْقٌ، أوْ سَمُرَةٌ، أوْ عَوْسَجٌ، أقْوالٌ. و”أنْ“ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ حَرْفَ تَفْسِيرٍ، وأنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ. (p-١١٧)وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: ”أنِّي أنا“ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، وفي إعْرابِهِ إشْكالٌ؛ لِأنَّ ”إنْ“ إنْ كانَتْ تَفْسِيرِيَّةً، فَيَنْبَغِي كَسْرُ ”إنِّي“، وإنْ كانَتْ مَصْدَرِيَّةً، تَتَقَدَّرُ بِالمُفْرَدِ، والمُفْرَدُ لا يَكُونُ خَبَرًا الضَّمِيرُ الشَّأْنُ، فَتَخْرِيجُ هَذِهِ القِراءَةِ عَلى أنْ تَكُونَ ”إنْ“ تَفْسِيرِيَّةً، وإنِّي مَعْمُولٌ لِمُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: إنِّي يا مُوسى أعْلَمُ إنِّي أنا اللَّهُ.
وجاءَ في طه: ﴿نُودِيَ يا مُوسى إنِّي أنا رَبُّكَ﴾ [طه: ١١] وفي النَّمْلِ: ﴿نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَن في النّارِ﴾ [النمل: ٨] وهُنا: ﴿نُودِيَ مِن شاطِئِ﴾ ولا مُنافاةَ، إذْ حَكى في كُلِّ سُورَةٍ بَعْضَ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ النِّداءُ. والجُمْهُورُ: عَلى أنَّهُ - تَعالى - كَلَمَّهُ في هَذا المَقامِ مِن غَيْرِ واسِطَةٍ. وقالَ الحَسَنُ: ناداهُ نِداءَ الوَحْيِ، لا نِداءَ الكَلامِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِ قَوْلِهِ: ﴿وأنْ ألْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأنَّها جانٌّ ولّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ﴾ ثُمَّ أمَرَهُ فَقالَ: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ في جَيْبِكَ﴾ وهو فَتْحُ الجُبَّةِ مِن حَيْثُ تَخْرُجُ الرَّأْسُ، وكانَ كُمُّ الجُبَّةِ في غايَةِ الضِّيقِ. وتَقَدَّمُ الكَلامُ عَلى: ﴿تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ﴾ وفُسِّرَ الجَناحُ هُنا بِاليَدِ وبِالعَضُدِ وبِالعِطافِ، وبِما أسْفَلَ مِنَ العَضُدِ إلى الرُّسْغِ، وبِجَيْبِ مِدْرَعَتِهِ. والرَّهْبُ: الخَوْفُ، وتَأْتِي القِراءاتُ فِيهِ. وقِيلَ: بِفَتْحِ الرّاءِ والهاءِ: الكُمُّ، بِلُغَةِ بَنِي حَنِيفَةَ وحِمْيَرَ، وسَمِعَ الأصْمَعِيُّ قائِلًا يَقُولُ: أعْطِنِي ما في رَهْبِكَ، أيْ في كُمِّكَ، والظّاهِرُ حَمْلُ: ﴿واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ عَلى الحَقِيقَةِ.
قالَ الثَّوْرِيُّ: خافَ مُوسى أنْ يَكُونَ حَدَثَ بِهِ سُوءٌ، فَأمَرَهُ - تَعالى - أنْ يُعِيدَ يَدَهُ إلى جَيْبِهِ لِتَعُودَ عَلى حالَتِها الأُولى، فَيَعْلَمَ مُوسى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ سُوءًا بَلْ آيَةً مِنَ اللَّهِ. وقالَ مُجاهِدٌ، وابْنُ زَيْدٍ: أمَرَهُ بِضَمِّ عَضُدِهِ وذِراعِهِ، وهو الجَناحُ، إلى جَنْبِهِ، لِيَخِفَّ بِذَلِكَ فَزَعُهُ. ومِن شَأْنِ الإنْسانِ إذا فَعَلَ ذَلِكَ في وقْتِ فَزَعِهِ أنْ يَقْوى قَلْبُهُ. وقِيلَ: لَمّا انْقَلَبَتِ العَصا حَيَّةً، فَزِعَ مُوسى واضْطَرَبَ، فاتَّقاها بِيَدِهِ، كَما يَفْعَلُ الخائِفُ مِنَ الشَّيْءِ، فَقِيلَ لَهُ: أدْخِلْ يَدَكَ تَحْتَ عَضُدِكَ مَكانَ اتِّقائِكَ بِها، ثُمَّ أخْرَجَها بَيْضاءَ لِتَظْهَرَ مُعْجِزَةٌ أُخْرى، وهَذا القَوْلُ بَسَطَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ؛ لِأنَّهُ كالتَّكْرارِ لِقَوْلِهِ: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ في جَيْبِكَ﴾ . وقَدْ قالَ هو: والجَناحُ هُنا اليَدُ، قالَ: لِأنَّ يَدَيِ الإنْسانِ بِمَنزِلَةِ جَناحَيِ الطّائِرِ، وإذا أدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنى تَحْتَ عَضُدِهِ اليُسْرى، فَقَدْ ضَمَّ جَناحَهُ إلَيْهِ. وقِيلَ: المَعْنى إذا هالَكَ أمْرٌ لِما يَغْلِبُ مِن شُعاعِها، فاضْمُمْها إلَيْكَ تَسْكُنْ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو مُجازٌ أمَرَهُ بِالعَزْمِ عَلى ما أمَرَهُ بِهِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: اشْدُدْ حَيازِيمَكَ وارْبُطْ جَأْشَكَ، أيْ شِمِّرْ في أمْرِكَ ودَعِ الرَّهْبَ، وذَلِكَ لَمّا كَثُرَ تَخَوُّفُهُ وفَزَعُهُ في غَيْرِ مَوْطِنٍ، قالَهُ أبُو عَلِيٍّ، وكَأنَّهُ طَيَّرَهُ الفَزَعُ، وآلَةُ الطَّيَرانِ الجَناحُ. فَقِيلَ لَهُ: اسْكُنْ ولا تَخَفْ، وضُمَّ مَنشُورَ جَناحِكَ مِنَ الخَوْفِ إلَيْكَ، وذَكَرَ هَذا القَوْلَ الزَّمَخْشَرِيُّ، فَقالَ والثّانِي أنْ يُرادَ بِضَمِّ جَناحِهِ إلَيْهِ: تَجَلُّدُهُ وضَبْطُهُ نَفْسَهُ وتَشَدُّدُهُ عِنْدَ انْقِلابِ العَصا حَيَّةً، حَتّى لا يَضْطَرِبَ ولا يَرْهَبَ، اسْتِعارَةً مِن فِعْلِ الطّائِرِ؛ لِأنَّهُ إذا خافَ نَشَرَ جَناحَيْهِ وأرْخاهُما، وإلّا فَجَناحاهُ مَضْمُومانِ إلَيْهِ مُشَمَّرانِ. ومَعْنى ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ مِن أجْلِ الرَّهْبِ، أيْ إذا أصابَكَ الرَّهْبُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الحَيَّةِ، فاضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ. جَعَلَ الرَّهْبَ الَّذِي كانَ يُصِيبُهُ سَبَبًا وعِلَّةً فِيما أُمِرَ بِهِ مِن ضَمِّ جَناحِهِ إلَيْهِ. ومَعْنى: ﴿واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ في جَيْبِكَ﴾ عَلى أحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ واحِدٌ، ولَكِنْ خُولِفَ بَيْنَ العِبارَتَيْنِ، وإنَّما كُرِّرَ المَعْنى الواحِدُ لِاخْتِلافِ الغَرَضَيْنِ، وذَلِكَ أنَّ الغَرَضَ في أحَدِهِما خُرُوجُ اليَدِ بَيْضاءَ، وفي الثّانِي إخْفاءُ الرَّهْبِ. (فَإنْ قُلْتَ): قَدْ جُعِلَ الجَناحُ، وهو اليَدُ، في أحَدِ المَوْضِعَيْنِ مَضْمُومًا وفي الآخَرِ مَضْمُومًا إلَيْهِ، وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ﴾ ﴿واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَناحِكَ﴾ [طه: ٢٢] فَما التَّوْفِيقُ بَيْنَهُما ؟ (قُلْتُ): المُرادُ بِالجَناحِ المَضْمُومِ هو اليَدُ اليُمْنى، وبِالمَضْمُومِ إلَيْهِ اليَدُ اليُسْرى، وكُلُّ واحِدَةٍ مِن يُمْنى اليَدَيْنِ ويُسْراهُما جَناحٌ. ومِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ أنَّ الرَّهْبَ: الكُمُّ، بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وأنَّهم يَقُولُونَ: أعْطِنِي ما في رَهْبِكَ؛ ولَيْتَ شِعْرِي؛ كَيْفَ صِحَّتُهُ في اللُّغَةِ ؟ وهَلْ سُمِعَ مِنَ الأثْباتِ الثِّقاتِ الَّتِي تُرْضى عَرَبِيَّتُهم ؟ ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي: كَيْفَ مَوْقِعُهُ في الآيَةِ ؟ وكَيْفَ يُعْطِيهِ الفَصْلُ كَسائِرِ كَلِماتِ (p-١١٨)التَّنْزِيلِ ؟ عَلى أنَّ مُوسى - صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - ما كانَ عَلَيْهِ لَيْلَةَ المُناجاةَ إلّا زُرْمانِقَةٌ مِن صُوفٍ، لا كُمَّيْنِ لَها. انْتَهى. أمّا قَوْلُهُ: وهَلْ سَمِعَ مَنِ الأثْباتِ ؟ وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ الأصْمَعِيِّ، وهو ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وأمّا قَوْلُهُ: كَيْفَ مَوْقِعُهُ مِنَ الآيَةِ ؟ فَقالُوا: مَعْناهُ أخْرِجْ يَدَكَ مِن كُمِّكَ، وكانَ قَدْ أخَذَ العَصا بِالكُمِّ. وقَرَأ الحَرَمِيّانِ، وأبُو عَمْرٍو: مِنَ الرَّهَبِ، بِفَتْحِ الرّاءِ والهاءِ؛ وحَفْصٌ: بِفَتْحِ الرّاءِ وسُكُونِ الهاءِ؛ وباقِي السَّبْعَةِ: بِضَمِّ الرّاءِ وإسْكانِ الهاءِ. وقَرَأ قَتادَةُ، والحَسَنُ، وعِيسى، والجَحْدَرِيُّ: بِضَمِّهِما.
﴿فَذانِكَ﴾ إشارَةٌ إلى العَصا واليَدِ، وهُما مُؤَنَّثَتانِ، ولَكِنْ ذُكِّرا لِتَذْكِيرِ الخَبَرِ، كَما أنَّهُ قَدْ يُؤَنَّثُ المُذَكَّرُ لِتَأْنِيثِ الخَبَرِ، كَقِراءَةِ مَن قَرَأ: ”: ثُمَّ لَمْ يَكُنْ فِتْنَتُهم إلّا أنْ قالُوا“ بِالياءِ في ”تَكُنْ“ .
﴿بُرْهانانِ﴾ حُجَّتانِ نَيِّرَتانِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: ”فَذانِّكَ“، بِتَشْدِيدِ النُّونِ؛ وباقِي السَّبْعَةِ: بِتَخْفِيفِها. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وعِيسى، وأبُو نَوْفَلٍ، وابْنُ هُرْمُزَ، وشِبْلٌ: فَذانِيكَ، بِياءٍ بَعْدَ النُّونِ المَكْسُورَةِ، وهي لُغَةُ هُذَيْلٍ. وقِيلَ: بَلْ لُغَةُ تَمِيمٍ، ورَواها شِبْلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وعَنْهُ أيْضًا: فَذانَيْكَ، بِفَتْحِ النُّونِ قَبْلَ الياءِ، عَلى لُغَةِ مَن فَتَحَ نُونَ التَّثْنِيَةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ:
؎عَلى أحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: بِتَشْدِيدِ النُّونِ مَكْسُورَةً بَعْدَها ياءٌ. قِيلَ: وهي لُغَةُ هُذَيْلٍ. وقالَ الَمَهْدَوِيُّ: بَلْ لُغَتُهم تَخْفِيفُها. و﴿إلى فِرْعَوْنَ﴾ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ المَعْنى تَقْدِيرُهُ: اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ.
﴿قالَ رَبِّ إنِّي قَتَلْتُ مِنهم نَفْسًا﴾ هو القِبْطِيُّ الَّذِي وكَزَهُ فَماتَ، فَطَلَبَ مِن رَبِّهِ ما يَزْدادُ بِهِ قُوَّةً، وذَكَرَ أخاهُ والعِلَّةَ الَّتِي تَكُونُ لَهُ زِيادَةُ التَّبْلِيغِ. و﴿أفْصَحُ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ فِيهِ فَصاحَةً، ولَكِنْ أخُوهُ أفْصَحُ.
﴿فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ أيْ مُعِينًا يُصَدِّقُنِي، لَيْسَ المَعْنى أنَّهُ يَقُولُ لِي: صَدَقْتَ، إذْ يَسْتَوِي في قَوْلِ هَذا اللَّفْظِ العَيِيُّ والفَصِيحُ، وإنَّما المَعْنى: أنَّهُ لِزِيادَةِ فَصاحَتِهِ يُبالِغُ في التِّبْيانِ، وفي الإجابَةِ عَنِ الشُّبَهاتِ، وفي جِدالِهِ الكُفّارَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: رِدْءًا، بِالهَمْزَةِ؛ وأبُو جَعْفَرٍ، ونافِعٌ، والمَدَنِّيانِ: بِحَذْفِ الهَمْزَةِ ونَقْلِ حَرَكَتِها إلى الدّالِ؛ والمَشْهُورُ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ بِالنَّقْلِ، ولا هَمْزَ ولا تَنْوِينَ، ووَجْهُهُ أنَّهُ أجْرى الوَصْلَ مَجْرى الوَقْفِ. وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ: يُصَدِّقُنِي، بِضَمِّ القافِ، فاحْتَمَلَ الصِّفَةَ لِـ ”رِدْءًا“، والحالُ احْتَمَلَ الِاسْتِئْنافَ وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ: بِالإسْكانِ. وقَرَأ أُبَيٌّ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يُصَدِّقُونِي، والضَّمِيرُ لِفِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ. قالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: هَذا شاهِدٌ لِمَن جَزَمَ، لِأنَّهُ لَوْ كانَ رَفْعًا لَقالَ: يُصَدِّقُونَنِي. انْتَهى، والجَزْمُ عَلى جَوابِ الأمْرِ. والمَعْنى في يُصَدِّقُونِي: أرْجُو تَصْدِيقَهم إيّايَ، فَأجابَهُ - تَعالى - إلى طِلْبَتِهِ وقالَ: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ﴾ . وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والحَسَنُ: عُضُدَكَ، بِضَمَّتَيْنِ. وعَنِ الحَسَنِ: بِضَمِّ العَيْنِ وإسْكانِ الضّادِ. وعَنْ بَعْضِهِمْ: بِفَتْحِ العَيْنِ وكَسْرِ الضّادِ؛ وفَتْحِهِما، قَرَأ بِهِ عِيسى، ويُقالُ فِيهِ: عَضْدٌ، بِفَتْحِ العَيْنِ وسُكُونِ الضّادِ، ولا أعْلَمُ أحَدًا قَرَأ بِهِ. والعَضُدُ: العُضْوُ المَعْرُوفُ، وهي قِوامُ اليَدِ، وبِشِدَّتِها يَشْتَدُّ. قالَ الشّاعِرُ:
؎أبَنِي لُبَيْنى لَسْتُما بِيَدٍ ∗∗∗ إلّا يَدًا لَيْسَتْ لَها عَضُدُ
والمَعْنى فِيهِ: سَنُقَوِّيكَ بِأخِيكَ. ويُقالُ في الخَيْرِ: شَدَّ اللَّهُ عَضُدَكَ، وفي الشَّرِّ: فَتَّ اللَّهُ في عَضُدِكَ. والسُّلْطانُ: الحُجَّةُ والغَلَبَةُ والتَّسْلِيطُ.
﴿فَلا يَصِلُونَ إلَيْكُما﴾ أيْ بِسُوءٍ، أوْ إلى إذايَتِكُما. ويُحْتَمَلُ ﴿بِآياتِنا﴾ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: ”ونَجْعَلُ“، أوْ بِـ ”يَصِلُونَ“، أوْ بِـ ”الغالِبُونَ“، وإنْ كانَ مَوْصُولًا عَلى مَذْهَبِ مَن يَجُوزُ عِنْدَهُ أنْ يَتَقَدَّمَ الظَّرْفُ والجارُّ والمَجْرُورُ عَلى صِلَةِ أل، وإنْ كانَ عِنْدَهُ مَوْصُولًا عَلى سَبِيلِ الِاتِّساعِ، أوْ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أيِ اذْهَبا بِآياتِنا. كَما عَلَّقَ ”في تِسْعِ آياتٍ“ بِـ ”اذْهَبْ“، أوْ عَلى البَيانِ، فالعامِلُ مَحْذُوفٌ، وهَذِهِ أعارِيبُ مَنقُولَةٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَسَمًا جَوابُهُ ﴿فَلا يَصِلُونَ﴾ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، أوْ مِن لَغْوِ القَسَمِ. انْتَهى. أمّا إنَّهُ قَسَمٌ جَوابُهُ ﴿فَلا يَصِلُونَ﴾ فَإنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ؛ لِأنَّ جَوابَ القَسَمِ لا تَدْخُلُهُ الفاءُ. وأمّا قَوْلُهُ: أوْ مِن (p-١١٩)لَغْوِ القَسَمِ، فَكَأنَّهُ يُرِيدُ واللَّهُ أعْلَمُ. إنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ جَوابٌ، بَلْ حُذِفَ لِلدَّلالَةِ عَلَيْهِ، أيْ بِآياتِنا لَتَغْلِبُنَّ.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ مِن شَـٰطِىِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَیۡمَنِ فِی ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَـٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّیۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَاۤنࣱّ وَلَّىٰ مُدۡبِرࣰا وَلَمۡ یُعَقِّبۡۚ یَـٰمُوسَىٰۤ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡـَٔامِنِینَ","ٱسۡلُكۡ یَدَكَ فِی جَیۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَیۡضَاۤءَ مِنۡ غَیۡرِ سُوۤءࣲ وَٱضۡمُمۡ إِلَیۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَ ٰنِكَ بُرۡهَـٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِۦۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ","قَالَ رَبِّ إِنِّی قَتَلۡتُ مِنۡهُمۡ نَفۡسࣰا فَأَخَافُ أَن یَقۡتُلُونِ","وَأَخِی هَـٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّی لِسَانࣰا فَأَرۡسِلۡهُ مَعِیَ رِدۡءࣰا یُصَدِّقُنِیۤۖ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُكَذِّبُونِ","قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِیكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یَصِلُونَ إِلَیۡكُمَا بِـَٔایَـٰتِنَاۤۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَـٰلِبُونَ"],"ayah":"فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ مِن شَـٰطِىِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَیۡمَنِ فِی ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَـٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّیۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق