الباحث القرآني
﴿ودَخَلَ المَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِن أهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذا مِن شِيعَتِهِ وهَذا مِن عَدُوِّهِ فاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلى الَّذِي مِن عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هَذا مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ إنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ ﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ ﴿فَلَمّا أنْ أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هو عَدُوٌّ لَهُما قالَ يامُوسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ وما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ﴾ ﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ يَسْعى قالَ يامُوسى إنَّ المَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ﴾ ﴿فَخَرَجَ مِنها خائِفًا يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ .
(p-١٠٩)(المَدِينَةَ)، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي مَنفُ. رَكِبَ فِرْعَوْنُ يَوْمًا وسارَ إلَيْها، فَعَلِمَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِرُكُوبِهِ، فَلَحِقَ بِتِلْكَ المَدِينَةِ في وقْتِ القائِلَةِ، وعَنْهُ بَيْنَ العِشاءِ والعَتَمَةِ. وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: المَدِينَةُ مِصْرُ بِنَفْسِها، وكانَ مُوسى قَدْ بَدَتْ مِنهُ مُجاهَرَةٌ لِفِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ بِما يَكْرَهُونَ، فاخْتَفى وخافَ، فَدَخَلَها مُتَنَكِّرًا حَذِرًا مُتَغَفِّلًا لِلنّاسِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: كانَ فِرْعَوْنُ قَدْ أخْرَجَهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَغابَ عَنْها سِنِينَ، فَنَسِيَ، فَجاءَ والنّاسُ في غَفْلَةٍ بِنِسْيانِهِمْ لَهُ وبُعْدِ عَهْدِهِمْ بِهِ. وقِيلَ: كانَ يَوْمَ عِيدٍ، وهم مَشْغُولُونَ بِلَهْوِهِمْ. وقِيلَ: خَرَجَ مِن قَصْرِ فِرْعَوْنَ ودَخَلَ مِصْرَ. وقِيلَ: المَدِينَةُ عَيْنُ شَمْسٍ. وقِيلَ: قَرْيَةٌ عَلى فَرْسَخَيْنِ مِن مِصْرَ يُقالُ لَها حابِينَ. وقِيلَ: الإسْكَنْدَرِيَّةُ. وقَرَأ أبُو طالِبٍ القارِئُ: ﴿عَلى حِينَ﴾ بِنَصْبِ نُونِ حِينَ، ووَجْهُهُ أنَّهُ أجْرى المَصْدَرَ مَجْرى الفِعْلِ، كَأنَّهُ قالَ: عَلى حِينَ غَفَلَ أهْلُها، فَبَناهُ كَما بَناهُ حِينَ أُضِيفَ إلى الجُمْلَةِ المُصَدَّرَةِ بِفِعْلٍ ماضٍ، كَقَوْلِهِ:
؎عَلى حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ عَلى الصِّبا
وهَذا تَوْجِيهُ شُذُوذٍ. وقَرَأ نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: يَقَتِّلانِ. بِإدْغامِ التّاءِ في التّاءِ ونَقْلِ فَتْحَتِها إلى القافِ. قِيلَ: كانا يَقْتَتِلانِ في الدِّينِ، إذْ أحَدُهُما إسْرائِيلِيٌّ مُؤْمِنٌ والآخَرُ قِبْطِيٌّ. وقِيلَ: يَقْتَتِلانِ، في أنْ كُلِّفَ القِبْطِيُّ حَمْلَ الحَطَبِ إلى مَطْبَخِ فِرْعَوْنَ عَلى ظَهْرِ الإسْرائِيلِيِّ، و”يَقْتَتِلانِ“ صِفَةٌ لِـ ”رَجُلَيْنِ“ . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يَقْتَتِلانِ في مَوْضِعِ الحالِ. انْتَهى. والحالُ مِنَ النَّكِرَةِ أجازَهُ سِيبَوَيْهِ مِن غَيْرِ شَرْطٍ.
﴿هَذا مِن شِيعَتِهِ﴾ أيْ مِمَّنْ شايَعَهُ عَلى دِينِهِ، وهو الإسْرائِيلِيُّ. قِيلَ: وهو السّامِرِيُّ، وهَذا مِن عَدُوِّهِ، أيْ مِنَ القِبْطِ. وقِيلَ: اسْمُهُ فاتُونُ، وهَذا حِكايَةُ حالٍ، وقَدْ كانا حاضِرَيْنِ حالَةَ وُجْدانِ مُوسى لَهُما، أوْ لِحِكايَةِ الحالِ، عُبِّرَ عَنْ غائِبٍ ماضٍ بِاسْمِ الإشارَةِ الَّذِي هو مَوْضُوعٌ لِلْحاضِرِ. وقالَ المُبَرِّدُ: العَرَبُ تُشِيرُ بِهَذا إلى الغائِبِ. قالَ جَرِيرٌ:
؎هَذا ابْنُ عَمِّي في دِمَشْقَ خَلِيفَةٌ ∗∗∗ لَوْ شِئْتُ ساقَكم إلَيَّ قَطِينا
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿فاسْتَغاثَهُ﴾ أيْ طَلَبِ غَوْثَهُ ونَصْرَهُ عَلى القِبْطِيِّ. وقَرَأ سِيبَوَيْهِ، وابْنُ مِقْسَمٍ، والزَّعْفَرانِيُّ: بِالعَيْنِ المُهْمَلَةِ والنُّونِ بَدَلَ الثّاءِ، أيْ طَلَبِ مِنهُ الإعانَةَ عَلى القِبْطِيِّ. قالَ أبُو القاسِمِ يُوسُفُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جُبارَةَ: والِاخْتِيارُ قِراءَةُ ابْنِ مِقْسَمٍ؛ لِأنَّ الإعانَةَ أوْلى في هَذا البابِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَكَرَها الأخْفَشُ، وهي تَصْحِيفٌ لا قِراءَةٌ. انْتَهى. ولَيْسَتْ تَصْحِيفًا، فَقَدْ نَقَلَها ابْنُ خالَوَيْهِ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وابْنُ جُبارَةَ عَنِ ابْنِ مِقْسَمٍ والزَّعْفَرانِيِّ. ورُوِيَ أنَّهُ لَمّا اشْتَدَّ التَّناكُرُ بَيْنَهُما قالَ القِبْطِيُّ لِمُوسى: لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ أحْمِلَهُ عَلَيْكَ، يَعْنِي الحَطَبَ، فاشْتَدَّ غَضَبُ مُوسى، وكانَ قَدْ أُوتِيَ قُوَّةً ﴿فَوَكَزَهُ﴾ فَماتَ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ”فَلَكَزَهُ“، بِاللّامِ، وعَنْهُ: ”فَنَكَزَهُ“، بِالنُّونِ. قالَ قَتادَةُ: وكَزَهُ بِعَصاهُ؛ وغَيْرُهُ قالَ: بِجُمْعِ كَفِّهِ، والظّاهِرُ أنَّ فاعِلَ ﴿فَقَضى﴾ ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى مُوسى. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى اللَّهِ، أيْ فَقَضى اللَّهُ عَلَيْهِ بِالمَوْتِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مِن وكَزَهُ، أيْ فَقَضى الوَكْزُ عَلَيْهِ، وكانَ مُوسى لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، ولَكِنْ وافَقَتْ وكْزَتُهُ الأجَلَ، فَنَدِمَ مُوسى. ورُوِيَ أنَّهُ دَفَنَهُ في الرَّمْلِ وقالَ: ﴿هَذا مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ﴾ وهو ما لَحِقَهُ مِنَ الغَضَبِ حَتّى أدّى إلى الوَكْزَةِ الَّتِي قَضَتْ عَلى القِبْطِيِّ، وجَعَلَهُ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ وسَمّاهُ ظُلْمًا لِنَفْسِهِ واسْتَغْفَرَ مِنهُ؛ لِأنَّهُ أدّى إلى قَتْلِ مَن لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ في قَتْلِهِ. وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: لَيْسَ لِنَبِيٍّ أنْ يَقْتُلَ ما لَمْ يُؤْمَرْ. وقالَ كَعْبٌ: كانَ مُوسى إذْ ذاكَ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وكانَ قَتْلُهُ خَطَأً، فَإنَّ الوَكْزَةَ في الغالِبِ لا تَقْتُلُ. وقالَ النَّقّاشُ: كانَ هَذا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وقَدِ انْتَهَجَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - نَهْجَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إذْ قالَ: ﴿ظَلَمْنا أنْفُسَنا﴾ [الأعراف: ٢٣] . والباءُ في ﴿بِما أنْعَمْتَ﴾ لِلْقَسَمِ، والتَّقْدِيرُ: أُقْسِمُ بِما أنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ مِنَ المَغْفِرَةِ، والجَوابُ مَحْذُوفٌ، أيْ لَأتُوبَنَّ ﴿فَلَنْ أكُونَ﴾ أوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اعْصِمْنِي بِحَقِّ ما أنْعَمْتَ عَلَيَّ مِنَ (p-١١٠)المَغْفِرَةِ ﴿فَلَنْ أكُونَ﴾ إنْ عَصَمْتَنِي ﴿ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ . وقِيلَ: ﴿فَلَنْ أكُونَ﴾ دُعاءٌ لا خَبَرٌ، ولَنْ بِمَعْنى لا في الدُّعاءِ، والصَّحِيحُ أنَّ لَنْ لا تَكُونُ في الدُّعاءِ، وقَدِ اسْتُدِلَّ عَلى أنَّ لَنْ تَكُونُ في الدُّعاءِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وبِقَوْلِ الشّاعِرِ:
؎لَنْ تَزالُوا كَذاكم ثُمَّ ما زِلْ ∗∗∗ تَ لَهم خالِدًا خُلُودَ الجِبالِ
والمُظاهَرَةُ، إمّا بِصُحْبَتِهِ لِفِرْعَوْنَ وانْتِظامِهِ في جُمْلَتِهِ وتَكْثِيرِ سَوادِهِ حَيْثُ كانَ يَرْكَبُ بِرُكُوبِهِ كالوَلَدِ مَعَ الوالِدِ، وكانَ يُسَمّى ابْنَ فِرْعَوْنَ، وإمّا أنَّهُ أدَّتِ المُظاهَرَةُ إلى القَتْلِ الَّذِي جَرى عَلى يَدِهِ. وقِيلَ: بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَلَنْ أسْتَعْمِلَها إلّا في مُظاهَرَةِ أوْلِيائِكَ، ولا أدَعُ قِبْطِيًّا يَغْلِبُ إسْرائِيلِيًّا. واحْتَجَّ أهْلُ العِلْمِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى مَنعِ مَعُونَةِ أهْلِ الظُّلْمِ وخِدْمَتِهِمْ، نَصَّ عَلى ذَلِكَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ وغَيْرُهُ. وقالَ رَجُلٌ لِعَطاءٍ: إنَّ أخِي يَضْرِبُ بِعِلْمِهِ ولا يَعْدُو رِزْقَهُ، قالَ: فَمَنِ الرَّأْسُ، يَعْنِي مَن يَكْتُبْ لَهُ ؟ قالَ: خالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ القَسْرِيُّ، قالَ: فَأيْنَ قَوْلُ مُوسى ؟ وتَلا الآيَةَ: ﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا﴾ مِن قِتْلِ القِبْطِيِّ أنْ يُؤْخَذَ بِهِ، يَتَرَقَّبُ وُقُوعَ المَكْرُوهِ بِهِ أوِ الإخْبارَ هَلْ وقَفُوا عَلى ما كانَ مِنهُ ؟ قِيلَ: خائِفًا مِن أنَّهُ يَتَرَقَّبُ المَغْفِرَةَ. وقِيلَ: خائِفًا يَتَرَقَّبُ نُصْرَةَ رَبِّهِ، أوْ يَتَرَقَّبُ هِدايَةَ قَوْمِهِ، أوْ يَنْتَظِرُ أنْ يُسْلِمَهُ قَوْمُهُ.
﴿فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ﴾ أيِ الإسْرائِيلِيُّ الَّذِي كانَ قَتَلَ القِبْطِيَّ بِسَبَبِهِ. وإذا هُنا لِلْمُفاجَأةِ، وبِالأمْسِ يَعْنِي اليَوْمَ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الِاسْتِصْراخِ، وهو مُعْرَبٌ، فَحَرَكَةُ سِينِهِ حَرَكَةُ إعْرابٍ؛ لِأنَّهُ دَخَلَتْهُ ألْ، بِخِلافِ حالِهِ إذا عُرِّيَ مِنها، فالحِجازُ تَبْنِيهِ إذا كانَ مَعْرِفَةً، وتَمِيمٌ تَمْنَعُهُ الصَّرْفَ حالَةَ الرَّفْعِ فَقَطْ، ومِنهم مَن يَمْنَعُهُ الصَّرْفَ مُطْلَقًا، وقَدْ يُبْنى مَعَ ألْ عَلى سَبِيلِ النُّدُورِ. قالَ الشّاعِرُ:
؎وإنِّي حَسِبْتُ اليَوْمَ والأمْسَ قَبْلَهُ ∗∗∗ إلى اللَّيْلِ حَتّى كادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ
﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾ يَصِيحُ بِهِ مُسْتَغِيثًا مِن قِبْطِيٍّ آخَرَ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎كُنّا إذا ما أتانا صارِخٌ فَزِعٌ ∗∗∗ كانَ الصُّراخُ لَهُ قَرْعُ الطَّنابِيبِ
قالَ لَهُ مُوسى: الظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في ”لَهُ“ عائِدٌ عَلى الَّذِي ﴿إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ لِكَوْنِكَ كُنْتَ سَبَبًا في قَتْلِ القِبْطِيِّ بِالأمْسِ، قالَ لَهُ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ العِتابِ والتَّأْنِيبِ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في لَهُ، والخِطابُ لِلْقِبْطِيِّ، ودَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَسْتَصْرِخُهُ، ولَمْ يَفْهَمِ الإسْرائِيلِيُّ أنَّ الخِطابَ لِلْقِبْطِيِّ.
﴿فَلَمّا أنْ أرادَ أنْ يَبْطِشَ﴾ الظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في أرادَ ويَبْطِشُ هو لِمُوسى.
﴿بِالَّذِي هو عَدُوٌّ لَهُما﴾ أيْ لِلْمُسْتَصْرِخِ ومُوسى وهو القِبْطِيُّ يُوهِمُ الإسْرائِيلِيَّ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ هو عَلى سَبِيلِ إرادَةِ السُّوءِ بِهِ، وظَنَّ أنَّهُ يَسْطُو عَلَيْهِ. قالَ - أيِ الإسْرائِيلِيُّ -: ﴿يا مُوسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ﴾ دَفْعًا لِما ظَنَّهُ مِن سَطْوِ مُوسى عَلَيْهِ، وكانَ تَعْيِينُ القاتِلِ القِبْطِيِّ قَدْ خَفِيَ عَلى النّاسِ، فانْتَشَرَ في المَدِينَةِ أنَّ قاتِلَ القِبْطِيِّ هو مُوسى، ونَمى ذَلِكَ إلى فِرْعَوْنَ، فَأمَرَ بِقَتْلِ مُوسى. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في ”أرادَ“ و”يَبْطِشَ“ لِلْإسْرائِيلِيِّ عِنْدَ ذَلِكَ مِن مُوسى، وخاطَبَهُ بِما يَقْبُحُ، وأنَّ بَعْدَ ”لَمّا“ يَطَّرِدُ زِيادَتُها. وقِيلَ: لَوْ إذا سَبَقَ قَسَمٌ كَقَوْلِهِ:
؎فَأُقْسِمُ أنْ لَوِ التَقَيْنا وأنْتُمْ ∗∗∗ لَكانَ لَكم يَوْمٌ مِنَ الشَّرِّ مُظْلِمُ
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”يَبْطِشَ“، بِكَسْرِ الطّاءِ؛ والحَسَنُ، وأبُو جَعْفَرٍ: بِضَمِّها.
﴿إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ﴾ وشَأْنُ الجَبّارِ أنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ حَقٍّ. وقالَ الشَّعْبِيُّ: مَن قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَهو جَبّارٌ، يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ، ولَمّا أثْبَتَ لَهُ الجَبَرُوتِيَّةَ نَفى عَنْهُ الصَّلاحَ.
﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ﴾ قِيلَ: هو مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وكانَ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ. قالَ الكَلْبِيُّ: واسْمُهُ جِبْرِيلُ بْنُ شَمْعُونَ. وقالَ الضَّحّاكُ: شَمْعُونُ بْنُ إسْحاقَ. وقِيلَ: هو غَيْرُ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ.
﴿يَسْعى﴾ يَشْتَدُّ في مَشْيِهِ. ولَمّا أمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ، خَرَجَ الجَلاوِزَةُ (p-١١١)مِنَ الشّارِعِ الأعْظَمِ، لِطَلَبِهِ فَسَلَكَ هَذا الرَّجُلُ طَرِيقًا أقْرَبَ إلى مُوسى. و”مِن أقْصى المَدِينَةِ“، و”يَسْعى“: صِفَتانِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ يَسْعى حالًا، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ مِن أقْصى بِـ ”جاءَ“ . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإذا جَعَلَ، يَعْنِي، مِن أقْصى حالًا، لِـ ”جاءَ“ لَمْ يَجُزْ في ”يَسْعى“ إلّا الوَصْفُ. انْتَهى. يَعْنِي: أنَّ رَجُلًا يَكُونُ نَكِرَةً لَمْ تُوصَفْ، فَلا يَجُوزُ مِنها الحالُ، وقَدْ أجازَ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ في كِتابِهِ مِن غَيْرِ وصْفٍ. قالَ: ﴿إنَّ المَلَأ﴾ وهم وُجُوهُ أهْلِ دَوْلَةِ فِرْعَوْنَ ﴿يَأْتَمِرُونَ﴾ يَتَشاوَرُونَ، قالَ الشّاعِرُ، وهو النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
؎أرى النّاسَ قَدْ أحْدَثُوا شِيمَةً ∗∗∗ وفي كُلِّ حادِثَةٍ يُؤْتَمَرْ
وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يَأْمُرُ بَعْضُهم بَعْضًا بِقَوْلِهِ، مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وائْتَمِرُوا بَيْنَكم بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٦] .
﴿فاخْرُجْ إنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ﴾ . ولَكَ: مُتَعَلِّقٌ إمّا بِمَحْذُوفٍ، أيْ ناصِحٌ لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ، أوْ بِمَحْذُوفٍ عَلى جِهَةِ البَيانِ، أيْ لَكَ أعْنِي، أوْ بِالنّاصِحِينَ، وإنْ كانَ في صِلَةِ ألْ، لِأنَّهُ يُتَسامَحُ في الظَّرْفِ والمَجْرُورِ ما لا يُتَسامَحُ في غَيْرِهِما. وهي ثَلاثَةُ أقْوالٍ لِلنَّحْوِيِّينَ فِيما أشْبَهَ هَذا، فامْتَثَلَ مُوسى ما أمَرَهُ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وعَلِمَ صِدْقَهُ ونُصْحَهُ، وخَرَجَ وقَدْ أفْلَتَ طالِبِيهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ. وكانَ مُوسى لا يَعْرِفُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ، ولَمْ يَصْحَبْ أحَدًا، فَسَلَكَ مَجْهَلًا، واثِقًا بِاللَّهِ تَعالى، داعِيًا راغِبًا إلى رَبِّهِ في تَنْجِيَتِهِ مِنَ الظّالِمِينَ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَدَخَلَ ٱلۡمَدِینَةَ عَلَىٰ حِینِ غَفۡلَةࣲ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیۡنِ یَقۡتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِیعَتِهِۦ وَهَـٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِی مِن شِیعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِی مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَیۡهِۖ قَالَ هَـٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوࣱّ مُّضِلࣱّ مُّبِینࣱ","قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ","قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِیرࣰا لِّلۡمُجۡرِمِینَ","فَأَصۡبَحَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِی ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ یَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰۤ إِنَّكَ لَغَوِیࣱّ مُّبِینࣱ","فَلَمَّاۤ أَنۡ أَرَادَ أَن یَبۡطِشَ بِٱلَّذِی هُوَ عَدُوࣱّ لَّهُمَا قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ أَتُرِیدُ أَن تَقۡتُلَنِی كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِیدُ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ جَبَّارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِیدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ","وَجَاۤءَ رَجُلࣱ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ یَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِیَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّی لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ","فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق