الباحث القرآني

﴿وأزْلَفَتِ الجَنَّةُ﴾ قُرِّبَتْ لِيَنْظُرُوا إلَيْها ويَغْتَبِطُوا بِحَشْرِهِمْ إلَيْها. ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ﴾ أُظْهِرَتْ وكُشِفَتْ بِحَيْثُ كانَتْ بِمَرْأًى مِنهم كَقَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا رَأوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقِيلَ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ﴾ [الملك: ٢٧] وذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ. هَلْ يَنْفَعُونَكم بِنَصْرِهِمْ إيّاكم، أوْ يَنْتَصِرُونَ هم فَيَنْفَعُونَ أنْفُسَهم بِحِمايَتِها، إذْ هم وأنْتُمْ وقُودُ النّارِ ؟ وقَرَأ الأعْمَشُ: فَبُرِّزَتْ بِالفاءِ، جَعَلَ تَبْرِيزَ الجَحِيمِ بَعْدَ تَقْرِيبِ الجَنَّةِ يَعْقُبُهُ، وذَلِكَ لِأنَّ الواوَ لِلْجَمْعِ، فَيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما ظُهُورُهُ قَبْلَ الآخَرِ، وهو مِن تَقْدِيمِ الرَّحْمَةِ عَلى العَذابِ، وهو حَسَنٌ، لَوْ أنَّ رَسْمَ المُصْحَفِ بِالواوِ. وقَرَأ مالِكُ بْنُ دِينارٍ: (وبَرَزَتْ) بِالفَتْحِ والتَّخْفِيفِ؛ (الجَحِيمُ) بِالرَّفْعِ، بِإسْنادِ الفِعْلِ إلَيْها اتِّساعًا. ولَمّا وبَّخَهم وقَرَّعَهم، أخْبَرَ عَنْ حالِ يَوْمِ القِيامَةِ، وجِيءَ في ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَفْظِ الماضِي في أتى وأُزْلِفَتْ وبُرِّزَتْ. وقِيلَ: (فَكُبْكِبُوا) لِتَحَقُّقِ وُقُوعِ ذَلِكَ، وإنْ كانَ لَمْ يَقَعْ. والضَّمِيرُ في: ”فَكُبْكِبُوا“ عائِدٌ عَلى الأصْنامِ، أُجْرِيَتْ مَجْرى مَن يَعْقِلُ. قالَ الكِرْمانِيُّ: فَكُبْكِبُوا: قُذِفُوا فِيها. وقِيلَ: جُمِعُوا. وقِيلَ: هُدِرُوا. وقِيلَ: نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ يَمُوجُ بَعْضُهم في بَعْضٍ. وقِيلَ: أُلْقُوا في جَهَنَّمَ يَنْكَبُّونَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتّى يَسْتَقِرُّوا في قَعْرِها. (والغاوُونَ) هُمُ الكَفَرَةُ الَّذِينَ شَمِلَتْهُمُ الغَوايَةُ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلى الكُفّارِ، والغاوُونَ: الشَّياطِينُ. (وجُنُودُ إبْلِيسَ) قَبِيلَةٌ، وكُلُّ مَن تَبِعَهُ فَهو جُنْدٌ لَهُ وعَوْنٌ. وقالَ السُّدِّيُّ: هم مُشْرِكُو العَرَبِ، والغاوُونَ: سائِرُ المُشْرِكِينَ. وقِيلَ: هُمُ القادَةُ والسَّفِلَةُ، قالُوا: أيْ عُبّادُ الأصْنامِ، والجُمْلَةُ بَعْدَهُ حالٌ، والمَقُولُ جُمْلَةُ القَسَمِ ومُتَعَلَّقُهُ، والخِطابُ في (نُسَوِّيكم) لِلْأصْنامِ عَلى جِهَةِ الإقْرارِ والِاعْتِرافِ بِالحَقِّ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أقْسَمُوا بِاللَّهِ إنْ كُنّا إلّا ضالِّينَ في أنْ نَعْبُدَكم ونَجْعَلَكم سَواءً مَعَ اللَّهِ - تَعالى - الَّذِي هو رَبُّ العالَمِينَ وخالِقُهم ومالِكُهم. انْتَهى. وقَوْلُهُ: إنْ كُنّا إلّا ضالِّينَ، إنْ أرادَ تَفْسِيرَ المَعْنى فَهو صَحِيحٌ، وإنْ أرادَ أنَّ ”إنْ“ هُنا نافِيَةٌ، واللّامَ في ”لَفي“ بِمَعْنى إلّا، فَلَيْسَ مَذْهَبَ البَصْرِيِّينَ، وإنَّما هو مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ. ومَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ في مِثْلِ هَذا أنَّ ”إنْ“ هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وأنَّ اللّامَ هي الدّاخِلَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إنِ النّافِيَةِ وإنِ الَّتِي هي لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِ الجُمْلَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب