الباحث القرآني
﴿وما أضَلَّنا إلّا المُجْرِمُونَ﴾ أيْ أصْحابُ الجَرائِمِ والمَعاصِي العِظامِ والجُرْأةِ، وهم ساداتُهم ذَوُو المَكانَةِ في الدُّنْيا والِاسْتِتْباعِ كَقَوْلِهِمْ: ﴿أطَعْنا سادَتَنا وكُبَراءَنا فَأضَلُّونا السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٦٧] . وقالَ السُّدِّيُّ: هُمُ الأوَّلُونَ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ. وقِيلَ: المُجْرِمُونَ: الشَّياطِينُ، وقِيلَ: مَن دَعاهم إلى عِبادَةِ الأصْنامِ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ. وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إبْلِيسُ وابْنُ آدَمَ القاتِلُ، لِأنَّهُ أوَّلُ مَن سَنَّ القَتْلَ وأنْواعَ المَعاصِي. وحِينَ رَأوْا شَفاعَةَ المَلائِكَةِ والأنْبِياءِ والعُلَماءِ نافِعَةً في أهْلِ الإيمانِ، وشَفاعَةَ الصَّدِيقِ في صَدِيقِهِ خاصَّةً، قالُوا عَلى جِهَةِ التَّلَهُّفِ والتَّأسُّفِ ﴿فَما لَنا مِن شافِعِينَ ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ . وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: شافِعِينَ مِن (p-٢٨)المَلائِكَةِ وصَدِيقٍ مِنَ النّاسِ. ولَفْظَةُ الشَّفِيعِ تَقْتَضِي رِفْعَةَ مَكانَةٍ عِنْدَ المَشْفُوعِ عِنْدَهُ، ولَفْظَةُ الصَّدِيقِ تَقْتَضِي شِدَّةَ مُساهَمَةٍ ونُصْرَةٍ، وهو فَعِيلٌ مِن صَدَقَ الوِدَّ مِن أبْنِيَةِ المُبالِغَةِ، ونَفْيُ الشُّفَعاءِ والصَّدِيقِ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ نَفْيًا لِوُجُودِهِمْ إذْ ذاكَ، وهم مَوْجُودُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، إذْ تَشْفَعُ المَلائِكَةُ وتَتَصادَقُ المُؤْمِنُونَ، كَما قالَ: ”﴿الأخِلّاءُ يَوْمئِذٍ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلّا المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧]“، أوْ ذَلِكَ عَلى حَسَبِ اعْتِقادِهِمْ في مَعْبُوداتِهِمْ أنَّهم شُفَعاؤُهم عِنْدَ اللَّهِ، وأنَّ لَهم أصْدِقاءَ مِنَ الإنْسِ والشَّياطِينِ، فَقَصَدُوا بِنَفْيِهِمْ نَفْيَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنَ النَّفْعِ، لِأنَّ ما لا يَنْفَعُ، حُكْمُهُ حُكْمُ المَعْدُومِ، فَصارَ المَعْنى: فَما لَنا مَن نَفْعِ مَن كُنّا نَعْتَقِدُ أنَّهم شُفَعاءُ وأصْدِقاءُ، وجَمَعَ الشُّفَعاءَ لِكَثْرَتِهِمْ في العادَةِ. ألا تَرى أنَّهُ يَشْفَعُ فِيمَن وقَعَ في ورْطَةٍ مَن لا يَعْرِفُهُ، وأُفْرِدُ الصَّدِيقُ لِقِلَّتِهِ، وأُرِيدَ بِهِ الجَمْعُ ؟ إذْ يُقالُ: هم صَدِيقٌ، أيْ أصْدِقاءُ، كَما يُقالُ: هم عَدُوٌّ، أيْ أعْداءٌ. والظّاهِرُ أنْ لَوْ هُنا أُشْرِبَتْ مَعْنى التَّمَنِّي، و”فَنَكُونَ“ الجَوابُ، كَأنَّهُ قِيلَ: يا لَيْتَ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ. وقِيلَ: هي الخالِصَةُ لِلدَّلالَةِ لِما كانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (فَنَكُونَ) مَعْطُوفًا عَلى ”كَرَّةً“، أيْ فَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وجَوابُ لَوْ مَحْذُوفٌ، أيْ لَكانَ لَنا شُفَعاءُ وأصْدِقاءُ، أوْ لَخَلَصْنا مِنَ العَذابِ. والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الجُمَلَ كُلَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِ إبْراهِيمَ، أخْبَرَ بِما أعْلَمَهُ اللَّهُ مِن أحْوالِ يَوْمِ القِيامَةِ، وما يَكُونُ فِيها مِن حالِ قَوْمِهِ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذِهِ الآياتُ مِن قَوْلِهِ: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ هي عِنْدِي مُنْقَطِعَةٌ مِن كَلامِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وهي إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - تَعَلَّقَ بِصِفَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي وقَفَ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عِنْدَهُ في دُعائِهِ أنْ لا يُخْزى فِيهِ. انْتَهى. وكانَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَدْ أعْرَبَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ بَدَلًا مِن ”يَوْمَ يَبْعَثُونَ“، وعَلى هَذا لا يَتَأتّى هَذا الَّذِي ذَكَرَهُ مِن تَفْكِيكِ الكَلامِ، وجَعْلِ بَعْضِهِ مِن كَلامِ إبْراهِيمَ، وبَعْضِهِ مِن كَلامِ اللَّهِ؛ لِأنَّ العامِلَ في البَدَلِ عَلى مَذْهَبِ الجُمْهُورِ فِعْلٌ آخَرُ مِن لَفْظِ الأوَّلِ، أوِ الأوَّلُ. وعَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ، لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ اللَّهِ؛ إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: ولا تُخْزِنِي يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ. والإشارَةُ بِقَوْلِهِ ”إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً“ إلى قِصَّةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ومُحاوَرَتِهِ لِقَوْمِهِ. ”﴿وما كانَ أكْثَرُهُمْ﴾“: أيْ أكْثَرُ قَوْمِ إبْراهِيمَ. بَيَّنَ - تَعالى - أنَّ أكْثَرَ قَوْمِهِ لَمْ يُؤْمِنُوا مَعَ ظُهُورِ هَذِهِ الدَّلائِلِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِها إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وفي ذَلِكَ مَسْلاةٌ لِلرَّسُولِ ﷺ في تَكْذِيبِ قَوْمِهِ إيّاهُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
{"ayahs_start":99,"ayahs":["وَمَاۤ أَضَلَّنَاۤ إِلَّا ٱلۡمُجۡرِمُونَ","فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِینَ","وَلَا صَدِیقٍ حَمِیمࣲ","فَلَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةࣰ فَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ"],"ayah":"وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق