الباحث القرآني
﴿وإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ﴾ أيْ: مِمّا لا يَسُوغُ الخِطابُ بِهِ ﴿قالُوا سَلامًا﴾ أيْ: سَلامَ تَوْدِيعٍ لا تَحِيَّةٍ كَقَوْلِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِأبِيهِ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكَ﴾ [مريم: ٤٧] قالَهُ الأصَمُّ. وقالَ مُجاهِدٌ: قَوْلًا سَدِيدًا، فَهو مَنصُوبٌ بِقالُوا. وقِيلَ: هو عَلى إضْمارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ سَلَّمْنا: (سَلامًا)، فَهو جُزْءٌ مِن مُتَعَلِّقِ الجُمْلَةِ المَحْكِيَّةِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والَّذِي أقُولُهُ إنَّ (قالُوا) هو العامِلُ في (سَلامًا)؛ لِأنَّ المَعْنى قالُوا هَذا اللَّفْظَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَسَلُّمًا مِنكم فَأُقِيمَ السَّلامُ مُقامَ التَّسْلِيمِ. وقِيلَ: قالُوا سَدادًا مِنَ (p-٥١٣)القَوْلِ يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الأذى والإثْمِ، والمُرادُ بِالجَهْلِ السَّفَهُ وقِلَّةُ الأدَبِ وسُوءُ الرَّغْبَةِ مِن قَوْلِهِ:
؎ألا لا يَجْهَلَنْ أحَدٌ عَلَيْنا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجاهِلِينا
انْتَهى. وقالَ الكَلْبِيُّ وأبُو العالِيَةِ نَسَخَتْها آيَةُ القِتالِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذِهِ الآيَةُ كانَتْ قَبْلَ آيَةِ السَّيْفِ، فَنُسِخَ مِنها ما يَخُصُّ الكَفَرَةَ وبَقِيَ حُكْمُها في المُسْلِمِينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ في هَذِهِ الآيَةِ في كِتابِهِ وما تَكَلَّمَ عَلى نَسْخٍ سِواهُ. ورَجَّحَ بِهِ أنَّ المُرادَ السَّلامَةُ لا التَّسْلِيمُ؛ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ لَمْ يُؤْمَرُوا قَطُّ بِالسَّلامِ عَلى الكَفَرَةِ، والآيَةُ مَكِّيَّةٌ فَنَسَخَتْها آيَةُ السَّيْفِ. وفي التّارِيخِ ما مَعْناهُ أنَّ إبْراهِيمَ بْنَ المَهْدِيِّ كانَ مُنْحَرِفًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، فَرَآهُ في النَّوْمِ قَدْ تَقَدَّمَهُ إلى عُبُورِ قَنْطَرَةٍ، فَقالَ لَهُ: إنَّما تَدَّعِي هَذا الأمْرَ بِامْرَأةٍ ونَحْنُ أحَقُّ بِهِ مِنكَ، وكانَ حَكى ذَلِكَ لِلْمَأْمُونِ، قالَ: فَما رَأيْتُ لَهُ بَلاغَةً في الجَوابِ كَما يُذْكَرُ عَنْهُ، فَقالَ لَهُ المَأْمُونُ: فَما أجابَكَ بِهِ ؟ قالَ: كانَ يَقُولُ لِي سَلامًا سَلامًا، فَنَبَّهَهُ المَأْمُونُ عَلى هَذِهِ الآيَةِ، وقالَ: يا عَمِّ، قَدْ أجابَكَ بِأبْلَغِ جَوابٍ. فَخُزِيَ إبْراهِيمُ واسْتَحْيا، وكَأنَّ إبْراهِيمَ لَمْ يَحْفَظِ الآيَةَ أوْ ذَهَبَ عَنْهُ حالَةَ الحِكايَةِ.
والبَيْتُوتَةُ هو أنْ يُدْرِكَكَ اللَّيْلُ نِمْتَ أوْ لَمْ تَنَمْ، وهو خِلافُ الظُّلُولِ وبَجِيلَةُ وأزْدُ السَّراةِ يَقُولُونَ: بَياتٌ، وسائِرُ العَرَبِ يَقُولُونَ: يَبِيتُ، ولَمّا ذَكَرَ حالَهم بِالنَّهارِ بِأنَّهم يَتَصَرَّفُونَ أحْسَنَ تَصَرُّفٍ ذَكَرَ حالَهم بِاللَّيْلِ، والظّاهِرُ أنَّهُ يَعْنِي إحْياءَ اللَّيْلِ بِالصَّلاةِ أوْ أكْثَرِهِ. وقِيلَ: مَن قَرَأ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ بِاللَّيْلِ في صَلاةٍ فَقَدْ باتَ ساجِدًا وقائِمًا. وقِيلَ: هُما الرَّكْعَتانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، والرَّكْعَتانِ بَعْدَ العَشاءِ. وقِيلَ: مَن شَفَعَ وأوْتَرَ بَعْدَ أنْ صَلّى العِشاءَ فَقَدْ دَخَلَ في هَذِهِ الآيَةِ. وفي هَذِهِ الآيَةِ حَضٌّ عَلى قِيامِ اللَّيْلِ في الصَّلاةِ. وقَدَّمَ السُّجُودَ وإنْ كانَ مُتَأخِّرًا في الفِعْلِ؛ لِأجْلِ الفَواصِلِ ولِفَضْلِ السُّجُودِ، فَإنَّها حالَةٌ أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ فِيها مِنَ اللَّهِ. وقَرَأ وأبُو البَرَهْسَمِ: (سُجُودًا)، عَلى وزْنِ قُعُودًا. ومَدَحَهم تَعالى بِدُعائِهِ أنْ يَصْرِفَ عَنْهم عَذابَ جَهَنَّمَ، وفِيهِ تَحْقِيقُ إيمانِهِمْ بِالبَعْثِ والجَزاءِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: (غَرامًا) فَظِيعًا وجِيعًا. وقالَ الخُدْرِيُّ: لازِمًا مُلِحًّا دائِمًا. قالَ الحَسَنُ: كُلُّ غَرِيمٍ يُفارِقُ غَرِيمَهُ إلّا غَرِيمَ جَهَنَّمَ. وقالَ السُّدِّيُّ: شَدِيدًا. وأنْشَدُوا عَلى أنَّ (غَرامًا) لازِمًا قَوْلَ الشّاعِرِ، وهو بِشْرُ بْنُ أبِي خازِمٍ:
؎ويَوْمُ اليَسارِ ويَوْمُ الجِفارِ ∗∗∗ كانا عَذابًا وكانا غَراما
وقالَ الأعْشى.
؎إنْ يُعاقِبْ يَكُنْ غَرامًا ∗∗∗ وإنْ يُعْطِ جَزِيلًا فَإنَّهُ لا يُبالِي
وصَفَهم بِإحْياءِ اللَّيْلِ ساجِدِينَ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ دُعائِهِمْ هَذا؛ إيذانًا بِأنَّهم مَعَ اجْتِهادِهِمْ خائِفُونَ يَبْتَهِلُونَ إلى اللَّهِ في صَرْفِ العَذابِ عَنْهم. و(ساءَتْ) احْتَمَلَ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى بِئْسَتْ. والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ وفي (ساءَتْ) ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ ويَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ ﴿مُسْتَقَرًّا ومُقامًا﴾ تَمْيِيزًا. والتَّقْدِيرُ ﴿ساءَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقامًا﴾ هي وهَذا المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ هو رابِطُ الجُمْلَةِ الواقِعَةِ خَبَرًا لِإنَّ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿ساءَتْ﴾ بِمَعْنى أحْزَنَتْ فَيَكُونُ المَفْعُولُ مَحْذُوفًا، أيْ: ساءَتْهم. والفاعِلُ ضَمِيرُ جَهَنَّمَ وجازَ في ﴿مُسْتَقَرًّا ومُقامًا﴾ أنْ يَكُونا تَمْيِيزَيْنِ، وأنْ يَكُونا حالَيْنِ قَدْ عُطِفَ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ. والظّاهِرُ أنِ التَّعْلِيلَيْنِ غَيْرُ مُتَرادِفَيْنِ: ذَكَرَ أوَّلًا لُزُومَ عَذابِها، وثانِيًا مَساءَةَ مَكانِها، وهُما مُتَغايِرانِ وإنْ كانَ يَلْزَمُ مِن لُزُومِ العَذابِ في مَكانٍ ذَمُّ ذَلِكَ المَكانِ. وقِيلَ: هُما مُتَرادِفانِ، والظّاهِرُ أنَّهُ مِن كَلامِ الدّاعِينَ وحِكايَةٌ لِقَوْلِهِمْ. وقِيلَ: هو مِن كَلامِ اللَّهِ، ويَظْهَرُ أنَّ قَوْلَهُ: (ومُقامًا) مَعْطُوفٌ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ؛ لِأنَّ الِاسْتِقْرارَ والإقامَةَ كَأنَّهُما مُتَرادِفانِ. وقِيلَ: المُسْتَقَرُّ لِلْعُصاةِ مِن أهْلِ الإيمانِ فَإنَّهم يَسْتَقِرُّونَ فِيها ولا يُقِيمُونَ، والإقامَةُ لِلْكُفّارِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: (ومَقامًا)، بِفَتْحِ المِيمِ، أيْ: مَكانَ قِيامٍ، والجُمْهُورُ بِالضَّمِّ، أيْ: مَكانَ إقامَةٍ.
{"ayahs_start":63,"ayahs":["وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِینَ یَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنࣰا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمࣰا","وَٱلَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدࣰا وَقِیَـٰمࣰا","وَٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا","إِنَّهَا سَاۤءَتۡ مُسۡتَقَرࣰّا وَمُقَامࣰا"],"ayah":"وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِینَ یَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنࣰا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق