الباحث القرآني

﴿ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالغَمامِ ونُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾ ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وكانَ يَوْمًا عَلى الكافِرِينَ عَسِيرًا﴾ ﴿ويَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ ﴿ياوَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا﴾ ﴿لَقَدْ أضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جاءَنِي وكانَ الشَّيْطانُ لِلْإنْسانِ خَذُولًا﴾ ﴿وقالَ الرَّسُولُ يارَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذا القُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ وكَفى بِرَبِّكَ هادِيًا ونَصِيرًا﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ورَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا﴾ ﴿ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلّا جِئْناكَ بِالحَقِّ وأحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكانًا وأضَلُّ سَبِيلًا﴾ . (p-٤٩٤)قَرَأ الحَرَمِيّانِ وابْنُ عامِرٍ (تَشَّقَّقُ) بِإدْغامِ التّاءِ مِن تَتَشَقَّقُ في الشِّينِ هُنا. وفي (ق) وباقِي السَّبْعَةِ بِحَذْفِ تِلْكَ التّاءِ، ويَعْنِي يَوْمَ القِيامَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: ١٨] . وقَرَأ الجُمْهُورُ: (ونُزِّلَ) ماضِيًا مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وابْنُ مَسْعُودٍ وأبُو رَجاءٍ (ونَزَلَ) ماضِيًا مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. وعَنْهُ أيْضًا وأنْزَلَ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وجاءَ مَصْدَرُهُ (تَنْزِيلًا)، وقِياسُهُ إنْزالًا إلّا أنَّهُ لَمّا كانَ مَعْنى أنْزَلَ ونَزَّلَ واحِدًا جازَ مَجِيءُ مَصْدَرِ أحَدِهِما لِلْآخَرِ، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎حَتّى تَطَوَّيْتُ انْطِواءَ الخِصْبِ كَأنَّهُ قالَ: حَتّى انْطَوَيْتُ. وقَرَأ الأعْمَشُ وعَبْدُ اللَّهِ في نَقْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ ”وأُنْزِلَ“ ماضِيًا رُباعِيًّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، مُضارِعُهُ يُنَزَّلُ. وقَرَأ جَناحُ بْنُ حُبَيْشٍ والخَفّافُ عَنْ أبِي عَمْرٍو (ونَزَلَ) ثُلاثِيًّا مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وهارُونُ عَنْ أبِي عَمْرٍو وتُنَزَّلُ بِالتّاءِ مِن فَوْقُ مُضارِعَ نَزَّلَ مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وأبُو مُعاذٍ وخارِجَةُ، عَنْ أبِي عَمْرٍو (ونُزِّلَ المَلائِكَةُ) بِضَمِّ النُّونِ وشَدِّ الزّايِ، أسْقَطَ النُّونَ مِن ونُنَزِّلُ، وفي بَعْضِ المَصاحِفِ ”ونُنَزِّلُ“ بِالنُّونِ مُضارِعَ نَزَّلَ مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. ونَسَبَها ابْنُ عَطِيَّةَ لِابْنِ كَثِيرٍ وحْدَهُ، قالَ: وهي قِراءَةُ أهْلِ مَكَّةَ، ورُوِيَتْ عَنْ أبِي عَمْرٍو. وعَنْ أُبَيٍّ أيْضًا و(تَنَزَّلَتِ) . وقَرَأ أُبَيٌّ و(نُزِّلَتِ) ماضِيًا مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ بِتاءِ التَّأْنِيثِ. وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ عَنِ الخَفّافِ عَنْ أبِي عَمْرٍو: (ونُزِلَ) مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (المَلائِكَةُ) رَفْعًا، فَإنْ صَحَّتِ القِراءَةُ فَإنَّهُ حُذِفَ مِنها المُضافُ وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مُقامَهُ، وتَقْدِيرُهُ: ونَزَلَ نُزُولُ المَلائِكَةِ فَحُذِفَ النُّزُولُ، ونُقِلَ إعْرابُهُ إلى (المَلائِكَةُ) بِمَعْنى نَزَلَ نازِلُ المَلائِكَةِ؛ لِأنَّ المَصْدَرَ يَكُونُ بِمَعْنى الِاسْمِ، وهَذا مِمّا يَجِيءُ عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ في تَرْتِيبِ اللّازِمِ لِلْمَفْعُولِ بِهِ؛ لِأنَّ الفِعْلَ يَدُلُّ عَلى مَصْدَرِهِ، انْتَهى. وقالَ أبُو الفَتْحِ: وهَذا غَيْرُ مَعْرُوفٍ؛ لِأنَّ (نَزَلَ) لا يَتَعَدّى إلى مَفْعُولٍ فَيُبْنى هُنا لِلْمَلائِكَةِ، ووَجْهُهُ أنْ يَكُونَ مِثْلَ زُكِمَ الرَّجُلُ وجُنَّ فَإنَّهُ لا يُقالُ إلّا أزْكَمَهُ اللَّهُ وأجَنَّهُ. وهَذا بابُ سَماعٍ لا قِياسٍ، انْتَهى. فَهَذِهِ إحْدى عَشْرَةَ قِراءَةً. والظّاهِرُ أنَّ الغَمامَ هو السَّحابُ المَعْهُودُ. وقِيلَ هو اللَّهُ في قَوْلِهِ: ﴿فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ﴾ [البقرة: ٢١٠] . وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الغَمامُ الَّذِي يَأْتِي اللَّهُ فِيهِ في الجَنَّةِ زَعَمُوا. وقالَ الحَسَنُ: سُتْرَةٌ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ تَعْرُجُ المَلائِكَةُ فِيهِ تَنْسَخُ أعْمالَ بَنِي آدَمَ لِيُحاسَبُوا. وقِيلَ: غَمامٌ أبْيَضُ رَقِيقٌ مِثْلُ الضَّبابَةِ ولَمْ يَكُنْ لِبَنِي إسْرائِيلَ في تِيهِهِمْ، والظّاهِرُ أنَّ السَّماءَ هي المُظِلَّةُ لَنا. وقِيلَ: تَتَشَقَّقُ سَماءً سَماءً؛ قالَهُ مُقاتِلٌ. والباءُ باءُ الحالِ، أيْ: مُتَغَيِّمَةً، أوْ باءُ السَّبَبِ، أيْ: بِسَبَبِ طُلُوعِ الغَمامِ مِنهُ كَأنَّهُ الَّذِي تَتَشَقَّقُ بِهِ السَّماءُ، كَما تَقُولُ: شُقَّ السَّنامُ بِالشَّفْرَةِ وانْشَقَّ بِها، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: ١٨]، أوْ بِمَعْنى عَنْ أقْوالٍ ثَلاثَةٍ. والفَرْقُ بَيْنَ الباءِ السَّبَبِيَّةِ وعَنْ أنَّ انْشَقَّ عَنْ (p-٤٩٥)كَذا تَفَتَّحَ عَنْهُ وانْشَقَّ بِكَذا أنَّهُ هو الشّاقُّ لَهُ. (ونُزِّلَ المَلائِكَةُ)، أيْ: إلى الأرْضِ لِوُقُوعِ الجَزاءِ والحِسابِ. و(الحَقُّ) صِفَةٌ لِلْمُلْكِ، أيِ: الثّابِتُ؛ لِأنَّ كُلَّ مُلْكٍ يَوْمَئِذٍ يَبْطُلُ، ولا يَبْقى إلّا مُلْكُهُ تَعالى وخَبَرُ المُلْكِ (يَوْمَئِذٍ) . والرَّحْمَنُ مُتَعَلِّقٌ بِالحَقِّ أوْ لِلْبَيانِ، أعْنِي: (لِلرَّحْمَنِ) . وقِيلَ: الخَبَرُ (لِلرَّحْمَنِ) و(يَوْمَئِذٍ) مَعْمُولٌ لِلْمُلْكِ. وقِيلَ: الخَبَرُ (الحَقُّ) و(لِلرَّحْمَنِ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ أوْ لِلْبَيانِ، وعَسُرَ ذَلِكَ اليَوْمُ عَلى الكافِرِينَ بِدُخُولِهِمُ النّارَ وما في خِلالِ ذَلِكَ مِنَ المَخاوِفِ. ودَلَّ قَوْلُهُ: (عَلى الكافِرِينَ) عَلى تَيْسِيرِهِ عَلى المُؤْمِنِينَ، فَفي الحَدِيثِ أنَّهُ يُهَوَّنُ حَتّى يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِ أخَفَّ عَلَيْهِ مِن صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلّاها في الدُّنْيا، والظّاهِرُ عُمُومُ الظّالِمِ؛ إذِ اللّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ؛ قالَهُ مُجاهِدٌ وأبُو رَجاءٍ، وقالا: فُلانٌ هو كِنايَةٌ عَنِ الشَّيْطانِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وجَماعَةٌ: (الظّالِمُ) هُنا عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ؛ إذْ كانَ جَنَحَ إلى الإسْلامِ وأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ هو المَكْنِيُّ عَنْهُ بِفُلانٍ، وكانَ بَيْنَهُما مُخالَّةٌ فَنَهاهُ عَنِ الإسْلامِ فَقَبِلَ مِنهُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. عَكْسُ هَذا القَوْلِ. قِيلَ: وسَبَبُ نُزُولِها هو عُقْبَةُ وأُبَيٌّ. وقِيلَ: كانَ عُقْبَةُ خَلِيلًا لِأُمَيَّةَ فَأسْلَمَ عُقْبَةُ، فَقالَ أُمَيَّةُ: وجْهِي مِن وجْهِكَ حَرامٌ إنْ بايَعْتَ مُحَمَّدًا، فَكَفَرَ وارْتَدَّ لِرِضا أُمَيَّةَ، فَنَزَلَتْ؛ قالَهُ الشَّعْبِيُّ. وذَكَرَ مِن إساءَةِ عُقْبَةَ عَلى الرَّسُولِ ما كانَ سَبَبَ أنْ قالَ لَهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: «لا ألْقاكَ خارِجًا مِن مَكَّةَ إلّا عَلَوْتُ رَأْسَكَ بِالسَّيْفِ» . فَقُتِلَ عُقْبَةُ يَوْمِ بَدْرٍ صَبْرًا أمَرَ عَلِيًّا فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وقُتِلَ أبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَوْمَ أُحُدٍ في المُبارَزَةِ. والمَقْصُودُ ذِكْرُ هَوْلِ يَوْمِ القِيامَةِ بِتَنَدُّمِ الظّالِمِ وتَمَنِّيهِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أطاعَ خَلِيلَهُ الَّذِي كانَ يَأْمُرُهُ بِالظُّلْمِ، وما مِن ظالِمٍ إلّا ولَهُ في الغالِبِ خَلِيلٌ خاصٌّ بِهِ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِفُلانٍ. والظّاهِرُ أنَّ الظّالِمَ (يَعَضُّ عَلى يَدَيْهِ) فِعْلَ النّادِمِ المُتَفَجِّعِ. وقالَ الضَّحّاكُ: يَأْكُلُ يَدَيْهِ إلى المِرْفَقِ ثُمَّ تَنْبُتُ، ولا يَزالُ كَذَلِكَ كُلَّما أكَلَها نَبَتَتْ. وقِيلَ: هو مَجازٌ عُبِّرَ بِهِ عَنِ التَّحَيُّرِ والغَمِّ والنَّدَمِ والتَّفَجُّعِ، ونَقَلَ أئِمَّةُ اللُّغَةِ أنَّ المُتَأسِّفَ المُتَحَزِّنَ المُتَنَدِّمَ يَعَضُّ عَلى إبْهامِهِ نَدَمًا، وقالَ الشّاعِرُ: ؎لَطَمَتْ خَدَّها بِحُمْرٍ لِطافٍ ∗∗∗ نِلْنَ مِنها عَذابَ بِيضٍ عِذابِ ؎فَتَشَكّى العُنّابُ نَوْرَ أقاحٍ ∗∗∗ واشْتَكى الوَرْدُ ناضِرَ العُنّابِ وفِي المَثَلِ: يَأْكُلُ يَدَيْهِ نَدَمًا ويُسِيلُ دَمْعَهُ دَمًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَضُّ الأنامِلِ واليَدَيْنِ والسُّقُوطُ في اليَدِ وأكْلُ البَنانِ وحَرْقُ الأسْنانِ والأرَمُ وفُرُوعُها، كِناياتٌ عَنِ الغَيْظِ والحَسْرَةِ؛ لِأنَّها مِن رَوادِفِها فَتُذْكَرُ الرّادِفَةُ ويُدَلُّ بِها عَلى المَرْدُوفِ فَيَرْتَفِعُ الكَلامُ بِهِ في طَبَقَةِ الفَصاحَةِ، ويَجِدُ السّامِعُ عِنْدَهُ في نَفْسِهِ مِنَ الرَّوْعَةِ والِاسْتِحْسانِ ما لا يَجِدُ عِنْدَ لَفْظِ المُكَنّى عَنْهُ، انْتَهى. وقالَ الشّاعِرُ في حَرْقِ النّابِ: ؎أبى الضَّيْمَ والنُّعْمانُ يَحْرِقُ نابُهُ ∗∗∗ عَلَيْهِ فَأفْضى والسُّيُوفُ مَعاقِلُهْ (يَقُولُ) في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ: قائِلًا: (يا لَيْتَنِي)، فَإنْ كانَتِ اللّامُ لِلْعَهْدِ فالمَعْنى أنَّهُ تَمَنّى عُقْبَةُ أنْ لَوْ صَحِبَ النَّبِيَّ ﷺ وسَلَكَ طَرِيقَ الحَقِّ، وإنْ كانَتِ اللّامُ لِلْجِنْسِ فالمَعْنى أنَّهُ تَمَنّى سُلُوكَ طَرِيقِ الرَّسُولِ، وهو الإيمانُ، ويَكُونُ الرَّسُولُ لِلْجِنْسِ؛ لِأنَّ كُلَّ ظالِمٍ قَدْ كُلِّفَ اتِّباعَ ما جاءَ بِهِ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، إلى أنْ جاءَتِ المِلَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ فَنَسَخَتْ جَمِيعَ المِلَلِ، فَلا يُقْبَلُ بَعْدَ مَجِيئِهِ دِينٌ غَيْرُ الَّذِي جاءَ بِهِ. ثُمَّ يُنادِي بِالوَيْلِ والحَسْرَةِ يَقُولُ: (يا ويْلَتى)، أيْ: يا هَلَكاهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦] . وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ قُطَيْبٍ (يا ويْلَتِي) بِكَسْرِ التّاءِ، والياءُ ياءُ الإضافَةِ، وهو الأصْلُ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ يُنادِي ويْلَتَهُ وهي هَلَكَتُهُ، يَقُولُ لَها: تَعالَيْ فَهَذا أوانُكِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِالإمالَةِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: وتَرْكُ الإمالَةِ أحْسَنُ؛ لِأنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ الياءُ فَبُدِّلَتِ الكَسْرَةُ فَتْحَةً والياءُ ألِفًا؛ فِرارًا مِنَ الياءِ، فَمَن أمالَ رَجَعَ إلى الَّذِي عَنْهُ فَرَّ أوَّلًا. وفُلانٌ كِنايَةٌ (p-٤٩٦)عَنِ العَلَمِ، وهو مُتَصَرِّفٌ، وفُلُ كِنايَةٌ عَنْ نَكِرَةِ الإنْسانِ نَحْوُ: يا رَجُلُ، وهو مُخْتَصٌّ بِالنِّداءِ، وفُلَةُ بِمَعْنى يا امْرَأةُ كَذَلِكَ، ولامُ فُلُ ياءٌ أوْ واوٌ، ولَيْسَ مُرَخَّمًا مِن فُلانٍ، خِلافًا لِلْفَرّاءِ. ووَهَمَ ابْنُ عُصْفُورٍ وابْنُ مالِكٍ وصاحِبُ البَسِيطِ في قَوْلِهِمْ: فُلُ كِنايَةٌ عَنِ العَلَمِ كَفُلانٍ. وفي كِتابِ سِيبَوَيْهِ ما قُلْناهُ بِالنَّقْلِ عَنِ العَرَبِ. والذِّكْرُ ذِكْرُ اللَّهِ أوِ القُرْآنُ أوِ المَوْعِظَةُ، والظّاهِرُ حَمْلُ الشَّيْطانِ عَلى ظاهِرِهِ؛ لِأنَّهُ هو الَّذِي وسْوَسَ إلَيْهِ في مُخالَّةِ مَن أضَلَّهُ سَمّاهُ شَيْطانًا؛ لِأنَّهُ يُضِلُّ كَما يُضِلُّ الشَّيْطانُ، ثُمَّ خَذَلَهُ ولَمْ يَنْفَعْهُ في العاقِبَةِ. وتَحْتَمِلُ هَذِهِ الجُمْلَةُ أنْ تَكُونَ مِن تَمامِ كَلامِ الظّالِمَ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ إخْبارًا مِن كَلامِ اللَّهِ عَلى جِهَةِ الدَّلالَةِ عَلى وجْهِ ضَلالِهِمْ، والتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّيْطانِ الَّذِي بَلَّغَهم ذَلِكَ المَبْلَغَ. وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ تَمْثِيلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ بِالمِسْكِ والجَلِيسِ السُّوءِ بِنافِخِ الكِيرِ. والظّاهِرُ أنَّ دُعاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَبَّهُ، وإخْبارَهُ بِهَجْرِ قَوْمِهِ قُرَيْشٍ القُرْآنَ، هو مِمّا جَرى لَهُ في الدُّنْيا؛ بِدَلِيلِ إقْبالِهِ عَلَيْهِ مُسَلِّيًا مُؤانِسًا بِقَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ﴾، وأنَّهُ هو الكافِي في هِدايَتِهِ ونَصْرِهِ، فَهو وعْدٌ مِنهُ بِالنَّصْرِ، وهَذا القَوْلُ مِنَ الرَّسُولِ وشِكايَتُهُ فِيهِ تَخْوِيفٌ لِقَوْمِهِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ مِنهم أبُو مُسْلِمٍ إنَّهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في الآخِرَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١]، والظّاهِرُ أنَّ (مَهْجُورًا) بِمَعْنى مَتْرُوكًا مِنَ الإيمانِ بِهِ، مُبْعَدًا مَقْصِيًّا مِنَ الهَجْرِ، بِفَتْحِ الهاءِ. وقالَهُ مُجاهِدٌ والنَّخَعِيُّ وأتْباعُهُ. وقِيلَ: مِنَ الهُجْرِ، والتَّقْدِيرُ (مَهْجُورًا) فِيهِ، بِمَعْنى أنَّهُ باطِلٌ. وأساطِيرُ الأوَّلِينَ أنَّهم إذا سَمِعُوهُ هَجَرُوا فِيهِ كَقَوْلِهِ: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَهْجُورُ بِمَعْنى الهَجْرِ كالمَلْحُودِ والمَعْقُولِ، والمَعْنى اتَّخَذُوهُ هَجْرًا، والعَدُوُّ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ واحِدًا وجَمْعًا، انْتَهى. وانْتَصَبَ (هادِيًا) و(نَصِيرًا) عَلى الحالِ أوْ عَلى التَّمْيِيزِ. وقالُوا - أيِ الكُفّارُ - عَلى سَبِيلِ الِاقْتِراحِ والِاعْتِراضِ الدّالِّ عَلى نُفُورِهِمْ عَنِ الحَقِّ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (نُزِّلَ) هاهُنا بِمَعْنى أُنْزِلَ لا غَيْرُ، كَخُبِّرَ بِمَعْنى أُخْبِرَ، وإلّا كانَ مُتَدافِعًا، انْتَهى. وإنَّما قالَ إنَّ (نُزِّلَ) بِمَعْنى أُنْزِلَ؛ لِأنَّ نُزِّلَ عِنْدَهُ أصْلُها أنْ تَكُونَ لِلتَّفْرِيقِ، فَلَوْ أقَرَّهُ عَلى أصْلِهِ عِنْدَهُ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى التَّفْرِيقِ تَدافَعَ هو. وقَوْلُهُ: (جُمْلَةً واحِدَةً)، وقَدْ قَرَّرْنا أنَّ (نُزِّلَ) لا تَقْتَضِي التَّفْرِيقَ؛ لِأنَّ التَّضْعِيفَ فِيهِ عِنْدَنا مُرادِفٌ لِلْهَمْزَةِ. وقَدْ بَيَّنا ذَلِكَ في أوَّلِ آلِ عِمْرانَ، وقائِلُ ذَلِكَ كُفّارُ قُرَيْشٍ، قالُوا: لَوْ كانَ هَذا مِن عِنْدِ اللَّهِ لَنَزَلَ جُمْلَةً كَما نَزَلَتِ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ. وقِيلَ: قائِلُو ذَلِكَ اليَهُودُ، وهَذا قَوْلٌ لا طائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأنَّ أمْرَ الِاحْتِجاجِ بِهِ والإعْجازِ لا يَخْتَلِفُ بِنُزُولِهِ جُمْلَةً واحِدَةً أوْ مُفَرَّقًا، بَلِ الإعْجازُ في نُزُولِهِ مُفَرَّقًا أظْهَرُ؛ إذْ يُطالَبُونَ بِمُعارَضَةِ سُورَةٍ مِنهُ، فَلَوْ نَزَلَ جُمْلَةً واحِدَةً وطُولِبُوا بِمُعارَضَتِهِ مِثْلَ ما نَزَلْ لَكانُوا أعْجَزَ مِنهم حِينَ طُولِبُوا بِمُعارَضَةِ سُورَةٍ مِنهُ فَعَجَزُوا، والمُشارُ إلَيْهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ. فَقِيلَ: هو مِن كَلامِ الكُفّارِ وأشارُوا إلى التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، أيْ: تَنْزِيلًا مِثْلَ تَنْزِيلِ تِلْكَ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ جُمْلَةً واحِدَةً، ويَبْقى ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ﴾ تَعْلِيلًا لِمَحْذُوفٍ، أيْ: فَرَّقْناهُ في أوْقاتٍ ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ﴾ . وقِيلَ: هو مُسْتَأْنَفٌ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى لا مِن كَلامِهِمْ، ولَمّا تَضَمَّنَ كَلامُهم مَعْنى لِمَ أُنْزِلَ مُفَرَّقًا أُشِيرَ بِقَوْلِهِ (كَذَلِكَ) إلى التَّفْرِيقِ، أيْ: (كَذَلِكَ) أُنْزِلَ مُفَرَّقًا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والحِكْمَةُ فِيهِ أنْ نُقَوِّيَ بِتَفْرِيقِهِ فُؤادَكَ حَتّى تَعِيَهُ وتَحْفَظَهُ؛ لِأنَّ المُتَلَقِّنَ إنَّما يَقْوى قَلْبُهُ عَلى حِفْظِ العِلْمِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وجُزْءًا عَقِيبَ جُزْءٍ، ولَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ جُمْلَةً واحِدَةً لَكانَ يَعْيا في حِفْظِهِ، والرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فارَقَتْ حالُهُ حالَ داوُدَ ومُوسى وعِيسى - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - حَيْثُ كانَ أُمِّيًّا لا يَكْتُبُ وهم كانُوا قارِئِينَ كاتِبِينَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّلَقُّنِ والتَّحَفُّظِ، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ مُنَجَّمًا في عِشْرِينَ سَنَةً. وقِيلَ: في ثَلاثٍ وعِشْرِينَ سَنَةً، وأيْضًا فَكانَ يَنْزِلُ عَلى حَسَبِ الحَوادِثِ وجَوابِ السّائِلِينَ؛ ولِأنَّ (p-٤٩٧)بَعْضَهُ مَنسُوخٌ وبَعْضَهُ ناسِخٌ، ولا يَتَأتّى ذَلِكَ إلّا فِيما أُنْزِلَ مُفَرَّقًا، انْتَهى. واللّامُ في (لِنُثَبِّتَ بِهِ) لامُ العِلَّةِ. وقالَ أبُو حاتِمٍ: هي لامُ القَسَمِ، والتَّقْدِيرُ واللَّهِ لَيُثَبِّتَنَّ، فَحُذِفَتِ النُّونُ وكُسِرَتِ اللّامُ، انْتَهى. وهَذا قَوْلٌ في غايَةِ الضَّعْفِ، وكانَ يَنْحُو إلى مَذْهَبِ الأخْفَشِ أنَّ جَوابَ القَسَمِ يُتَلَقّى بِلامِ كَيْ، وجُعِلَ مِنهُ ﴿ولِتَصْغى إلَيْهِ أفْئِدَةُ﴾ [الأنعام: ١١٣]، وهو مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ”لِيُثَبِّتَ“ بِالياءِ، أيْ: لِيُثَبِّتَ اللَّهُ، (ورَتَّلْناهُ) أيْ: فَصَّلْناهُ. وقِيلَ: بَيَّنّاهُ. وقِيلَ: فَسَّرْناهُ. ﴿ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾ يَضْرِبُونَهُ عَلى جِهَةِ المُعارَضَةِ مِنهم كَتَمْثِيلِهِمْ في هَذِهِ بِالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ إلّا جاءَ القُرْآنُ بِالحَقِّ في ذَلِكَ، ثُمَّ هو أوْضَحُ بَيانًا وتَفْصِيلًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾ بِسُؤالٍ عَجِيبٍ مِن سُؤالاتِهِمُ الباطِلَةِ، كَأنَّهُ مَثَلٌ في البُطْلانِ إلّا أتَيْناكَ نَحْنُ بِالجَوابِ الحَقِّ الَّذِي لا مَحِيدَ عَنْهُ، وبِما هو أحْسَنُ مَعْنًى ومُؤَدًّى مِن سُؤالِهِمْ. ولَمّا كانَ التَّفْسِيرُ هو الكَشْفَ عَمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ وُضِعَ مَوْضِعَ مَعْناهُ، فَقالُوا: تَفْسِيرُ هَذا الكَلامِ كَيْتَ وكَيْتَ، كَما قِيلَ مَعْناهُ كَذا أوْ (ولا يَأْتُونَكَ) بِحالٍ وصِفَةٍ عَجِيبَةٍ، يَقُولُونَ: هَلّا كانَتْ هَذِهِ صَفَتَكَ وحالَكَ، نَحْوَ أنْ يُقْرَنَ بِكَ مَلَكٌ يُنْذِرُ مَعَكَ، أوْ يُلْقى إلَيْكَ كَنْزٌ، أوْ تَكُونُ لَكَ جَنَّةٌ، أوْ يَنْزِلُ عَلَيْكَ القُرْآنُ جُمْلَةً، إلّا أعْطَيْناكَ ما يَحِقُّ لَكَ في حِكْمَتِنا ومَشِيئَتِنا أنْ تُعْطاهُ، وما هو أحْسَنُ تَكْشِيفًا لِما بُعِثْتَ عَلَيْهِ ودَلالَةً عَلى صِحَّتِهِ، انْتَهى. وقِيلَ: (ولا يَأْتُونَكَ) بِشُبْهَةٍ في إبْطالِ أمْرِكَ إلّا جِئْناكَ بِالحَقِّ الَّذِي يَدْحَضُ شُبْهَةَ أهْلِ الجَهْلِ ويُبْطِلُ كَلامَ أهْلِ الزَّيْغِ، والمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، أيْ: ﴿وأحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ مِن مَثَلِهِمْ، ومَثَلُهم قَوْلُهم: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً﴾ . و(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ) . قالَ الكَرْمانِيُّ: مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ﴾ [الفرقان: ٢٤] الآيَةَ. قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ﴾ انْتَهى. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهم لَمّا اعْتَرَضُوا في حَدِيثِ القُرْآنِ وإنْزالِهِ مُفَرَّقًا كانَ في ضِمْنِ كَلامِهِمْ أنَّهم ذَوُو رُشْدٍ وخَيْرٍ، وأنَّهم عَلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، ولِذَلِكَ اعْتَرَضُوا فَأخْبَرَ تَعالى بِحالِهِمْ وما يَئُولُ إلَيْهِ أمْرُهم في الآخِرَةِ بِكَوْنِهِمْ ﴿شَرٌّ مَكانًا وأضَلُّ سَبِيلًا﴾، والظّاهِرُ أنَّهُ يُحْشَرُ الكافِرُ عَلى وجْهِهِ بِأنْ يُسْحَبَ عَلى وجْهِهِ. وفي الحَدِيثِ: ”إنَّ الَّذِي أمْشاهم عَلى أرْجُلِهِمْ قادِرٌ أنْ يُمْشِيَهم عَلى وُجُوهِهِمْ“، وهَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ. وقِيلَ: هو مَجازٌ لِلذِّلَّةِ المُفْرِطَةِ والهَوانِ والخِزْيِ. وقِيلَ: هو مِن قَوْلِ العَرَبِ مَرَّ فُلانٌ عَلى وجْهِهِ إذا لَمْ يَدْرِ أيْنَ ذَهَبَ. ويُقالُ: مَضى عَلى وجْهِهِ إذا أسْرَعَ مُتَوَجِّهًا لِقَصْدِهِ، و(شَرٌّ) و(أضَلُّ) لَيْسا عَلى بابِهِما مِنَ الدَّلالَةِ عَلى التَّفْضِيلِ. وقَوْلُهُ: (شَرٌّ مَكانًا) أيْ: مُسْتَقَرًّا، وهو مُقابِلٌ لِقَوْلِهِ: (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا)، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِالمَكانِ المَكانَةُ والشَّرَفُ لا المُسْتَقَرُّ. وأعْرَبُوا (الَّذِينَ) مُبْتَدَأً والجُمْلَةَ مِن (أُوْلَئِكَ) في مَوْضِعِ الخَبَرِ، ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ (الَّذِينَ) خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، لَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الكافِرِينَ وما قالُوا قالَ إبْعادًا لَهم وتَسْمِيعًا بِما يَئُولُ إلَيْهِ حالُهم، هُمُ (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ) ثُمَّ اسْتَأْنَفَ إخْبارًا أخْبَرَ عَنْهم فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكانًا﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب