الباحث القرآني

﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي ذَرَأكم في الأرْضِ وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ ولَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الأوَّلُونَ﴾ ﴿قالُوا أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ﴿لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وآباؤُنا هَذا مِن قَبْلُ إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهو يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ ﴿بَلْ أتَيْناهم بِالحَقِّ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ ﴿ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن ولَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ ﴿عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿قُلْ رَبِّ إمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٣] ﴿رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي في القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٩٤] ﴿وإنّا عَلى أنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهم لَقادِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٥] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٦] ﴿وقُلْ رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِن هَمَزاتِ الشَّياطِينِ﴾ [المؤمنون: ٩٧] ﴿وأعُوذُ بِكَ رَبِّ أنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٨] ﴿حَتّى إذا جاءَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] ﴿لَعَلِّي أعْمَلُ صالِحًا فِيما تَرَكْتُ كَلّا إنَّها كَلِمَةٌ هو قائِلُها ومِن ورائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٢] ﴿ومَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم في جَهَنَّمَ خالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٣] ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وهم فِيها كالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] ﴿ألَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكم فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] ﴿قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وكُنّا قَوْمًا ضالِّينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٦] ﴿رَبَّنا أخْرِجْنا مِنها فَإنْ عُدْنا فَإنّا ظالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٧] ﴿قالَ اخْسَئُوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] ﴿إنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِن عِبادِي يَقُولُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٩] ﴿رَبَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٩] ﴿فاتَّخَذْتُمُوهم سِخْرِيًّا حَتّى أنْسَوْكم ذِكْرِي وكُنْتُمْ مِنهم تَضْحَكُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٠] ﴿إنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِما صَبَرُوا أنَّهم هُمُ الفائِزُونَ﴾ [المؤمنون: ١١١] ﴿قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٢] ﴿قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْألِ العادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] ﴿قالَ إنْ لَبِثْتُمْ إلّا قَلِيلًا لَوْ أنَّكم كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٤] ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥] ﴿فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلّا هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٦] ﴿ومَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧] ﴿وقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وارْحَمْ وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٨] . الهَمْزُ: النَّخْسُ والدَّفْعُ بِيَدٍ وغَيْرِها، ومِنهُ مِهْمازُ الرّائِضِ وهَمْزُ النّاسِ بِاللِّسانِ. ”البَرْزَخُ“: الحاجِزُ بَيْنَ المَسافَتَيْنِ. وقِيلَ: الحِجابُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يَمْنَعُ أحَدَهُما أنْ (p-٤١٧)يَصِلَ إلى الآخَرِ. النَّسَبُ: القَرابَةُ مِن جِهَةِ الوِلادَةِ. اللَّفْحُ: إصابَةُ النّارِ الشَّيْءَ بِوَهَجِها وإحْراقِها. وقالَ الزَّجّاجُ: اللَّفْحُ أشَدُّ مِنَ اللَّقْحِ تَأْثِيرًا. الكُلُوحُ: تَشَمُّرُ الشَّفَتَيْنِ عَنِ الأسْنانِ، ومِنهُ كُلُوحُ الكَلْبِ والأسَدِ. وقِيلَ: الكُلُوحُ بُسُورُ الوَجْهِ وهو تَقْطِيبُهُ، وكَلَحَ الرَّجُلُ كُلُوحًا وكُلاحًا ودَهْرٌ كالِحٌ وبَرْدٌ كالِحٌ شَدِيدٌ. العَبَثُ: اللَّعِبُ الخالِي عَنْ فائِدَةٍ. ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي ذَرَأكم في الأرْضِ وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ ولَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الأوَّلُونَ﴾ ﴿قالُوا أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ﴿لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وآباؤُنا هَذا مِن قَبْلُ إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهو يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ ﴿بَلْ أتَيْناهم بِالحَقِّ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ ﴿ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن ولَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلى بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ ﴿عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ . مُناسَبَةُ ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأ لَكُمُ﴾ لِما قَبْلَهُ أنَّهُ لَمّا بَيَّنَ إعْراضَ الكُفّارِ عَنْ سَماعِ الأدِلَّةِ ورُؤْيَةِ العِبَرِ والتَّأمُّلِ في الحَقائِقِ، خاطَبَ قِيلَ المُؤْمِنِينَ، والظّاهِرُ: العالَمَ بِأسْرِهِمْ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ مَن لَمْ يُعْمِلْ هَذِهِ الأعْضاءَ فِيما خَلَقَهُ اللَّهُ تَعالى وتَدَبَّرَ ما أوْدَعَهُ فِيها (p-٤١٨)مِنَ الدَّلائِلِ عَلى وحْدانِيَّتِهِ وباهِرِ قُدْرَتِهِ فَهو كَعادِمِ هَذِهِ الأعْضاءِ، ومِمَّنْ قالَ تَعالى فِيهِمْ: ﴿فَما أغْنى عَنْهم سَمْعُهم ولا أبْصارُهم ولا أفْئِدَتُهم مِن شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٦] فَمَن أنْشَأ هَذِهِ الحَواسَّ وأُنْشِئَتْ هي لَهُ وأحْيا وأماتَ وتَصَرَّفَ في اخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ هو قادِرٌ عَلى البَعْثِ. وخَصَّ هَذِهِ الأعْضاءَ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِها مَنافِعُ الدِّينِ والدُّنْيا مِن أعْمالِ السَّمْعِ والبَصَرِ في آياتِ اللَّهِ والِاسْتِدْلالِ بِفِكْرِ القَلْبِ عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ وصِفاتِهِ، ولَمّا كانَ خَلْقُها مِن أتَمِّ النِّعَمِ عَلى العَبْدِ قالَ: ﴿قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ أيْ تَشْكُرُونَ قَلِيلًا، و(ما) زائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. ومِن شُكْرِ النِّعْمَةِ الإقْرارُ بِالمُنْعِمِ بِها ونَفْيُ النِّدِّ والشَّرِيكِ لَهُ. و(ذَرَأكم) خَلَقَكم وبَثَّكم فِيها. (وإلَيْهِ) أيْ وإلى حُكْمِهِ وقَضائِهِ وجَزائِهِ، (تُحْشَرُونَ) يُرِيدُ البَعْثَ والجَمْعَ في الآخِرَةِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ في الدُّنْيا والِاضْمِحْلالِ. ﴿ولَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ أيْ. هو مُخْتَصٌّ بِهِ ومُتَوَلِّيهِ ولَهُ القُدْرَةُ الَّتِي ذَلِكَ الِاخْتِلافُ عَنْها. والِاخْتِلافُ هُنا التَّعاقُبُ أيْ يَخْلُفُ هَذا هَذا. (أفَلا تَعْقِلُونَ) مَن هَذِهِ تَصَرُّفاتُ قُدْرَتِهِ وآثارُ قَهْرِهِ فَتُوَحِّدُونَهُ وتَنْفُونَ عَنْهُ الشُّرَكاءَ والأنْدادَ، إذْ هم لَيْسُوا بِقادِرِينَ عَلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ: يَعْقِلُونَ بِياءِ الغَيْبَةِ عَلى الِالتِفاتِ. (بَلْ قالُوا)، (بَلْ) إضْرابٌ أيْ لَيْسَ لَهم عَقْلٌ ولا نَظَرٌ في هَذِهِ الآياتِ، (بَلْ قالُوا) والضَّمِيرُ لِأهْلِ مَكَّةَ ومَن جَرى مَجْراهم في إنْكارِ البَعْثِ مِثْلَ ما قالَ آباؤُهم عادٌ وثَمُودُ ومَن يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ مِنَ الكُفّارِ. ولَمّا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى آلِهَةً ونَسَبُوا إلَيْهِ الوَلَدَ نَبَّهَهم عَلى فَرْطِ جَهْلِهِمْ، بِكَوْنِهِمْ يُقِرُّونَ بِأنَّهُ تَعالى لَهُ الأرْضُ ومَن فِيها مِلْكٌ، وأنَّهُ رَبُّ العالَمِ العُلْوِيِّ، وأنَّهُ مالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، وهم مَعَ ذَلِكَ يَنْسُبُونَ لَهُ الوَلَدَ ويَتَّخِذُونَ لَهُ شُرَكاءَ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ والحَسَنُ والجَحْدَرِيُّ ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ وابْنُ وثّابٍ وأبُو الأشْهَبِ وأبُو عَمْرٍو مِنَ السَّبْعَةِ: (سَيَقُولُونَ اللَّهُ) الثّانِي والثّالِثُ بِلَفْظِ الجَلالَةِ مَرْفُوعًا، وكَذا هو في مَصاحِفِ أهْلِ الحَرَمَيْنِ والكُوفَةِ والشّامِ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ: (لِلَّهِ) فِيها بِلامِ الجَرِّ فالقِراءَةُ الأُولى فِيها المُطابَقَةُ لَفْظًا ومَعْنًى، والثّانِيَةُ جاءَتْ عَلى المَعْنى؛ لِأنَّ قَوْلَكَ: مَن رَبُّ هَذا ؟ ولِمَن هَذا ؟ في مَعْنًى واحِدٍ، ولَمْ يُخْتَلَفْ في الأوَّلِ أنَّهُ بِاللّامِ. وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: (العَظِيمُ) بِرَفْعِ المِيمِ نَعْتًا لِلرَّبِّ، وتَقُولُ أجَرْتُ فُلانًا عَلى فُلانٍ إذا مَنَعْتَهُ مِنهُ أيْ وهو يَمْنَعُ مَن يَشاءُ مِمَّنْ يَشاءُ، ولا يَمْنَعُ أحَدٌ مِنهُ أحَدًا. ولا تَعارُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لا يَنْفِي عَنْهم وبَيْنَ ما حَكى عَنْهم مِن قَوْلِهِمْ: (سَيَقُولُونَ اللَّهُ)؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لا يَنْفِي عِلْمَهم بِذَلِكَ، وقَدْ يُقالُ مِثْلُ ذَلِكَ في الِاحْتِجاجِ عَلى وجْهِ التَّأْكِيدِ لِعِلْمِهِمْ، وخَتَمَ كُلَّ سُؤالٍ بِما يُناسِبُهُ فَخَتَمَ: مَلِكُ الأرْضِ ومَن فِيها حَقِيقٌ أنْ لا يُشْرِكَ بِهِ بَعْضُ خَلْقِهِ مِمَّنْ في الأرْضِ مَلِكًا لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ وخَتَمَ ما بَعْدَها بِالتَّقْوى وهي أبْلَغُ مِنَ التَّذَكُّرِ، وفِيها وعِيدٌ شَدِيدٌ، أيْ أفَلا تَخافُونَهُ فَلا تُشْرِكُوا بِهِ. وخَتَمَ ما بَعْدَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ مُبالَغَةً في التَّوْبِيخِ بَعْدَ إقْرارِهِمْ والتِزامِهِمْ ما يَقَعُ عَلَيْهِمْ بِهِ في الِاحْتِجاجِ، وأنّى بِمَعْنى كَيْفَ قَرَّرَ أنَّهم مَسْحُورُونَ وسَألَهم عَنِ الهَيْئَةِ الَّتِي سُحِرُوا بِها، أيْ كَيْفَ تُخْدَعُونَ عَنْ تَوْحِيدِهِ وطاعَتِهِ، والسِّحْرُ هُنا مُسْتَعارٌ، وهو تَشْبِيهٌ لِما يَقَعُ مِنهم مِنَ التَّخْلِيطِ ووَضْعِ الأفْعالِ والأقْوالِ غَيْرَ مَواضِعِها بِما يَقَعُ مِنَ المَسْحُورِ عَبَّرَ عَنْهم بِذَلِكَ. وقُرِئَ ”بَلْ آتَيْتُهم“ بِتاءِ المُتَكَلِّمِ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ بِتاءِ الخِطابِ. ﴿وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ فِيما يَنْسُبُونَ إلى اللَّهِ تَعالى مِنِ اتِّخاذِ الوَلَدِ ومِنَ الشُّرَكاءِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا هم فِيهِ كاذِبُونَ. ثُمَّ نَفى اتِّخاذَ الوَلَدِ، وهو نَفْيُ اسْتِحالَةٍ، ونَفى الشَّرِيكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ﴾ أيْ وما كانَ مَعَهُ شَرِيكٌ في خَلْقِ العالَمِ واخْتِراعِهِمْ ولا في غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الصِّفاتِ العُلى، فَنَفْيُ الوَلَدِ تَنْبِيهٌ عَلى مَن قالَ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ، ونَفْيُ الشَّرِيكِ في الأُلُوهِيَّةِ تَنْبِيهٌ عَلى مَن قالَ: الأصْنامُ آلِهَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ إبْطالُ قَوْلِ النَّصارى والثَّنَوِيَّةِ و﴿مِن ولَدٍ﴾ و﴿مِن إلَهٍ﴾ نَفْيٌ عامٌّ يُفِيدُ (p-٤١٩)اسْتِغْراقَ الجِنْسِ، ولِهَذا جاءَ: ﴿إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ﴾ ولَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ إذًا لَذَهَبَ الإلَهُ. ومَعْنى (لَذَهَبَ) أيْ لانْفَرَدَ ﴿كُلُّ إلَهٍ﴾ بِخَلْقِهِ الَّذِي خَلَقَ واسْتَبَدَّ بِهِ وتَمَيَّزَ مِلْكُ كُلِّ واحِدٍ عَنْ مِلْكِ الآخَرِ وغَلَبَ بَعْضُهم بَعْضًا كَحالِ مُلُوكِ الدُّنْيا، وإذًا لَمْ يَقَعِ الِانْفِرادُ والتَّغالُبُ فاعْلَمُوا أنَّهُ إلَهٌ واحِدٌ و(إذًا) لَمْ يَتَقَدَّمْهُ في اللَّفْظِ شَرْطٌ ولا سُؤالُ سائِلٍ ولا عِدَةٌ قالُو: فالشَّرْطُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ، ولَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ، وإنَّما حُذِفَ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ: ﴿وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ﴾ عَلَيْهِ، وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ: زَعَمَ أنَّهُ إذا جاءَ بَعْدَها اللّامُ كانَتْ لَوْ وما دَخَلَتْ عَلَيْهِ مَحْذُوفَةً، وقَدْ قَرَّرْنا تَخْرِيجًا لَها عَلى غَيْرِ هَذا في قَوْلِهِ: ﴿وإذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٣] في سُورَةِ الإسْراءِ: والظّاهِرُ أنَّ (ما) في: ﴿بِما خَلَقَ﴾ بِمَعْنى الَّذِي، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً. ﴿سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ تَنْزِيهٌ عَنِ الوَلَدِ والشَّرِيكِ. وقُرِئَ (عَمّا تَصِفُونَ) بِتاءِ الخِطابِ. وقَرَأ الِابْنانِ، وأبُو عَمْرٍو وحَفْصٌ: (عالِمِ) بِالجَرِّ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: صِفَةٌ لِلَّهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: اتِّباعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ وأبُو حَيْوَةَ وأبُو بَحْرِيَّةَ بِالرَّفْعِ. قالَ الأخْفَشُ: الجَرُّ أجْوَدُ لِيَكُونَ الكَلامُ مِن وجْهٍ واحِدٍ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الرَّفْعُ أنَّ الكَلامَ قَدِ انْقَطَعَ، يَعْنِي أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هو: (عالِمُ) . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والرَّفْعُ عِنْدِي أبْرَعُ. والفاءُ في قَوْلِهِ: (فَتَعالى) عاطِفَةٌ، فالمَعْنى كَأنَّهُ قالَ: ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَتَعالى﴾ كَما تَقُولُ زَيْدٌ شُجاعٌ فَعَظُمَتْ مَنزِلَتُهُ أيْ شَجُعَ فَعَظُمَتْ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: فَأقُولُ ﴿تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٣] عَلى إخْبارٍ مُؤْتَنَفٍ. و(الغَيْبُ) ما غابَ عَنِ النّاسِ، و(الشَّهادَةُ) ما شاهَدُوهُ، انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب