الباحث القرآني

﴿ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في السَّماءِ والأرْضِ إنَّ ذَلِكَ في كِتابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وما لَيْسَ لَهم بِهِ عِلْمٌ وما لِلظّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ﴾ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ في وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أفَأُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكُمُ النّارُ وعَدَها اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ . لَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الفَصْلِ بَيْنَ الكُفّارِ والمُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيامَةِ أعْقَبَ تَعالى أنَّهُ عالِمٌ بِجَمِيعِ ﴿ما في السَّماءِ والأرْضِ﴾ فَلا تَخْفى عَلَيْهِ أعْمالُكم و﴿إنَّ ذَلِكَ في كِتابٍ﴾ قِيلَ: هو أُمُّ الكِتابِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، كَتَبَ فِيهِ ما هو كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. وقِيلَ: الكِتابُ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ. والإشارَةُ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ قِيلَ: إلى الحُكْمِ السّابِقِ، والظّاهِرُ أنَّهُ إشارَةٌ إلى حَصْرِ المَخْلُوقاتِ تَحْتَ عِلْمِهِ وإحاطَتِهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعْلُومٌ عِنْدَ العُلَماءِ بِاللَّهِ أنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ ما يَحْدُثُ في السَّماواتِ والأرْضِ وقَدْ كَتَبَهُ في اللَّوْحِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، والإحاطَةُ بِذَلِكَ وإثْباتُهُ وحِفْظُهُ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لِأنَّ العالِمَ الذّاتَ لا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ولا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقٌ بِمَعْلُومٍ. انْتَهى. وفي قَوْلِهِ لِأنَّ العالِمَ الذّاتَ فِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ لِأنَّ مِن مَذْهَبِهِمْ نَفْيَ الصِّفاتِ فَهو عالِمٌ لِذاتِهِ لا يُعْلَمُ عِنْدَهم. ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا﴾ أيْ حُجَّةً وبُرْهانًا سَماوِيًّا مِن جِهَةِ الوَحْيِ والسَّمْعِ ﴿وما لَيْسَ لَهم بِهِ عِلْمٌ﴾ أيْ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ ضَرُورِيٌّ أوْ غَيْرُهُ. ﴿وما لِلظّالِمِينَ﴾ أيِ المُجاوَزِينَ الحَدَّ في عِبادَةِ ما لا يُمْكِنُ عِبادَتُهُ (مِن نَصِيرٍ) يَنْصُرُهم فِيما ذَهَبُوا إلَيْهِ أوْ إذا حَلَّ بِهِمُ العَذابُ. ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا﴾ أيْ يَتْلُوهُ الرَّسُولُ أوْ غَيْرُهُ (آياتُنا) الواضِحَةُ في رَفْضِ آلِهَتِهِمْ ودُعائِهِمْ إلى تَوْحِيدِ اللَّهِ وعِبادَتِهِ ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيِ الَّذِينَ سَتَرُوا الحَقَّ وغَطُّوهُ وهو واضِحٌ بَيِّنٌ والمُنْكَرُ مَصْدَرٌ بِمَعْنى الإنْكارِ. ونَبَّهَ عَلى مُوجِبِ المُنْكِرِ وهو الكُفْرُ ونابَ الظّاهِرُ مَنابَ المُضْمَرِ كَأنَّهُ قِيلَ: تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ لَكِنَّهُ نَبَّهَ عَلى العِلَّةِ المُوجِبَةِ لِظُهُورِ المُنْكَرِ في وُجُوهِهِمْ، والمُنْكَرُ المَساءَةُ والتَّجَهُّمُ والبُسُورُ والبَطْشُ الدّالُّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلى سُوءِ المُعْتَقَدِ وخُبْثِ السَّرِيرَةِ، لِأنَّ الوَجْهَ يَظْهَرُ فِيهِ التَّرَحُ والفَرَحُ اللَّذانِ مَحَلُّهُما القَلْبُ. ﴿يَكادُونَ يَسْطُونَ﴾ أيْ هم دَهْرَهم بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهم يُقارِبُونَ ذَلِكَ طُولَ زَمانِهِمْ، وإنْ كانَ قَدْ وقَعَ مِنهم سَطْوٌ بِبَعْضِ الصَّحابَةِ في شاذٍّ مِنَ الأوْقاتِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: (يَسْطُونَ) يَبْسُطُونَ إلَيْهِمْ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يَقَعُونَ بِهِمْ. وقالَ الضَّحّاكُ: يَأْخُذُونَهم أخْذًا بِاليَدِ والمَعْنى واحِدٌ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ يُعْرَفُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ المُنْكَرُ ووَقَعَ (قُلْ) هَلْ أُنَبِّئُكم ﴿بِشَرٍّ مِن ذَلِكُمُ﴾ وعِيدٌ وتَقْرِيعٌ والإشارَةُ إلى غَيْظِهِمْ عَلى التّالِينَ وسَطْوِهِمْ عَلَيْهِمْ، أوْ إلى (p-٣٨٩)ما أصابَهم مِنَ الكَراهَةِ والبُسُورِ بِسَبَبِ ما تُلِيَ عَلَيْهِمْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (النّارُ) رَفْعٌا عَلى إضْمارِ مُبْتَدَأٍ كَأنَّ قائِلًا يَقُولُ قالَ: وما هو ؟ قالَ: النّارُ، أيْ نارُ جَهَنَّمَ. وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ تَكُونَ (النّارُ) مُبْتَدَأً و(وعَدَها) الخَبَرَ وأنْ يَكُونَ (وعَدَها) حالًا عَلى الإعْرابِ الأوَّلِ، وأنْ تَكُونَ جُمْلَةَ إخْبارٍ مُسْتَأْنِفَةً وأُجِيزَ أنْ تَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وذَلِكَ في الإعْرابِ الأوَّلِ، ورُوِيَ أنَّهم قالُوا: مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ شَرُّ خَلْقٍ فَقالَ اللَّهُ قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ ﴿أفَأُنَبِّئُكم بِشَرٍّ﴾ مِمَّنْ ذَكَرْتُمْ عَلى زَعْمِكم أهْلَ النّارِ فَهم أنْتُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ وإبْراهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ الأعْشى وزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ (النّارَ) بِالنَّصْبِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلى الِاخْتِصاصِ ومَن أجازَ في الرَّفْعِ أنْ تَكُونَ (النّارُ) مُبْتَدَأً فَقِياسُهُ أنْ يُجِيزَ في النَّصْبِ أنْ يَكُونَ مِن بابِ الِاشْتِغالِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ وإبْراهِيمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ قُتَيْبَةَ (النّارِ) بِالجَرِّ عَلى البَدَلِ مَن (شَرٍّ) والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في (وعَدَها) هو المَفْعُولُ الأوَّلُ عَلى أنَّهُ تَعالى وعَدَ النّارَ بِالكُفّارِ أنْ يُطْعِمَها إيّاهم، ألا تَرى إلى قَوْلِها هَلْ مِن مَزِيدٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ هو المَفْعُولَ الثّانِيَ (والَّذِينَ كَفَرُوا) هو الأوَّلُ كَما قالَ ﴿وعَدَ اللَّهُ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٦٨] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب