الباحث القرآني

﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ﴾ مَعْناهُ أمَرْناهم عِنْدَ ذَبائِحِهِمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، وأنْ يَكُونَ الذَّبْحُ لَهُ لِأنَّهُ رازِقُ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ إلى الحاضِرِينَ فَقالَ ﴿فَإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فَلَهُ أسْلِمُوا﴾ أيِ انْقادُوا، وكَما أنَّ الإلَهَ واحِدٌ يَجِبُ أنْ يُخْلَصَ لَهُ في الذَّبِيحَةِ ولا يُشْرَكَ فِيها لِغَيْرِهِ، وتَقَدَّمَ شَرْحُ الإخْباتِ. وقالَ عَمْرُو بْنُ أوْسٍ: المُخْبِتُونَ الَّذِينَ لا يَظْلِمُونَ وإذا ظُلِمُوا لَمْ يَنْتَصِرُوا. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿والمُقِيمِي الصَّلاةِ﴾ بِالخَفْضِ عَلى الإضافَةِ وحُذِفَتِ النُّونُ لِأجْلِها. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ والحَسَنُ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ (الصَّلاةَ) بِالنَّصْبِ وحُذِفَتِ النُّونُ لِأجْلِها. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ والأعْمَشُ والمُقِيمِينَ بِالنُّونِ (الصَّلاةَ) بِالنَّصْبِ. وقَرَأ الضَّحّاكُ: والمُقِيمُ الصَّلاةَ، وناسَبَ تَبْشِيرُ مَنِ اتَّصَفَ بِالإخْباتِ هُنا لِأنَّ أفْعالَ الحَجِّ مِن نَزْعِ الثِّيابِ والتَّجَرُّدِ مِنَ المَخِيطِ وكَشْفِ الرَّأْسِ والتَّرَدُّدِ في تِلْكَ المَواضِعِ الغَبَرَةِ المُحَجَّرَةِ، والتَّلَبُّسُ بِأفْعالٍ شاقَّةٍ لا يَعْلَمُ مَعْناها إلّا اللَّهُ تَعالى مُؤْذِنٌ بِالِاسْتِسْلامِ المَحْضِ والتَّواضُعِ المُفْرِطِ حَيْثُ يَخْرُجُ الإنْسانُ عَنْ مَأْلُوفِهِ إلى أفْعالٍ غَرِيبَةٍ، ولِذَلِكَ وصَفَهم بِالإخْباتِ والوَجِلِ إذا ذُكِرَ اللَّهُ تَعالى والصَّبْرُ عَلى ما أصابَهم مِنَ المَشاقِّ وإقامَةِ الصَّلَواتِ في مَواضِعَ لا يُقِيمُها إلّا المُؤْمِنُونَ المُصْطَفَوْنَ والإنْفاقُ مِمّا رَزَقَهم ومِنها الهَدايا الَّتِي يُغالُونَ فِيها. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿والبُدْنَ﴾ بِإسْكانِ الدّالِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ، وشَيْبَةُ، وعِيسى بِضَمِّها، وهي الأصْلُ، ورُوِيَتْ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ، ونافِعٍ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ أيْضًا بِضَمِّ الياءِ والدّالِ وتَشْدِيدِ النُّونِ، فاحْتُمِلَ أنْ يَكُونَ اسْمًا مُفْرَدًا بُنِيَ عَلى فُعُلٍّ كَعُتُلٍّ، واحْتُمِلَ أنْ يَكُونَ التَّشْدِيدُ مِنَ التَّضْعِيفِ الجائِزِ في الوَقْفِ، وأجْرى الوَصْلَ مَجْرى الوَقْفِ، والجُمْهُورُ عَلى نَصْبِ ﴿والبُدْنَ﴾ عَلى الِاشْتِغالِ أيْ وجَعَلَنا (البُدْنَ) وقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ و(لَكم) أيْ لِأجْلِكم و﴿مِن شَعائِرِ﴾ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثّانِي، ومَعْنى ﴿مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ مِن أعْلامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي شَرَعَها اللَّهُ وأضافَها إلى اسْمِهِ تَعالى تَعْظِيمًا لَها ﴿لَكم فِيها خَيْرٌ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَفْعٌ في الدُّنْيا، وأجْرٌ في الآخِرَةِ. وقالَ السُّدِّيُّ أجْرٌ. وقالَ النَّخَعِيُّ: مَنِ احْتاجَ إلى ظَهْرِها رَكِبَ وإلى لَبَنِها شَرِبَ ﴿عَلَيْها صَوافَّ﴾ أيْ عَلى نَحْرِها. قالَ مُجاهِد: مَعْقُولَةٌ. وقالَ ابْنُ عُمَرَ: قائِمَةٌ قَدْ صَفَّتْ أيْدِيها بِالقُيُودِ. وقالَ ابْنُ عِيسى: مُصْطَفَّةٌ. وذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ أنْ يَقُولَ عِنْدَ النَّحْرِ: اللَّهُ أكْبَرُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ واللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنكَ وإلَيْكَ. وقَرَأ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ وشَقِيقٌ وسُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ والأعْرَجُ: صَوافِيُّ جَمْعُ صافِيَةٍ ونَوَّنَ الياءَ عَمْرُو بْنُ عُبَيدٍ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّنْوِينُ عِوَضٌ مِن حَرْفٍ عِنْدَ الوَقْفِ. انْتَهى. والأوْلى أنْ يَكُونَ عَلى لُغَةِ مَن صَرَفَ ما لا يَنْصَرِفُ، ولا سِيَّما الجَمْعُ المُتَناهِي، ولِذَلِكَ قالَ بَعْضُهم والصَّرْفُ في الجَمْعِ أيْ كَثِيرًا حَتّى ادَّعى قَوْمٌ بِهِ التَّخْيِيرَ أيْ خَوالِصُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعالى لا يُشْرِكُ فِيها بِشَيْءٍ، كَما كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تُشْرِكُ. وقَرَأ الحَسَنُ أيْضًا (صَوافَّ) مِثْلَ عَوارَّ وهو عَلى قَوْلِ مَن قالَ فَكَسَرْتُ غارَ لَحْمِهِ يُرِيدُ عارِيًا، وقَوْلُهم: اعْطِ القَوْسَ بارِيَها. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وابْنُ عُمَرَ وابْنُ عَبّاسٍ والباقِرُ وقَتادَةُ ومُجاهِدٌ وعَطاءٌ والضَّحّاكُ والكَلْبِيُّ والأعْمَشُ بِخِلافٍ عَنْهُ صَوافِنْ بِالنُّونِ، والصّافِنَةُ مِنَ البُدْنِ ما اعْتَمَدَتْ عَلى طَرَفِ رِجْلٍ بَعْدَ تَمَكُّنِها بِثَلاثِ قَوائِمَ وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ في الخَيْلِ ﴿فَإذا وجَبَتْ جُنُوبُها﴾ عِبارَةٌ عَنْ سُقُوطِها إلى الأرْضِ بَعْدَ نَحْرِها. قالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ومُجاهِدٌ وإبْراهِيمُ والحَسَنُ والكَلْبِيُّ (القانِعُ) السّائِلُ (والمُعْتَرُّ) المُعْتَرِضُ مِن غَيْرِ سُؤالٍ، وعَكَسَتْ فِرْقَةٌ هَذا. وحَكى الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ (القانِعَ) المُسْتَغْنِيَ بِما أُعْطِيَهُ (والمُعْتَرُّ) (p-٣٧٠)المُعْتَرِضُ مِن غَيْرِ سُؤالٍ. وحَكى عَنْهُ (القانِعُ) المُتَعَفِّفُ (والمُعْتَرُّ) السّائِلُ. وعَنْ مُجاهِدٍ (القانِعُ) الجارُ وإنْ كانَ غَنِيًّا. وقالَ قَتادَةُ (القانِعُ) مِنَ القَناعَةِ (والمُعْتَرُّ) المُعْتَرِضُ لِلسُّؤالِ. وقِيلَ (المُعْتَرُّ) الصَّدِيقُ الزّائِرُ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ: القَنْعُ بِغَيْرِ ألِفٍ أيِ (القانِعُ) فَحَذَفَ الألِفَ كالحَذِرِ والحاذِرِ. وقَرَأ الحَسَنُ (والمُعْتَرِي) اسْمُ فاعِلٍ مِنِ اعْتَرى. وقَرَأ عَمْرٌو وإسْماعِيلُ (والمُعْتَرِّ) بِكَسْرِ الرّاءِ دُونَ ياءٍ، هَذا نَقْلُ ابْنُ خالَوَيْهِ. وقالَ أبُو الفَضْلِ الرّازِيُّ في كِتابِ اللَّوامِحِ أبُو رَجاءٍ بِخِلافٍ عَنْهُ، وابْنُ عُبَيدٍ (والمُعْتَرِي) عَلى مُفْتَعَلٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ بِرِوايَةِ المُقْرِي (والمُعْتَرِّ) أرادَ المُعْتَرِي لَكِنَّهُ حَذَفَ الياءَ تَخْفِيفًا واسْتِغْناءً بِالكَسْرَةِ عَنْها، وجاءَ كَذَلِكَ عَنْ أبِي رَجاءٍ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الهَدْيُ أتُلاتٌ. وقالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أُطْعِمُ القانِعَ والمُعْتَرَّ ثُلُثًا، والبائِسَ الفَقِيرَ ثُلُثًا، وأهْلِي ثُلُثًا. وقالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: لَيْسَ لِصاحِبِ الهَدْيِ مِنهُ إلّا الرُّبْعُ وهَذا كُلُّهُ عَلى جِهَةِ الِاسْتِحْبابِ لا الفَرْضِ قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ (كَذَلِكَ) سَخَّرَها لَكم أيْ مِثْلَ ذَلِكَ التَّسْخِيرِ ﴿سَخَّرْناها لَكُمْ﴾ تَأْخُذُونَها مُنْقادَةً فَتَعْقِلُونَها وتَحْبِسُونَها صافَّةً قَوائِمُها فَتَطْعَنُونَ في لِباتِها، مَنَّ عَلَيْهِمْ تَعالى بِذَلِكَ ولَوْلا تَسْخِيرُ اللَّهِ لَمْ تُطِقْ ولَمْ تَكُنْ بِأعْجَزَ مِن بَعْضِ الوُحُوشِ الَّتِي هي أصْغَرُ مِنها جُرْمًا وأقَلُّ قُوَّةً، وكَفى بِما يَتَأبَّدُ مِنَ الإبِلِ شاهِدًا وعِبْرَةً. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَما أمَرْناكم فِيها بِهَذا كُلِّهِ سَخَّرَنا لَكم، لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤُها. قالَ مُجاهِد: أرادَ المُسْلِمُونَ أنْ يَفْعَلُوا فِعْلَ المُشْرِكِينَ مِنَ الذَّبْحِ وتَشْرِيحِ اللَّحْمِ مَنصُوبًا حَوْلَ الكَعْبَةِ ونَضْحِ الكَعْبَةِ حَوالَيْها بِالدَّمِ تَقَرُّبًا إلى اللَّهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَرِيبٌ مِنهُ، والمَعْنى لَنْ يُصِيبَ رِضا اللَّهِ اللُّحُومُ المُتَصَدَّقُ بِها ولا الدِّماءُ المُهْراقَةُ بِالنَّحْرِ، والمُرادُ أصْحابُ اللُّحُومِ والدِّماءِ، والمَعْنى لَنْ يُرْضِيَ المُضَحُّونَ والمُقَرَّبُونَ رَبَّهم إلّا بِمُراعاةِ النِّيَّةِ والإخْلاصِ والِاحْتِياطِ بِشُرُوطِ التَّقْوى في حَلِّ ما قَرَّبَ بِهِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُحافَظاتِ الشَّرْعِيَّةِ وأوامِرِ الوَرَعِ، فَإذا لَمْ يُراعُوا ذَلِكَ لَمْ تُغْنِ عَنْهُمُ التَّضْحِيَةُ والتَّقْرِيبُ، وإنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنهم قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وهو تَكْثِيرٌ في اللَّفْظِ. وقَرَأ مالِكُ بْنُ دِينارٍ والأعْرَجُ وابْنُ يَعْمَرَ والزُّهْرِيُّ وإسْحاقُ الكُوفِيُّ عَنْ عاصِمٍ والزَّعْفَرانِيِّ ويَعْقُوبَ. وقالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: تَنالُهُ التَّقْوى بِالتّاءِ يَحْيَـى بْنُ يَعْمَرَ والجَحْدَرِيُّ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ﴿لُحُومُها ولا دِماؤُها﴾ بِالنَّصْبِ ﴿ولَكِنْ يَنالُهُ﴾ بِضَمِّ الياءِ وكَرَّرَ ذِكْرَ النِّعْمَةِ بِالتَّسْخِيرِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِتَشْكُرُوا اللَّهَ عَلى هِدايَتِهِ إيّاكم لِإعْلامِ دِينِهِ ومَناسِكِ حَجِّهِ بِأنْ تُكَبِّرُوا وتُهَلِّلُوا فاخْتَصَرَ الكَلامَ بِأنْ ضَمَّنَ التَّكْبِيرَ مَعْنى الشُّكْرِ وعُدِّيَ تَعْدِيَتَهُ. انْتَهى. ﴿وبَشِّرِ المُحْسِنِينَ﴾ ظاهِرٌ في العُمُومِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وهُمُ المُوَحِّدُونَ. ورُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في الخُلَفاءِ الأرْبَعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب