الباحث القرآني
(p-٣٥٤)﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُجادِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدًى ولا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ في الدُّنْيا خِزْيٌ ونُذِيقُهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَذابَ الحَرِيقِ﴾ ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإنْ أصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأنَّ بِهِ وإنْ أصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا والآخِرَةَ ذَلِكَ هو الخُسْرانُ المُبِينُ﴾ ﴿يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هو الضَّلالُ البَعِيدُ﴾ ﴿يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ لَبِئْسَ المَوْلى ولَبِئْسَ العَشِيرُ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ﴾ ﴿مَن كانَ يَظُنُّ أنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّماءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ﴾ ﴿وكَذَلِكَ أنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وأنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ﴾ .
الظّاهِرُ أنَّ المُجادِلَ في هَذِهِ الآيَةِ غَيْرُ المُجادِلِ في الآيَةِ قَبْلَها، فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: أنَّها نَزَلَتْ في الأخْنَسِ بْنِ شُرَيقٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في أبِي جَهْلٍ. وقِيلَ: الأُولى في المُقَلِّدِينَ وهَذِهِ في المُقَلِّدِينَ، والجُمْهُورُ عَلى أنَّها والَّتِي قَبْلَها في النَّضْرِ كُرِّرَتْ مُبالَغَةً في الذَّمِّ، ولِكَوْنِ كُلِّ واحِدَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلى زِيادَةٍ لَيْسَتْ في الأُخْرى. وقَدْ قِيلَ فِيهِ: أنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ آيَةً. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وكَرَّرَ هَذِهِ عَلى وجْهِ التَّوْبِيخِ، فَكَأنَّهُ يَقُولُ: هَذِهِ الأمْثالُ في غايَةِ الوُضُوحِ والبَيانِ (ومِنَ النّاسِ) مَعَ ذَلِكَ (مَن يُجادِلُ) فَكانَ الواوُ واوَ الحالِ، والآيَةُ المُتَقَدِّمَةُ الواوُ فِيها واوُ العَطْفِ عَطَفَتْ جُمْلَةَ الكَلامِ عَلى ما قَبْلَها، والآيَةُ عَلى مَعْنى الإخْبارِ وهي هَهُنا مُكَرَّرَةٌ لِلتَّوْبِيخِ. انْتَهى.
ولا يُتَخَيَّلُ أنَّ الواوَ في ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُجادِلُ﴾ واوُ حالٍ، وعَلى تَقْدِيرِ الجُمْلَةِ الَّتِي قَدَّرَها قَبْلَهُ لَوْ كانَ مُصَرَّحًا بِها لَمْ يَتَقَدَّرْ بِإذْ فَلا تَكُونُ لِلْحالِ، وإنَّما هي لِلْعَطْفِ قَسَّمَ المَخْذُولِينَ إلى مُجادِلٍ ﴿فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ مُتَّبِعٍ لِشَيْطانٍ مُرِيدٍ، ومُجادِلٍ ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدًى ولا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ إلى آخِرِهِ وعابِدٍ رَبَّهُ عَلى حَرْفٍ والمُرادُ بِالعِلْمِ العِلْمُ الضَّرُورِيُّ، وبِالهُدى الِاسْتِدْلالُ والنَّظَرُ لِأنَّهُ يَهْدِي إلى المَعْرِفَةِ، وبِالكِتابِ المُنِيرِ الوَحْيُ أيْ (يُجادِلُ) بِغَيْرِ واحِدٍ مِن هَذِهِ الثَّلاثَةِ.
وانْتَصَبَ ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ﴾ عَلى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في (يُجادِلُ) قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مُتَكَبِّرًا، ومُجاهِدٌ: لاوِيًا عُنُقَهُ بِقُبْحٍ، والضَّحّاكُ: شامِخًا بِأنْفِهِ. وابْنُ جُرَيْجٍ: مُعْرِضًا عَنِ الحَقِّ، وقَرَأ الحَسَنُ ثانِيَ عَطْفٍ بِفَتْحِ العَيْنِ أيْ: تَعَطُّفُهُ وتَرَحُّمُهُ و(لِيُضِلَّ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (يُجادِلُ) وقَرَأ مُجاهِدٌ وأهْلُ مَكَّةَ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ (لِيَضِلَّ) بِفَتْحِ الياءِ أي (لِيَضِلَّ) في نَفْسِهِ والجُمْهُورُ بِضَمِّها أيْ لِيُضِلَّ (p-٣٥٥)غَيْرَهُ، وهو يَتَرَتَّبُ عَلى إضْلالِهِ كَثْرَةُ العَذابِ، إذْ عَلَيْهِ وِزْرُ مَن عَمِلَ بِهِ. ولَمّا كانَ مَآلُ جِدالِهِ إلى الإضْلالِ كانَ كَأنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ، وكَذَلِكَ لَمّا كانَ مُعْرِضًا عَنِ الهُدى مُقْبِلًا عَلى الجِدالِ بِالباطِلِ كانَ كالخارِجِ مِنَ الهُدى إلى الضَّلالِ.
والخِزْيُ في الدُّنْيا ما لَحِقَهُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الأسْرِ والقَتْلِ والهَزِيمَةِ، وقَدْ أُسِرَ النَّضْرُ. وقِيلَ: يَوْمَ بَدْرٍ بِالصَّفْراءِ. و(الحَرِيقِ) قِيلَ طَبَقَةٌ مِن طِباقِ جَهَنَّمَ، وقَدْ يَكُونُ مِن إضافَةِ المَوْصُوفِ إلى صِفَتِهِ أيِ العَذابُ الحَرِيقُ أيِ المُحْرِقُ كالسَّمِيعِ بِمَعْنى المُسْمِعِ.
وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ فَأُذِيقُهُ بِهَمْزَةِ المُتَكَلِّمِ ذَلِكَ إشارَةً إلى الخِزْيِ والإذاقَةِ، وجَوَّزُوا في إعْرابِ ذَلِكَ هَذا ما جَوَّزُوا في إعْرابِ ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ. وتَقَدَّمَ المُرادُ في ﴿بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ أيْ بِاجْتَرامِكَ وبِعَدْلِ اللَّهِ فِيكَ إذْ عَصَيْتَهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وأنَّ اللَّهَ مُتَقَطِّعًا لَيْسَ ذَلِكَ في السَّبَبِ والتَّقْدِيرِ والأمْرِ أنَّ اللَّهَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والعَبِيدُ هُنا ذُكِرُوا في مَعْنى مَسْكَنَتِهِمْ وقِلَّةِ قُدْرَتِهِمْ، فَلِذَلِكَ جاءَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ. انْتَهى. وهو يُفَرِّقُ بَيْنَ العَبِيدِ والعِبادِ وقَدْ رَدَدْنا عَلَيْهِ تَفْرِقَتَهُ في أواخِرِ آلِ عِمْرانَ في قَوْلِهِ ﴿وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ وشَرَحْنا هُنا قَوْلَهُ (بِظَلّامٍ) .
مَن ﴿يَعْبُدُ اللَّهَ﴾ نَزَلَتْ في أعْرابٍ مِن أسْلَمَ وغَطَفانَ تَباطَؤُوا عَنِ الإسْلامِ وقالُوا: نَخافُ أنْ لا يُنْصَرَ مُحَمَّدٌ فَيَنْقَطِعَ ما بَيْنَنا وبَيْنَ حُلَفائِنا مِن يَهُودَ فَلا يُقِرُّونا ولا يُؤْوُنا. وقِيلَ: في أعْرابٍ لا يَقِينَ لَهم يُسْلِمُ أحَدُهم فَيَتَّفِقُ تَثْمِيرَ مالِهِ ووِلادَةَ ذَكَرٍ وغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الخَيْرِ، فَيَقُولُ: هَذا دِينٌ جَيِّدٌ أوْ يَنْعَكِسُ حالُهُ فَيَتَشاءَمُ ويَرْتَدُّ كَما جَرى لِلْعُرَنِيِّينَ قالَ مَعْناهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ وغَيْرُهم. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: في شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أسْلَمَ قَبْلَ ظُهُورِ الرَّسُولِ ﷺ، فَلَمّا أُوحِيَ إلَيْهِ ارْتَدَّ. وقِيلَ: في يَهُودِيٍّ أسْلَمَ فَأُصِيبَ فَتَشاءَمَ بِالإسْلامِ، وسَألَ الرَّسُولَ الإقالَةَ فَقالَ: (إنَّ الإسْلامَ لا يُقالُ) فَنَزَلَتْ. وعَنِ الحَسَنِ: هو المُنافِقُ يَعْبُدُهُ بِلِسانِهِ دُونَ قَلْبِهِ. وقالَ ابْنُ عِيسى: عَلى ضَعْفِ يَقِينٍ. وقالَ أبُو عُبَيدٍ ﴿عَلى حَرْفٍ﴾ عَلى شَكٍّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ (حَرْفٍ) عَلى انْحِرافِ مِنهُ عَنِ العَقِيدَةِ البَيْضاءِ، أوْ عَلى شَفا مِنها مُعَدًّا لِلزَّهُوقِ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ﴿عَلى حَرْفٍ﴾ عَلى طَرَفٍ مِنَ الدِّينِ لا في وسَطِهِ وقَلْبِهِ، وهَذا مَثَلٌ لِكَوْنِهِمْ عَلى قَلَقٍ واضْطِرابٍ في دِينِهِمْ لا عَلى سُكُونٍ وطُمَأْنِينَةٍ كالَّذِي يَكُونُ عَلى طَرَفٍ مِنَ العَسْكَرِ، فَإنْ أحَسَّ بِظَفَرٍ وغَنِيمَةٍ قَرَّ واطْمَأنَّ وإلّا فَرَّ وطارَ عَلى وجْهِهِ. انْتَهى.
وخُسْرانُهُ الدُّنْيا إصابَتُهُ فِيها بِما يَسُوؤُهُ مِن ذَهابِ مالِهِ وفَقْدِ أحِبّائِهِ فَلَمْ يُسَلِّمْ لِلْقَضاءِ. وخُسْرانُ الآخِرَةِ حَيْثُ حُرِمَ ثَوابَ مَن صَبَرَ فارْتَدَّ عَنِ الإسْلامِ.
وقَرَأ مُجاهِدٌ وحُمَيدٌ والأعْرَجُ وابْنُ مُحَيْصِنٍ مِن طَرِيقِ الزَّعْفَرانِيِّ وقَعْنَبٍ والجَحْدَرِيِّ وابْنِ مِقْسَمٍ (خاسِرَ الدُّنْيا) اسْمُ فاعِلٍ نَصْبًا عَلى الحالِ. وقُرِئَ خاسِرٌ اسْمُ فاعِلٍ مَرْفُوعًا عَلى تَقْدِيرِ وهو خاسِرٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والرَّفْعُ عَلى الفاعِلِيَّةِ ووَضْعُ الظّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ وهو وجْهٌ حَسَنٌ. انْتَهى.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: (خَسِرَ) فِعْلًا ماضِيًا وهو اسْتِئْنافُ إخْبارٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ الحالِ ولا يَحْتاجُ إلى إضْمارِ قَدْ لِأنَّهُ كَثُرَ وُقُوعُ الماضِي حالًا في لِسانِ العَرَبِ بِغَيْرٍ قَدْ فَساغَ القِياسُ عَلَيْهِ، وأجازَ أبُو الفَضْلِ الرّازِيُّ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ ﴿انْقَلَبَ عَلى وجْهِهِ﴾ كَما كانَ يُضاعَفْ بَدَلًا مِن يَلْقَ. وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ﴿الضَّلالُ البَعِيدُ﴾ في قَوْلِهِ ﴿ضَلالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠] ونَفى هُنا الضُّرَّ والنَّفْعَ وأثْبَتَهُما في قَوْلِهِ ﴿لَمَن ضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ﴾ وذَلِكَ لِاخْتِلافِ المُتَعَلِّقِ، وذَلِكَ أنَّ قَوْلَهُ ﴿ما لا يَنْفَعُهُ﴾ هو الأصْنامُ والأوْثانُ، ولِذَلِكَ أتى التَّعْبِيرُ عَنْها بِما الَّتِي لا تَكُونُ لِآحادِ مَن يَعْقِلُ. وقَوْلُهُ ﴿يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ﴾ هو مَن عَبَدَ بِاقْتِضاءٍ، وطَلَبَ مِن عابِدِيهِ مِنَ المُدَّعِينَ الإلْهِيَّةَ كَفِرْعَوْنَ وغَيْرِهِ مِن مُلُوكِ بَنِي عُبَيدٍ الَّذِينَ كانُوا بِالمَغْرِبِ ثُمَّ مَلَكُوا مِصْرَ، فَإنَّهم كانُوا يَدَّعُونَ الإلْهِيَّةَ ويُطافُ بِقَصْرِهِمْ في مِصْرَ ويُنادَوْنَ بِما يُنادى بِهِ رَبُّ العالَمِينَ مِنَ التَّسْبِيحِ والتَّقْدِيسِ، فَهَؤُلاءِ وإنْ كانَ مِنهم (p-٣٥٦)نَفْعٌ ما لِعابِدِيهِمْ في دارِ الدُّنْيا فَضَرَرُهم أعْظَمُ وأقْرَبُ مِن نَفْعِهِمْ، إذْ هم في الدُّنْيا مَمْلُوكُونَ لِلْكُفّارِ وعابِدُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وفي الآخِرَةِ مُعَذَّبُونَ العَذابَ الدّائِمَ ولِهَذا كانَ التَّعْبِيرُ هُنا بِمَنِ الَّتِي هي لِمَن يَعْقِلُ، وعَلى هَذا فَتَكُونُ الجُمْلَتانِ مِن إخْبارِ اللَّهِ تَعالى عَمَّنْ يَدْعُو إلَهًا غَيْرَ اللَّهِ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: الضُّرُّ والنَّفْعُ مَنفَيّانِ عَنِ الأصْنامِ مُثْبَتانِ لَها في الآيَتَيْنِ وهَذا تَناقُضٌ قُلْتُ: إذا حَصَلَ المَعْنى ذَهَبَ هَذا الوَهْمُ، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ تَعالى سَفَّهَ الكافِرَ بِأنَّهُ يَعْبُدُ جَمادًا لا يَمْلِكُ ضُرًّا ولا نَفْعًا وهو يَعْتَقِدُ فِيهِ بِجَهْلِهِ وضَلالَتِهِ أنَّهُ سَيَنْتَفِعُ بِهِ، ثُمَّ قالَ يَوْمَ القِيامَةِ يَقُولُ هَذا الكافِرُ بِدُعاءٍ وصُراخٍ حِينَ يَرى اسْتِضْرارَهُ بِالأصْنامِ ودُخُولَهُ النّارَ بِعِبادَتِها، ولا يَرى أثَرَ الشَّفاعَةِ الَّتِي ادَّعاها لَها ﴿لَمَن ضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ لَبِئْسَ المَوْلى ولَبِئْسَ العَشِيرُ﴾ وكَرَّرَ يَدْعُو كَأنَّهُ قالَ (يَدْعُو) ﴿يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ﴾ ثُمَّ قالَ ﴿لَمَن ضَرُّهُ﴾ بِكَوْنِهِ مَعْبُودًا ﴿أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ﴾ بِكَوْنِهِ شَفِيعًا ﴿لَبِئْسَ المَوْلى﴾ . انْتَهى.
فَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ المَدْعُوَّ في الآيَتَيْنِ الأصْنامَ وأزالَ التَّعارُضَ بِاخْتِلافِ القائِلِينَ بِالجُمْلَةِ الأُولى مِن قَوْلِ اللَّهِ تَعالى إخْبارًا عَنْ حالِ الأصْنامِ. والجُمْلَةُ الثّانِيَةُ مِن كَلامِ عُبّادِ الأصْنامِ يَقُولُونَ ذَلِكَ في الآخِرَةِ، وحَكى اللَّهُ عَنْهم ذَلِكَ وأنَّهم أثْبَتُوا ضُرًّا بِكَوْنِهِمْ عَبَدُوهُ، وأثْبَتُوا نَفْعًا بِكَوْنِهِمُ اعْتَقَدُوهُ شَفِيعًا. فالنّافِي هُناكَ غَيْرُ المُثْبِتِ هُنا، فَزالَ التَّعارُضُ عَلى زَعْمِهِ والَّذِي أقُولُ إنَّ الصَّنَمَ لَيْسَ لَهُ نَفْعٌ ألْبَتَّةَ حَتّى يُقالَ ﴿ضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ﴾ .
وأجابَ بَعْضُهم عَنْ زَعْمِ مَن زَعَمَ أنَّ الظّاهِرَ الآيَتَيْنِ يَقْتَضِي التَّعارُضَ بِأنَّها لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ بِأنْفُسِها ولَكِنَّ عِبادَتَها نَسَبُ الضَّرَرِ إلَيْها كَقَوْلِهِ ﴿رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ﴾ [إبراهيم: ٣٦] أضافَ الإضْلالَ إلَيْهِمْ إذْ كانُوا سَبَبَ الضَّلالِ، فَكَذا هُنا نَفْيُ الضَّرَرِ عَنْهم لِكَوْنِها لَيْسَتْ فاعِلَةً ثُمَّ أضافَهُ إلَيْها لِكَوْنِها سَبَبَ الضَّرَرِ. وقالَ آخَرُونَ: هي في الحَقِيقَةِ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ بَيَّنَ ذَلِكَ في الآيَةِ الأُولى ثُمَّ أثْبَتَ لَها الضُّرَّ والنَّفْعَ في الثّانِيَةِ عَلى طَرِيقِ التَّسْلِيمِ، أيْ ولَوْ سَلَّمْنا كَوْنَها ضارَّةً نافِعَةً لَكانَ ضُرُّها أكْثَرَ مِن نَفْعِها، وتَكَلَّفَ المُعْرِبُونَ وُجُوهًا فَقالُوا (يَدْعُو) إمّا أنْ يَكُونَ لَها تَعَلُّقٌ بِقَوْلِهِ ﴿لَمَن ضَرُّهُ﴾ أوَّلًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَها تَعَلُّقٌ فَوُجُوهٌ.
أحَدُها: أنْ يَكُونَ تَوْكِيدًا لَفْظِيًّا لِيَدْعُو الأُولى، فَلا يَكُونُ لَها مَعْمُولٌ.
الثّانِي: أنْ تَكُونَ عامِلَةً في ذَلِكَ مِن قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ هو الضَّلالُ﴾ وقَدَّمَ المَفْعُولُ الَّذِي هو (ذَلِكَ) وجَعَلَ مَوْصُولًا بِمَعْنى الَّذِي قالَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ، وهَذا لا يَصِحُّ إلّا عَلى قَوْلِ الكُوفِيِّينَ إذْ يُجِيزُونَ في اسْمِ الإشارَةِ أنْ يَكُونَ مَوْصُولًا، والبَصْرِيُّونَ لا يُجِيزُونَ ذَلِكَ إلّا في ذا بِشَرْطِ أنْ يَتَقَدَّمَها الِاسْتِفْهامُ بِما أوْ مَن.
الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ (يَدْعُو) في مَوْضِعِ الحالِ، (وذَلِكَ) مُبْتَدَأٌ وهو فَصْلٌ أوْ مُبْتَدَأٌ وحَذَفَ الضَّمِيرَ مِن (يَدْعُو) أيْ يَدْعُوهُ وقَدَّرَهُ مَدْعُوًّا وهَذا ضَعِيفٌ، لِأنَّ يَدْعُوهُ لا يُقَدَّرُ مَدْعُوًّا إنَّما يُقَدَّرُ داعِيًا، فَلَوْ كانَ يُدْعى مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لَكانَ تَقْدِيرُهُ مَدْعُوًّا جارِيًا عَلى القِياسِ. وقالَ نَحْوَهُ الزَّجّاجُ وإنْ كانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِقَوْلِهِ ﴿لَمَن ضَرُّهُ﴾ فَوُجُوهٌ.
أحَدُها: ما قالَهُ الأخْفَشُ وهو أنْ (يَدْعُو) بِمَعْنى يَقُولُ و(مَن) مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ صِلَتُهُ الجُمْلَةُ بَعْدَهُ. وهي ﴿ضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ﴾ وخَبَرُ المُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ إلَهٌ وإلَهِيٌّ. والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ مَحْكِيَّةٌ بِيَدْعُو الَّتِي هي بِمَعْنى يَقُولُ، قِيلَ: هو فاسِدُ المَعْنى لِأنَّ الكافِرَ لَمْ يَعْتَقِدْ قَطُّ أنَّ الأوْثانَ ضَرُّها أقْرَبُ مِن نَفْعِها. وقِيلَ: في هَذا القَوْلِ يَكُونُ (لَبِئْسَ) مُسْتَأْنَفًا لِأنَّهُ لا يَصِحُّ دُخُولُهُ في الحِكايَةِ لِأنَّ الكُفّارَ لا يَقُولُونَ عَنْ أصْنامِهِمْ ﴿لَبِئْسَ المَوْلى﴾ .
الثّانِي: أنْ (يَدْعُو) بِمَعْنى يُسَمِّي، والمَحْذُوفُ آخِرًا هو المَفْعُولُ الثّانِي لِيُسَمّى تَقْدِيرُهُ إلَهًا وهَذا لا يَتِمُّ إلّا بِتَقْدِيرِ زِيادَةِ اللّامِ أيْ يَدْعُو مَن ضَرُّهُ.
الثّالِثُ: أنَّ يَدْعُوَ شُبِّهَ بِأفْعالِ القُلُوبِ لِأنَّ الدُّعاءَ لا يَصْدُرُ إلّا عَنِ اعْتِقادٍ، والأحْسَنُ أنْ يُضَمَّنَ مَعْنى يَزْعُمُ ويُقَدَّرَ لِمَن خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ لِيَدْعُوَ أشارَ إلى هَذا الوَجْهِ الفارِسِيُّ.
والرّابِعُ: ما قالَهُ الفَرّاءُ وهو أنَّ (p-٣٥٧)اللّامَ دَخَلَتْ في غَيْرِ مَوْضِعِها والتَّقْدِيرُ (يَدْعُو) مَن لَضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ، وهَذا بَعِيدٌ لِأنَّ ما كانَ في صِلَةِ المَوْصُولِ لا يَتَقَدَّمُ عَلى المَوْصُولِ.
الخامِسُ: أنْ تَكُونَ اللّامُ زائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ، و(مَن) مَفْعُولٌ بِيَدْعُو وهو ضَعِيفٌ لِأنَّهُ لَيْسَ مِن مَواضِعِ زِيادَةِ اللّامِ، لَكِنْ يُقَوِّيهِ قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ يَدْعُو مَن ضَرُّهُ بِإسْقاطِ اللّامِ، وأقْرَبُ التَّوْجِيهاتِ أنْ يَكُونَ (يَدْعُو) تَوْكِيدًا لِيَدْعُو الأوَّلِ؛ واللّامُ في (لَمَن) لامُ الِابْتِداءِ، والخَبَرُ الجُمْلَةُ الَّتِي هي قَسَمٌ مَحْذُوفٌ، وجَوابُهُ ﴿لَبِئْسَ المَوْلى﴾ والظّاهِرُ أنَّ (يَدْعُو) يُرادُ بِهِ النِّداءَ والِاسْتِغاثَةَ. وقِيلَ: مَعْناهُ بَعِيدٌ، و(المَوْلى) هُنا النّاصِرُ والعَشِيرُ الصّاحِبُ المُخالِطُ.
ولَمّا ذَكَرَ تَعالى حالَةَ مَن يَعْبُدُهُ عَلى حَرْفٍ وسَفَّهَ رَأْيَهُ وتَوَعَّدَهُ بِخُسْرانِهِ في الآخِرَةِ، عَقَّبَهُ بِذِكْرِ حالِ مُخالِفِيهِمْ مَن أهْلِ الإيمانِ وما وعَدَهم بِهِ مِنَ الوَعْدِ الحِسِّ، ثُمَّ أخَذَ في تَوْبِيخِ أُولَئِكَ الأوَّلِينَ كَأنَّهُ يَقُولُ هَؤُلاءِ العابِدُونَ عَلى حَرْفٍ صَحِبَهُمُ القَلَقُ وظَنُّوا أنَّ اللَّهَ لَنْ يَنْصُرَ مُحَمَّدًا ﷺ وأتْباعَهُ، ونَحْنُ إنَّما أمَرْناهم بِالصَّبْرِ وانْتِظارِ وعْدِنا، فَمَن ظَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ويَخْتَلِقْ ويَنْظُرْ هَلْ يَذْهَبُ بِذَلِكَ غَيْظُهُ، قالَ هَذا المَعْنى قَتادَةُ، وهَذا عَلى جِهَةِ المَثَلِ السّائِرِ قَوْلُهم: دُونَكَ الجَبَلُ فاخْتَنِقْ، يُقالُ ذَلِكَ لِلَّذِي يُرِيدُ مِنَ الأمْرِ ما لا يُمْكِنُهُ، فَعَلى هَذا تَكُونُ الهاءُ في (يَنْصُرُهُ) لِلرَّسُولِ ﷺ وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ والكَلْبِيِّ ومُقاتِلٍ والضَّحّاكِ وقَتادَةَ وابْنِ زَيْدٍ والسُّدِّيِّ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ فالمَعْنى أنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا في الدُّنْيا بِإعْلاءِ كَلِمَتِهِ وإظْهارِ دِينِهِ، وفي الآخِرَةِ بِإعْلاءِ دَرَجَتِهِ والِانْتِقامِ مِمَّنْ كَذَّبَهُ، والرَّسُولُ وإنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ في الآيَةِ فَفِيها ما يَدُلُّ عَلَيْهِ وهو ذِكْرُ الإيمانِ في قَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وظانَّ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ المُسْلِمِينَ لِشِدَّةِ غَيْظِهِمْ عَلى المُشْرِكِينَ، يَسْتَبْطِئُونَ ما وعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنَ النَّصْرِ أوْ أعْرابٌ اسْتَبْطَؤُوا ظُهُورَ الرَّسُولِ ﷺ فَتَباطَؤُوا عَنِ الإسْلامِ. والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في (يَنْصُرُهُ) عائِدٌ عَلى (مَن) لِأنَّهُ المَذْكُورُ، وحَقُّ الضَّمِيرِ أنْ يَعُودَ عَلى المَذْكُورِ وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ. وحَمَلَ بَعْضُ قائِلِي هَذا القَوْلَ النَّصْرَ هُنا عَلى الرِّزْقِ كَما قالُوا: أرْضٌ مَنصُورَةٌ أيْ مَمْطُورَةٌ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎وإنَّكَ لا تُعْطِي امْرَأً فَوْقَ حَقِّهِ ولا تَمْلِكُ الشِّقَّ الَّذِي أنْتَ ناصِرُهُ
أيْ مُعْطِيهِ. وقالَ: وقَفَ عَلَيْنا سائِلٌ مِن بَنِي بَكْرٍ فَقالَ: مَن يَنْصُرُنِي نَصَرَهُ اللَّهُ، فالمَعْنى مَن كانَ يَظُنُّ أنْ لَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ فَيَعْدِلُ عَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ لِهَذا الظَّنِّ كَما وصَفَ في قَوْلِهِ ﴿وإنْ أصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وجْهِهِ﴾ فَلْيَبْلُغْ غايَةَ الجَزَعِ وهو الِاخْتِناقُ، فَإنَّ ذَلِكَ لا يَبْلُغُهُ إلّا ما قُدِّرَ لَهُ ولا يَجْعَلُهُ مَرْزُوقًا أكْثَرَ مِمّا قُسِمَ لَهُ، ويُحْتَمَلُ عَلى هَذا القَوْلِ أنْ يَكُونَ النَّصْرُ عَلى بابِهِ أيْ مِن كانَ يَظُنُّ أنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ فَيَغْتاظُ لِانْتِفاءِ نَصْرِهِ فَلْيَمْدُدْ، ويَدُلُّ عَلى قَوْلِهِ فَيَغْتاظُ قَوْلُهُ ﴿هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ﴾ ويَكُونُ مَعْنى قَوْلِهِ ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّماءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ﴾ فَلْيَتَحَيَّلْ بِأعْظَمِ الحِيَلِ في نُصْرَةِ اللَّهِ إيّاهُ ثُمَّ لْيَقْطَعِ الحَبْلَ ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ﴾ وتَحَيُّلُهُ في إيصالِ النَّصْرِ إلَيْهِ الشَّيْءَ الَّذِي يَغِيظُهُ مِنِ انْتِفاءِ نَصْرِهِ بِتَسَلُّطِ أعْدائِهِ عَلَيْهِ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذا كَلامٌ دَخَلَهُ اخْتِصارٌ والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ ناصِرُ رَسُولِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَمَن كانَ يَظُنُّ مِن حاسِدِيهِ وأعادِيهِ أنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ خِلافَ ذَلِكَ ويَطْمَعُ فِيهِ ويَغِيظُهُ أنَّهُ لا يَظْفَرُ بِمَطْلُوبِهِ فَلْيَسْتَقْصِ وُسْعَهُ ولِيَسْتَفْرِغْ مَجْهُودَهُ في إزالَةِ ما يَغِيظُهُ بِأنْ يَفْعَلَ ما يَفْعَلُ مَن بَلَغَ مِنهُ الغَيْظُ كُلَّ مَبْلَغٍ حَتّى مَدَّ حَبْلًا إلى سَماءِ بَيْتِهِ فاخْتَنَقَ، (فَلْيَنْظُرْ) ولِيُصَوِّرْ في نَفْسِهِ أنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ يُذْهِبُ نَصْرَ اللَّهِ الَّذِي يَغِيظُهُ، وسُمِيَّ الِاخْتِناقُ قَطْعًا لِأنَّ المُخْتَنِقَ يَقْطَعُ نَفْسَهُ بِحَبْسِ مَجارِيهِ، ومِنهُ قِيلٌ لِلْبَهْرِ القَطْعُ وسُمِّيَ فِعْلُهُ كَيْدًا لِأنَّهُ وضَعَهُ مَوْضِعَ الكَيْدِ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلى غَيْرِهِ أوْ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ لِأنَّهُ لَمْ يَكِدْ بِهِ مَحْسُودَهُ، إنَّما كادَ بِهِ نَفْسَهُ، والمُرادُ (p-٣٥٨)لَيْسَ في يَدِهِ إلّا ما لَيْسَ بِمُذْهَبٍ لِما يَغِيظُهُ.
وقِيلَ (فَلْيَمْدُدْ) بِحَبْلٍ ﴿إلى السَّماءِ﴾ المُظِلَّةِ ولِيَصْعَدْ عَلَيْهِ فَلْيَقْطَعِ الوَحْيَ أنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ وهَذا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في (يَنْصُرُهُ) عائِدٌ عَلى الدِّينِ والإسْلامِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وأبَيْنُ وُجُوهِ هَذِهِ الآيَةِ أنْ يَكُونَ مَثَلًا ويَكُونُ النَّصْرُ المَعْرُوفَ والقَطْعُ الِاخْتِناقَ والسَّماءُ الِارْتِفاعَ في الهَواءِ سَقْفٌ أوْ شَجَرَةٌ أوْ نَحْوُهُ فَتَأمَّلْهُ، وما في ﴿ما يَغِيظُ﴾ بِمَعْنى الَّذِي، والعائِدُ مَحْذُوفٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ. وكَذَلِكَ أيْ ومِثْلَ ذَلِكَ الإنْزالِ (أنْزَلْنا) القُرْآنَ كُلَّهُ ﴿آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ أيْ لا تَفاوُتَ في إنْزالِ بَعْضِهِ ولا إنْزالِ كُلِّهِ والهاءُ في (أنْزَلْناهُ) لِلْقُرْآنِ أُضْمِرَ لِلدَّلالَةِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ ﴿حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ [ص: ٣٢] والتَّقْدِيرُ والأمْرُ ﴿أنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ﴾ أيْ يَخْلُقُ الهِدايَةَ في قَلْبِكَ يُرِيدُ هِدايَتَهُ لا خالِقَ لِلْهِدايَةِ إلّا هو.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَـٰبࣲ مُّنِیرࣲ","ثَانِیَ عِطۡفِهِۦ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱۖ وَنُذِیقُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ","ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ یَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ","وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ","یَدۡعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَضُرُّهُۥ وَمَا لَا یَنفَعُهُۥۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلۡبَعِیدُ","یَدۡعُوا۟ لَمَن ضَرُّهُۥۤ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِیرُ","إِنَّ ٱللَّهَ یُدۡخِلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَفۡعَلُ مَا یُرِیدُ","مَن كَانَ یَظُنُّ أَن لَّن یَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ فَلۡیَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ ثُمَّ لۡیَقۡطَعۡ فَلۡیَنظُرۡ هَلۡ یُذۡهِبَنَّ كَیۡدُهُۥ مَا یَغِیظُ","وَكَذَ ٰلِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یُرِیدُ"],"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق