الباحث القرآني

﴿قالُوا مَن فَعَلَ هَذا بِآلِهَتِنا إنَّهُ لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ ﴿قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهم يُقالُ لَهُ إبْراهِيمُ﴾ ﴿قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أعْيُنِ النّاسِ لَعَلَّهم يَشْهَدُونَ﴾ ﴿قالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذا بِآلِهَتِنا ياإبْراهِيمُ﴾ ﴿قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهم هَذا فاسْألُوهم إنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ ﴿فَرَجَعُوا إلى أنْفُسِهِمْ فَقالُوا إنَّكم أنْتُمُ الظّالِمُونَ﴾ ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ﴾ ﴿قالَ أفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكم شَيْئًا ولا يَضُرُّكُمْ﴾ ﴿أُفٍّ لَكم ولِما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ . فِي الكَلامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَلَمّا رَجَعُوا مِن عِيدِهِمْ إلى آلِهَتِهِمْ ورَأوْا ما فُعِلَ بِها اسْتَفْهَمُوا عَلى سَبِيلِ البَحْثِ والإنْكارِ فَقالُوا: ﴿مَن فَعَلَ هَذا﴾ أيِ التَّكْسِيرَ والتَّحْطِيمَ إنَّهُ لِظالِمٌ في اجْتِرائِهِ عَلى الآلِهَةِ المُسْتَحِقَّةِ لِلتَّعْظِيمِ والتَّوْقِيرِ (قالُوا) أيْ قالَ الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَهُ ﴿وتاللَّهِ لَأكِيدَنَّ أصْنامَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٧] ﴿يَذْكُرُهُمْ﴾ أيْ بِسُوءٍ. قالَ الفَرّاءُ: يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَئِنْ ذَكَّرْتَنِي لَتَنْدَمَنَّ أيْ بِسُوءٍ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ما حُكْمُ الفِعْلَيْنِ بَعْدَ ﴿سَمِعْنا فَتًى﴾ وأيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُما ؟ قُلْتُ: هُما صِفَتانِ (p-٣٢٤)لِفَتًى إلّا أنَّ الأوَّلَ وهو يَذْكُرُهم لا بُدَّ مِنهُ لِسَمِعَ لِأنَّكَ لا تَقُولُ: سَمِعْتُ زَيْدًا وتَسْكُتُ حَتّى تَذْكُرَ شَيْئًا مِمّا يُسْمَعُ، وأمّا الثّانِي فَلَيْسَ كَذَلِكَ. انْتَهى. وأمّا قَوْلُهُ: هُما صِفَتانِ فَلا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِما أذْكُرُهُ أمّا سَمِعَ فَإمّا أنْ يَدْخُلَ عَلى مَسْمُوعٍ أوْ غَيْرِهِ إنْ دَخَلَتْ عَلى مَسْمُوعٍ فَلا خِلافَ أنَّها تَتَعَدّى إلى واحِدٍ نَحْوَ: سَمِعْتُ كَلامَ زِيدٍ ومَقالَةَ خالِدٍ، وإنْ دَخَلَتْ عَلى غَيْرِ مَسْمُوعٍ فاخْتُلِفَ فِيها. فَقِيلَ: إنَّها تَتَعَدّى إلى اثْنَيْنِ وهو مَذْهَبُ الفارِسِيِّ، ويَكُونُ الثّانِي مِمّا يَدُلُّ عَلى صَوْتٍ فَلا يُقالُ سَمِعْتُ زَيْدًا يَرْكَبُ، ومَذْهَبُ غَيْرِهِ أنَّ سَمِعَ يَتَعَدّى إلى واحِدٍ والفِعْلُ بَعْدَهُ إنْ كانَ مَعْرِفَةً في مَوْضِعِ الحالِ مِنها أوْ نَكِرَةً في مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وكِلا المَذْهَبَيْنِ يُسْتَدَلُّ لَهُما في عِلْمِ النَّحْوِ فَعَلى هَذا المَذْهَبِ الآخَرِ يَتَمَشّى قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّهُ صِفَةٌ لِفَتًى، وأمّا عَلى مَذْهَبِ أبِي عَلِيٍّ فَلا يَكُونُ إلّا في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثّانِي لِسَمِعَ. وأمّا ﴿يُقالُ لَهُ إبْراهِيمُ﴾ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَوابًا لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ لَمّا قالُوا ﴿سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ وأتَوْا بِهِ مُنَكَّرًا قِيلَ: مَن يُقالُ لَهُ فَقِيلَ لَهُ إبْراهِيمُ، وارْتَفَعَ (إبْراهِيمُ) عَلى أنَّهُ مُقَدَّرٌ بِجُمْلَةٍ تُحْكى بِقالَ، إمّا عَلى النِّداءِ أيْ ﴿يُقالُ لَهُ﴾ حِينَ يُدْعى يا (إبْراهِيمُ) وإمّا عَلى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هو (إبْراهِيمُ) أوْ عَلى أنَّهُ مُفْرَدٌ مَفْعُولٌ لِما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، ويَكُونُ مِنَ الإسْنادِ لِلَّفْظِ لا لِمَدْلُولِهِ، أيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذا اللَّفْظُ وهَذا الآخَرُ هو اخْتِيارُ الزَّمَخْشَرِيِّ وابْنِ عَطِيَّةَ، وهو مُخْتَلِفٌ في إجازَتِهِ فَذَهَبَ الزَّجّاجِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ وابْنُ خَرُوفٍ وابْنُ مالِكٍ إلى تَجْوِيزِ نَصْبِ القَوْلِ لِلْمُفْرَدِ مِمّا لا يَكُونُ مُقْتَطَعًا مِن جُمْلَةٍ نَحْوَ قَوْلِهِ: ؎إذا ذُقْتَ فاها قُلْتَ طَعْمُ مُدامَةٍ ولا مُفْرَدًا مَعْناهُ مَعْنى الجُمْلَةِ نَحْوَ قُلْتُ: خُطْبَةً ولا مَصْدَرًا نَحْوَ قُلْتُ قَوْلًا، ولا صِفَةً لَهُ نَحْوَ: قُلْتُ حَقًّا بَلْ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ نَحْوَ قُلْتُ زَيْدًا. ومِنَ النَّحْوِيِّينَ مَن مَنَعَ ذَلِكَ وهو الصَّحِيحُ إذْ لا يُحْفَظُ مِن لِسانِهِمْ قالَ فُلانٌ زَيْدًا ولا قالَ ضَرَبَ ولا قالَ لَيْتَ، وإنَّما وقَعَ القَوْلُ في كَلامِ العَرَبِ لِحِكايَةِ الجُمَلِ وذَهَبَ الأعْلَمُ إلى أنَّ إبْراهِيمَ ارْتَفَعَ بِالإهْمالِ لِأنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عامِلٌ يُؤَثِّرُ في لَفْظِهِ، إذِ القَوْلُ لا يُؤَثِّرُ إلّا في المُفْرَدِ المُتَضَمِّنِ لِمَعْنى الجُمْلَةِ فَبَقِيَ مُهْمَلًا والمُهْمَلُ إذا ضُمَّ إلى غَيْرِهِ ارْتَفَعَ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: واحِدٌ واثْنانِ إذا عَدُّوا ولَمْ يُدْخِلُوا عامِلًا لا في اللَّفْظِ ولا في التَّقْدِيرِ، وعَطَفُوا بَعْضَ أسْماءِ العَدَدِ عَلى بَعْضٍ، والكَلامُ عَلى مَذْهَبِ الأعْلَمِ وإبْطالُهُ مَذْكُورٌ في النَّحْوِ. ﴿قالُوا فَأْتُوا﴾ أيْ أحْضِرُوهُ ﴿عَلى أعْيُنِ النّاسِ﴾ أيْ مُعايَنًا بِمَرْأًى مِنهم فَعَلى أعْيُنِ النّاسِ في مَوْضِعِ الحالِ و(عَلى) مَعْناها الِاسْتِعْلاءِ المُجازِيِ كَأنَّهُ لِتَحْدِيقِهِمْ إلَيْهِ وارْتِفاعِ أبْصارِهِمْ لِرُؤْيَتِهِ مُسْتَعْلٍ عَلى أبْصارِهِمْ ﴿لَعَلَّهم يَشْهَدُونَ﴾ عَلَيْهِ بِما سُمِعَ مِنهُ أوْ بِما صَدَرَ مِنهُ مِن تَكْسِيرِ أصْنامِهِمْ أوْ يَشْهَدُونَ ما يَحِلُّ بِهِ مِن عَذابِنا أوْ غَلَبِنا لَهُ المُؤَدِّي إلى عَذابِهِ. وقِيلَ: (النّاسِ) هُنا خَواصُّ المَلِكِ وأوْلِياؤُهُ وفي الكَلامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ ﴿فَأْتُوا بِهِ﴾ عَلى تِلْكَ الحالَةِ مِن نَظَرِ النّاسِ إلَيْهِ. ﴿قالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذا﴾ أيِ الكَسْرَ والتَّهْشِيمَ ﴿بِآلِهَتِنا﴾ وارْتِفاعُ (أنْتَ) المُخْتارُ أنَّهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ (فَعَلْتَ) ولَمّا حُذِفَ انْفَصَلَ الضَّمِيرُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وإذا تَقَدَّمَ الِاسْمُ في نَحْوِ هَذا التَّرْكِيبِ عَلى الفِعْلِ كانَ الفِعْلُ صادِرًا واسْتُفْهِمَ عَنْ فاعِلِهِ وهو المَشْكُوكُ فِيهِ، وإذا تَقَدَّمَ الفِعْلُ كانَ الفِعْلُ مَشْكُوكًا فِيهِ فاسْتُفْهِمَ عَنْهُ أوَقَعَ أوْ لَمْ يَقَعْ، والظّاهِرُ أنَّ (بَلْ) لِلْإضْرابِ عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ أيْ قالَ لَمْ أفْعَلْهُ إنَّما الفاعِلُ حَقِيقَةً هو اللَّهُ ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾ وأسْنَدَ الفِعْلَ إلى ﴿كَبِيرُهُمْ﴾ عَلى جِهَةِ المَجازِ لَمّا كانَ سَبَبًا في كَسْرِ هَذِهِ الأصْنامِ هو تَعْظِيمُهم وعِبادَتُهم لَهُ ولِما دُونَهُ مِنَ الأصْنامِ كانَ ذَلِكَ حامِلًا عَلى (p-٣٢٥)تَحْطِيمِها وكَسْرِها فَأسْنَدَ الفِعْلَ إلى الكَبِيرِ إذْ كانَ تَعْظِيمُهم لَهُ أكْثَرَ مِن تَعْظِيمِهِمْ ما دُونَهُ، وقالَ قَرِيبًا مِن هَذا الزَّمَخْشَرِيُّ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ فِعْلُ الكَبِيرِ مُتَقَيِّدًا بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ قَدْ عَلَّقَ عَلى مُمْتَنِعٍ أيْ فَلَمْ يَكُنْ وقَعَ أيْ إنْ كانَ هَؤُلاءِ الأصْنامُ ﴿يَنْطِقُونَ﴾ ويُخْبِرُونَ مَنِ الَّذِي صَنَعَ بِهِمْ ذَلِكَ فالكَبِيرُ هو الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ وأشارَ إلى نَحْوٍ مِن هَذا ابْنُ قُتَيْبَةَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذا مِن تَعارِيضِ الكَلامِ ولَطائِفِ هَذا النَّوْعِ لا يَتَغَلْغَلُ فِيها إلّا أذْهانُ الرّاضَّةِ مِن عُلَماءِ المَعانِي، والقَوْلُ فِيهِ إنَّ قَصْدَ إبْراهِيمَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ إلى أنْ يَنْسِبَ الفِعْلَ الصّادِرَ عَنْهُ إلى الصَّنَمِ، وإنَّما قَصَدَ تَقْرِيرَهُ لِنَفْسِهِ وإثْباتَهُ لَها عَلى أُسْلُوبٍ تَعْرِيضِيٍّ يَبْلُغُ فِيهِ غَرَضَهُ مِن إلْزامِهِمُ الحُجَّةَ وتَبْكِيتِهِمْ، وهَذا كَما قالَ لَكَ صاحِبُكَ وقَدْ كَتَبْتَ إلَيْهِ كِتابًا بِخَطٍّ رَشِيقٍ وأنْتَ شَهِيرٌ بِحُسْنِ الخَطِّ: أأنْتَ كَتَبْتَ هَذا وصاحِبُكَ أُمِّيٌّ لا يُحْسِنُ الخَطَّ أوْ لا يَقْدِرُ إلّا عَلى خَرْمَشَةٍ فاسِدَةٍ ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلْ كَتَبْتُهُ أنْتَ كانَ قَصْدُكُ بِهَذا الجَوابِ تَقْرِيرَهُ لَكَ مَعَ الِاسْتِهْزاءِ بِهِ لا نَفْيُهُ عَنْكَ ولا إثْباتُهُ لِلْأُمِّيِّ أوِ المُخَرْمِشِ لِأنَّ إثْباتَهُ والأمْرَ دائِرٌ بَيْنَكُما لِلْعاجِزِ مِنكُما اسْتِهْزاءً وإثْباتًا لِلْقادِرِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حِكايَةً لِما يَعُودُ إلى تَجْوِيزِهِ مَذْهَبُهم كَأنَّهُ قالَ لَهم: ما تُنْكِرُونَ أنْ يَفْعَلَهُ كَبِيرُهم فَإنَّ مِن حَقِّ مَن يُعْبَدُ ويُدَّعى إلَهًا أنْ يَقْدِرَ عَلى هَذا وأشَدَّ مِنهُ. ويُحْكى أنَّهُ قالَ ﴿فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾ هَذا غَضَبٌ أنْ يُعْبَدَ مَعَهُ هَذِهِ الصِّغارُ وهو أكْبَرُ مِنها. انْتَهى. ومَن جَعَلَ الفاعِلَ بِفِعْلِهِ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلى قَوْلِهِ فَتًى أوْ عَلى إبْراهِيمَ أوْ قالَ آخَرُ بِغَيْرِ المُطابِقِ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، واسْتَدَلَّ بِما رُوِيَ في الحَدِيثِ أوْ وقَفَ عَلى ﴿بَلْ فَعَلَهُ﴾ أيْ فَعَلَهُ مَن فَعَلَهُ وجَعَلَ ﴿كَبِيرُهم هَذا﴾ مُبْتَدَأً وخَبَرًا وهو الكِسائِيُّ أوْ أصْلُهُ ﴿فَعَلَهُ﴾ بِمَعْنى لَعَلَّهُ وخَفَّفَ اللّامَ وهو الفَرّاءُ مُسْتَدِلًّا بِقِراءَةِ ابْنِ السُّمَيْفِعِ ﴿فَعَلَهُ﴾ بِمَعْنى لَعَلَّهُ مُشَدَّدُ اللّامِ فَهم بُعَداءٌ عَنْ طَرِيقِ الفَصاحَةِ ﴿فَرَجَعُوا إلى أنْفُسِهِمْ﴾ أيْ إلى عُقُولِهِمْ حِينَ ظَهَرَ لَهم ما قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن أنَّ الأصْنامَ الَّتِي أهَّلُوها لِلْعِبادَةِ يَنْبَغِي أنْ تُسْألَ وتُسْتَفْسَرَ قَبْلُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ﴿فَرَجَعُوا﴾ أيْ رَجَعَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ ﴿فَقالُوا إنَّكم أنْتُمُ الظّالِمُونَ﴾ في سُؤالِكم إبْراهِيمَ حِينَ سَألْتُمُوهُ ولَمْ تَسْألُوها ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، أوْ حِينَ عَبَدْتُمْ ما لا يَنْطِقُ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، أوْ حِينَ لَمْ تَحْفَظُوا آلِهَتَكم قالَهُ وهْبٌ، أوْ في عِبادَةِ الأصاغِرِ مَعَ هَذا الكَبِيرِ قالَهُ وهْبٌ أيْضًا أوْ حِينَ أبْهَتَهم إبْراهِيمُ والفَأْسُ في عُنُقِ الكَبِيرِ قالَهُ مُقاتِلٌ وابْنُ إسْحاقٍ أوْ ﴿الظّالِمُونَ﴾ حَقِيقَةً حَيْثُ نَسَبْتُمْ إبْراهِيمَ إلى الظُّلْمِ في قَوْلِكم ﴿إنَّهُ لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ إذْ هَذِهِ الأصْنامُ مُسْتَحِقَّةٌ لِما فُعِلَ بِها. ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ﴾ أيِ ارْتَبَكُوا في ضَلالِهِمْ وعَلِمُوا أنَّ الأصْنامَ لا تَنْطِقُ فَساءَهم ذَلِكَ حِينَ نَبَّهَ عَلى قِيامِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وهي اسْتِعارَةٌ لِلَّذِي يَرْتَطِمُ في غَيِّهِ كَأنَّهُ مَنكُوسٌ عَلى رَأْسِهِ وهي أقْبَحُ هَيْئَةٍ لِلْإنْسانِ، فَكانَ عَقْلُهُ مَنكُوسًا أيْ مَقْلُوبًا لِانْقِلابِ شَكْلِهِ، وجَعَلَ أعْلاهُ أسْفَلَهُ فَرُجُوعُهم إلى أنْفُسِهِمْ كِنايَةٌ عَنِ اسْتِقامَةِ فِكْرِهِمْ ونَكْسُهم كِنايَةٌ عَنْ مُجادَلَتِهِمْ ومُكابَرَتِهِمْ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ﴿نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ﴾ كِنايَةٌ عَنْ تَطَأْطُؤِ رُءُوسِهِمْ وتَنْكِيسِها إلى الأرْضِ عَلى سَبِيلِ الخَجَلِ والِانْكِسارِ مِمّا بَهَتَهم بِهِ إبْراهِيمُ مِن قَوْلِ الحَقِّ ودَمَغَهم بِهِ فَلَمْ يُطِيقُوا جَوابًا. ﴿ولَقَدْ عَلِمَتِ﴾ [الصافات: ١٥٨] جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ مَعْمُولٍ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ في مَوْضِعِ الحالِ أيْ قائِلِينَ ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ﴾ فَكَيْفَ تَقُولُ لَنا ﴿فاسْألُوهُمْ﴾ إنَّما قَصَدْتَ بِذَلِكَ تَوْبِيخًا ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ النَّكْسُ لِلْفِكْرَةِ فِيما يُجِيبُونَ بِهِ. وقالَ مُجاهِد ﴿نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ﴾ أيْ رَدَّتِ السَّفِلَةُ عَلى الرُّؤَساءِ و﴿عَلِمْتَ﴾ هُنا مُعَلَّقَةٌ، والجُمْلَةُ المَنفِيَّةُ في مَوْضِعِ مَفْعُولَيْ عَلِمْتَ إنْ تَعَدَّتْ إلى اثْنَيْنِ أوْ في مَوْضِعِ مَفْعُولٍ واحِدٍ إنْ تَعَدَّتْ لِواحِدٍ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ وابْنُ مِقْسَمٍ وابْنُ الجارُودِ والبَكْراوِيُّ كِلاهُما عَنْ هِشامٍ بِتَشْدِيدٍ كافِ (نُكِّسُوا) وقَرَأ رِضْوانُ بْنُ المَعْبُودِ (نَكَسُوا) بِتَخْفِيفِ (p-٣٢٦)الكافِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ أيْ نَكَسُوا أنْفُسَهم. ولَمّا ظَهَرَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ أخَذَ يُقَرِّعُهم ويُوَبِّخُهم بِعِبادِهِ تَماثِيلَ ما لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ، ثُمَّ أبْدى لَهُمُ التَّضَجُّرَ مِنهم ومِن مَعْبُوداتِهِمْ وتَقَدَّمَ الخِلافُ في قِراءَةِ ﴿أُفٍّ﴾ واللُّغاتُ فِيها واللّامُ في (لَكم) لِبَيانِ المُتَأفَّفِ بِهِ أيْ لَكم ولِآلِهَتِكم، هَذا التَّأفُّفُ ثُمَّ نَبَّهَهم عَلى ما بِهِ يُدْرَكُ حَقائِقُ الأشْياءِ وهو العَقْلُ فَقالَ: ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أيْ قُبْحَ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ وهو اسْتِفْهامُ تَوْبِيخٍ وإنْكارٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب