الباحث القرآني
﴿قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ﴾ أيْ لَنْ نَخْتارَ اتِّباعَكَ وكَوْنَنا مِن حِزْبِكَ وسَلامَتَنا مِن عَذابِكَ ﴿عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيِّناتِ﴾ وهي المُعْجِزَةُ الَّتِي أتَتْنا وعَلِمْنا صِحَّتَها. وفي قَوْلِهِمْ هَذا تَوْهِينٌ لَهُ واسْتِصْغارٌ لَمّا هَدَّدَهم بِهِ وعَدَمُ اكْتِراثٍ بِقَوْلِهِ. وفي نِسْبَةِ المَجِيءِ (p-٢٦٢)إلَيْهِمْ وإنْ كانَتِ البَيِّناتُ جاءَتْ لَهم ولِغَيْرِهِمْ، لِأنَّهم كانُوا أعْرَفَ بِالسِّحْرِ مِن غَيْرِهِمْ، وقَدْ عَلِمُوا أنَّ ما جاءَ بِهِ مُوسى لَيْسَ بِسِحْرٍ فَكانُوا عَلى جَلِيَّةٍ مِنَ العِلْمِ بِالمُعْجِزِ، وغَيْرُهم يُقَلِّدُهم في ذَلِكَ وأيْضًا فَكانُوا هُمُ الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ النَّفْعُ بِها فَكانَتْ بَيِّناتٍ واضِحَةً في حَقِّهِمْ.
والواوُ في ﴿والَّذِي فَطَرَنا﴾ واوُ عَطْفٍ عَلى ﴿ما جاءَنا﴾ أيْ: وعَلى ﴿والَّذِي فَطَرَنا﴾ لَمّا لاحَتْ لَهم حُجَّةُ اللَّهِ في المُعْجِزَةِ بَدَءُوا بِها ثُمَّ تَرَقَّوْا إلى القادِرِ عَلى خَرْقِ العادَةِ، وهو اللَّهُ تَعالى، وذَكَرُوا وصْفَ الِاخْتِراعِ وهو قَوْلُهم ﴿والَّذِي فَطَرَنا﴾ تَبْيِينًا لِعَجْزِ فِرْعَوْنَ وتَكْذِيبِهِ في ادِّعاءِ رُبُوبِيَّتِهِ وإلاهِيَّتِهِ، وهو عاجِزٌ عَنْ صَرْفِ ذُبابَةٍ فَضْلًا عَنِ اخْتِراعِها.
وقِيلَ: الواوُ لِلْقَسَمِ وجَوابُهُ مَحْذُوفٌ، ولا يَكُونُ ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ﴾ جَوابًا لِأنَّهُ لا يُجابُ في النَّفْيِ بِـ (لْنَ) إلّا في شاذٍّ مِنَ الشِّعْرِ و(ما) مَوْصُولَةٌ بِمَعْنى الَّذِي، وصِلَتُهُ ﴿أنْتَ قاضٍ﴾ والعائِدُ مَحْذُوفٌ، أيْ: ما أنْتَ قاضِيهِ. قِيلَ: ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ (ما) مَصْدَرِيَّةً لِأنَّ المَصْدَرِيَّةَ تُوصَلُ بِالأفْعالِ، وهَذِهِ مَوْصُولَةٌ بِابْتِداءٍ وخَبَرٍ. انْتَهى.
وهَذا لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ بَلْ قَدْ ذَهَبَ ذاهِبُونَ مِنَ النُّحاةِ إلى أنَّ (ما) المَصْدَرِيَّةَ تُوصَلُ بِالجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ. وانْتَصَبَ ﴿هَذِهِ الحَياةَ﴾ عَلى الظَّرْفِ وما مُهَيِّئَةٌ ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أيْ: إنَّ قَضاءَكَ كائِنٌ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا لا في الآخِرَةِ، بَلْ في الآخِرَةِ لَنا النَّعِيمُ ولَكَ العَذابُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (تَقْضِي) مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ خِطابًا لِفِرْعَوْنَ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ (تُقْضى) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، هَذِهِ الحَياةُ بِالرَّفْعِ اتَّسَعَ في الظَّرْفِ فَأجْرى مَجْرى المَفْعُولِ بِهِ، ثُمَّ بُنِيَ الفِعْلُ لِذَلِكَ ورُفِعَ بِهِ، كَما تَقُولُ: صِيمَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، ووُلِدَ لَهُ سِتُّونَ عامًا. ولَمْ يُصَرَّحْ في القُرْآنِ بِأنَّهُ أنْفَذَ فِيهِمْ وعِيدَهُ ولا أنَّهُ قَطَعَ أيْدِيَهم وأرْجُلَهم وصَلَبَهم، بَلِ الظّاهِرُ أنَّهُ تَعالى سَلَّمَهم مِنهُ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿أنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُما الغالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] وقِيلَ: أنْفَذَ فِيهِمْ وعِيدَهُ، وصَلَبَهم عَلى الجُذُوعِ وإكْراهُهُ إيّاهم عَلى السِّحْرِ. قِيلَ: حَمَلَهم عَلى مُعارَضَةِ مُوسى. وقِيلَ: كانَ يَأْخُذُ وِلْدانَ النّاسِ ويُجَرِّبُهم عَلى ذَلِكَ فَأشارَتِ السَّحَرَةُ إلى ذَلِكَ، قالَهُ الحَسَنُ ﴿واللَّهُ خَيْرٌ وأبْقى﴾ رَدٌّ عَلى قَوْلِهِ ﴿أيُّنا أشَدُّ عَذابًا وأبْقى﴾ [طه: ٧١] أيْ: وثَوابُ اللَّهِ وما أعَّدَهُ لِمَن آمَنَ بِهِ، رُوِيَ أنَّهم قالُوا لِفِرْعَوْنَ: أرِنا مُوسى نائِمًا، فَفَعَلَ فَوَجَدُوهُ يَحْرُسُهُ عَصاهُ، فَقالُوا: ما هَذا بِسِحْرٍ السّاحِرُ إذا نامَ بَطَلَ سِحْرُهُ فَأبى إلّا أنْ يُعارِضُوهُ، ويَظْهَرُ مِن قَوْلِهِمْ: (أئِنَّ لَنا لَأجْرًا) عَدَمُ الإكْراهِ.
﴿إنَّهُ مَن يَأْتِ﴾ - إلى - ﴿مَن تَزَكّى﴾ قِيلَ هو حِكايَةٌ لَهم عِظَةٌ لِفِرْعَوْنَ. وقِيلَ: خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ لا عَلى وجْهِ الحِكايَةِ تَنْبِيهًا عَلى قُبْحِ ما فَعَلَ فِرْعَوْنُ وحُسْنِ ما فَعَلَ السَّحَرَةُ مَوْعِظَةً وتَحْذِيرًا، والمُجْرِمُ هُنا الكافِرُ، لِذِكْرِ مُقابِلِهِ ﴿ومَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا﴾ ولِقَوْلِهِ ﴿لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيا﴾ أيْ: يُعَذَّبُ عَذابًا يَنْتَهِي بِهِ إلى المَوْتِ، ثُمَّ لا يُجْهَزُ عَلَيْهِ فَيَسْتَرِيحُ، بَلْ يُعادُ جِلْدُهُ ويُجَدَّدُ عَذابُهُ فَهو لا يَحْيا حَياةً طَيِّبَةً بِخِلافِ المُؤْمِنِ الَّذِي يَدْخُلُ النّارَ فَهم يُقارِبُونَ المَوْتَ ولا يُجْهَزُ عَلَيْهِمْ فَهَذا فَرْقٌ بَيْنَ المُؤْمِنِ والكافِرِ. وفي الحَدِيثِ (إنَّهم يَمُاتُونَ إماتَةً)، وهَذا هو مَعْناهُ لِأنَّهُ لا يَمُوتُ في الآخِرَةِ و﴿تَزَكّى﴾ تَطَهَّرَ مِن دَنَسِ الكُفْرِ. وقِيلَ: قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ.
(p-٢٦٣)﴿ولَقَدْ أوْحَيْنا إلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ يَبَسًا لا تَخافُ دَرَكًا ولا تَخْشى﴾ ﴿فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ ﴿وأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وما هَدى﴾ ﴿يابَنِي إسْرائِيلَ قَدْ أنْجَيْناكم مِن عَدُوِّكم وواعَدْناكم جانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ ونَزَّلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوى﴾ [طه: ٨٠] ﴿كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكم ولا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبِي ومَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى﴾ [طه: ٨١] ﴿وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدى﴾ [طه: ٨٢] .
هَذا اسْتِئْنافُ إخْبارٍ عَنْ شَيْءٍ مِن أمْرِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وبَيْنَهُ وبَيْنَ مَقالِ السَّحَرَةِ المُتَقَدِّمِ مُدَّةٌ مِنَ الزَّمانِ، حَدَثَ فِيها لِمُوسى وفِرْعَوْنَ حَوادِثُ، وذَلِكَ أنَّ فِرْعَوْنَ لَمّا انْقَضى أمْرُ السَّحَرَةِ وغَلَبَ مُوسى وقَوِيَ أمْرُهُ وعَدَهُ فِرْعَوْنُ أنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إسْرائِيلَ، فَأقامَ مُوسى عَلى وعْدِهِ حَتّى غَدَرَهُ فِرْعَوْنُ ونَكَثَ وأعْلَمَهُ أنَّهُ لا يُرْسِلُهم مَعَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ حِينَئِذٍ الآياتِ المَذْكُورَةَ في غَيْرِ هَذِهِ الآياتِ، الجَرادَ والقُمَّلَ إلى آخِرِها كُلَّما جاءَتْ آيَةٌ وعَدَ فِرْعَوْنُ أنْ يُرْسِلَ بَنِي إسْرائِيلَ عِنْدَ انْكِشافِ العَذابِ، فَإذا انْكَشَفَ نَكَثَ حَتّى تَأْتِيَ أُخْرى، فَلَمّا كَمُلَتِ الآياتُ أوْحى اللَّهُ إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يُخْرِجَ بَنِي إسْرائِيلَ في اللَّيْلِ سارِيًا، والسُّرى مَسِيرُ اللَّيْلِ.
ويُحْتَمَلُ أنَّ (أنْ) تَكُونُ مُفَسِّرَةً وأنْ تَكُونَ النّاصِبَةَ لِلْمُضارِعِ و﴿بِعِبادِي﴾ إضافَةُ تَشْرِيفٍ لِقَوْلِهِ ﴿ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩] والظّاهِرُ أنَّ الإيحاءَ إلَيْهِ بِذَلِكَ وبِأنْ يَضْرِبَ البَحْرَ كانَ مُتَقَدِّمًا بِمِصْرَ عَلى وقْتِ اتِّباعِ فِرْعَوْنَ مُوسى وقَوْمَهُ بِجُنُودِهِ. وقِيلَ: كانَ الوَحْيُ بِالضَّرْبِ حِينَ قارَبَ فِرْعَوْنُ لَحاقَهُ وقَوِيَ فَزَعُ بَنِي إسْرائِيلَ، ويُرْوى أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ نَهَضَ بِبَنِي إسْرائِيلَ وهم سِتُّمِائَةِ ألْفِ إنْسانٍ، فَسارَ بِهِمْ مِن مِصْرَ يُرِيدُ بَحْرَ القُلْزُمِ، واتَّصَلَ الخَبَرُ فِرْعَوْنَ فَجَمَعَ جُنُودَهُ وحَشَرَهم، ونَهَضَ وراءَهُ فَأوْحى اللَّهُ إلى مُوسى أنْ يَقْصِدَ البَحْرَ فَجَزَعَ بَنُو إسْرائِيلَ، ورَأوْا أنَّ العَدُوَّ مِن ورائِهِمْ والبَحْرَ مِن أمامِهِمْ، ومُوسى يَثِقُ بِصُنْعِ اللَّهِ، فَلَمّا رَآهم فِرْعَوْنُ قَدْ نَهَضُوا نَحْوَ البَحْرِ طَمِعَ فِيهِمْ، وكانَ مَقْصِدُهم إلى مَوْضِعٍ يَنْقَطِعُ فِيهِ الفُحُوصُ والطُّرُقُ الواسِعَةُ. قِيلَ: وكانَ في خَيْلِ فِرْعَوْنَ سَبْعُونَ ألْفَ أدْهَمَ، ونِسْبَةُ ذَلِكَ مِن سائِرِ الألْوانِ. وقِيلَ: أكْثَرُ مِن هَذا فَضَرَبَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ البَحْرَ فانْفَرَقَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً طُرُقًا واسِعَةً بَيْنَها حِيطانُ الماءِ واقِفَةٌ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطَّوْدِ العَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣] . وقِيلَ: بَلْ هو طَرِيقٌ واحِدٌ لِقَوْلِهِ ﴿فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ يَبَسًا﴾ . انْتَهى.
وقَدْ يُرادُ بِقَوْلِهِ (طَرِيقًا) الجِنْسُ، فَدَخَلَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ أنْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحَ الصَّبا، فَجَفَّفَتْ تِلْكَ الطُّرُقَ حَتّى يَبِسَتْ ودَخَلَ بَنُو إسْرائِيلَ، ووَصَلَ فِرْعَوْنُ إلى المَدْخَلِ وبَنُو إسْرائِيلَ كُلُّهم في البَحْرِ، فَرَأى الماءَ عَلى تِلْكَ الحالِ فَجَزَعَ قَوْمُهُ واسْتَعْظَمُوا الأمْرَ، فَقالَ لَهم: إنَّما انْفَلَقَ مِن هَيْبَتِي، وتَقَدَّمَ غَرَقُ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ في سُورَةِ يُونُسَ. والظّاهِرُ (p-٢٦٤)أنَّ لَفْظَةَ اضْرِبْ هُنا عَلى حَقِيقَتِها مِن مَسِّ العَصا بِقُوَّةٍ وتَحامُلٍ عَلى العَصا، ويُوَضِّحُهُ في آيَةٍ أُخْرى ﴿أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣] فالمَعْنى أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ لِيَنْفَلِقَ لَهم فَيَصِيرَ طَرِيقًا، فَتَعَدّى إلى الطَّرِيقِ بِدُخُولِ هَذا المَعْنى، لَمّا كانَ الطَّرِيقُ مُتَسَبِّبًا عَنِ الضَّرْبِ جُعِلَ كَأنَّهُ المَضْرُوبُ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا﴾ فاجْعَلْ لَهم مِن قَوْلِهِمْ: ضَرَبَ لَهُ في مالِهِ سَهْمًا، وضَرَبَ اللَّبَنَ عَمِلَهُ. انْتَهى.
وفِي الحَدِيثِ: (اضْرِبُوا لِي مَعَكم بِسَهْمٍ) . ولَمّا لَمْ يَذْكُرِ المَضْرُوبَ حَقِيقَةً وهو البَحْرُ، ولَوْ كانَ صَرَّحَ بِالمَضْرُوبِ حَقِيقَةً لَكانَ التَّرْكِيبُ طَرِيقًا فِيهِ، فَكانَ يَعُودُ عَلى البَحْرِ المَضْرُوبِ و﴿يَبَسًا﴾ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ الطَّرِيقُ، وصَفَهُ بِما آلَ إلَيْهِ إذْ كانَ حالَةَ الضَّرْبِ لَمْ يَتَّصِفْ بِاليُبْسِ، بَلْ مَرَّتْ عَلَيْهِ الصَّبا فَجَفَّفَتْهُ، كَما رُوِيَ، ويُقالُ: يَبَسَ يُبْسًا ويَبَسًا كالعُدْمِ والعَدَمِ، ومِن كَوْنِهِ مَصْدَرًا وُصِفَ بِهِ المُؤَنَّثُ، قالُوا: شاةٌ يَبَسٌ وناقَةٌ يَبَسٌ إذا جَفَّ لَبَنُها. وقَرَأ الحَسَنُ (يَبْسًا) بِسُكُونِ الباءِ. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: قَدْ يَكُونُ مَصْدَرًا كالعامَّةِ، وقَدْ يَكُونُ بِالإسْكانِ المَصْدَرَ، وبِالفَتْحِ الِاسْمَ كالنَّفْضِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لا يَخْلُو اليَبَسُ مِن أنْ يَكُونَ مُخَفَّفًا عَنِ اليَبْسِ أوْ صِفَةً عَلى فُعْلٍ أوْ جَمْعَ يابِسٍ كَصاحِبٍ وصَحْبٍ، وُصِفَ بِهِ الواحِدُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ: ومَعًا جِياعًا جَعَلَهُ لِفَرْطِ جُوعِهِ كَجَماعَةِ جِياعٍ. انْتَهى.
وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: يابِسًا اسْمَ فاعِلٍ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: لا تَخافُ وهي جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ ﴿فاضْرِبْ﴾ وقِيلَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِلطَّرِيقِ، وحُذِفَ العائِدُ أيْ لا تَخافُ فِيهِ. وقَرَأ الأعْمَشُ: وحَمْزَةُ وابْنُ أبِي لَيْلى (لا تَخَفْ) بِالجَزْمِ عَلى جَوابِ الأمْرِ أوْ عَلى نَهْيٍ مُسْتَأْنَفٍ قالَهُ الزَّجّاجُ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ وطَلْحَةُ والأعْمَشُ ﴿دَرْكًا﴾ بِسُكُونِ الرّاءِ، والجُمْهُورُ بِفَتْحِها، والدَّرْكُ والدَّرَكُ اسْمانِ مِنَ الإدْراكِ أيْ لا يُدْرِكُكَ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ ولا يَلْحَقُونَكَ ﴿ولا تَخْشى﴾ أنْتَ ولا قَوْمُكَ غَرَقًا، وعَطْفُهُ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ ﴿لا تَخافُ﴾ ظاهِرٌ، وأمّا عَلى قِراءَةِ الجَزْمِ فَخُرِّجَ عَلى أنَّ الألِفَ جِيءَ بِها لِأجْلِ أواخِرِ الآيِ فاصِلَةً نَحْوَ قَوْلِهِ ﴿فَأضَلُّونا السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٦٧] وعَلى أنَّهُ إخْبارٌ مُسْتَأْنَفٌ أيْ: وأنْتَ لا تَخْشى، وعَلى أنَّهُ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الحَرَكَةِ المُقَدَّرَةِ عَلى لُغَةِ مَن قالَ: ألَمْ يَأْتِيكَ وهي لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎إذا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ ولا تَرضّاها ولا تَمَلَّقِ
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿فَأتْبَعَهُمْ﴾ بِسُكُونِ التّاءِ، وأتْبَعَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنى تَبِعَ فَيَتَعَدّى إلى واحِدٍ، كَقَوْلِهِ ﴿فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ﴾ [الأعراف: ١٧٥] وقَدْ يَتَعَدّى إلى اثْنَيْنِ، كَقَوْلِهِ: وأتْبَعْناهم ذُرِّيّاتِهِمْ فَتَكُونُ التّاءُ زائِدَةً، أيْ: جُنُودُهُ، أوْ تَكُونُ لِلْحالِ، والمَفْعُولُ الثّانِي مَحْذُوفٌ، أيْ: رُؤَساؤُهُ وحَشَمُهُ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ، والحَسَنُ (فاتَّبَعَهم) بِتَشْدِيدِ التّاءِ، وكَذا عَنِ الحَسَنِ في جَمِيعِ ما في القُرْآنِ إلّا ﴿فَأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ﴾ [الصافات: ١٠] والباءُ في بِجُنُودِهِ في مَوْضِعِ الحالِ كَما تَقُولُ: أُخْرِجَ زَيْدٌ بِسِلاحِهِ، أوِ الباءِ لِلتَّعَدِّي لِمَفْعُولٍ ثانٍ بِحَرْفِ جَرٍّ، إذْ لا يَتَعَدّى اتَّبَعَ بِنَفْسِهِ إلّا إلى حَرْفٍ واحِدٍ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ عَلى وزْنِ فِعْلٍ مُجَرَّدٍ مِنَ الزِّيادَةِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ، مِنهُمُ الأعْمَشُ، فَغَشّاهم مِنَ اليَمِّ ما غَشّاهم بِتَضْعِيفِ العَيْنِ فالفاعِلُ في القِراءَةِ الأُولى (ما) وفي الثّانِيَةِ الفاعِلُ اللَّهُ أيْ فَغَشّاهُمُ اللَّهُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ فِرْعَوْنُ لِأنَّهُ الَّذِي ورَّطَ جُنُودَهُ وتَسَبَّبَ لِهَلاكِهِمْ. وقالَ ﴿ما غَشِيَهُمْ﴾ مِن بابِ الِاخْتِصارِ ومِن جَوامِعِ الكَلِمِ الَّتِي تَسْتَقِلُّ مَعَ قِلَّتِها بِالمَعانِي الكَثِيرَةِ، أيْ (غَشِيَهم) ما لا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إلّا اللَّهُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ﴿ما غَشِيَهُمْ﴾ إبْهامٌ أهَوَلُ مِنَ النَّصِّ عَلى قَدْرِ ما، وهو كَقَوْلِهِ ﴿إذْ يَغْشى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ [النجم: ١٦] والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في ﴿غَشِيَهُمْ﴾ في المَوْضِعَيْنِ عائِدٌ عَلى فِرْعَوْنِ وقَوْمِهِ، وقِيلَ: الأوَّلُ عَلى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ، والثّانِي عَلى مُوسى وقَوْمِهِ: وفي الكَلامِ حَذْفٌ عَلى هَذا القَوْلِ تَقْدِيرُهُ فَنَجا مُوسى وقَوْمُهُ، وغَرِقَ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: وقُرِئَ وجُنُودُهُ عَطْفًا عَلى فِرْعَوْنَ.
(p-٢٦٥)﴿وأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ﴾ أيْ مِن أوَّلِ مَرَّةٍ إلى هَذِهِ النِّهايَةِ ويَعْنِي الضَّلالَ في الدِّينِ. وقِيلَ: أضَلَّهم في البَحْرِ لِأنَّهم غَرِقُوا فِيهِ، واحْتَجَّ بِهِ القاضِي عَلى مَذْهَبِهِ فَقالَ: لَوْ كانَ الضَّلالُ مِن خَلْقِ اللَّهِ لَما جازَ أنْ يُقالَ: ﴿وأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ﴾ بَلْ وجَبَ أنْ يُقالَ: اللَّهُ أضَلَّهم لِأنَّ اللَّهَ تَعالى ذَمَّهُ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ خالِقًا لِلْكُفْرِ لِأنَّ مَن ذَمَّ غَيْرَهُ بِفِعْلِ شَيْءٍ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ المَذْمُومُ فاعِلًا لِذَلِكَ الفِعْلِ وإلّا اسْتَحَقَّ الذّامُّ الذَّمَّ. انْتَهى.
وهُوَ عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِزالِ ﴿وما هَدى﴾ أيْ ما هَداهم إلى الدِّينِ، أوْ ما نَجا مِنَ الغَرَقِ، أوْ ما اهْتَدى في نَفْسِهِ لِأنَّ (هَدى) قَدْ يَأْتِي بِمَعْنى اهْتَدى.
{"ayahs_start":72,"ayahs":["قَالُوا۟ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاۤءَنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلَّذِی فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَاۤ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَاۤ","إِنَّاۤ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِیَغۡفِرَ لَنَا خَطَـٰیَـٰنَا وَمَاۤ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَیۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ","إِنَّهُۥ مَن یَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمࣰا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ","وَمَن یَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنࣰا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلۡعُلَىٰ","جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ جَزَاۤءُ مَن تَزَكَّىٰ","وَلَقَدۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِی فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِیقࣰا فِی ٱلۡبَحۡرِ یَبَسࣰا لَّا تَخَـٰفُ دَرَكࣰا وَلَا تَخۡشَىٰ","فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِیَهُم مِّنَ ٱلۡیَمِّ مَا غَشِیَهُمۡ","وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ"],"ayah":"وَمَن یَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنࣰا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلۡعُلَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق