الباحث القرآني

وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿فَلا يَخافُ﴾ [طه: ١١٢] عَلى الخَبَرِ أيْ فَهو لا يَخافُ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وحُمَيدٌ فَلا يَخَفْ عَلى النَّهْيِ (وكَذَلِكَ) عَطَفَ عَلى كَذَلِكَ نَقُصُّ أيْ ومِثْلُ ذَلِكَ الإنْزالِ أوْ كَما أنْزَلَنا عَلَيْكَ هَذِهِ الآياتِ المُضَمَّنَةَ الوَعِيدَ أنْزَلْنا القُرْآنَ كُلَّهُ عَلى هَذِهِ الوَتِيرَةِ مُكَرِّرِينَ فِيهِ آياتِ الوَعِيدِ لِيَكُونُوا بِحَيْثُ يُرادُ مِنهم تَرْكُ المَعاصِي أوْ فِعْلُ الخَيْرِ والطّاعَةِ، والذِّكْرُ يُطْلَقُ عَلى الطّاعَةِ والعِبادَةِ. وقِيلَ: كَما قَدَّرْنا هَذِهِ الأُمُورَ وجَعَلْناها حَقِيقَةً بِالمِرْصادِ لِلْعِبادِ كَذَلِكَ حَذَّرْنا هَؤُلاءِ أمْرَها و﴿أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ وتَوَعَّدْنا فِيهِ بِأنْواعٍ ﴿مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ﴾ بِحَسَبِ تَوَقُّعِ الشَّرِّ وتَرَجِّيهِمْ (يَتَّقُونَ) اللَّهَ ويَخْشَوْنَ عِقابَهُ فَيُؤْمِنُونَ ويَتَذَكَّرُونَ نِعَمَهُ عِنْدَهم، وما حَذَّرَهم مِن ألِيمِ عِقابِهِ هَذا تَأْوِيلُ فِرْقَةٍ في قَوْلِهِ ﴿أوْ يُحْدِثُ لَهم ذِكْرًا﴾ وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ أوْ يُكْسِبُهم شَرَفًا ويُبْقِي عَلَيْهِمْ إيمانَهم ذِكْرًا في الغابِرِينَ. وقِيلَ: المَعْنى كَما رَغَّبْنا أهْلَ الإيمانِ بِالوَعْدِ حَذَّرْنا أهْلَ الشِّرْكِ بِالوَعِيدِ ﴿وصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ﴾ كالطُّوفانِ والصَّيْحَةِ والرَّجْفَةِ والمَسْخِ، ولَمْ يُذْكَرِ الوَعْدُ لِأنَّ الآيَةَ سِيقَتْ مَساقَ التَّهْدِيدِ ﴿لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ أيْ لِيَكُونُوا عَلى رَجاءٍ مِن أنْ يُوقِعَ في قُلُوبِهِمُ الِاتِّقاءَ أوْ يَتَّقُونَ أنْ يَنْزِلَ بِهِمْ ما نَزَلَ بِمَن تَقَدَّمَهم أيْ ﴿يُحْدِثُ لَهم ذِكْرًا﴾ أيْ عِظَةً وفِكْرًا واعْتِبارًا. وقالَ قَتادَةُ ورَعًا. وقِيلَ: أنْزَلَ القُرْآنَ لِيَصِيرُوا مُحْتَرِزِينَ عَمّا لا يَنْبَغِي ﴿أوْ يُحْدِثُ لَهم ذِكْرًا﴾ يَدْعُوهم إلى الطّاعاتِ، وأسْنَدَ تَرَجِّيَ التَّقْوى إلَيْهِمْ وتَرَجِّيَ إحْداثِ الذِّكْرِ لِلْقُرْآنِ لِأنَّ التَّقْوى عِبارَةٌ عَنِ انْتِفاءِ فِعْلِ القَبِيحِ، وذَلِكَ اسْتِمْرارٌ عَلى العَدَمِ الأصْلِيِّ فَلَمْ يُسْنِدِ القُرْآنَ وأسْنَدَ إحْداثَ الذِّكْرِ إلى القُرْآنِ لِأنَّهُ أمْرٌ حَدَثَ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ والظّاهِرُ أنَّ أوْ هُنا لِأحَدِ الشَّيْئَيْنِ. قِيلَ: (أوْ) كَهي في جالِسٍ أوِ ابْنِ سِيرِينَ أيْ لا تَكُنْ خالِيًا مِنهُما. وقَرَأ الحَسَنُ ﴿أوْ يُحْدِثُ﴾ ساكِنَةَ الثّاءِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ومُجاهِدٌ وأبُو حَيْوَةَ والحَسَنُ في رِوايَةٍ والجَحْدَرِيُّ وسَلامٌ، أوْ نُحْدِثْ بِالنُّونِ وجَزْمِ الثّاءِ، وذَلِكَ حَمْلُ وصْلٍ عَلى وقْفٍ أوْ تَسْكِينُ حَرْفِ الإعْرابِ اسْتِثْقالًا لِحَرَكَتِهِ نَحْوَ قَوْلِ جَرِيرٍ: ؎أوْ نَهْرُ تِيرَيْ فَلا تَعْرِفُكُمُ العَرَبُ ولَمّا كانَ فِيما سَبَقَ تَعْظِيمُ القُرْآنِ في قَوْلِهِ ﴿وقَدْ آتَيْناكَ مِن لَدُنّا ذِكْرًا﴾ [طه: ٩٩] ﴿وكَذَلِكَ أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ ذَكَرَ عَظَمَةَ مَنزِلِهِ تَعالى ثُمَّ ذَكَرَ هاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وهي صِفَةُ (المَلِكِ) الَّتِي تَضَمَّنَتِ القَهْرَ، والسَّلْطَنَةَ والحَقَّ وهي الصِّفَةُ الثّابِتَةُ لَهُ إذْ كُلُّ مَن يَدَّعِي إلَهًا دُونَهُ باطِلٌ لا سِيَّما الإلَهُ الَّذِي صاغُوهُ مِنَ الحُلِيِّ ومُضْمَحِلُّ مُلْكُهُ ومُسْتَعارٌ، وتَقَدَّمَ أيْضًا صِفَةُ سُلْطانِهِ يَوْمَ القِيامَةِ وعِظَمُ (p-٢٨٢)قُدْرَتِهِ وذِلَّةُ عَبِيدِهِ وحُسْنُ تَلَطُّفِهِ بِهِمْ، فَناسَبَ تَعالِيَهُ ووَصْفَهُ بِالصِّفَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ، ولِما ذَكَرَ القُرْآنُ وإنْزالُهُ قالَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِطْرادِ طالِبًا مِنهُ التَّأنِّيَ في تَحَفُّظِ القُرْآنِ ﴿ولا تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ مِن قَبْلِ أنْ يُقْضى إلَيْكَ وحْيُهُ﴾ أيْ تَأنَّ حَتّى يَفْرَغَ المُلْقِي إلَيْكَ الوَحْيَ ولا تُساوِقْ في قِراءَتِكَ قِراءَتَهُ وإلْقاءَهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: ١٦] وقِيلَ: مَعْناهُ لا تُبَلِّغْ ما كانَ مِنهُ مُجْمَلًا حَتّى يَأْتِيَكَ البَيانُ. وقِيلَ: سَبَبُ الآيَةِ أنَّ امْرَأةً شَكَتْ إلى النَّبِيِّ أنَّ زَوْجَها لَطَمَها، فَقالَ لَها (بَيْنَكُما القِصاصُ) ثُمَّ نَزَلَتْ ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ [النساء: ٣٤] ونَزَلَتْ هَذِهِ بِمَعْنى الأمْرِ بِالتَّثَبُّتِ في الحُكْمِ بِالقُرْآنِ. وقِيلَ: كانَ إذا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ أمْرَ بِكَتْبِهِ لِلْحِينِ، فَأمَرَ أنْ يَتَأتّى حَتّى يُفَسَّرَ لَهُ المَعانِي ويَتَقَرَّرَ عِنْدَهُ. وقالَ الماوَرْدِيُّ: مَعْناهُ ولا تَسْألْ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَكَ الوَحْيُ إنَّ أهْلَ مَكَّةَ وأسْقُفَ نَجْرانَ قالُوا: يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنا عَنْ كَذا وقَدْ ضَرَبْنا لَكَ أجَلًا ثَلاثَةَ أيّامٍ فَأبْطَأ الوَحْيُ عَلَيْهِ، وفَشَتِ المَقالَةُ بَيْنَ اليَهُودِ قَدْ غُلِبَ مُحَمَّدٌ فَنَزَلَتْ ﴿ولا تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ﴾ أيْ بِنُزُولِهِ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ ﴿ولا تَعْجَلْ﴾ بِقِراءَتِهِ في نَفْسِكَ أوْ في تَأْدِيَتِهِ إلى غَيْرِكَ أوْ في اعْتِقادِ ظاهِرِهِ أوْ في تَعْرِيفِ غَيْرِكَ ما يَقْتَضِيهِ ظاهِرُهُ احْتِمالاتٌ. ﴿مِن قَبْلِ أنْ يُقْضى إلَيْكَ وحْيُهُ﴾ أيْ تَمامُهُ أوْ بَيانُهُ احْتِمالاتٌ، فالمُرادُ إذًا أنْ لا يُنَصِّبَ نَفْسَهُ ولا غَيْرَهُ عَلَيْهِ حَتّى يَتَبَيَّنَ بِالوَحْيِ تَمامُهُ أوْ بَيانُهُ أوْ هُما جَمِيعًا، لِأنَّهُ يَجِبُ التَّوَقُّفُ في المَعْنى لِما يَجُوزُ أنْ يَحْصُلَ عَقِيبَهُ مِنِ اسْتِثْناءٍ أوْ شَرْطٍ أوْ غَيْرِهِما مِنَ المُخَصَّصاتِ، وهَذِهِ العَجَلَةُ لَعَلَّهُ فَعَلَها بِاجْتِهادٍ عَلَيْهِ السَّلامُ. انْتَهى. وفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿يُقْضى إلَيْكَ﴾ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (وحْيُهُ) مَرْفُوعٌ بِهِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ والجَحْدَرِيُّ والحَسَنُ وأبُو حَيْوَةَ ويَعْقُوبُ وسَلامٌ والزَّعْفَرانِيُّ وابْنُ مِقْسَمٍ (نَقْضِي) بِنُونِ العَظَمَةِ مَفْتُوحَ الياءِ وحْيَهُ بِالنَّصْبِ. وقَرَأ الأعْمَشُ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ سَكَّنَ الياءَ مِن يَقْضِي. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: وذَلِكَ عَلى لُغَةِ مَن لا يَرى فَتْحَ الياءِ بِحالٍ إذا انْكَسَرَ ما قَبْلَها وحَلَّتْ طَرَفًا. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب