الباحث القرآني
﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ﴾، قالُوا: هَذِهِ الآيَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ آياتِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها والمُطَلَّقاتِ، وهي مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِنَّ في النُّزُولِ، مُتَأخِّرَةٌ في التِّلاوَةِ ورَسْمِ المُصْحَفِ، وشَبَّهُوها بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكم أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة: ٦٧]، وبِقَوْلِهِ: ﴿وإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ [البقرة: ٧٢]، قالُوا: فَيَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَسُوقَةً عَلى الآياتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيها القِتالُ؛ لِأنَّهُ بَيَّنَ فِيها أحْوالَ الصَّلاةِ في حالِ الخَوْفِ، قالُوا: وجاءَ ما هو مُتَعَلِّقٌ بِأبْعَدَ مِن هَذا، زَعَمُوا أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ بِأمانِيِّكم ولا أمانِيِّ أهْلِ الكِتابِ﴾ [النساء: ١٢٣] رَدًّا لِقَوْلِهِ: ﴿وقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلّا مَن كانَ هُودًا أوْ نَصارى﴾ [البقرة: ١١١]، قالُوا: وأبْعَدُ مِنهُ: ﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ [المعارج: ١] راجِعٌ إلى قَوْلِهِ: ﴿وإذْ قالُوا اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآيَةَ، قالُوا: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حَدَثَ خَوْفٌ قَبْلَ إنْزالِ إتْمامِ أحْكامِ المُطَلَّقاتِ، فَبَيَّنَ تَعالى أحْكامَ صَلاةِ الخَوْفِ عِنْدَ مَسِيسِ الحاجَةِ إلى بَيانِهِ، ثُمَّ أنْزَلَ إتْمامَ أحْكامِ المُطَلَّقاتِ. قالُوا: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً في التِّلاوَةِ ورَسْمِ المُصْحَفِ، مُتَأخِّرَةً في النُّزُولِ قَبْلَ هَذِهِ الآياتِ، عَلى قَوْلِهِ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٤]، وهَذِهِ كُلُّها أقْوالٌ كَما تَرى. والَّذِي يَظْهَرُ في المُناسَبَةِ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ - تَعالى - جُمْلَةً كَثِيرَةً مِن أحْوالِ الأزْواجِ والزَّوْجاتِ، وأحْكامِهِمْ في النِّكاحِ، والوَطْءِ، والإيلاءِ، والطَّلاقِ، والرَّجْعَةِ، والإرْضاعِ، والنَّفَقَةِ، والكِسْوَةِ، والعِدَّةِ، والخِطْبَةِ، والمُتْعَةِ، والصَّداقِ، والتَّشَطُّرِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، كانَتْ تَكالِيفَ عَظِيمَةً تَشْغَلُ مَن كُلِّفَها أعْظَمَ شُغْلٍ؛ بِحَيْثُ لا يَكادُ يَسَعُ مَعَها شَيْءٌ مِنَ الأعْمالِ، وكانَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ قَدْ أوْجَبَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ ما يَسْتَفْرِغُ فِيهِ الوَقْتَ، ويَبْلُغُ مِنهُ الجَهْدَ، وأمَرَ كُلًّا مِنهُما بِالإحْسانِ إلى الآخَرِ، حَتّى في حالَةِ الفِراقِ، وكانَتْ مَدْعاةً إلى التَّكاسُلِ عَنِ الِاشْتِغالِ بِالعِبادَةِ إلّا لِمَن وفَّقَهُ اللَّهُ تَعالى، أمَرَ تَعالى بِالمُحافَظَةِ عَلى الصَّلَواتِ الَّتِي هي الوَسِيلَةُ بَيْنَ اللَّهِ وبَيْنَ عَبْدِهِ، وإذا كانَ قَدْ أمَرَ بِالمُحافَظَةِ عَلى أداءِ حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ؛ فَلَأنْ يُؤْمَرَ بِأداءِ حُقُوقِ اللَّهِ أوْلى وأحَقُّ؛ ولِذَلِكَ جاءَ: (فَدَيْنُ اللَّهِ أحَقُّ أنْ يُقْضى)، فَكَأنَّهُ قِيلَ: لا يَشْغَلَنَّكُمُ التَّعَلُّقُ بِالنِّساءِ وأحْوالِهِنَّ عَنْ أداءِ ما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكم، فَمَعَ تِلْكَ الأشْغالِ العَظِيمَةِ لا بُدَّ مِنَ المُحافَظَةِ عَلى الصَّلاةِ، حَتّى في حالَةِ الخَوْفِ، فَلا بُدَّ مِن أدائِها رِجالًا ورُكْبانًا، وإنْ كانَتْ حالَةُ الخَوْفِ أشَدَّ مِن حالَةِ الِاشْتِغالِ بِالنِّساءِ، فَإذا كانَتْ هَذِهِ الحالَةُ الشّاقَّةُ جِدًّا لا بُدَّ مَعَها مِنَ الصَّلاةِ؛ فَأحْرى ما هو دُونَها مِنَ الأشْغالِ المُتَعَلِّقَةِ بِالنِّساءِ. وقِيلَ: مُناسَبَةُ الأمْرِ بِالمُحافَظَةِ عَلى الصَّلَواتِ عُقَيْبَ الأوامِرِ السّابِقَةِ أنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَوْنًا لَهم عَلى امْتِثالِها، وصَوْنًا لَهم عَنْ مُخالَفَتِها. وقِيلَ: وجْهُ ارْتِباطِها بِما قَبْلَها وبِما بَعْدَها؛ أنَّهُ لَمّا أمَرَ تَعالى بِالمُحافَظَةِ عَلى حُقُوقِ الخَلْقِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] ناسَبَ أنْ يَأْمُرَ بِالمُحافَظَةِ عَلى حُقُوقِ الحَقِّ، ثُمَّ لَمّا كانَتْ حُقُوقُ الآدَمِيِّينَ مِنها ما يَتَعَلَّقُ بِالحَياةِ - وقَدْ ذَكَرَهُ - ومِنها ما يَتَعَلَّقُ بِالمَماتِ، ذَكَرَهُ بَعْدَهُ في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا وصِيَّةً﴾ [البقرة: ٢٤٠] الآيَةَ. والخِطابُ: بِـ (حافِظُوا) لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ، وهَلْ يَعُمُّ الكافِرِينَ ؟ فِيهِ خِلافٌ. و(حافِظُوا) مِن بابِ: طارَقْتُ النَّعْلَ، ولَمّا ضُمِّنَ المَعْنى التَّكْرارَ والمُواظَبَةَ عُدِّيَ بِعَلى، وقَدْ رامَ بَعْضُهم أنْ يَبْقى فاعِلٌ عَلى مَعْناها الأكْثَرِ فِيها مِنَ الِاشْتِراكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ؛ فَجَعَلَ المُحافَظَةَ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ الرَّبِّ، كَأنَّهُ قِيلَ: احْفَظْ هَذِهِ الصَّلاةَ يَحْفَظْكَ اللَّهُ الَّذِي أمَرَ بِها، ومَعْنى المُحافَظَةِ هُنا: دَوامُ ذِكْرِها، أوِ الدَّوامُ عَلى (p-٢٤٠)تَعْجِيلِها في أوَّلِ أوْقاتِها، أوْ إكْمالِ فُرُوضِها وسُنَنِها، أوْ جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ، أقْوالٌ أرْبَعَةٌ. والألِفُ واللّامُ فِيها لِلْعَهْدِ، وهي: الصَّلَواتُ الخَمْسُ. قالُوا: وكُلُّ صَلاةٍ في القُرْآنِ مَقْرُونَةٌ بِالمُحافَظَةِ، فالمُرادُ بِها الصَّلَواتُ الخَمْسُ.
﴿والصَّلاةِ الوُسْطى﴾، الوُسْطى: فُعْلى مُؤَنَّثَةُ الأوْسَطِ، كَما قالَ أعْرابِيٌّ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ:
؎يا أوْسَطَ النّاسِ طُرًّا في مَفاخِرِهِمْ وأكْرَمَ النّاسِ أُمًّا بَرَّةً وأبا
وهُوَ خِيارُ الشَّيْءِ وأعْدَلُهُ، كَما يُقالُ: فُلانٌ مِن واسِطَةِ قَوْمِهِ، أيْ: مِن أعْيانِهِمْ، وهَلْ سُمِّيَتِ ”الوُسْطى“ لِكَوْنِها بَيْنَ شَيْئَيْنِ، مِن: وسَطَ فُلانٌ يَسِطُ، إذا كانَ وسَطًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ ؟ أوْ مِن وسَطَ قَوْمَهُ إذا فَضَلَهم ؟ فِيهِ قَوْلانِ، والَّذِي تَقْتَضِيهِ العَرَبِيَّةُ أنْ تَكُونَ الوُسْطى مُؤَنَّثَ الأوْسَطِ، بِمَعْنى الفُضْلى مُؤَنَّثِ الأفْضَلِ، كالبَيْتِ الَّذِي أنْشَدْناهُ: يا أوْسَطَ النّاسِ، وذَلِكَ أنَّ أفْعَلَ التَّفْضِيلِ لا يُبْنى إلّا مِمّا يَقْبَلُ الزِّيادَةَ والنَّقْصَ، وكَذَلِكَ فِعْلُ التَّعَجُّبِ، فَكُلُّ ما لا يَقْبَلُ الزِّيادَةَ والنَّقْصَ لا يُبْنَيانِ مِنهُ، ألا تَرى أنَّكَ لا تَقُولُ: زَيْدٌ أمْوَتُ النّاسِ ؟ ولا: ما أمْوَتَ زَيْدًا ؟ لِأنَّ المَوْتَ شَيْءٌ لا يَقْبَلُ الزِّيادَةَ ولا النَّقْصَ، وإذا تَقَرَّرَ هَذا فَكَوْنُ الشَّيْءِ وسَطًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ لا يَقْبَلُ الزِّيادَةَ ولا النَّقْصَ، فَلا يَجُوزُ أنْ يُبْنى مِنهُ أفْعَلُ التَّفْضِيلِ؛ لِأنَّهُ لا تَفاضُلَ فِيهِ؛ فَتَعَيَّنَ أنْ تَكُونَ الوُسْطى بِمَعْنى الأخِيرِ والأعْدَلِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَعْنًى يَقْبَلُ التَّفاوُتَ، وخُصَّتِ الصَّلاةُ الوُسْطى بِالذِّكْرِ، وإنْ كانَتْ قَدِ انْدَرَجَتْ في عُمُومِ الصَّلَواتِ قَبْلَها، تَنْبِيهًا عَلى فَضْلِها عَلى غَيْرِها مِنَ الصَّلَواتِ، كَما نَبَّهَ عَلى فَضْلِ جِبْرِيلَ ومِيكالَ في تَجْرِيدِهِما بِالذِّكْرِ في قَوْلِهِ: ﴿ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البقرة: ٩٨]، وعَلى فَضْلِ مَن ذَكَرَ وجَرَّدَ مِنَ الأنْبِياءِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهم ومِنكَ ومِن نُوحٍ﴾ [الأحزاب: ٧] الآيَةَ، وعَلى فَضْلِ النَّخْلِ والرُّمّانِ في قَوْلِهِ: ﴿فِيهِما فاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨]، وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى هَذا النَّوْعِ مِنَ الذِّكْرِ في قَوْلِهِ: ﴿ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البقرة: ٩٨] . وكَثُرَ اخْتِلافُ العُلَماءِ - مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ والفُقَهاءِ بَعْدَهم - في المُرادِ بِالصَّلاةِ الوُسْطى؛ ولِهَذا قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: كانَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الصَّلاةِ الوُسْطى هَكَذا، وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ. والَّذِي تَلَخَّصَ فِيهِ أقْوالٌ: أحَدُها: أنَّها العَصْرُ، قالَهُ عَلِيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو أيُّوبَ، وابْنُ عُمَرَ في رِوايَةٍ، وسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطِيَّةَ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، وعائِشَةُ في رِوايَةٍ، وحَفْصَةُ، والحَسَنُ بْنُ المُسَيَّبِ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وعَطاءٌ في رِوايَةٍ، وطاوُسٌ، والضَّحّاكُ، والنَّخَعِيُّ، وعُبَيْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وذِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وقَتادَةُ، وأبُو حَنِيفَةَ، وأحْمَدُ، والشّافِعِيُّ في قَوْلٍ، وعَبْدُ المَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ مِن أصْحابِ مالِكٍ، وهو اخْتِيارُ الحافِظِ أبِي بَكْرِ بْنِ العَرَبِيِّ في كِتابِهِ المُسَمّى بِـ (القَبَسْ في شَرْحِ مُوَطَّأِ مالِكِ بْنِ أنَسْ)، واخْتِيارُ أبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ في تَفْسِيرِهِ، وقَدِ اسْتَفاضَ مِنَ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ يَوْمَ الأحْزابِ: (شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطى، صَلاةِ العَصْرِ، مَلَأ اللَّهُ قُلُوبَهم وبُيُوتَهم نارًا) . وقالَ عَلِيٌّ: كُنّا نَراها الصُّبْحَ حَتّى قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ؛ فَعَرَفْنا أنَّها العَصْرُ. ورَوى أبُو مالِكٍ الأشْعَرِيُّ، وسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: (الصَّلاةُ الوُسْطى صَلاةُ العَصْرِ)، وفي مُصْحَفِ عائِشَةَ، وإمْلاءِ حَفْصَةَ: والصَّلاةِ الوُسْطى، وهي العَصْرُ، ومَن رَوى: وصَلاةِ العَصْرِ، أوَّلَ عَلى أنَّهُ عَطَفَ إحْدى الصِّفَتَيْنِ عَلى الأُخْرى. وقَرَأ أُبَيٌّ، وابْنُ عَبّاسٍ، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: والصَّلاةِ الوُسْطى، صَلاةِ العَصْرِ، عَلى البَدَلِ. الثّانِي: أنَّها الفَجْرُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وعَلِيٍّ في رِوايَةٍ، وأبِي مُوسى، ومُعاذٍ، وجابِرٍ، وأبِي أُمامَةَ، وابْنِ عُمَرَ في رِوايَةِ مُجاهِدٍ، وأنَسٍ، وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وعَطاءٍ، وعِكْرِمَةَ، وطاوُسٍ في رِوايَةِ ابْنِهِ، ومُجاهِدٍ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ، ومالِكٍ، والشّافِعِيِّ في قَوْلٍ، وقَدْ «قالَ أبُو العالِيَةِ: صَلَّيْتُ مَعَ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الغَداةَ؛ فَقُلْتُ لَهم: أيُّما الصَّلاةُ الوُسْطى ؟ فَقالُوا: الَّتِي صَلَّيْتَ قَبْلُ، (p-٢٤١)ورَوَوْا عَنْ أبِي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ قالَ: (صَلّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلاةَ الغَداةِ، فَقَنَتَ فِيها قَبْلَ الرُّكُوعِ ورَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمّا فَرَغَ قالَ: هَذِهِ الصَّلاةُ الوُسْطى الَّتِي أُمِرْنا بِها أنْ نَقُومَ فِيها قانِتِينَ» . الثّالِثُ: أنَّها الظُّهْرُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وزَيْدٍ، وأُسامَةَ، وأبِي سَعِيدٍ، وعائِشَةَ. وفي رِوايَةٍ قالُوا: ورَوى زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يُصَلِّي الهاجِرَةَ والنّاسُ في هاجِرَتِهِمْ، فَلَمْ يَجْتَمِعْ إلَيْهِ أحَدٌ فَتَكَلَّمَ في ذَلِكَ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿والصَّلاةِ الوُسْطى﴾ يُرِيدُ الظُّهْرَ»، وقَدْ رُوِيَ أنَّهُ لا يَكُونُ وراءَهُ إلّا الصَّفُّ والصَّفّانِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أُحَرِّقَ عَلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ بُيُوتَهم)؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى﴾ . الرّابِعُ: أنَّها المَغْرِبُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ. الخامِسُ: أنَّها العِشاءُ الآخِرَةُ، ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أحْمَدَ النَّيْسابُورِيُّ في تَفْسِيرِهِ، وحَكاهُ أبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ فِرْقَةٍ. السّادِسُ: أنَّها الصَّلَواتُ الخَمْسُ، قالَهُ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ. السّابِعُ: أنَّها إحْدى الصَّلَواتِ الخَمْسِ لا بِعَيْنِها، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وأبُو بَكْرٍ الوَرّاقُ، وأخْفاها لِيُحافَظَ عَلى الصَّلَواتِ كُلِّها، كَما أخْفى لَيْلَةَ القَدْرِ في لَيالِي شَهْرِ رَمَضانَ، واسْمَ اللَّهِ الأعْظَمَ في سائِرِ الأسْماءِ، وساعَةَ الإجابَةِ في يَوْمِ الجُمُعَةِ، وقَدْ رَواهُ نافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وقالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ، وقَدْ رُوِيَ أنَّهُ نَزَلَتْ: ”والصَّلاةِ الوُسْطى صَلاةِ العَصْرِ“، ثُمَّ نُسِخَتُ فَنَزَلَتْ: ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى﴾؛ فَيَلْزَمُ مِن هَذا نَسْخُ تَعْيِينِها، وأُبْهِمَتْ بَعْدَ أنْ عُيِّنَتْ. قالَ القُرْطُبِيُّ المُفَسِّرُ: وهو الصَّحِيحُ - إنْ شاءَ اللَّهُ - لِتَعارُضِ الأدِلَّةِ وعَدَمِ التَّرْجِيحِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا المُحافَظَةُ عَلى جَمِيعِها وأدائِها. الثّامِنُ: أنَّها الجُمُعَةُ، وفي سائِرِ الأيّامِ الظُّهْرُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. التّاسِعُ: أنَّها العَتَمَةُ والصُّبْحُ، قالَهُ عُمَرُ وعُثْمانُ. العاشِرُ: أنَّها الصُّبْحُ والعَصْرُ مَعًا، قالَهُ أبُو بَكْرٍ الأبْهَرِيُّ مِن فُقَهاءِ المالِكِيَّةِ. ورَجَّحَ كُلَّ قَوْلٍ مِنَ الأقْوالِ الَّتِي عُيِّنَتْ فِيها أنَّ الوُسْطى هي كَذا، بِأحادِيثَ ورَدَتْ في فَضْلِ تِلْكَ الصَّلاةِ، ورُجِّحَ بَعْضُها بِأنَّها وسَطٌ بَيْنِ كَذا وكَذا، ولا حُجَّةَ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ؛ لِأنَّ ذِكْرَ فَضْلِ صَلاةٍ مُعَيَّنَةٍ لا يَدُلُّ عَلى أنَّها الَّتِي أرادَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿والصَّلاةِ الوُسْطى﴾، ولِأنَّ كَوْنَها وسَطًا بَيْنَ كَذا وكَذا لا يَصْلُحُ أنْ يُبْنى مِنهُ أفْعَلُ التَّفْضِيلِ، كَما بَيَّنّاهُ قَبْلُ. وقَدْ صَنَّفَ شَيْخُنا الإمامُ المُحَدِّثُ، أوْحَدُ زَمانِهِ وحافِظُ أوانِهِ، شَرَفُ الدِّينِ أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ المُؤْمِنِ بْنُ خَلَفِ بْنِ أبِي الحَسَنِ بْنِ العَفِيفِ شَرَفِ بْنِ الخَضِرِ بْنِ مُوسى الدِّمْياطِيُّ كِتابًا في هَذا المَعْنى سَمّاهُ: ( كِتابُ كَشْفِ المُغَطّى في تَبْيِينِ الصَّلاةِ الوُسْطى)، قَرَأْناهُ عَلَيْهِ، ورَجَّحَ فِيهِ أنَّها صَلاةُ العَصْرِ، وأنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ نَصًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَوى ذَلِكَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، واسْتَفاضَ ذَلِكَ عَنْهُ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وحُذَيْفَةُ بْنُ اليَمانِ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ، وسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وأبُو هاشِمِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وذَكَرَ فِيهِ بَقِيَّةَ الأقاوِيلِ العَشَرَةِ الَّتِي سَرَدْناها، وزادَ سَبْعَةَ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها الجُمُعَةُ خاصَّةً. الثّانِي: أنَّها الجَماعَةُ في جَمِيعِ الصَّلَواتِ. الثّالِثُ: أنَّها صَلاةُ الخَوْفِ. الرّابِعُ: أنَّها الوَتْرُ، واخْتارَهُ أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّخاوِيُّ النَّحْوِيُّ المُقْرِيُّ. الخامِسُ: أنَّها صَلاةُ عِيدِ الأضْحى. السّادِسُ: أنَّها صَلاةُ العِيدِ يَوْمَ الفِطْرِ. السّابِعُ: أنَّها صَلاةُ الضُّحى، حَكاهُ بَعْضُهم وتَرَدَّدَ فِيهِ. فَإنْ ثَبَتَ هَذا القَوْلُ فَيَكُونُ تَمامَ سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا. والَّذِي يَنْبَغِي أنْ نُعَوِّلَ عَلَيْهِ مِنها هو قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو أنَّها صَلاةُ العَصْرِ، وبِهِ قالَ شَيْخُنا الحافِظُ أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخْبَرَنا المُسْنِدُ أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أبِي الطّاهِرِ إسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ المُحْسِنِ الدِّمَشْقِيُّ، بِقِراءَتِي عَلَيْهِ بِالقاهِرَةِ مِن دِيارِ مِصْرَ - حَرَسَها اللَّهُ - عَنْ أبِي الحَسَنِ المُؤَيَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيِّ المُقْرِيِّ، قالَ: أخْبَرَنا فَقِيهُ الحَرَمِ أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ بْنِ أحْمَدَ الصّاعِدِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَبْدُ الغَفّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الغَفّارِ الفارِسِيُّ (ح) . وأخْبَرَنا (p-٢٤٢)أُسْتاذُنا العَلّامَةُ أبُو جَعْفَرٍ أحْمَدُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ الزُّبَيْرِ الثَّقَفِيُّ، بِقِراءَتِي عَلَيْهِ بِغَرْناطَةَ، مِن جَزِيرَةِ الأنْدَلُسِ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى الفارِقِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَجَرِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ زُغَيْبَةَ المُشاوِرُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو العَبّاسِ أحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أنَسِ بْنِ دِلْهاثٍ (ح)، وأخْبَرَنا القاضِي أبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أبِي الأحْوَصِ، مُناوَلَةً عَنْ أبِي القاسِمِ أحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أحْمَدَ الخَزْرَجِيِّ، وهو آخِرُ مَن حَدَّثَ عَنْهُ، ولَمْ يُحَدِّثْنا عَنْهُ مِن شُيُوخِنا غَيْرُهُ، عَنْ أبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الجُذامِيِّ، وهو آخِرُ مَن حَدَّثَ عَنْهُ، عَنْ أبِي العَبّاسِ بْنِ دِلْهاثٍ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو العَبّاسِ أحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ مِندارٍ بِمَكَّةَ قالا - أعْنِي عَبْدَ الغَفّارِ وابْنَ مِندارٍ: أخْبَرَنا أبُو أحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الجُلُودِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو إسْحاقَ إبْراهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيانَ الفَقِيهُ، أخْبَرَنا الحافِظُ أبُو الحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الحَجّاجِ النَّيْسابُورِيُّ، قالَ: وحَدَّثَنا عَوْنُ بْنُ سَلامٍ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ اليامِيُّ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: حَبَسَ المُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَلاةِ العَصْرِ حَتّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، أوِ اصْفَرَّتْ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطى، صَلاةِ العَصْرِ، مَلَأ اللَّهُ أجْوافَهم وقُبُورَهم نارًا)، أوْ: (حَشا اللَّهُ أجْوافَهم وقُبُورَهم نارًا) . وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: (وعَلى الصَّلاةِ الوُسْطى) بِإعادَةِ الجارِّ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ. وقَرَأتْ عائِشَةُ: ”والصَّلاةَ“ بِالنَّصْبِ، ووَجَّهَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلى أنَّهُ نُصِبَ عَلى المَدْحِ والِاخْتِصاصِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يُراعى مَوْضِعُ: عَلى الصَّلاةِ؛ لِأنَّهُ نَصْبٌ، كَما تَقُولُ: مَرَرَتُ بِزَيْدٍ وعَمْرًا، ورُوِيَ عَنْ قالُونَ أنَّهُ قَرَأ: ”الوُصْطى“ بِالصّادِ، أُبْدِلَتِ السِّينُ صادًا لِمُجاوَرَةِ الطّاءِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا في قَوْلِهِ: (الصِّراطَ) .
﴿وقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ﴾، أيْ: مُطِيعِينَ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ، وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وعَطاءٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والضَّحّاكُ، والحَسَنُ. أوْ خاشِعِينَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. أوْ مُطِيلِينَ القِيامَ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ، والرَّبِيعُ. أوْ داعِينَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. أوْ ساكِتِينَ، قالَهُ السُّدِّيُّ. أوْ عابِدِينَ. أوْ مُصَلِّينَ. أوْ قارِئِينَ، رُوِيَ هَذا عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أوْ ذاكِرِينَ اللَّهَ في القِيامِ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. أوْ راكِدِينَ كافِّي الأيْدِي والأبْصارِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وهو الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ قَبْلُ بِالخُشُوعِ. والأظْهَرُ حَمْلُهُ عَلى السُّكُوتِ؛ إذْ صَحَّ أنَّهم كانُوا يَتَكَلَّمُونَ في الصَّلاةِ، حَتّى نَزَلَتْ: ﴿وقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ﴾؛ فَأُمِرُوا بِالسُّكُوتِ. والمَعْنى: وقُومُوا في الصَّلاةِ. ورُوِيَ أنَّهم كانُوا إذا قامَ أحَدُهم إلى الصَّلاةِ هابَ الرَّحْمَنَ أنْ يَمُدَّ بَصَرَهُ، أوْ يَلْتَفِتَ، أوْ يُقَلِّبَ الحَصا، أوْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِن أُمُورِ الدُّنْيا. وإذا كانَ القُنُوتُ في الآيَةِ هو السُّكُوتُ عَلى ما جاءَ في الحَدِيثِ، فَأجْمَعُوا عَلى أنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ عامِدًا وهو يَعْلَمُ أنَّهُ في الصَّلاةِ، ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ في إصْلاحِ صَلاتِهِ، فَسَدَتْ صَلاتُهُ، إلّا ما رُوِيَ عَنِ الأوْزاعِيِّ: أنَّ الكَلامَ لِإحْياءِ نَفْسٍ، أوْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الجِسامِ، لا يُفْسِدُ الصَّلاةَ. أوْ ساهِيًا، فَقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: لا تَفْسُدُ. وعَنْ مالِكٍ في بَعْضِ صُوَرِ الكَلامِ خِلافٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ أصْحابِهِ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ، والثَّوْرِيُّ: تَفْسُدُ كالعَمْدِ، لِإصْلاحِ صَلاةٍ كانَ أوْ لِغَيْرِهِ، وهو قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وعَطاءٍ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ، وحَمّادِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ. واخْتَلَفَ قَوْلُ أحْمَدَ فَنَقَلَ الخِرَقِيُّ كَقَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ، ونَقَلَ الأثْرَمُ عَنْهُ: إنْ تَكَلَّمَ لِإصْلاحِها لَمْ تَفْسُدْ، أوْ لِغَيْرِهِ فَسَدَتْ، وهَذا قَوْلُ مالِكٍ. وفي قَوْلِهِ: ﴿وقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ﴾ دَلِيلٌ عَلى مَطْلُوبِيَّةِ القِيامِ، وأجْمَعُوا عَلى أنَّ القِيامَ في صَلاةِ الفَرْضِ واجِبٌ عَلى كُلِّ صَحِيحٍ قادِرٍ عَلَيْهِ، كانَ مُنْفَرِدًا أوْ إمامًا، واخْتَلَفُوا في المَأْمُومِ الصَّحِيحِ يُصَلِّي خَلْفَ إمامٍ مَرِيضٍ قاعِدًا لا يَسْتَطِيعُ القِيامَ؛ فَأجازَ ذَلِكَ جُمْهُورُ العُلَماءِ: جابِرُ بْنُ زَيْدٍ، والأوْزاعِيُّ، ومالِكٌ، وأحْمَدُ، وإسْحاقُ، وأبُو أيُّوبَ، وسُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ الهاشِمِيُّ، وأبُو خَيْثَمَةَ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ إسْماعِيلَ، ومَن تَبِعَهم مِن أصْحابِ الحَدِيثِ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، ومُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ: فَيُصَلِّي وراءَهُ (p-٢٤٣)جالِسًا عَلى مَذْهَبِ هَؤُلاءِ، وأفْتى بِهِ مِنَ الصَّحابَةِ: جابِرٌ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وقَيْسُ بْنُ فِهْرٍ. ورَوى هَذا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أنَسٌ، وعائِشَةُ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وجابِرٌ، وابْنُ عُمَرَ، وأبُو أُمامَةَ الباهِلِيُّ. وأجازَتْ طائِفَةٌ صَلاةَ القائِمِ خَلْفَ صَلاةِ المَرِيضِ قاعِدًا، وإلى هَذا ذَهَبَ الشّافِعِيُّ، وداوُدُ، وزُفَرُ، وجَماعَةٌ بِ المَدِينَةِ، وهي رِوايَةُ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مالِكٍ، وهي رِوايَةٌ غَرِيبَةٌ عَنْهُ، والمَشْهُورُ عَنْ مالِكٍ أنَّهُ لا يَؤُمُّ أحَدٌ جالِسًا، فَإنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ وصَلاتُهم إلّا إنْ كانَ عَلِيلًا؛ فَتَصِحُّ صَلاتُهُ وتَفْسُدُ صَلاتُهم، وإلى هَذا ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ. قالَ أبُو حاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبّانَ البُسْتِيُّ: وأوَّلُ مَن أبْطَلَ صَلاةَ المَأْمُومِ قاعِدًا إذا صَلّى إمامُهُ جالِسًا المُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ صاحِبُ النَّخَعِيِّ، وأخَذَ عَنْهُ حَمّادُ بْنُ أبِي سُلَيْمانَ، ثُمَّ أخَذَ عَنْ حَمّادٍ أبُو حَنِيفَةَ، وتَبِعَهُ عَلَيْهِ مَن بَعْدَهُ مِن أصْحابِهِ.
{"ayah":"حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق