الباحث القرآني

﴿وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهو خَيْرٌ لَكُمْ﴾، عَسى هُنا لِلْإشْفاقِ لا لِلتَّرَجِّي، ومَجِيؤُها لِلْإشْفاقِ قَلِيلٌ، وهي هُنا تامَّةٌ لا تَحْتاجُ إلى خَبَرٍ، ولَوْ كانَتْ ناقِصَةً لَكانَتْ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا﴾ [محمد: ٢٢]، فَقَوْلُهُ: ”أنْ تَكْرَهُوا“ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِعَسى، وزَعَمَ الحَوْفِيُّ في أنَّهُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، ولا يُمْكِنُ إلّا بِتَكَلُّفٍ بَعِيدٍ، وانْدَرَجَ في قَوْلِهِ ”شَيْئًا“ (p-١٤٤)القِتالُ؛ لِأنَّهُ مَكْرُوهٌ بِالطَّبْعِ لِما فِيهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْأسْرِ، والقَتْلِ، وإفْناءِ الأبْدانِ، وإتْلافِ الأمْوالِ. والخَيْرُ الَّذِي فِيهِ هو الظَّفَرُ، والغَنِيمَةُ بِالِاسْتِيلاءِ عَلى النُّفُوسِ والأمْوالِ، أسْرًا وقَتْلًا ونَهْبًا وفَتْحًا، وأعْظَمُها الشَّهادَةُ وهي الحالَةُ الَّتِي تَمَنّاها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِرارًا. والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ”وهو خَيْرٌ لَكم“ حالٌ مِن قَوْلِهِ: ”شَيْئًا“، وهو نَكِرَةٌ، والحالُ مِنَ النَّكِرَةِ أقَلُّ مِنَ الحالِ مِنَ المَعْرِفَةِ، وجَوَّزُوا أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ، قالُوا: وساغَ دُخُولُ الواوِ لَمّا كانَتْ صُورَةُ الجُمْلَةِ هُنا كَصُورَتِها إذْ كانَتْ حالًا. انْتَهى. وهو ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ الواوَ في النُّعُوتِ إنَّما تَكُونُ لِلْعَطْفِ في نَحْوِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ عالِمٍ وكَرِيمٍ، وهُنا لَمْ يَتَقَدَّمْ ما يُعْطَفُ عَلَيْهِ، ودَعْوى زِيادَةِ الواوِ بَعِيدَةٌ، فَلا يَجُوزُ أنْ تَقَعَ الجُمْلَةُ صِفَةً. ﴿وعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهو شَرٌّ لَكُمْ﴾، عَسى هُنا لِلتَّرَجِّي، ومَجِيؤُها لَهُ هو الكَثِيرُ في لِسانِ العَرَبِ، وقالُوا: كُلُّ عَسى في القُرْآنِ لِلتَّحْقِيقِ، يَعْنُونَ بِهِ الوُقُوعَ، إلّا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿عَسى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْواجًا﴾ [التحريم: ٥]، وانْدَرَجَ في قَوْلِهِ ”شَيْئًا“ الخُلُودُ إلى الرّاحَةِ وتَرْكُ القِتالِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَحْبُوبٌ بِالطَّبْعِ؛ لِما في ذَلِكَ مِن ضِدِّ ما قَدْ يُتَوَقَّعُ مِنَ الشَّرِّ في القِتالِ، والشَّرُّ الَّذِي فِيهِ هو ذُلُّهم، وضَعْفُ أمْرِهِمْ، واسْتِئْصالُ شَأْفَتِهِمْ، وسَبْيُ ذَرارِيهِمْ، ونَهْبُ أمْوالِهِمْ، ومِلْكُ بِلادِهِمْ. والكَلامُ عَلى هَذِهِ إعْرابًا، كالكَلامِ عَلى الَّتِي قَبْلَها. ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ﴾ ما فِيهِ المَصْلَحَةُ؛ حَيْثُ كَلَّفَكُمُ القِتالَ، ﴿وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ما يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعالى؛ لِأنَّ عَواقِبَ الأُمُورِ مُغَيَّبَةٌ عَنْ عِلْمِكم، وفي هَذا الكَلامِ تَنْبِيهٌ عَلى الرِّضى بِما جَرَتْ بِهِ المَقادِيرُ، قالَ الحَسَنُ: لا تَكْرَهُوا المُلِمّاتِ الواقِعَةَ؛ فَلَرُبَّ أمْرٍ تَكْرَهُهُ فِيهِ أرَبُكَ، ولَرُبَّ أمْرٍ تُحِبُّهُ فِيهِ عَطَبُكَ، وقالَ أبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: ؎رُبَّ أمْرٍ تَتَّقِيهِ جَرَّ أمْرًا تَرْتَضِيهِ ؎خُفِيَ المَحْبُوبُ مِنهُ ∗∗∗ وبَدا المَكْرُوهُ فِيهِ وقالَ الوَضّاحِيُّ: ؎رُبَّما خُيِّرَ الفَتى ∗∗∗ وهْوَ لِلْخَيْرِ كارِهُ وقالَ ابْنُ السَّرْحانِ: ؎كَمْ فَرْحَةٌ مَطْوِيَّةٌ ∗∗∗ لَكَ بَيْنَ أثْناءِ المَصائِبْ ؎ومَسَرَّةٌ قَدْ أقْبَلَتْ ∗∗∗ مِن حَيْثُ تُنْتَظَرُ النَّوائِبْ وقالَ آخَرُ: ؎كَمْ مَرَّةً حَفَّتْ بِكَ المَكارِهْ ∗∗∗ خارَ لَكَ اللَّهُ وأنْتَ كارِهْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب