الباحث القرآني

﴿فَإنْ زَلَلْتُمْ مِن بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ البَيِّناتُ﴾، أيْ: عَصَيْتُمْ أوْ كَفَرْتُمْ، أوْ أخْطَأْتُمْ، أوْ ضَلَلْتُمْ، أقْوالٌ ثانِيها عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وهو الظّاهِرُ لِقَوْلِهِ: ادْخُلُوا في السِّلْمِ، أيِ الإسْلامِ، فَإنْ زَلَلْتُمْ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ، وأصْلُ الزَّلَلِ لِلْقَدَمِ، يُقالُ: زَلَّتْ قَدَمُهُ، كَما قالَ: ؎ولا شامِتٍ إنْ نَعْلُ عَزَّةَ زَلَّتِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ في الرَّأْيِ والِاعْتِقادِ، وهو الزَّلَقُ، وقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِن تَفْسِيرِهِ في قَوْلِهِ: ﴿فَأزَلَّهُما الشَّيْطانُ عَنْها﴾ [البقرة: ٣٦] . وقَرَأ أبُو السِّماكِ: ”فَإنْ زَلِلْتُمْ“ بِكَسْرِ اللّامِ، وهُما لُغَتانِ، كَضَلَلْتُ وضَلِلْتُ. والبَيِّناتُ، حُجَجُ اللَّهِ ودَلائِلُهُ، أوْ مُحَمَّدٌ ﷺ كَما قالَ: ﴿حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ﴾ [البينة: ١] ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [البينة: ٢]، وجُمِعَ تَعْظِيمًا لَهُ: لِأنَّهُ وإنْ كانَ واحِدًا بِالشَّخْصِ، فَهو كَثِيرٌ بِالمَعْنى. أوِ القُرْآنُ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، أوِ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، قالَ: ﴿ولَقَدْ جاءَكم مُوسى بِالبَيِّناتِ﴾ [البقرة: ٩٢]، وقالَ ﴿وآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾ [البقرة: ٢٥٣]، وهَذا يَتَخَرَّجُ عَلى قَوْلِ مَن قالَ إنَّ المُخاطَبَ أهْلُ الكِتابِ، أوِ الإسْلامُ، أوْ ما جاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ المُعْجِزاتِ، أقْوالٌ سِتَّةٌ. وفي (المُنْتَخَبِ) البَيِّناتُ: تَتَناوَلُ جَمِيعَ الدَّلائِلِ العَقْلِيَّةِ والسَّمْعِيَّةِ مِن حَيْثُ إنَّ عُذْرَ المُكَلَّفِ لا يَزُولُ إلّا عِنْدَ حُصُولِ البَيِّناتِ، لا حُصُولِ التَّبْيِينِ مِنَ التَّكْلِيفِ، انْتَهى كَلامُهُ. والدَّلائِلُ العَقْلِيَّةُ لا يُخْبَرُ عَنْها بِالمَجِيءِ: لِأنَّها مَرْكُوزَةٌ في العُقُولِ، فَلا يُنْسَبُ إلَيْها المَجِيءُ إلّا مَجازًا، وفِيهِ بُعْدٌ. * * * ﴿فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، أيْ: دُومُوا عَلى العِلْمِ، إنْ كانَ الخِطابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وإنْ كانَ لِلْكافِرِينَ أوِ المُنافِقِينَ فَهو أمْرٌ لَهم بِتَحْصِيلِ العِلْمِ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ المُؤَدِّي إلَيْهِ، وفي وصْفِهِ هُنا بِالعِزَّةِ الَّتِي هي تَتَضَمَّنُ الغَلَبَةَ والقُدْرَةَ اللَّتَيْنِ يَحْصُلُ بِهِما الِانْتِقامُ وعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَن خالَفَهُ وزَلَّ عَنْ مَنهَجِ الحَقِّ، وفي وصْفِهِ بِالحِكْمَةِ دَلالَةٌ عَلى إتْقانِ أفْعالِهِ، وأنَّ ما يُرَتِّبُهُ مِنَ الزَّواجِرِ لِمَن خالَفَ هو مِن مُقْتَضى الحِكْمَةِ، ورُوِيَ أنَّ قارِئًا قَرَأ، غَفُورٌ رَحِيمٌ، فَسَمِعَهُ أعْرابِيٌّ فَأنْكَرَهُ، ولَمْ يَكُنْ يَقْرَأُ القُرْآنَ، وقالَ: إنْ كانَ هَذا كَلامَ اللَّهِ فَلا يَقُولُ كَذا الحَكِيمُ، لا يَذْكُرُ الغُفْرانَ عِنْدَ الزَّلَلِ: لِأنَّهُ إغْراءٌ عَلَيْهِ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ نَحْوُ هَذا، وأنَّ الَّذِي كانَ يَتَعَلَّمُ مِنهُ أقْرَأهُ: فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فَأنْكَرَهُ حَتّى سَمِعَ: (عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فَقالَ: هَكَذا يَنْبَغِي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب