الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ ﴿أيّامًا مَعْدُوداتٍ فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ وعَلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهو خَيْرٌ لَهُ وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٤] ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرْقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ومَن كانَ مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكم ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥] ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهم يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] ﴿أُحِلَّ لَكم لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكم هُنَّ لِباسٌ لَكم وأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أنْفُسَكم فَتابَ عَلَيْكم وعَفا عَنْكم فالآنَ باشِرُوهُنَّ وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكم وكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيْلِ ولا تُباشِرُوهُنَّ وأنْتُمْ عاكِفُونَ في المَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧] ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ وتُدْلُوا بِها إلى الحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِن أمْوالِ النّاسِ بِالإثْمِ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٨] . (p-٢٦)الصِّيامُ والصَّوْمُ مَصْدَرانِ لِـ (صامَ)، والعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مُمْسِكٍ صائِمًا، ومِنهُ الصَّوْمُ في الكَلامِ ﴿إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦]، أيْ: سُكُوتًا في الكَلامِ، وصامَتِ الرِّيحُ: أمْسَكَتْ عَنِ الهُبُوبِ، والدّابَّةُ: أمْسَكَتْ عَنِ الأكْلِ والجَرْيِ، وقالَ النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ: ؎خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صائِمَةٍ تَحْتَ العَجاجِ، وأُخْرى تَعْلُكُ اللُّجُما أيْ: مُمْسِكَةٌ عَنِ الجَرْيِ. وتُسَمّى الدّابَّةُ الَّتِي لا تَدُورُ: الصّائِمَةَ، قالَ الرّاجِزُ: ؎والبَكَراتُ شَرُّهُنَّ الصّائِمَهْ وقالُوا: صامَ النَّهارُ: ثَبَتَ حَرُّهُ في وقْتِ الظَّهِيرَةِ واشْتَدَّ، وقالَ: ؎ذَمُولٍ إذا صامَ النَّهارُ وهَجَّرا وقالَ: ؎حَتّى إذا صامَ النَّهارُ واعْتَدَلْ ∗∗∗ ومالَ لِلشَّمْسِ لُعابٌ فَنَزَلْ ومَصامُ النُّجُومِ، إمْساكُها عَنِ السَيْرِ ومِنهُ: ؎كَأنَّ الثُّرَيّا عُلِّقَتْ في مَصامِها فَهَذا مَدْلُولُ الصَّوْمِ مِنَ اللُّغَةِ. وأمّا الحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَهو: إمْساكٌ عَنْ أشْياءَ مَخْصُوصَةٍ في وقْتٍ مَخْصُوصٍ ويُبَيَّنُ في الفِقْهِ. الطّاقَةُ، والطَّوْقُ: القُدْرَةُ والِاسْتِطاعَةُ، ويُقالُ: طاقَ وأطاقَ كَذا، أيِ: اسْتَطاعَهُ وقَدَرَ عَلَيْهِ، قالَ أبُو ذِئْبٍ: ؎فَقُلْتُ لَهُ احْمِلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنَّها ∗∗∗ مُطَبَّعَةٌ مَن يَأْتِها لا يَضِيرُها الشَّهْرُ مَصْدَرُ شَهَرَ الشَّيْءَ يَشْهَرُهُ: أظْهَرَهُ ومِنهُ الشُّهْرَةُ، وبِهِ سُمِّيَ الشَّهْرُ، وهو: المُدَّةُ الزَّمانِيَّةُ الَّتِي يَكُونُ مَبْدَأُ الهِلالِ فِيها خافِيًا إلى أنْ يَسْتَسِرَّ، ثُمَّ يَطْلُعُ خافِيًا. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشُهْرَتِهِ في حاجَةِ النّاسِ إلَيْهِ في المُعامَلاتِ وغَيْرِها مِن أُمُورِهِمْ، وقالَ الزَّجّاجُ: الشَّهْرُ الهِلالُ. قالَ: ؎والشَّهْرُ مِثْلُ قُلامَةِ الظُّفُرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبَيانِهِ، وقِيلَ: سُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا بِاسْمِ الهِلالِ إذا أهَلَّ سُمِّيَ شَهْرًا، وتَقُولُ العَرَبُ: رَأيْتُ الشَّهْرَ أيْ: هِلالَهُ. قالَ ذُو الرُّمَّةِ (شِعْرًا): ؎تَرى الشَّهْرَ قَبْلَ النّاسِ وهو نَحِيلُ ويُقالُ: أشْهَرْنا، أيْ: أتى عَلَيْنا شَهْرٌ، وقالَ الفَرّاءُ: لَمْ أسْمَعْ مِنهُ فِعْلًا إلّا هَذا، وقالَ الثَّعْلَبِيُّ: يُقالُ شَهَرَ الهِلالُ إذا طَلَعَ، ويُجْمَعُ الشَّهْرُ قِلَّةً عَلى: أفْعُلٍ، وكَثْرَةً عَلى: فُعُولٍ، وهُما مَقِيسانِ فِيهِ. رَمَضانُ عَلَمٌ عَلى شَهْرِ الصَّوْمِ، وهو عَلَمُ جِنْسٍ، ويُجْمَعُ عَلى: رَمَضاناتٍ وأرْمِضَةٍ، وعُلْقَةُ هَذا الِاسْمِ مِن مُدَّةٍ كانَ فِيها في الرَّمَضِيِّ، وهو شِدَّةُ الحَرِّ، كَما سُمِّيَ الشَّهْرُ رَبِيعًا مِن مُدَّةِ الرَّبِيعِ، وجُمادى مِن مُدَّةِ الجُمُودِ، ويُقالُ: رَمَضَ الصّائِمُ يَرْمَضُ: احْتَرَقَ جَوْفُهُ مِن شِدَّةِ العَطَشِ، ورَمَضَتِ الفِصالُ: أحْرَقَ الرَّمْضاءُ أخْفافَها فَبَرَكَتْ مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وانْزَوَتْ إلى ظِلِّ أُمَّهاتِها، ويُقالُ: أرْمَضَتْهُ الرَّمْضاءُ: أحْرَقَتْهُ، وأرْمَضَنِي الأمْرُ. وقِيلَ: سُمِّيَ رَمَضانُ: لِأنَّهُ يَرْمَضُ الذُّنُوبَ، أيْ: يُحْرِقُها بِالأعْمالِ الصّالِحَةِ، وقِيلَ: لِأنَّ القُلُوبَ تَحْتَرِقُ مِنَ المَوْعِظَةِ فِيهِ والفِكْرَةِ في أمْرِ الآخِرَةِ، وقِيلَ: مِن رَمَضْتُ النَّصْلَ: رَقَّقْتُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ لِيَرِقَّ، ومِنهُ: نَصْلٌ رَمِيضٌ ومَرْمُوضٌ، عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ. وكانُوا يَرْمِضُونَ أسْلِحَتَهم في هَذا الشَّهْرِ لِيُحارِبُوا بِها في شَوّالَ قَبْلَ دُخُولِ الأشْهُرِ الحَرامِ، وكانَ هَذا الشَّهْرُ في الجاهِلِيَّةِ يُسَمّى ناتِقًا. أنْشَدَ المُفَضَّلُ: ؎وفِي ناتِقٍ أجْلَتْ لَدى حَوْمَةِ الوَغى ∗∗∗ ووَلَّتْ عَلى الأدْبارِ فُرْسانُ خَثْعَما وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الرَّمَضانُ، مَصْدَرُ رَمِضَ إذا احْتَرَقَ مِنَ الرَّمْضاءِ. انْتَهى. ويُحْتاجُ في تَحْقِيقِ أنَّهُ مَصْدَرٌ إلى صِحَّةِ نَقْلٍ: لِأنَّ فَعَلانًا لَيْسَ مَصْدَرَ ”فَعِلَ“ اللّازِمِ، بَلْ إنْ جاءَ فِيهِ ذَلِكَ كانَ شاذًّا، والأوْلى أنْ يَكُونَ مُرْتَجَلًا مَنقُولًا. وقِيلَ: هو مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّمَضِ، وهو مَطَرٌ يَأْتِي قَبْلَ الخَرِيفِ يُطَهِّرُ الأرْضَ مِنَ الغُبارِ. القُرْآنُ: مَصْدَرُ قَرَأ قُرْآنًا. قالَ حَسّانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ؎ضَحَّوْا بِأشْمَطَ عُنْوانُ السُّجُودِ بِهِ ∗∗∗ يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنا أيْ: وقِراءَةً، وأُطْلِقَ عَلى ما بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ مِن كَلامِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وصارَ عَلَمًا عَلى ذَلِكَ، وهو مِن إطْلاقِ المَصْدَرِ عَلى اسْمِ المَفْعُولِ في الأصْلِ، ومَعْنى قُرْآنٍ بِالهَمْزِ: الجَمْعُ: لِأنَّهُ يَجْمَعُ السُّوَرَ، كَما قِيلَ في القَرْءِ وهو (p-٢٧)إجْماعُ الدَّمِ في الرَّحِمِ أوَّلًا: لِأنَّ القارِئَ يُلْقِيهِ عِنْدَ القِراءَةِ مِن قَوْلِ العَرَبِ: ما قَرَأتْ هَذِهِ النّاقَةُ سَلًا قَطُّ أيْ: ما رَمَتْ بِهِ، ومَن لَمْ يَهْمِزْ فالأظْهَرُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن بابِ النَّقْلِ والحَذْفِ، أوْ تَكُونَ النُّونُ أصْلِيَّةً، مِن قَرَنْتُ الشَّيْءَ إلى الشَّيْءِ: ضَمَمْتُهُ: لِأنَّ ما فِيهِ مِنَ السُّوَرِ والآياتِ والحُرُوفِ مُقْتَرِنٌ بَعْضُها إلى بَعْضٍ، أوْ لِأنَّ ما فِيهِ مِنَ الحِكَمِ والشَّرائِعِ كَذَلِكَ، أوْ ما فِيهِ مِنَ الدَّلائِلِ ومِنَ القَرائِنِ: لِأنَّ آياتِهِ يُصَدِّقُ بَعْضُها بَعْضًا، ومَن زَعَمَ مِن: قَرَيْتُ الماءَ في الحَوْضِ، أيْ: جَمَعْتُهُ، فَقَوْلُهُ فاسِدٌ لِاخْتِلافِ المادَّتَيْنِ. السَّفَرُ: مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ: سَفَرَتِ المَرْأةُ إذا ألْقَتْ خِمارَها، والمَصْدَرُ السُّفُورُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎وكُنْتُ إذا ما جِئْتُ لَيْلى تَبَرْقَعَتْ ∗∗∗ فَقَدْ رابَنِي مِنها الغَداةَ سُفُورُها وتَقُولُ: سَفَرَ الرَّجُلُ ألْقى عِمامَتَهُ، وأسْفَرَ الوَجْهُ والصُّبْحُ أضاءَ. الأزْهَرِيُّ: سُمِّيَ مُسافِرًا لِكَشْفِ قِناعِ الكِنِّ عَنْ وجْهِهِ، وبُرُوزِهِ لِلْأرْضِ الفَضاءِ، والسَّفْرُ بِسُكُونِ الفاءِ: المُسافِرُونَ، وهو اسْمُ جَمْعٍ كالصَّحْبِ والرَّكْبِ، والسِّفْرُ مِنَ الكُتُبِ: واحِدُ الأسْفارِ: لِأنَّهُ يَكْشِفُ عَمّا تَضَمَّنَهُ. اليُسْرُ: السُّهُولَةُ، ويَسُرَ: سَهُلَ، يَسَّرَ: سَهَّلَ، وأيْسَرَ: اسْتَغْنى، ويَسَرَ، مِنَ المَيْسِرِ، وهو قِمارٌ مَعْرُوفٌ. وقالَ عَلْقَمَةُ: ؎لا يَيْسِرُونَ بِخَيْلٍ قَدْ يَسَرْتُ بِها ∗∗∗ وكُلُّ ما يَسَرَ الأقْوامُ مَغْرُومُ وسُمِّيَتِ اليَدُ اليُسْرى تَفاؤُلًا، أوْ لِأنَّهُ يَسْهُلُ بِها الأمْرُ لِمُعاوَنَتِها اليُمْنى. العُسْرُ: الصُّعُوبَةُ والضِّيقُ، ومِنهُ أعْسَرَ إعْسارًا، وذُو عُسْرَةٍ، أيْ: ضِيقٍ. الإكْمالُ: الإتْمامُ. والإجابَةُ: قَدْ يُرادُ بِها السَّماعُ، وفي الحَدِيثِ أنَّ أعْرابِيًّا قالَ: يا مُحَمَّدُ. قالَ: قَدْ أجَبْتُكَ. وقالُوا: دَعا مَن لا يُجِيبُ، أيْ: مَن لا يَسْمَعُ، كَما أنَّ السَّماعَ قَدْ يُرادُ بِهِ الإجابَةُ، ومِنهُ: سَمِعَ اللَّهُ مِن حَمِدَهُ. وأنْشَدَ ابْنُ الأعْرابِيِّ حَيْثُ قالَ: ؎دَعَوْتُ اللَّهَ حَتّى خِفْتُ أنْ لا ∗∗∗ يَكُونَ اللَّهُ يَسْمَعُ ما أقُولُ وجِهَةُ المَجازِ بَيْنَهُما ظاهِرَةٌ: لِأنَّ الإجابَةَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلى السَّماعِ، والإجابَةُ: حَقِيقَةُ إبْلاغِ السّائِلِ ما دَعا بِهِ، وأجابَ واسْتَجابَ بِمَعْنى قَطَعَ، وألِفُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ واوٍ، يُقالُ: جابَ يَجُوبُ: قَطَعَ، فَكَأنَّ المُجِيبَ اقْتَطَعَ لِلسّائِلِ ما سَألَ أنْ يُعْطاهُ، ويُقالُ: أجابَتِ السَّماءُ بِالمَطَرِ، وأجابَتِ الأرْضُ بِالنَّباتِ، كَأنَّ كُلًّا مِنهُما سَألَ صاحِبَهُ فَأجابَهُ بِما سَألَ. قالَ زُهَيْرٌ: ؎وغَيْثٍ مِنَ الوَسْمِيِّ حُلْوٍ بَلاغُهُ ∗∗∗ أجابَتْ رَوابِيهِ النَّجا وهَواطِلُهْ الرُّشْدُ: ضِدُّ الغَيِّ، يُقالُ: رَشَدَ بِالفَتْحِ، رُشْدًا، ورَشِدَ بِالكَسْرِ رَشَدًا، وأرْشَدْتُ فُلانًا: هَدَيْتُهُ، وطَرِيقٌ أرْشَدُ، أيْ: قاصِدٌ، والمَراشِدُ: مَقاصِدُ الطَّرِيقِ، وهو لِرِشْدَةٍ، أيْ: هو لِحَلالٍ، وهو خِلافُ هو لِزَنْيَةٍ، وأُمُّ راشِدٍ: الفَأْرَةُ، وبَنُو رَشْدانَ: بَطْنٌ مِنَ العَرَبِ، وبَنُو راشِدٍ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ البَرْبَرِ. الرَّفَثُ: مَصْدَرُ رَفَثَ، ويُقالُ: أرَفَثَ تَكَلَّمَ بِالفُحْشِ. قالَ العَجّاجُ: ؎ورَبِّ أسْرابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ ∗∗∗ عَنِ اللَّغا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والزَّجّاجُ، وغَيْرُهُما: الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جامِعَةٌ لِكُلِّ ما يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ المَرْأةِ. وأنْشَدَ ابْنُ عَبّاسٍ: ؎وهُنَّ يَمْشِينَ بِنا هَمِيسا ∗∗∗ إنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسا فَقِيلَ لَهُ: أتَرْفُثُ وأنْتَ مُحْرِمٌ، فَقالَ: إنَّما الرَّفَثُ عِنْدَ النِّساءِ، وفي الحَدِيثِ: «مَن حَجَّ هَذا البِنْيَةَ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ مِنها كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ» . وقِيلَ: الرَّفَثُ الجِماعُ، واسْتُدِلَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎ويُرَيْنَ مِن أُنْسِ الحَدِيثِ زَوانِيًا ∗∗∗ ولَهُنَّ عَنْ رَفَثِ الرِّجالِ نِفارُ (وبِقَوْلِ الآخَرِ): ؎فَباتُوا يَرْفُثُونَ وباتَ مِنّا ∗∗∗ رِجالٌ في سِلاحِهِمُ رُكُوبا (p-٢٨)(وبِقَوْلِ الآخَرِ): ؎فَظَلْنا هُنالِكَ في نِعْمَةٍ ∗∗∗ وكُلِّ اللَّذاذَةِ غَيْرِ الرَّفَثْ ولا دَلالَةَ في ذَلِكَ، إذْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ أرادَ المُقَدِّماتِ: كالقُبْلَةِ والنَّظْرَةِ والمُلاعَبَةِ. اخْتانَ: مِنَ الخِيانَةِ، يُقالُ: خانَ خَوْنًا وخِيانَةً، إذا لَمْ يَفِ، وذَلِكَ ضِدُّ الأمانَةِ، وتَخَوَّنْتُ الشَّيْءَ: نَقَصْتُهُ، ومِنهُ الخِيانَةُ، وهو يَنْقُصُ المُؤْتَمَنَ. وقالَ زُهَيْرٌ: ؎بِآرِزَةِ الفَقارَةِ لَمْ يَخُنْها ∗∗∗ قِطافٌ في الرِّكابِ ولا خِلاءُ وتَخَوَّنَهُ وتَخَوَّلَهُ: تَعَهَّدَهُ. الخَيْطُ: مَعْرُوفٌ، ويُجْمَعُ عَلى فُعُولٍ وهو فِيهِ مَقِيسٌ، أعْنِي في ”فَعْلِ“ الِاسْمِ، اليائِيِّ العَيْنِ نَحْوَ: بَيْتٍ وبُيُوتٍ، وجَيْبٍ وجُيُوبٍ، وغَيْبٍ وغُيُوبٍ، وعَيْنٍ وعُيُونٍ، والخَيْطُ، بِكَسْرِ الخاءِ: الجَماعَةُ مِنَ النَّعامِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎فَقالَ ألا هَذا صُوارٌ وعانَةٌ ∗∗∗ وخَيْطُ نَعامٍ يَرْتَعِي مُتَفَرِّقُ البَياضُ والسَّوادُ لَوْنانِ مَعْرُوفانِ، يُقالُ مِنهُما: بِيضٌ وسُودٌ، فَهو أبْيَضُ وأسْوَدُ، ولَمْ يُعَلَّ العَيْنُ بِالنَّقْلِ والقَلْبِ: لِأنَّها في مَعْنى ما يَصِحُّ وهُما: أبْيَضُ وأسْوَدُ. العُكُوفُ: الإقامَةُ، عَكَفَ بِالمَكانِ: أقامَ بِهِ، قالَ تَعالى: ﴿يَعْكُفُونَ عَلى أصْنامٍ لَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٣٨]، وقالَ الفَرَزْدَقُ يَصِفُ الجِفانَ: ؎تَرى حَوْلَهُنَّ المُعْتَفِينَ كَأنَّهم ∗∗∗ عَلى صَنَمٍ في الجاهِلِيَّةِ عُكَّفُ (وقالَ الطِّرِمّاحُ): ؎باتَتْ بَناتُ اللَّيْلِ حَوْلِيَ عُكَّفًا ∗∗∗ عُكُوفَ البَواكِيَ بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ وفِي الشَّرْعِ عِبارَةٌ عَنْ عُكُوفٍ مَخْصُوصٍ، وقَدْ بُيِّنَ في كُتُبِ الفِقْهِ. الحَدُّ، قالَ اللَّيْثُ: حَدُّ الشَّيْءِ: مُنْتَهاهُ ومُنْقَطَعُهُ، والمُرادُ بِحُدُودِ اللَّهِ مُقَدَّراتُهُ بِمَقادِيرَ مَخْصُوصَةٍ وصِفاتٍ مَخْصُوصَةٍ. الإدْلاءُ: الإرْسالُ لِلدَّلْوِ، اشْتُقَّ مِنهُ فِعْلٌ، فَقالُوا: أدْلى دَلْوَهُ، أيْ: أرْسَلَها لِيَمْلَأها، وقِيلَ: أدْلى فُلانٌ بِمالِهِ إلى الحاكِمِ: رَفَعَهُ. قالَ: ؎وقَدْ جَعَلْتُ إذا ما حاجَةٌ عَرَضَتْ ∗∗∗ بِبابِ دارِكَ أدْلُوها بِأقْوامِ ويُقالُ: أدْلى فُلانٌ بِحُجَّتِهِ: قامَ بِها، وتَدَلّى مِن كَذا أيْ: هَبَطَ. قالَ: ؎كَتَيْسِ الظِّباءِ الأعْفَرِ، انْضَرَجَتْ لَهُ ∗∗∗ عُقابٌ، تَدَلَّتْ مِن شَمارِيخِ ثَهْلانِ * * * ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ﴾: مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ أخْبَرَ تَعالى: أوَّلًا بِكَتْبِ القِصاصِ وهو: إتْلافُ النُّفُوسِ، وهو مِن أشَقِّ التَّكالِيفِ، فَيَجِبُ عَلى القاتِلِ إسْلامُ نَفْسِهِ لِلْقَتْلِ، ثُمَّ أخْبَرَ ثانِيًا بِكَتْبِ الوَصِيَّةِ وهو: إخْراجُ المالِ الَّذِي هو عَدِيلُ الرُّوحِ، ثُمَّ انْتَقَلَ ثالِثًا إلى كَتْبِ الصِّيامِ، وهو: مُنْهِكٌ لِلْبَدَنِ، مُضْعِفٌ لَهُ، مانِعٌ وقاطِعٌ ما ألِفَهُ الإنْسانُ مِنَ الغِذاءِ بِالنَّهارِ، فابْتِداءٌ بِالأشَقِّ ثُمَّ بِالأشَقِّ بَعْدَهُ، ثُمَّ بِالشّاقِّ فَهَذا انْتِقالٌ فِيما كَتَبَهُ اللَّهُ عَلى عِبادِهِ في هَذِهِ الآيَةِ، وكانَ فِيما قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ ذَكَرَ مِن أرْكانِ الإسْلامِ ثَلاثَةً: الإيمانَ، والصَّلاةَ، والزَّكاةَ، فَأتى بِهَذا الرُّكْنِ الرّابِعِ، وهو الصَّوْمُ. وبِناءُ (كُتِبَ) لِلْمَفْعُولِ في هَذِهِ المَكْتُوباتِ الثَّلاثَةِ، وحَذْفُ الفاعِلِ لِلْعِلْمِ بِهِ، إذْ هو: اللَّهُ تَعالى: لِأنَّها مَشاقٌّ صَعْبَةٌ عَلى المُكَلَّفِ، فَناسَبَ أنْ لا تُنْسَبَ إلى اللَّهِ تَعالى، وإنْ كانَ اللَّهُ تَعالى هو الَّذِي كَتَبَها، وحِينَ يَكُونُ المَكْتُوبُ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ راحَةٌ واسْتِبْشارٌ يُبْنى الفِعْلُ لِلْفاعِلِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكم عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ٥٤]، ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١]، ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمانَ﴾ [المجادلة: ٢٢]، وهَذا مِن لَطِيفِ عِلْمِ البَيانِ. أمّا بِناءُ الفِعْلِ لِلْفاعِلِ في قَوْلِهِ: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥]، فَناسَبَ لِاسْتِعْصاءِ اليَهُودِ وكَثْرَةِ مُخالَفاتِهِمْ لِأنْبِيائِهِمْ بِخِلافِ هَذِهِ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الخِطابَيْنِ لِافْتِراقِ المُخاطَبِينَ، ونادى المُؤْمِنِينَ عِنْدَ إعْلامِهِمْ بِهَذا المَكْتُوبِ (p-٢٩)الثّالِثِ الَّذِي هو الصِّيامُ لِيُنَبِّهَهم عَلى اسْتِماعِ ما يُلْقِي إلَيْهِمْ مِن هَذا التَّكْلِيفِ، ولَمْ يَحْتَجْ إلى نِداءٍ في المَكْتُوبِ الثّانِي لِانْسِلاكِهِ مَعَ الأوَّلِ في نِظامٍ واحِدٍ، وهو: حُضُورُ المَوْتِ بِقِصاصٍ أوْ غَيْرِهِ، وتَبايَنَ هَذا التَّكْلِيفُ الثّالِثُ مِنها، وقَدَّمَ الجارَّ والمَجْرُورَ عَلى المَفْعُولِ بِهِ الصَّرِيحِ وإنْ كانَ أكْثَرُ التَّرْتِيبِ العَرَبِيِّ بِعَكْسِ ذَلِكَ، نَحْوَ: ضُرِبَ زَيْدٌ بِسَوْطٍ: لِأنَّ ما احْتِيجَ في تَعَدِّي الفِعْلِ إلَيْهِ إلى واسِطَةٍ دُونَ ما تَعَدّى إلَيْهِ بِغَيْرِ واسِطَةٍ: لِأنَّ البُداءَةَ بِذِكْرِ المَكْتُوبِ عَلَيْهِ أكْثَرُ مِن ذِكْرِ المَكْتُوبِ لِتَعَلُّقِ الكَتْبِ بِمَن نُودِيَ، فَتَعْلَمُ نَفْسُهُ أوَّلًا أنَّ المُنادى هو المُكَلَّفُ، فَيَرْتَقِبُ بَعْدَ ذَلِكَ لِما كُلِّفَ بِهِ. والألِفُ واللّامُ في ”﴿الصِّيامُ﴾“، لِلْعَهْدِ إنْ كانَتْ قَدْ سَبَقَتْ تَعَبُّداتُهم بِهِ، أوْ لِلْجِنْسِ إنْ كانَتْ لَمْ تَسْبِقْ. وجاءَ هَذا المَصْدَرُ عَلى فِعالٍ، وهو أحَدُ البِنائَيْنِ الكَثِيرَيْنِ في مَصْدَرِ هَذا النَّوْعِ مِنَ الفِعْلِ، وهو الفِعْلُ الواوِيُّ العَيْنِ الصَّحِيحُ الآخِرُ، والبِناءانِ هُما فُعُولٌ وفِعالٌ، وعَدَلَ عَنِ الفُعُولِ وإنْ كانَ الأصْلَ لِاسْتِثْقالِ الواوَيْنِ، وقَدْ جاءَ مِنهُ شَيْءٌ عَلى الأصْلِ: كالفُئُورِ، ولِثِقَلِ اجْتِماعِ الواوَيْنِ هَمَزَ بَعْضُهم فَقالَ: الفُئُورَ. ﴿كَما كُتِبَ﴾ الظّاهِرُ أنَّ هَذا المَجْرُورَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أوْ في مَوْضِعِ الحالِ عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ عَلى ما سَبَقَ، أيْ: كَتْبًا مِثْلَ ما كُتِبَ أوْ كَتَبَهُ، أيِ: الكَتْبُ مِنها كَتْبٌ، وتَكُونُ السَّبَبِيَّةُ قَدْ وقَعَ في مُطْلَقِ الكَتْبِ وهو الإيجابُ، وإنْ كانَ مُتَعَلَّقُهُ مُخْتَلِفًا بِالعَدَدِ أوْ بِغَيْرِهِ، ورُوِيَ هَذا المَعْنى عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ، وعَطاءٍ، وتَكُونُ إذْ ذاكَ ما مَصْدَرِيَّةً. وقِيلَ: الكافُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِنَ الصِّيامِ، أيْ: مُشْبِهًا ما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكم، وتَكُونُ ما مَوْصُولَةً أيْ: مُشَبِهًا الَّذِي كُتِبَ عَلَيْكم، وذُو الحالِ هو: الصِّيامُ، والعامِلُ فِيها العامِلُ فِيهِ، وهو: كُتِبَ عَلَيْكم. وأجازَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنْ تَكُونَ الكافُ في مَوْضِعِ صِفَةٍ لِصَوْمٍ مَحْذُوفٍ، التَّقْدِيرُ: صَوْمًا كَما، وهَذا فِيهِ بُعْدٌ: لِأنَّ تَشْبِيهَ الصَّوْمِ بِالكِتابَةِ لا يَصِحُّ، هَذا إنْ كانَتْ ما مَصْدَرِيَّةً، وأمّا إنْ كانَتْ مَوْصُولَةً فَفِيهِ أيْضًا بُعْدٌ: لِأنَّ تَشْبِيهَ الصَّوْمِ بِالمَصُومِ لا يَصِحُّ إلّا عَلى تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ. وأجازَ بَعْضُ النُّحاةِ أنْ تَكُونَ الكافُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى أنَّها نَعْتٌ لِقَوْلِهِ: الصِّيامُ، قالَ: إذْ لَيْسَ تَعْرِيفُهُ بِمُسْتَحْسَنٍ لِمَكانِ الإجْمالِ الَّذِي فِيهِ مِمّا فَسَّرَتْهُ الشَّرِيعَةُ، فَلِذَلِكَ جازَ نَعْتُهُ بِكَما، إذْ لا يُنْعَتُ بِها إلّا النَّكِراتُ، فَهي بِمَنزِلَةِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ﴾، انْتَهى كَلامُهُ، وهو هَدْمٌ لِلْقاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ مِن وُجُوبِ تَوافُقِ النَّعْتِ والمَنعُوتِ في التَّعْرِيفِ والتَّنْكِيرِ، وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهم إلى نَحْوٍ مِن هَذا، وأنَّ الألِفَ واللّامَ إذا كانَتْ جِنْسِيَّةً جازَ أنْ يُوصَفَ مَصْحُوبُها بِالجُمْلَةِ، وجَعَلَ مِن ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ﴾ [يس: ٣٧]، ولا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلى إثْباتِ هَدْمِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ، وتَلَخَّصَ في: ما، مِن قَوْلِهِ: ”كَما“ وجْهانِ أحَدُهُما: أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وهو الظّاهِرُ، والآخَرُ: أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنى الَّذِي. ﴿عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ ظاهِرُهُ عُمُومِ الَّذِينَ مِن قَبْلِنا مِنَ الأنْبِياءِ وأُمَمِهِمْ مِن آدَمَ إلى زَمانِنا. وقالَ عَلِيٌّ: أوَّلُهم آدَمُ، فَلَمْ يَفْتَرِضْها عَلَيْكم، يَعْنِي: أنَّ الصَّوْمَ عِبادَةٌ قَدِيمَةٌ أصْلِيَّةٌ ما أخْلى اللَّهُ أُمَّةً مِنَ افْتِراضِها عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَفْتَرِضْها عَلَيْكم خاصَّةً، وقِيلَ: الَّذِينَ مِن قَبْلِنا هُمُ النَّصارى. قالَ الشَّعْبِيُّ وغَيْرُهُ: والمَصُومُ مُعَيَّنٌ وهو رَمَضانُ فُرِضَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا وهُمُ النَّصارى، احْتاطُوا لَهُ بِزِيادَةِ يَوْمٍ قَبْلَهُ ويَوْمٍ بَعْدَهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ حَتّى بَلَّغُوهُ خَمْسِينَ يَوْمًا، فَصَعُبَ عَلَيْهِمْ في الحَرِّ، فَنَقَلُوهُ إلى الفَصْلِ الشَّمْسِيِّ. قالَ النَّقّاشُ: وفي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْ دَغْفَلٍ، والحَسَنِ، والسُّدِّيِّ. وقِيلَ: بَلْ مَرِضَ مَلِكٌ مِن مُلُوكِهِمْ، فَنَذَرَ إنْ بَرِئَ أنْ يَزِيدَ فِيهِ عَشْرَةَ أيّامٍ، ثُمَّ آخَرُ سَبْعَةً، ثُمَّ آخَرُ ثَلاثَةً، ورَأوْا أنَّ الزِّيادَةَ فِيهِ حَسَنَةٌ بِإزاءِ الخَطَأِ في نَقْلِهِ. وقِيلَ: كانَ النَّصارى أوَّلًا يَصُومُونَ، فَإذا أفْطَرُوا فَلا يَأْكُلُونَ ولا يَشْرَبُونَ ولا يَطَأُونَ إذا نامُوا، ثُمَّ انْتَبَهُوا في اللَّيْلِ، وكانَ ذَلِكَ في أوَّلِ الإسْلامِ، ثُمَّ نُسِخَ بِسَبَبِ عُمَرَ، وقَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ. قالَ السُّدِّيُّ أيْضًا والرَّبِيعُ (p-٣٠)وأبُو العالِيَةِ. قِيلَ: وكَذا كانَ صَوْمُ اليَهُودِ، فَيَكُونُ المُرادُ بِالَّذِينَ مِن قَبْلِنا، اليَهُودُ والنَّصارى، وقِيلَ: الَّذِينَ مِن قَبْلِنا: هُمُ اليَهُودُ خاصَّةً، فُرِضَ عَلَيْنا كَما فُرِضَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ بِصَوْمِ رَمَضانَ. قالَ الرّاغِبُ: لِلصَّوْمِ فائِدَتانِ: رِياضَةُ الإنْسانِ نَفْسَهُ عَنْ ما تَدْعُوهُ إلَيْهِ مِنَ الشَّهَواتِ، والِاقْتِداءُ بِالمَلَأِ الأعْلى عَلى قَدْرِ الوُسْعِ، انْتَهى. وحِكْمَةُ التَّشْبِيهِ أنَّ الصَّوْمَ عِبادَةٌ شاقَّةٌ، فَإذا ذُكِرَ أنَّهُ كانَ مَفْرُوضًا عَلى مَن تَقَدَّمَ مِنَ الأُمَمِ سَهُلَتْ هَذِهِ العِبادَةُ. (تَتَّقُونَ) الظّاهِرُ تَعَلُّقُ (لَعَلَّ) بِـ (كُتِبَ) أيْ: سَبَبُ فَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ هو رَجاءُ حُصُولِ التَّقْوى لَكم، فَقِيلَ: المَعْنى تَدْخُلُونَ في زُمْرَةِ المُتَّقِينَ: لِأنَّ الصَّوْمَ شِعارُهم، وقِيلَ: تَجْعَلُونَ بَيْنَكم وبَيْنَ النّارِ وِقايَةً بِتَرْكِ المَعاصِي، فَإنَّ الصَّوْمَ لِإضْعافِ الشَّهْوَةِ ورَدْعِها، كَما قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجاءٌ» . وقِيلَ: تَتَّقُونَ الأكْلَ والشُّرْبَ والجِماعَ في وقْتِ وُجُوبِ الصَّوْمِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. وقِيلَ: تَتَّقُونَ المَعاصِيَ: لِأنَّ الصَّوْمَ يَكُفُّ عَنْ كَثِيرٍ مِمّا تَشَوَّقُ إلَيْهِ النَّفْسُ، قالَهُ الزَّجّاجُ، وقِيلَ: تَتَّقُونَ مَحْظُوراتِ الصَّوْمِ، وهَذا راجِعٌ لِقَوْلِ السُّدِّيِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب