الباحث القرآني
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
فَتَرى المَرْوَ إذا ما هَجَّرَتْ عَنْ يَدَيْها كالفَراشِ المُشْفَتِّرِ
وقالُوا: مَرَواتٍ في جَمْعِ مَرْوَةٍ، وهو القِياسُ في جَمْعِ تَصْحِيحِ مَرْوَةٍ، وهي الحِجارَةُ الصِّغارُ الَّتِي فِيها لِينٌ. وقِيلَ: الحِجارَةُ الصَّلْبَةُ. وقِيلَ: الصِّغارُ المُرْهَفَةُ الأطْرافِ. وقِيلَ: الحِجارَةُ السُّودُ. وقِيلَ: البِيضُ. وقِيلَ: البِيضُ الصَّلْبَةُ. والصَّفا والمَرْوَةُ في الآيَةِ: عَلَمانِ لِجَبَلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ، والألِفُ واللّامُ لَزِمَتا فِيهِما لِلْغَلَبَةِ، كَهُما في البَيْتِ: لِلْكَعْبَةِ، والنَّجْمِ: لِلثُّرَيّا، الشَّعائِرُ: جَمَعَ شَعِيرَةٍ أوْ شَعارَةٍ. قالَ الهَرَوِيُّ: سَمِعْتُ الأزْهَرِيَّ يَقُولُ: هي العَلائِمُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إلَيْها، وأمَرَ بِالقِيامِ بِها. وقالَ الزَّجّاجُ: كُلُّ ما كانَ مِن مَوْقِفٍ ومَشْهَدٍ ومَسْعًى ومَذْبَحٍ. وقَدْ تَقَدَّمَتْ لَنا هَذِهِ المادَّةُ، أعْنِي مادَّةَ شَعَرَ، أيْ أدْرَكَ وعَلِمَ. وتَقُولُ العَرَبُ: بَيْتُنا شِعارٌ: أيْ عَلامَةٌ، ومِنهُ إشْعارُ الهَدْيِ. الحَجُّ: القَصْدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى. قالَ الرّاجِزُ:لَراهِبٌ يَحُجُّ بَيْتَ المَقْدِسْ ∗∗∗ في مَنقَلٍ وبَرْجَدٍ وبُرْنُسْ
والِاعْتِمارُ: الزِّيارَةُ. وقِيلَ: القَصْدُ، ثُمَّ صارَ الحَجُّ والعُمْرَةُ عَلَمَيْنِ لِقَصْدِ البَيْتِ وزِيارَتِهِ لِلنُّسُكَيْنِ المَعْرُوفَيْنِ، وهُما في المَعانِي: كالبَيْتِ والنَّجْمِ في الأعْيانِ. وقَدْ تَقَدَّمَتْ هاتانِ المادَّتانِ في يُحاجُّوكم وفي ”يَعْمُرُ“ . الجُناحُ: المَيْلُ إلى المَأْثَمِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلى الإثْمِ. يُقالُ: جَنَحَ إلى كَذا جُنُوحًا: مالَ، ومِنهُ جُنْحُ اللَّيْلِ: مَيْلُهُ بِظُلْمَتِهِ، وجَناحُ الطّائِرِ. تَطَوَّعَ: تَفَعَّلَ مِنَ الطَّوْعِ، وهو الِانْقِيادُ. اللَّيْلُ: قِيلَ هو اسْمُ جِنْسٍ، مِثْلُ: تَمْرَةٍ وتَمْرٍ، والصَّحِيحُ أنَّهُ مُفْرَدٌ، ولا يُحْفَظُ جَمْعٌ لِلَّيْلِ، وأخْطَأ مَن ظَنَّ أنَّ اللَّيالِيَ جَمْعُ اللَّيْلِ، بَلِ اللَّيالِي جَمْعُ لَيْلَةٍ، وهو جَمْعٌ غَرِيبٌ، ونَظِيرُهُ: كَيْكَةُ والكَياكِي، والكَيْكَةُ: البَيْضَةُ، كَأنَّهم تَوَهَّمُوا أنَّهُما لَيْلاهُ وكَيْكاهُ، ويَدُلُّ عَلى هَذا التَّوَهُّمِ قَوْلُهم في تَصْغِيرِ لَيْلَةٍ: لُيَيْلَةً، وقَدْ صَرَّحُوا بِلَيْلاةٍ في الشِّعْرِ، قالَ الشّاعِرُ:فِي كُلِّ يَوْمٍ وبِكُلِّ لَيْلاةٍ
عَلى أنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الألِفُ إشْباعًا نَحْوَ:أعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ العَقْرابِ
وقالَ ابْنُ فارِسٍ: بَعْضُ الطَّيْرِ يُسَمّى لَيْلًا، ويُقالُ: إنَّهُ ولَدُ الحُبارى. وأمّا النَّهارُ: فَجَمْعُهُ نَهَرٌ وأنْهِرَةٌ، كَقَذَلٍ وأقْذِلَةٍ، وهُما جَمْعانِ مَقِيسانِ فِيهِ. وقِيلَ: النَّهارُ مُفْرَدٌ لا يُجْمَعُ؛ لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ المَصْدَرِ، كَقَوْلِكَ: الضِّياءُ يَقَعُ عَلى القَلِيلِ والكَثِيرِ، ولَيْسَ بِصَحِيحٍ. قالَ الشّاعِرُ:لَوْلا الثَّرِيدانِ هَلَكْنا بِالضُّمَرِ ∗∗∗ ثَرِيدُ لَيْلٍ وثَرِيدٌ بِالنَّهَرِ
ويُقالُ: رَجُلٌ نَهَرٌ، إذا كانَ يَعْمَلُ في النَّهارِ، وفِيهِ مَعْنى النَّسَبِ. قالُوا: والنَّهارُ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ - لِعَدِيٍّ: ”إنَّما هو بَياضُ النَّهارِ وسَوادُ اللَّيْلِ“، يَعْنِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] . وظاهِرُ اللُّغَةِ أنَّهُ مِن وقْتِ الإسْفارِ. وقالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: ويَغْلِبُ أوَّلُ النَّهارِ طُلُوعَ الشَّمْسِ. زادَ النَّضْرُ: ولا يُعَدُّ ما قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ النَّهارِ. وقالَ الزَّجّاجُ، في (كُتُبِ الأنْواءِ): أوَّلُ النَّهارِ ذُرُورُ الشَّمْسِ، واسْتَدَلَّ بِقَوْلِ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ:والشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخَرِ لَيْلَةٍ ∗∗∗ حَمْراءَ يُصْبِحُ لَوْنُها يَتَوَرَّدُ
وقالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:وجاعِلُ الشَّمْسِ مِصْرًا لا خَفاءَ بِهِ ∗∗∗ بَيْنَ النَّهارِ وبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلا
والمِصْرُ: القَطْعُ. وأنْشَدَ الكِسائِيُّ:إذا طَلَعَتْ شَمْسُ النَّهارِ فَإنَّها ∗∗∗ أمارَةُ تَسْلِيمِي عَلَيْكِ فَوَدِّعِي
وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى غُرُوبِها نَهارٌ، ومِنَ الفَجْرِ إلى طُلُوعِها مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّيْلِ والنَّهارِ. وقَدْ تَقَدَّمَتْ مادَّةُ نَهَرَ في قَوْلِهِ: (تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ) . الفُلْكُ: السُّفُنُ، ويَكُونُ مُفْرَدًا وجَمْعًا. وزَعَمُوا أنَّ حَرَكاتِهِ في الجَمْعِ لَيْسَتْ حَرَكاتِهِ في المُفْرَدِ، وإذا اسْتُعْمِلَ مُفْرَدًا ثُنِّيَ، قالُوا: فَلَكانِ. وقِيلَ: إذا أُرِيدَ بِهِ الجَمْعُ، فَهو اسْمُ جَمْعٍ، والَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ أنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ المُفْرَدِ والجَمْعِ، وأنَّ حَرَكاتِهِ في الجَمْعِ حَرَكاتُهُ في المُفْرِدِ، ولا تُقَدَّرُ بِغَيْرِها. وإذا كانَ مُفْرَدًا فَهو مُذَكَّرٌ، كَما قالَ: ﴿فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ﴾ [الشعراء: ١١٩] . وقالُوا: ويُؤَنَّثُ تَأْنِيثَ المُفْرَدِ، قالَ: ﴿والفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي﴾ [البقرة: ١٦٤]، ولا حُجَّةَ في هَذا، إذْ يَكُونُ هُنا اسْتُعْمِلَ جَمْعًا، فَهو مِن تَأْنِيثِ الجَمْعِ، والجَمْعُ يُوصَفُ بِالَّتِي، كَما تُوصَفُ بِهِ المُؤَنَّثَةُ. وقِيلَ: واحِدُ الفُلْكِ فَلَكٌ، كَأُسْدٍ وأسَدٍ، وأصْلُهُ مِنَ الدَّوَرانِ، ومِنهُ: فَلَكُ السَّماءِ الَّذِي تَدُورُ فِيهِ النُّجُومُ، وفَلَكَةُ المِغْزَلِ، وفَلَكَةُ الجارِيَةِ: اسْتِدْرارُ نَهْدِها. بَثَّ: نَشَرَ وفَرَّقَ وأظْهَرَ. قالَ الشّاعِرُ:وفِي الأرْضِ مَبْثُوثًا شُجاعٌ وعَقْرَبُ
ومُضارِعُهُ: يَبُثُّ، عَلى القِياسِ في كُلِّ ثُلاثِيٍّ مُضَعَّفٍ مُتَعَدٍّ أنَّهُ يَفْعُلُ إلّا ما شَذَّ. الدّابَّةُ: اسْمٌ لِكُلِّ حَيَوانٍ، ورُدَّ قَوْلُ مَن أخْرَجَ مِنهُ الطَّيْرَ بِقَوْلِ عَلْقَمَةَ:كَأنَّهم صابَتْ عَلَيْهِمْ سَحابَةٌ ∗∗∗ صَواعِقُها لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ
ويَقُولُ الأعْشى:دَبِيبَ قَطا البَطْحاءِ في كُلِّ مَنهَلِ
وفِعْلُهُ: دَبَّ يَدِبُّ، وهَذا قِياسُهُ؛ لِأنَّهُ لازِمٌ، وسُمِعَ فِيهِ يَدُبُّ بِضَمِّ عَيْنِ الكَلِمَةِ، والهاءُ في الدّابَّةِ لِلتَّأْنِيثِ، إمّا عَلى مَعْنى نَفْسِ دابَّةٍ، وإمّا لِلْمُبالَغَةِ، لِكَثْرَةِ وُقُوعِ هَذا الفِعْلِ، وتُطْلَقُ عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى. التَّصْرِيفُ: مَصْدَرُ صَرَفَ، ومَعْناهُ: راجِعٌ لِلصَّرْفِ، وهو الرَّدُّ. صَرَفْتُ زَيْدًا عَنْ كَذا: رَدَدْتُهُ. الرِّياحُ: جَمْعُ رِيحٍ، جَمْعُ تَكْسِيرٍ، وياؤُهُ واوٌ؛ لِأنَّها مِن راحَ يَرُوحُ، وقُلِبَتْ ياءً لِكَسْرَةِ ما قَبْلَها، وحِينَ زالَ مُوجِبُ القَلْبِ - وهو الكَسْرُ - ظَهَرَتِ الواوُ، وقالُوا: أرْواحٌ، كَجَمْعِ الرُّوحِ. قالَ الشّاعِرُ:أرَبَّتْ بِها الأرْواحُ كُلَّ عَشِيَّةٍ ∗∗∗ فَلَمْ يَبْقَ إلّا آلُ نُؤْيٍ مُنَضَّدِ
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَدْ لَحَنَ في هَذِهِ اللَّفْظَةِ عُمارَةُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ بِلالِ بْنِ جَرِيرٍ، فاسْتَعْمَلَ الأرْياحَ في شِعْرِهِ، ولَحَنَ في ذَلِكَ. وقالَ أبُو حاتِمٍ: إنَّ الأرْياحَ لا يَجُوزُ، فَقالَ لَهُ عُمارَةُ: ألا تَسْمَعَ قَوْلَهم: رِياحٌ ؟ فَقالَ لَهُ أبُو حاتِمٍ: هَذا خِلافُ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ: صَدَقْتَ ورَجَعَ. انْتَهى. وفي مَحْفُوظِي قَدِيمًا أنِ الأرْياحَ جاءَتْ في شِعْرِ بَعْضِ فُصَحاءِ العَرَبِ الَّذِينَ يُسْتَشْهَدُ بِكَلامِهِمْ، كَأنَّهم بَنَوْهُ عَلى المُفْرَدِ، وإنْ كانَتْ عِلَّةُ القَلْبِ مَفْقُودَةً في الجَمْعِ، كَما قالُوا: عِيدٌ وأعْيادٌ، وإنَّما ذَلِكَ مِنَ العَوْدِ، لَكِنَّهُ لَمّا لَزِمَ البَدَلَ جَعَلَهُ كالحَرْفِ الأصْلِيِّ. والسَّحابُ: اسْمُ جِنْسٍ، المُفْرَدُ سَحابَةٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأنَّهُ يَنْسَحِبُ، كَما يُقالُ لَهُ: حَبى؛ لِأنَّهُ يَحْبُو، قالَهُ أبُو عَلِيٍّ. التَّسْخِيرُ: هو التَّذْلِيلُ وجُعِلَ الشَّيْءُ داخِلًا تَحْتَ الطَّوْعِ. قالَ الرّاغِبُ: التَّسْخِيرُ: القَهْرُ عَلى الفِعْلِ، وهو أبْلَغُ مِنَ الإكْراهِ. الحُبُّ: مَصْدَرُ حَبَّ يَحِبُّ، وقِياسُ مُضارِعِهِ يُحِبُّ بِالضَّمِّ؛ لِأنَّهُ مِنَ المُضاعَفِ المُتَعَدِّي، وقِياسُ المَصْدَرِ الحَبُّ بِفَتْحِ الحاءِ، ويُقالُ: أحَبَّ، بِمَعْنى: حَبَّ، وهو أكْثَرُ مِنهُ، ومَحْبُوبٌ أكْثَرُ مِن مُحِبٍّ، ومُحِبٌّ أكْثَرُ مِن حابَّ، وقَدْ جاءَ جَمْعُ الحُبِّ لِاخْتِلافِ أنْواعِهِ، قالَ الشّاعِرُ:ثَلاثَةُ أحْبابٍ فَحُبُّ عَلاقَةٍ ∗∗∗ وحُبُّ تِمِلّاقٍ وحُبٌّ هو القَتْلُ
والحُبُّ: إناءٌ يُجْعَلُ فِيهِ الماءَ. الجَمِيعُ: فَعِيلٌ مِنَ الجَمْعِ، وكَأنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، فَلِذَلِكَ يُتْبَعُ تارَةً بِالمُفْرَدِ: ﴿نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ﴾ [القمر: ٤٤]، وتارَةً بِالجَمْعِ: ﴿جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٣٢]، ويَنْتَصِبُ حالًا: جاءَ زَيْدٌ وعَمْرٌو جَمِيعًا، ويُؤَكَّدُ بِهِ بِمَعْنى كُلِّهِمْ: جاءَ القَوْمُ جَمِيعُهم، أيْ كُلُّهم، ولا يَدُلُّ عَلى الِاجْتِماعِ في الزَّمانِ، إنَّما يَدُلُّ عَلى الشُّمُولِ في نِسْبَةِ الفِعْلِ. تَبَرَّأ: تَفَعَّلَ، مِن قَوْلِهِمْ: بَرِئْتُ مِنَ الدِّينِ. بَراءَةً: وهو الخُلُوصُ والِانْفِصالُ والبُعْدُ. تَقَطَّعَ: تَفَعَّلَ مِنَ القَطْعِ، وهو مَعْرُوفٌ. الأسْبابُ: جَمَعَ سَبَبٍ، وهو الوَصْلَةُ إلى المَوْضِعِ والحاجَةِ مِن بابٍ، أوْ مَوَدَّةٍ، أوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قِيلَ: وقَدْ تُطْلَقُ الأسْبابُ عَلى الحَوادِثِ، قالَ الشّاعِرُ:ومَن هابَ أسْبابَ المَنِيَةِ يَلْقَها ∗∗∗ ولَوْ رامَ أسْبابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ
وأصْلُ السَّبَبِ: الحَبْلُ، وقِيلَ: الَّذِي يُصْعَدُ بِهِ، وقِيلَ: الرّابِطُ المُوصِلُ. الكَرَّةُ: العَوْدَةُ إلى الحالَةِ الَّتِي كانَ فِيها، والفِعْلُ كَرَّ يَكِرُّ كَرًّا، قالَ الشّاعِرُ:أكُرُّ عَلى الكَتِيبَةِ لا أُبالِي ∗∗∗ أحَتْفِي كانَ فِيها أمْ سِواها
الحَسْرَةُ: شِدَّةُ النَّدَمِ، وهو تَألُّمُ القَلْبِ بِانْحِسارِهِ عَنْ مِأمُولِهِ.وما ألُومُ البِيضَ أنْ لا تَسَخَّرا ∗∗∗ إذا رَأيْنَ الشَّمَطَ القَفَنْدَرا
فَتَتَّحِدُ مَعْنى القِراءَتَيْنِ، ولا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأنَّ رَفْعَ الجُناحِ في فِعْلِ الشَّيْءِ هو رَفْعٌ في تَرْكِهِ؛ إذْ هو تَخْيِيرٌ بَيْنَ الفِعْلِ والتَّرْكِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يَتَراجَعا﴾ [البقرة: ٢٣٠] . فَعَلى هَذا تَكُونُ لا عَلى بابِها لِلنَّفْيِ، وتَكُونُ قِراءَةُ الجُمْهُورِ فِيها رَفْعُ الجُناحِ في فِعْلِ الطَّوافِ نَصًّا، وفي هَذِهِ رَفْعُ الجُناحِ في التَّرْكِ نَصًّا، وكِلْتا القِراءَتَيْنِ تَدُلُّ عَلى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الفِعْلِ والتَّرْكِ، فَلَيْسَ الطَّوافُ بِهِما واجِبًا، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأنَسٍ، وابْنِ الزُّبَيْرِ، وعَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وأحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فِيما نَقَلَ عَنْهُ أبُو طالِبٍ، وأنَّهُ لا شَيْءَ عَلى مَن تَرَكَهُ، عَمْدًا كانَ أوْ سَهْوًا، ولا يَنْبَغِي أنْ يَتْرُكَهُ. ومَن ذَهَبَ إلى أنَّهُ رُكْنٌ، كالشّافِعِيِّ وأحْمَدَ ومالِكٍ، في مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ، أوْ واجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ، كالثَّوْرِيِّ وأبِي حَنِيفَةِ، أوْ إنْ تَرَكَ أكْثَرَ مِن ثَلاثَةِ أشْواطٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، أوْ ثَلاثَةً فَأقَلَّ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ إطْعامُ مِسْكِينٍ، كَأبِي حَنِيفَةَ في بَعْضِ الرِّواياتِ، يَحْتاجُ إلى نَصٍّ جَلِيٍّ يَنْسَخُ هَذا النَّصَّ القُرْآنِيَّ. وقَوْلُ عائِشَةَ لِعُرْوَةَ حِينَ قالَ لَها: أرَأيْتِ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِما﴾، فَما نَرى عَلى أحَدٍ شَيْئًا ؟ فَقالَتْ: يا عُرَيَّةُ، كَلّا، لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَقالَ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِما. كَلامٌ لا يُخْرِجُ اللَّفْظَ عَمّا دَلَّ عَلَيْهِ مِن رَفْعِ الإثْمِ عَمَّنْ طافَ بِهِما، ولا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلى وُجُوبِ الطَّوافِ؛ لِأنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ إباحَةُ الفِعْلِ، وإذا كانَ مُباحًا كُنْتَ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلِهِ وتَرْكِهِ. وظاهِرُ هَذا الطَّوافِ أنْ يَكُونَ بِالصَّفا والمَرْوَةِ، فَمَن سَعى بَيْنَهُما مِن غَيْرِ صُعُودٍ عَلَيْهِما، لَمْ يُعَدَّ طائِفًا. ودَلَّتِ الآيَةُ عَلى مُطْلَقِ الطَّوافِ، لا عَلى كَيْفِيَّةٍ، ولا عَدَدٍ. واتَّفَقَ عُلَماءُ الأمْصارِ عَلى أنَّ الرَّمَلَ في السَّعْيِ سُنَةٌ. ورَوى عَطاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: مَن شاءَ سَعى بِمَسِيلِ مَكَّةَ، ومَن شاءَ لَمْ يَسْعَ، وإنَّما يَعْنِي الرَّمَلَ في بَطْنِ الوادِي. وكانَ عُمَرُ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ وقالَ: إنْ مَشَيْتُ، فَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي، وإنْ سَعَيْتُ، فَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَسْعى. وسَعى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُما لِيُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. فَيُحْتَمَلُ أنْ يَزُولَ الحُكْمُ بِزَوالِ سَبَبِهِ، ويُحْتَمَلَ مَشْرُوعِيَّتُهُ دائِمًا، وإنْ زالَ السَّبَبُ، والرُّكُوبُ في السَّعْيِ بَيْنَهُما مَكْرُوهٌ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ وأصْحابِهِ، ولا يَجُوزُ عِنْدَ مالِكٍ الرُّكُوبُ في السَّعْيِ، ولا في الطَّوافِ بِالبَيْتِ، إلّا مِن عُذْرٍ، وعَلَيْهِ إذْ ذاكَ دَمٌ. وإنْ طافَ راكِبًا بِغَيْرِ عُذْرٍ، أعادَ إنْ كانَ بِحَضْرَةِ البَيْتِ، وإلّا أهْدى. وشَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: «طُوفِي مِن وراءِ النّاسِ وأنْتِ راكِبَةٌ» . ولَمْ يَجِئْ في هَذا الحَدِيثِ أنَّهُ أمَرَها بِدَمٍ. وفَرَّقَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ فَقالَ: إنْ طافَ عَلى ظَهْرِ بَعِيرٍ أجْزاهُ، أوْ عَلى ظَهْرِ إنْسانٍ لَمْ يُجْزِهِ. وكَوْنُ الضَّمِيرِ مُثَنّى في قَوْلِهِ: ”بِهِما“، لا يُدْلِ عَلى البَداءَةِ بِالصَّفا، بَلِ الظّاهِرُ أنَّهُ لَوْ بَدَأ بِالمَرْوَةِ في السَّعْيِ أجْزَأهُ، ومَشْرُوعِيَّةُ السَّعْيِ، عَلى قَوْلِ كافَّةِ العُلَماءِ، البَداءَةُ بِالصَّفا. فَإنْ بَدَأ بِالمَرْوَةِ، فَمَذْهَبُ مالِكٍ، ومَشْهُورُ مَذْهَبِ أبِي حَنِيفَةَ، أنَّهُ يُلْغى ذَلِكَ الشَّوْطُ، فَإنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجْزِهِ. ورُوِيَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ أيْضًا: إنْ لَمْ يُلْغِهِ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، نَزَّلَهُ بِمَنزِلَةِ التَّرْتِيبِ في أعْضاءِ الوُضُوءِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”يَطَّوَّفَ“، وأصْلُهُ يَتَطَوَّفُ، وفي الماضِي كانَ أصْلُهُ تَطَوَّفَ، ثُمَّ أُدْغِمَ التّاءُ في الطّاءِ، فاحْتاجَ إلى اجْتِلابِ هَمْزَةِ الوَصْلِ؛ لِأنَّ المُدْغَمَ في الشَّيْءِ لا بُدَّ مِن تَسْكِينِهِ، فَصارَ اطَّوَّفَ، وجاءَ مُضارِعُهُ يَطَّوَّفُ، فانْحَذَفَتْ هَمْزَةُ الوَصْلِ لِتَحْصِينِ الحَرْفِ المُدْغَمِ بِحَرْفِ المُضارَعَةِ. وقَرَأ أبُو حَمْزَةَ: أنْ يَطُوفَ بِهِما، مَن طافَ يَطُوفُ، وهي قِراءَةٌ ظاهِرَةٌ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو السَّمالِ: يُطافُ بِهِما، وأصْلُهُ: يَطْتَوِفُ، يَفْتَعِلُ، وماضِيهِ: اطْتَوَفَ افْتَعَلَ، تَحَرَّكَتِ الواوُ، وانْفَتَحَ ما قَبْلَها، فَقُلِبَتْ ألِفًا، وأُدْغِمَتِ الطّاءُ في التّاءِ بَعْدَ قَلْبِ التّاءِ طاءً، كَما قَلَبُوا في اطَّلَبَ، فَهو مُطَّلِبٌ، فَصارَ: اطّافَ، وجاءَ مُضارِعُهُ: يَطّافُ، كَما جاءَ يَطَّلِبُ: ومَصْدَرُ اطَّوَّفَ: اطِّوافًا، ومَصْدَرُ اطّافَ: اطِّيافًا، عادَتِ الواوُ إلى أصْلِها؛ لِأنَّ مُوجِبَ إعْلالِها قَدْ زالَ، ثُمَّ قُلِبَتْ ياءً لِكَسْرَةِ ما قَبْلَها، كَما قالُوا: اعْتَدّا اعْتِيادًا، وأنْ يَطَّوَّفَ أصْلُهُ، في أنْ يَطَّوَّفَ، أيْ لا إثْمَ عَلَيْهِ في الطَّوافِ بِهِما، فَحَذَفَ الحَرْفَ مَعَ أنْ، وحَذْفُهُ قِياسٌ مَعَها إذا لَمْ يُلْبَسْ، وفِيهِ الخِلافُ السّابِقُ، أمَوْضِعُها بَعْدَ الحَذْفِ جَرٌّ أمْ نَصْبٌ ؟ وجَوَّزَ بَعْضُ مَن لا يُحْسِنُ عِلْمَ النَّحْوِ أنْ يَكُونَ: ”أنْ يَطَّوَّفَ“، في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى أنْ يَكُونَ خَبَرًا أيْضًا، قالَ التَّقْدِيرُ: فَلا جُناحَ الطَّوافُ بِهِما، وأنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ، والتَّقْدِيرُ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ في حالِ تَطَوُّفِهِ بِهِما، قالَ: والعامِلُ في الحالِ العامِلُ في الجَرِّ، وهي حالٌ مِنَ الهاءِ في عَلَيْهِ. وهَذانِ القَوْلانِ ساقِطانِ، ولَوْلا تَسْطِيرُهُما في بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ لَما ذَكَرْتُهُما.