الباحث القرآني

(p-٢٠٦)﴿ويَقُولُ الإنْسانُ أئِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾ ﴿أوَلا يَذْكُرُ الإنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ ولَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهم والشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهم حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أيُّهم أشَدُّ عَلى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أعْلَمُ بِالَّذِينَ هم أوْلى بِها صِلِيًّا﴾ ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أيُّ الفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقامًا وأحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ هم أحْسَنُ أثاثًا ورِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] . قِيلَ: سَبَبُ النُّزُولِ أنَّ رَجُلًا مِن قُرَيْشٍ قِيلَ هو أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ جاءَ بِعَظْمِ رُفاتٍ فَنَفَخَ فِيهِ، وقالَ لِلرَّسُولِ: أيُبْعَثُ هَذا ؟ وكَذَّبَ وسَخِرَ، وإسْنادُ هَذِهِ المَقالَةِ لِلْجِنْسِ بِما صَدَرَ مِن بَعْضِهِمْ. كَقَوْلِ الفَرَزْدَقِ: ؎فَسَيْفُ بَنِي عَبْسٍ وقَدْ ضَرَبُوا بِهِ نَبا بِيَدَيْ ورْقاءَ عَنْ رَأْسِ خالِدِ أُسْنِدَ الضَّرْبُ إلى بَنِي عَبْسٍ مَعَ قَوْلِهِ (نَبا بِيَدَيْ ورْقاءَ)، وهو ورْقاءُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ العَبْسِيُّ. أوْ لِلْجِنْسِ الكافِرِ المُنْكِرِ لِلْبَعْثِ، أوِ المَعْنِيُّ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، أوِ العاصِي بْنُ وائِلٍ، أوْ أبُو جَهْلٍ، أوِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، أقْوالٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (أئِذا) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ مِنهُمُ ابْنُ ذَكْوانَ بِخِلافٍ عَنْهُ (إذا) بِدُونِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿لَسَوْفَ﴾ بِاللّامِ. وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ (سَأُخْرَجُ) بِغَيْرِ لامٍ وسِينِ الِاسْتِقْبالِ عِوَضُ سَوْفَ، فَعَلى قِراءَتِهِ تَكُونُ (إذا) مَعْمُولًا لِقَوْلِهِ (سَأُخْرَجُ)؛ لِأنَّ حَرْفَ التَّنْفِيسِ لا يَمْنَعُ مِن عَمَلِ ما بَعْدَهُ مِنَ الفِعْلِ فِيما قَبْلَهُ، عَلى أنَّ فِيهِ خِلافًا شاذًّا وصاحِبُهُ مَحْجُوجٌ بِالسَّماعِ. قالَ الشّاعِرُ: ؎فَلَمّا رَأتْهُ آمِنًا هانَ وجْدُها ∗∗∗ وقالَتْ أبُونا هَكَذا سَوْفَ يَفْعَلُ فَهَكَذا مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ وهو بِحَرْفِ الِاسْتِقْبالِ. وحَكى الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ طَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ قَرَأ (لَسَأُخْرَجُ)، وأمّا عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ وما نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن قِراءَةِ طَلْحَةَ فاللّامُ لامُ الِابْتِداءِ فَلا يَعْمَلُ ما (p-٢٠٧)بَعْدَها فِيما قَبْلَها، فَيُقَدَّرُ العامِلُ مَحْذُوفًا مِن مَعْنى ﴿لَسَوْفَ أُخْرَجُ﴾ تَقْدِيرُهُ إذا ما مِتُّ أُبْعَثُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ لامُ الِابْتِداءِ الدّاخِلَةُ عَلى المُضارِعِ تُعْطِي مَعْنى الحالِ، فَكَيْفَ جامَعَتْ حَرْفَ الِاسْتِقْبالِ ؟ قُلْتُ: لَمْ تُجامِعْها إلّا مُخْلَصَةً لِلتَّوْكِيدِ كَما أُخْلِصَتِ الهَمْزَةُ في يا أللَّهُ لِلتَّعْوِيضِ، واضْمَحَلَّ عَنْها مَعْنى التَّعْرِيفِ. انْتَهى. وما ذُكِرَ مِن أنَّ اللّامَ تُعْطِي مَعْنى الحالِ مُخالَفٌ فِيهِ، فَعَلى مَذْهَبِ مَن لا يَقُولُ ذَلِكَ يَسْقُطُ السُّؤالُ، وأمّا قَوْلُهُ كَما أُخْلِصَتِ الهَمْزَةُ إلى آخِرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلّا عَلى مَذْهَبِ مَن يَزْعُمُ أنَّ الأصْلَ فِيهِ إلَهٌ، وأمّا مَن يَزْعُمُ أنَّ أصْلَهُ لاهٍ، فَلا تَكُونُ الهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّعْوِيضِ إذْ لَمْ يُحْذَفْ مِنهُ شَيْءٌ، ولَوْ قُلْنا إنَّ أصْلَهُ إلَهٌ، وحُذِفَتْ فاءُ الكَلِمَةِ، لَمْ يَتَعَيَّنْ أنَّ الهَمْزَةَ فِيهِ في النِّداءِ لِلتَّعْوِيضِ، إذْ لَوْ كانَتْ لِلْعِوَضِ مِنَ المَحْذُوفِ لَثَبَتَتْ دائِمًا في النِّداءِ وغَيْرِهِ، ولَما جازَ حَذْفُها في النِّداءِ، قالُوا: يا اللَّهُ بِحَذْفِها وقَدْ نَصُّوا عَلى أنَّ قَطْعَ هَمْزَةِ الوَصْلِ في النِّداءِ شاذٌّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: واللّامُ في قَوْلِهِ ﴿لَسَوْفَ﴾ مَجْلُوبَةٌ عَلى الحِكايَةِ لِكَلامٍ تَقَدَّمَ بِهَذا المَعْنى، كَأنَّ قائِلًا قالَ لِلْكافِرِ: إذا مِتَّ يا فُلانُ لَسَوْفَ تُخْرَجُ حَيًّا، فَقَرَّرَ الكَلامَ عَلى الكَلامِ عَلى جِهَةِ الِاسْتِبْعادِ، وكَرَّرَ اللّامَ حِكايَةً لِلْقَوْلِ الأوَّلِ. انْتَهى. ولا يَحْتاجُ إلى هَذا التَّقْدِيرِ ولا أنَّ هَذا حِكايَةٌ لِقَوْلٍ تَقَدَّمَ، بَلْ هَذا مِنَ الكافِرِ اسْتِفْهامٌ فِيهِ مَعْنى الجَحْدِ والإنْكارِ، ومَن قَرَأ (إذا ما) أنْ تَكُونَ حُذِفَتِ الهَمْزَةُ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، وإمّا أنْ يَكُونَ إخْبارًا عَلى سَبِيلِ الهَزْءِ والسُّخْرِيَةِ بِمَن يَقُولُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُرِدْ بِهِ مُطابَقَةَ اللَّفْظِ لِلْمَعْنى. وقَرَأ الجُمْهُورُ (أُخْرَجُ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ الحَسَنُ وأبُو حَيْوَةَ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإيلاؤُهُ، أيْ: وإيلاءُ الظَّرْفِ حَرْفُ الإنْكارِ مِن قِبَلِ أنَّ ما بَعْدَ المَوْتِ هو وقْتُ كَوْنِ الحَياةِ مُنْكَرَةً، ومِنهُ جاءَ إنْكارُهم فَهو كَقَوْلِكَ لِلْمُسِيءِ إلى المُحْسِنِ: أحِينَ تَمَّتْ عَلَيْكَ نِعْمَةُ فُلانٍ أسَأْتَ إلَيْهِ. وقَرَأ أبُو بَحْرِيَّةَ والحَسَنُ وشَيْبَةُ وابْنُ أبِي لَيْلى وابْنُ مُناذِرٍ وأبُو حاتِمٍ ومِنَ السَّبْعَةِ عاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ ونافِعٌ ﴿أوَلا يَذْكُرُ﴾ خَفِيفًا مُضارِعُ ذَكَرَ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِفَتْحِ الذّالِ والكافِ وتَشْدِيدِهِما أصْلُهُ يَتَذَكَّرُ أُدْغِمَ التّاءُ في الذّالِ. وقَرَأ أُبَيٌّ يَتَذَكَّرُ عَلى الأصْلِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الواوُ عاطِفَةٌ (لا يَذْكُرُ) عَلى (يَقُولُ)، ووُسِّطَتْ هَمْزَةُ الإنْكارِ بَيْنَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ وحَرْفِ العَطْفِ. انْتَهى. وهَذا رُجُوعٌ مِنهُ إلى مَذْهَبِ الجَماعَةِ مِن أنَّ حَرْفَ العَطْفِ إذا تَقَدَّمَتْهُ الهَمْزَةُ فَإنَّما عُطِفَ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها، وقُدِّمَتِ الهَمْزَةُ؛ لِأنَّ لَها صَدْرَ الكَلامِ، وكانَ مَذْهَبُهُ أنْ يُقَدَّرَ بَيْنَ الهَمْزَةِ والحَرْفِ ما يَصْلُحُ أنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ ما بَعْدَ الواوِ فَيُقِرَّ الهَمْزَةَ عَلى حالِها، ولَيْسَتْ مُقَدَّمَةً مِن تَأْخِيرٍ وقَدْ رَدَدْنا عَلَيْهِ هَذِهِ المَقالَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب